قصيدتان
الأربعاء / 21 / ربيع الأول / 1446 هـ - 11:15 - الأربعاء 25 سبتمبر 2024 11:15
وادي العيون
كيف صارت الصحراء خالية؟
هل أفرغوها حفنةً حفنةً
إلى دلو بلاستيكي؟
هل مرروا ممحاة
على وجوه الواحات
حتى صارت ظلالًا ممرغة؟
هل طمروا الطرقات أمام القوافل
أم اختطفوا الأدلاء أولًا
فما بقيت بعدهم أدلة؟
لقد شقوا عيونها
- في شدة انفعالها -
بالجرافات
واجتثوا نخيل حاجبيها
سعفةً سعفةً
ونثروا كثبان تجاعيدها
في الهواء
فنسيت عدد سني عمرها
جاءوا بالآلات الجهنمية
تحفر قفصها الصدري
تكسرت مفاصلها
توزعت عظامها
تسعى في لحظات موتها
أن تشغل الفراغ
الفراغ
الذي سكبوه فيها
حفنةً حفنةً
من دلو بلاستيكي
الذي مرغوا به
وجوه الواحات
الذي أسدلوه على الأدلاء
والطرقات
ثم بلونه المسموم
أخفوا ملامحها
وعيونها التي كان لها وادٍ
وشفاهها
التي اختفت من عليها الأسماء
كيف باتت الصحراء خالية؟
أفرغوكم منها أولًا
نفضوها من بساط المخيلة
وفي الكتب
استحالت غبارًا.
جينات
لا يمكنك الوثوق بشخص لا يحب البرتقال
كانت لي صديقة تكره البرتقال
تعصر عينيها جزعًا من رائحته
تقول إنها تفضل العطور
أو رائحة رز محترق
شفاهها المكتنزة لا تحمل أي مشاعر
تجاه العصائر بمرارتها وحلاوتها أو دبقها
حتى أن أسنانها لم تألف عملية تعرية البرتقالة
أو تعرية أي جلد على العموم
أنا أيضًا كانت لي ثمرة كرهتها
في تلك الأيام السحيقة
عندما كنا نجلس على أرض الله
النساء في وضعية بوذا والرجال متقرفصين
نحاصر رأس معزة
يقف فوق جبل من الرز
كشمعة ميلاد
نجتمع في دائرة كحشد فاتته أفعال المقصلة
لكنه قد يشهد لفظة الروح. كنت أحبذ الرأس
- ذاك الملك المغدور محشوًّا بالشموخ -
بأصابعي الطويلة أجره إلى منطقتي
بينما أفرز البصلات الصغيرة بعيدًا عنه
ولدت في بلد يأكل فيه الناس بأعينهم
وبإمكانهم استقدام عمالة تأكل بالنيابة عنهم
فيحافظون على أسنانهم
لارتكاب خطايا أكبر
يتشاكى بعضهم:
كيف تكون الطماطم حمراء
وبلا سكر!
ثم في يوم قرر أبي شراء طاولة طعام:
لم تعد لأصابعنا أماكن تغوص فيها وتحفر
ولا دروبًا تلاحق عبرها حلقات البصل
مستوين على الكراسي جلس الرجال والنساء
بينما ظلت صحيفة اليوم جائعة على الكنبة.
اليوم أقضم البصلة كما لو أنها تفاحة
أو جزرا عصرته أمي
أملًا في إنقاذ عينيَّ
في مهمة مثَّلت الامتحان الأول لأمومتها
سألت أمي الطبيب:
«هل صحيح أن الجزر يساعد؟»
فهز رأسه إيجابًا
لأن في ذهنه الفلاح
ذكّره سؤالُها بنكتة
عن كون الأطفال حميرًا
والأمهات ساحرات
كل يوم راحت تعصر الجزر
بات كل شيء بطعم الجزر
وتفتحت عيناي
إلى رؤى وكوابيس وقصص
عن أم قلبت ابنتها حمارًا
من وقتها لم تحاول أمي إنقاذي ثانيةً
«لا شيء ينفع» تقول،
لم تعد تؤمن بالخضراوات والفواكه
ولا الأمومة والتطبيب.
«لا يمكن علاج الأفواه والأعين» تقول،
«لا تمكن هزيمة الجينات».
منى كريم شاعرة كويتية
كيف صارت الصحراء خالية؟
هل أفرغوها حفنةً حفنةً
إلى دلو بلاستيكي؟
هل مرروا ممحاة
على وجوه الواحات
حتى صارت ظلالًا ممرغة؟
هل طمروا الطرقات أمام القوافل
أم اختطفوا الأدلاء أولًا
فما بقيت بعدهم أدلة؟
لقد شقوا عيونها
- في شدة انفعالها -
بالجرافات
واجتثوا نخيل حاجبيها
سعفةً سعفةً
ونثروا كثبان تجاعيدها
في الهواء
فنسيت عدد سني عمرها
جاءوا بالآلات الجهنمية
تحفر قفصها الصدري
تكسرت مفاصلها
توزعت عظامها
تسعى في لحظات موتها
أن تشغل الفراغ
الفراغ
الذي سكبوه فيها
حفنةً حفنةً
من دلو بلاستيكي
الذي مرغوا به
وجوه الواحات
الذي أسدلوه على الأدلاء
والطرقات
ثم بلونه المسموم
أخفوا ملامحها
وعيونها التي كان لها وادٍ
وشفاهها
التي اختفت من عليها الأسماء
كيف باتت الصحراء خالية؟
أفرغوكم منها أولًا
نفضوها من بساط المخيلة
وفي الكتب
استحالت غبارًا.
جينات
لا يمكنك الوثوق بشخص لا يحب البرتقال
كانت لي صديقة تكره البرتقال
تعصر عينيها جزعًا من رائحته
تقول إنها تفضل العطور
أو رائحة رز محترق
شفاهها المكتنزة لا تحمل أي مشاعر
تجاه العصائر بمرارتها وحلاوتها أو دبقها
حتى أن أسنانها لم تألف عملية تعرية البرتقالة
أو تعرية أي جلد على العموم
أنا أيضًا كانت لي ثمرة كرهتها
في تلك الأيام السحيقة
عندما كنا نجلس على أرض الله
النساء في وضعية بوذا والرجال متقرفصين
نحاصر رأس معزة
يقف فوق جبل من الرز
كشمعة ميلاد
نجتمع في دائرة كحشد فاتته أفعال المقصلة
لكنه قد يشهد لفظة الروح. كنت أحبذ الرأس
- ذاك الملك المغدور محشوًّا بالشموخ -
بأصابعي الطويلة أجره إلى منطقتي
بينما أفرز البصلات الصغيرة بعيدًا عنه
ولدت في بلد يأكل فيه الناس بأعينهم
وبإمكانهم استقدام عمالة تأكل بالنيابة عنهم
فيحافظون على أسنانهم
لارتكاب خطايا أكبر
يتشاكى بعضهم:
كيف تكون الطماطم حمراء
وبلا سكر!
ثم في يوم قرر أبي شراء طاولة طعام:
لم تعد لأصابعنا أماكن تغوص فيها وتحفر
ولا دروبًا تلاحق عبرها حلقات البصل
مستوين على الكراسي جلس الرجال والنساء
بينما ظلت صحيفة اليوم جائعة على الكنبة.
اليوم أقضم البصلة كما لو أنها تفاحة
أو جزرا عصرته أمي
أملًا في إنقاذ عينيَّ
في مهمة مثَّلت الامتحان الأول لأمومتها
سألت أمي الطبيب:
«هل صحيح أن الجزر يساعد؟»
فهز رأسه إيجابًا
لأن في ذهنه الفلاح
ذكّره سؤالُها بنكتة
عن كون الأطفال حميرًا
والأمهات ساحرات
كل يوم راحت تعصر الجزر
بات كل شيء بطعم الجزر
وتفتحت عيناي
إلى رؤى وكوابيس وقصص
عن أم قلبت ابنتها حمارًا
من وقتها لم تحاول أمي إنقاذي ثانيةً
«لا شيء ينفع» تقول،
لم تعد تؤمن بالخضراوات والفواكه
ولا الأمومة والتطبيب.
«لا يمكن علاج الأفواه والأعين» تقول،
«لا تمكن هزيمة الجينات».
منى كريم شاعرة كويتية