الكيان الإسرائيلي والتغطية على الفساد
الثلاثاء / 6 / محرم / 1445 هـ - 23:35 - الثلاثاء 25 يوليو 2023 23:35
تدعي إسرائيل أنها كيان ديمقراطي ونجحت في تسويق هذا المفهوم للغرب تحديدا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث اقتنعت الدول الغربية ليس اقتناعا حقيقيا لكن شكليا بما يتماشى مع قوة اللوبي الصهيوني في تلك الدول، وأيضا الانسجام الثقافي. ومن هنا فإن الذي يدور في الكيان الإسرائيلي خلال هذه الأيام من صراع بين الأجنحة السياسية يعطي مؤشرا أن الكيان الإسرائيلي انكشف بشكل فاضح عندما أصر نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل على إجراء تعديلات جوهرية على قضاء الكيان الإسرائيلي، بحيث يتم تحجيم صلاحيات المحكمة العليا، ويتم نقل تبعية تلك الصلاحيات إلى الكنيست بهدف إصلاح القضاء على حد قول نتنياهو، وهو الأمر الذي فجّر الساحة الإسرائيلية ليس فقط على الصعيد المدني ولكن على الصعيد العسكري، حيث الإضرابات تعم الكيان الإسرائيلي، خاصة تهديد الطيارين وضباط الاحتياط بالامتناع عن العمل. والسؤال لماذا أصر نتنياهو ومناصروه في الحكومة على إقرار تلك التعديلات الجوهرية رغم الاحتجاجات المدنية التي تخطت نصف مليون؟ وما فرص نجاح تلك التعديلات التي أقرها الكنيست وسط انسحاب المعارضة؟ وهل تقديم الاستئناف إلى المحكمة العليا يمكن أن ينسف جهود نتنياهو تحديدا في ظل حكومة هشة؟ يبدو أن الكيان الإسرائيلي مقبل على موجة من الصراع السياسي، خاصة أن الهدف الأساسي من إصرار نتنياهو على تلك التعديلات هو تجنب المحاكمة والاتهامات الموجهة إليه بالفساد، وأن لا يكون مصيره كمصير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أولمرت الذي دخل السجن، ومن هنا يمكن فهم السيناريو الذي جعل نتنياهو وأنصاره في الحكومة يقومون بالتصويت على التعديلات في الكنيست، والتي حصلت على ٦٦ صوتا، وانسحاب المعارضة. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت على خط انتقاد نتنياهو، ورغم حث الرئيس الأمريكي بايدن على عدم التصديق على تلك التعديلات، فإن نتنياهو ينظر إلى مستقبله السياسي أكثر من إرضائه للولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على أن الحسم فيما يخص التعديلات كان فرصة مواتية في ظل الحكومة الحالية والتي قد لا تستمر في السلطة كثيرا نظرا للاحتجاجات المدنية والعسكرية، وعلى ضوء الاستئناف الذي سوف يقدم إلى المحكمة العليا من قبل المعارضة. ومن هنا فإن مسألة الديمقراطية في الكيان الإسرائيلي هي مفهوم شكلي يسوّق للخارج ولكنه انكشف هذه المرة بشكل فاضح، حيث التدخل في صلاحيات المحكمة العليا وإجراء تعديلات جوهرية تجعل الكنيست هو المؤسسة الأهم. ومن هنا فإن الدافع الأكبر هو إنقاذ نتنياهو من المحاكمة في ظل الظروف السياسية وفي ظل سيطرة أنصاره على الحكومة الإسرائيلية. لقد انكشفت إسرائيل بوصفها كيانا عنصريا لا يتورع عدد من مسؤوليه حتى عن التعدي على صلاحيات المحكمة العليا وهي يفترض أن تكون أهم ركن في نظام القضاء الإسرائيلي ومع ذلك تغلبت المصالح والانتهازية في تمرير تلك التعديلات بحجة إصلاح القضاء وهي حجة واهية لا يمكن تصديقها، وهو ما تحدث عنه عدد من المعلقين في إسرائيل. علاوة على أن واشنطن أعربت عن أسفها لما حدث، ويبدو أن العلاقات بين بايدن ونتنياهو سوف تزداد تباعدا وهناك خلافات واضحة. السؤال الآخر ما توقعات المرحلة؟ بمعنى هل ينجح نتنياهو في هدفه الأساسي؟ أم يتم قبول استئناف المعارضة أمام المحكمة العليا؟ كما أن الاحتجاجات الكبيرة داخل إسرائيل قد تشل الاقتصاد خاصة إذا نفذت نقابة العمال الإسرائيلية تهديدها بالإضراب العام، حيث تعد هذه النقابة والتي تعرف باسم الهيدروست هي نقابة عمالية مهمة داخل الكيان الإسرائيلي. كما أن هناك موضوعا حساسا يتعلق بالجيش الإسرائيلي، حيث إن تزايد حالات التمرد والامتناع عن العمل قد يؤدي إلى مشكلات حاسمة، ويؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط حكومة نتنياهو والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة، كما يحدث عادة في السنوات الأخيرة. ولذلك فإن المشهد السياسي في الكيان الإسرائيلي هو مشهد مرتبك كما أن نتنياهو يدرك أن أي انتخابات قادمة قد تنهي مستقبله السياسي ويكون مصيره المحاكمة وربما السجن، خاصة أن قيادات المعارضة أكدوا أن وصولهم للسلطة سوف يعني سقوط تلك التعديلات التي أقرها الكنيست بأغلبية محدودة. إذن السيناريو الذي تم إعداده فيما يخص التعديلات على صلاحيات المحكمة العليا يهدف في جانبه غير المعلن إلى أن يتجنب نتنياهو أي محاكمة في المستقبل. ومن هنا انكشف السيناريو ورفض عشرات الآلاف تلك اللعبة السياسية التي قادها نتنياهو لصالحه ثم تثبيت سلطته ومعه المتطرفون في حكومته التي ارتكبت جرائم بشعة ضد الشعب الفلسطيني ولذلك فإن المشهد مفتوح على كل الاحتمالات وفي التحليل الأخير فإن حكومة نتنياهو لن تستمر كثيرا وقد يكون ذلك السقوط السياسي الأخير له ولحكومته المتطرفة.