آن الأوان لمناقشة إسرائيل في المسكوت عنه
ترجمة: أحمد شافعي
الاثنين / 5 / محرم / 1445 هـ - 22:54 - الاثنين 24 يوليو 2023 22:54
تتصدر إسرائيل العناوين الآن، مثيرة جدلا صاخبا. غير أن موضوعا واحدا يبقى مسكوتا عنه إلى حد كبير، فلنطرحه هنا في حذر: هل حان الوقت للتفكير في الإيقاف التدريجي مستقبلا للمعونة الأمريكية لإسرائيل؟
ليس هذا ضربا لإسرائيل. لكن هل من المنطقي حقا للولايات المتحدة أن تقدم مبلغا هائلا من المال يصل إلى 3.8 مليار دولار سنويا لبلد ثري آخر؟
لا أحسب أن يحدث أي تغير فجائي أو على نحو يخاطر بأمن إسرائيل. وليس الهدف من إعادة التفكير في المعونة الأمريكية هو الاستقواء بورقة ضغط على إسرائيل، وإن كنت أرى أننا يجب أن نكون أشد على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي يجهز على أي أمل في حل الدولتين ويصر ـ بحسب ما يقول رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك على «الدنو بإسرائيل لتصبح نظاما دكتاتوريا فاسدا عنصريا يحطم المجتمع».
بل إن الهدف من فتح هذا الحوار هو أن المعونة الأمريكية لبلد ثري آخر تبدد الموارد الشحيحة وتؤسس علاقة غير صحية فيها ضرر على كلا الجانبين.
إسرائيل الآن لديها مخاوف مشروعة، لكنها ليست في خطر التعرض لغزو من جيوش جيرانها، وهي قياسا إلى عدد السكان أغنى من اليابان ومن بعض دول أوروبا. ومن علامات تغير الزمن أن قرابة ربع صادرات إسرائيل في العام الماضي من السلاح ذهبت إلى دول عربية.
إن مبلغ المعونة السنوية لإسرائيل البالغ 3.8 مليار دولار يمثل أكثر من عشرة أمثال ما تبعثه الولايات المتحدة إلى بلد أكثر سكانا هو النيجر، والنيجر من أفقر بلاد العالم. وفي بلاد من قبيل النيجر، قد ينقذ هذا المبلغ حياة مئات الآلاف من البشر كل عام، بل إنه هنا في الولايات المتحدة قد يساعد في تمويل برامج للطفولة المبكرة نحن في أمس الاحتياج إليها.
توشك المعونة لإسرائيل الآن أن تكون كلها معونة عسكرية يمكن استعمالها فقط في الأسلحة الأمريكية. وفي الواقع، هي ليست معونة لإسرائيل بقدر ما هي دعم خفي للمقاولين العسكريين الأمريكيين، وهو ما يشعر بعض الإسرائيليين بعدم الارتياح إليها.
قال لي يوسي بيلين وهو وزير عدل إسرائيلي سابق إن «إسرائيل يجب أن تتخلى عن المعونة الأمريكية». ورأى أنه يمكن استعمال تلك الأموال بمزيد من الفعالية في مناح أخرى.
ووافقه على ذلك دانيال كورتزر وهو سفير أمريكي سابق لدى إسرائيل.
ففي رسالة إلكترونية كتب إليّ كورتزر أن «اقتصاد إسرائيل قوي بالقدر الكافي لأن يستغني عن المعونة، والدعم الأمني يشوه اقتصاد إسرائيل وينشئ إحساسا زائفا بالتبعية... والمعونة لا توفر للولايات المتحدة نفوذا أو تأثيرا على القرارات الإسرائيلية باستعمال القوة، لأننا نجلس صامتين بينما تنتهج إسرائيل سياسات نعارضها، ونبدو في صورة من ’يمكِّنون’ إسرائيل من الاحتلال».
«والمعونة الأمريكية توفر دعما بمليارات الدولارات يتيح لإسرائيل أن تجتنب خيارات صعبة تتعلق بمواضع إنفاق أموالها فيتيح هذا لإسرائيل أن تنفق المزيد من المال على سياسات نعارضها، من قبيل المستوطنات».
في مرحلة ما من الترشح للرئاسة في الانتخابات الماضية، اقترح بيرني صاندرز وبيتي باتيجيج وإليزابث وارن جميعا أن تكون المعونة لإسرائيل مشروطة. وتبين لاستطلاع رأي لليهود الأمريكيين أن الأغلبية تؤيد المساعدة لكنها تؤثر وضع بعض الضوابط للمعونة بحيث لا يجري استعمالها في توسيع المستوطنات.
ولا ينطبق هذا على الليبراليين فقط. فقد دعا جاكوب سيجل وليل ليبوفيتز أخيرا في مجلة تابلت إلى «قطع المعونة الخانقة» وقالا إن المعونة تفيد أمريكا ومصنّعي السلاح فيها وتقوض الشركات الإسرائيلية.
ثمة حجة مضادة مشروعة مفادها أن أي تقليص للمعونة قد يرى بمثابة تراجع عن الدعم لإسرائيل على نحو قد يغري بالاعتداء على إسرائيل من دول من قبيل إيران على سبيل المثال. ولكن من الممكن تخفيف هذا الخطر عبر تناول الأمر بوصفه نقاشا طويل الأجل لمذكرة التفاهم الثنائية التالية بشأن المعونة، والموعد المستحق لهذا النقاش هو في عام 2028، وسوف تستمر هذه المذكرة لعشر سنوات، كما يمكن تخفيف الخطر أيضا من خلال التوصل إلى اتفاقات أمنية أخرى مع إسرائيل (مثلما اقترح بيلين وكورتزر).
مارتين إنديك ـ سفير أمريكا مرتين لدى إسرائيل ـ يفضل هو الآخر إبرام اتفاقات أمنية جديدة، وقال إن الوقت قد حان لمناقشة إنهاء المعونة.
فقد قال لي إن «إسرائيل تستطيع أن تحتمل ذلك، وسيكون أصح للعلاقة أن تقف إسرائيل على قدميها بمفردها»
المسألة بالطبع حساسة من الناحية السياسية. منذ سنتين لا أكثر، وقع أكثر من 325 عضوا في مجلس النواب رسالة تعارض أي تراجع عن معاونة إسرائيل.
قال جيريمي بن عامي رئيس جماعة جيه ستريت المناصرة إنه «يجب إجراء حوار جاد قبل مذكرة التفاهم التالية حول السبل المثلى لاستعمال 40 مليار دولار أمريكي من أموال دافعي الضرائب. ولكن من الممكن أن نجد أنفسنا لا في نقاش أمني وطني وإنما في مزيج سام من المشاحنات الحزبية والعهر السياسي»
لكنني أعتقد أننا قد نفعل ما هو خير من ذلك لو أننا تناولنا هذا الأمر على نحو بعيد عن الأيديولوجية، وفي صبر، وبرغبة في استكشاف الأصلح لكلا البلدين.
لقد ذهب أهارون ديفيد ميلر ـ الذي عمل لسنين طوال مفاوضا ومحللا في الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ـ إلى منع المعونة عن أي وحدات عسكرية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وقال لي أيضا «في ظل الشروط السليمة، وفي عالم آخر بعيد، بعيد تماما، وفي ظل وجود علاقات أمريكية إسرائيلية جيدة إن لم تكن أفضل، سيجد الطرفان مزايا في الإيقاف التدريجي للمعونة العسكرية بمرور الزمن».
وهذه هي الطريقة التي يجب أن نفكر بها في هذا الأمر، بوصفه حوارا يلزمنا أن نتجه إليه. فسوف نستفيد جميعا من العثور على النضج اللازم لمناقشة المسكوت عنه.
نيكولاس كرستوف انضم إلى نيويورك تايمز سنة 1984، وهو كاتب رأي منذ عام 2001. حصل على جائزتي بوليتزر عن تغطيته للصين وللإبادة الجماعية في دارفور.
خدمة «نيويورك تايمز»
ليس هذا ضربا لإسرائيل. لكن هل من المنطقي حقا للولايات المتحدة أن تقدم مبلغا هائلا من المال يصل إلى 3.8 مليار دولار سنويا لبلد ثري آخر؟
لا أحسب أن يحدث أي تغير فجائي أو على نحو يخاطر بأمن إسرائيل. وليس الهدف من إعادة التفكير في المعونة الأمريكية هو الاستقواء بورقة ضغط على إسرائيل، وإن كنت أرى أننا يجب أن نكون أشد على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي يجهز على أي أمل في حل الدولتين ويصر ـ بحسب ما يقول رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك على «الدنو بإسرائيل لتصبح نظاما دكتاتوريا فاسدا عنصريا يحطم المجتمع».
بل إن الهدف من فتح هذا الحوار هو أن المعونة الأمريكية لبلد ثري آخر تبدد الموارد الشحيحة وتؤسس علاقة غير صحية فيها ضرر على كلا الجانبين.
إسرائيل الآن لديها مخاوف مشروعة، لكنها ليست في خطر التعرض لغزو من جيوش جيرانها، وهي قياسا إلى عدد السكان أغنى من اليابان ومن بعض دول أوروبا. ومن علامات تغير الزمن أن قرابة ربع صادرات إسرائيل في العام الماضي من السلاح ذهبت إلى دول عربية.
إن مبلغ المعونة السنوية لإسرائيل البالغ 3.8 مليار دولار يمثل أكثر من عشرة أمثال ما تبعثه الولايات المتحدة إلى بلد أكثر سكانا هو النيجر، والنيجر من أفقر بلاد العالم. وفي بلاد من قبيل النيجر، قد ينقذ هذا المبلغ حياة مئات الآلاف من البشر كل عام، بل إنه هنا في الولايات المتحدة قد يساعد في تمويل برامج للطفولة المبكرة نحن في أمس الاحتياج إليها.
توشك المعونة لإسرائيل الآن أن تكون كلها معونة عسكرية يمكن استعمالها فقط في الأسلحة الأمريكية. وفي الواقع، هي ليست معونة لإسرائيل بقدر ما هي دعم خفي للمقاولين العسكريين الأمريكيين، وهو ما يشعر بعض الإسرائيليين بعدم الارتياح إليها.
قال لي يوسي بيلين وهو وزير عدل إسرائيلي سابق إن «إسرائيل يجب أن تتخلى عن المعونة الأمريكية». ورأى أنه يمكن استعمال تلك الأموال بمزيد من الفعالية في مناح أخرى.
ووافقه على ذلك دانيال كورتزر وهو سفير أمريكي سابق لدى إسرائيل.
ففي رسالة إلكترونية كتب إليّ كورتزر أن «اقتصاد إسرائيل قوي بالقدر الكافي لأن يستغني عن المعونة، والدعم الأمني يشوه اقتصاد إسرائيل وينشئ إحساسا زائفا بالتبعية... والمعونة لا توفر للولايات المتحدة نفوذا أو تأثيرا على القرارات الإسرائيلية باستعمال القوة، لأننا نجلس صامتين بينما تنتهج إسرائيل سياسات نعارضها، ونبدو في صورة من ’يمكِّنون’ إسرائيل من الاحتلال».
«والمعونة الأمريكية توفر دعما بمليارات الدولارات يتيح لإسرائيل أن تجتنب خيارات صعبة تتعلق بمواضع إنفاق أموالها فيتيح هذا لإسرائيل أن تنفق المزيد من المال على سياسات نعارضها، من قبيل المستوطنات».
في مرحلة ما من الترشح للرئاسة في الانتخابات الماضية، اقترح بيرني صاندرز وبيتي باتيجيج وإليزابث وارن جميعا أن تكون المعونة لإسرائيل مشروطة. وتبين لاستطلاع رأي لليهود الأمريكيين أن الأغلبية تؤيد المساعدة لكنها تؤثر وضع بعض الضوابط للمعونة بحيث لا يجري استعمالها في توسيع المستوطنات.
ولا ينطبق هذا على الليبراليين فقط. فقد دعا جاكوب سيجل وليل ليبوفيتز أخيرا في مجلة تابلت إلى «قطع المعونة الخانقة» وقالا إن المعونة تفيد أمريكا ومصنّعي السلاح فيها وتقوض الشركات الإسرائيلية.
ثمة حجة مضادة مشروعة مفادها أن أي تقليص للمعونة قد يرى بمثابة تراجع عن الدعم لإسرائيل على نحو قد يغري بالاعتداء على إسرائيل من دول من قبيل إيران على سبيل المثال. ولكن من الممكن تخفيف هذا الخطر عبر تناول الأمر بوصفه نقاشا طويل الأجل لمذكرة التفاهم الثنائية التالية بشأن المعونة، والموعد المستحق لهذا النقاش هو في عام 2028، وسوف تستمر هذه المذكرة لعشر سنوات، كما يمكن تخفيف الخطر أيضا من خلال التوصل إلى اتفاقات أمنية أخرى مع إسرائيل (مثلما اقترح بيلين وكورتزر).
مارتين إنديك ـ سفير أمريكا مرتين لدى إسرائيل ـ يفضل هو الآخر إبرام اتفاقات أمنية جديدة، وقال إن الوقت قد حان لمناقشة إنهاء المعونة.
فقد قال لي إن «إسرائيل تستطيع أن تحتمل ذلك، وسيكون أصح للعلاقة أن تقف إسرائيل على قدميها بمفردها»
المسألة بالطبع حساسة من الناحية السياسية. منذ سنتين لا أكثر، وقع أكثر من 325 عضوا في مجلس النواب رسالة تعارض أي تراجع عن معاونة إسرائيل.
قال جيريمي بن عامي رئيس جماعة جيه ستريت المناصرة إنه «يجب إجراء حوار جاد قبل مذكرة التفاهم التالية حول السبل المثلى لاستعمال 40 مليار دولار أمريكي من أموال دافعي الضرائب. ولكن من الممكن أن نجد أنفسنا لا في نقاش أمني وطني وإنما في مزيج سام من المشاحنات الحزبية والعهر السياسي»
لكنني أعتقد أننا قد نفعل ما هو خير من ذلك لو أننا تناولنا هذا الأمر على نحو بعيد عن الأيديولوجية، وفي صبر، وبرغبة في استكشاف الأصلح لكلا البلدين.
لقد ذهب أهارون ديفيد ميلر ـ الذي عمل لسنين طوال مفاوضا ومحللا في الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ـ إلى منع المعونة عن أي وحدات عسكرية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وقال لي أيضا «في ظل الشروط السليمة، وفي عالم آخر بعيد، بعيد تماما، وفي ظل وجود علاقات أمريكية إسرائيلية جيدة إن لم تكن أفضل، سيجد الطرفان مزايا في الإيقاف التدريجي للمعونة العسكرية بمرور الزمن».
وهذه هي الطريقة التي يجب أن نفكر بها في هذا الأمر، بوصفه حوارا يلزمنا أن نتجه إليه. فسوف نستفيد جميعا من العثور على النضج اللازم لمناقشة المسكوت عنه.
نيكولاس كرستوف انضم إلى نيويورك تايمز سنة 1984، وهو كاتب رأي منذ عام 2001. حصل على جائزتي بوليتزر عن تغطيته للصين وللإبادة الجماعية في دارفور.
خدمة «نيويورك تايمز»