لماذا يجب علينا تسييس المناخ؟
السبت / 3 / محرم / 1445 هـ - 22:19 - السبت 22 يوليو 2023 22:19
ترجمة - أحمد شافعي -
بعد بدئه رسميا حملته الرئاسية، سئل رون ديسانتيس عن تغير المناخ. فنحَّى الموضوع جانبا وقال «إنني أرفض دائما تسييس المناخ».
ولكننا بالقطع يجب أن نسيِّس المناخ. من الناحية العملية، قد لا تكون السياسة البيئية موضوعا مركزيا في حملة انتخابات 2024 التي سوف تدور أساسا حول قضايا الاقتصاد والمجتمع. ولكننا نعيش في زمن تتسارع فيه وتيرة الكوارث المتصلة بالمناخ، وينبغي أن يكون تطرف الحزب الجمهوري في مسائل البيئة -إذ إنه أشد عداء للعمل المناخي من أي حزب سياسي آخر في العالم المتقدم- هو أضخم القضايا الانتخابية على الإطلاق لو كنا في جدل سياسي أكثر عقلانية.
أولًا: خلفية بيئية: لم ينصرم علينا من عام 2023 إلا نصفه، ومع ذلك فقد شهدنا بالفعل الكثير من الأحداث المناخية التي كان ينبغي أن تكون صادمة قبل وقت غير بعيد. فعلى المستوى العالمي، كان شهر يونيو الماضي هو أشد الشهور حرارة في التاريخ المسجل. إذ ظلت موجات حارة غير مسبوقة تضرب المنطقة من العالم تلو المنطقة: فشهدت منطقتا جنوب آسيا والشرق الأوسط موجة حارة مهددة للحياة في مايو، وتشهد أوروبا الآن ثاني موجة حارة كارثية في فترة زمنية قصيرة، وتمر الصين بأعلى درجات حرارة مسجلة، وأغلب جنوب الولايات المتحدة يعاني مستويات خطيرة من الحرارة منذ أسابيع، دونما نهاية تلوح في الأفق.
وقد يجد أهل فلوريدا في أنفسهم رغبة إلى الغوص في المحيط طلبًا للانتعاش لولا أن درجات حرارة المحيط قبالة فلوريدا شارفت على مائة درجة فهرنهايت، وهو ما لا يقل كثيرا عن درجة الحرارة في حوض استحمام دافئ.
وفي حين أن درجة الحرارة في بقية أمريكا لم تصل إلى ذلك الحد، فكل من يقطنون الشمال الشرقي يتذكرون كيف أدى الدخان المتصاعد من حرائق الغابات في كندا إلى أيام من الهواء الملوث على نحو خطر والسماء البرتقالية.
لكن الأحداث المناخية المتطرفة كانت دائما جزءا من حياتنا. فهل بوسعنا أن نثبت أن تغير المناخ هو الذي تسبب في أي كارثة بعينها؟ ليس تماما. لكننا نقترب بسرعة من مجال «نسبة الحدث المتطرف» إلى أسبابه الدقيقة. فالنماذج المناخية تشير إلى أن أنواعا محددة من الأحداث المناخية المتطرفة تصبح أرجح حدوثا في كوكب يزداد احترارا، فعلى سبيل المثال، ما كان يعد موجة حارة كنا نمر بها في المتوسط كل بضعة عقود بات حدثا شبه سنوي. بل إن نسبة الأمور إلى أسبابها تقارن بين احتمالات وقوع حدث متطرف في ظل الاحترار العالمي واحتمالات وقوع الحدث نفسه في عالم بغير تغير مناخي.
وبالمناسبة، قد أذهب إلى القول إن نسبة الأحداث المتطرفة إلى أسبابها تكتسب مصداقية من حقيقة أنها لا تحكي دائمًا القصة نفسها، فهي في بعض الأحيان لا تقول إن التغير المناخي هو الجاني. على سبيل المثال، تشير التحليلات الأولية إلى أن تغير المناخ لم يلعب إلا دورا محدودا في الفيضانات الشديدة التي ضربت أخيرا شمال شرق إيطاليا.
غير أن ذلك كان الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. فبصفة عامة تشير تحاليل النسبة إلى أن الاحترار العالمي زاد من احتمالية وقوع كوارث السنين الأخيرة. ليست لدينا حتى الآن تقديرات لأحدث سلسلة من الكوارث الجارية، لكن يبدو أنه لا مشاحة في القول إن هذه السلسلة العالمية من الأحداث المناخية المتطرفة كانت لتستحيل تمامًا لولا تغير المناخ. ومن المؤكد تقريبا أن هذه هي محض حافة الأزمة، وأنها ليست أكثر من مقدمة بسيطة لكوارث كثيرة في الطريق.
وهذا هو ما يرجع بنا إلى «تسييس المناخ». لا ينبغي أن يكون القلق من الأزمة المناخية قضية اختلاف حزبي. لكنها كذلك، في بلدنا هذا على الأقل. اعتبارا من العام الماضي، كان 22% من الأمريكيين الذين يعدون أنفسهم منتمين إلى اليمين السياسي يرون أن التغير المناخي خطر كبير، فكانت فجوة اليسار واليمين أكبر بكثير منها في بلاد أخرى. وفي أمريكا وحدها ترى أشياء من قبيل أن الجمهوريين في تكساس يحاولون بنشاط تقويض قطاع الطاقة المتجددة المزدهر في ولايتهم.
الأمر اللافت في الإنكار المناخي هو أن الحجج لم تتبدل على الإطلاق منذ سنين: لا يوجد تغير مناخي قائم، أوكيه، بل هو قائم، ولكنه ليس بالشيء السيئ الذي يتكلمون عنه، علاوة على أن عمل أي شيء بشأنه سوف يكون كارثة اقتصادية.
ولا أحد يعدل عن شيء من هذه الحجج في مواجهة الدليل. ففي المرة التالية التي تحدث فيها موجة باردة في مكان ما من أمريكا، سوف يؤكد المشتبهون المعتادون مرة أخرى أن تغير المناخ محض خدعة. إن التقدم التكنولوجي المذهل في مجال الطاقة المتجددة، والذي يجعل الطريق إلى خفض الانبعاثات خفضا كبيرا يبدو الآن أسهل مما يتخيل المتفائلون، لم يوقف الادعاءات بأن تكاليف سياسة المناخ لإدارة بايدن ستكون غير قابلة للدعم.
لذلك لا ينبغي أن نتوقع حدوث موجات حرارة قياسية حول العالم لإنهاء التأكيدات بأن تغير المناخ، حتى لو أنه يحدث، ليس بالمشكلة الكبيرة. ولا ينبغي أن نتوقع من الجمهوريين أن يخففوا من معارضتهم للعمل المناخي، بغض النظر عما يحدث في العالم.
ما يعنيه هذا هو أنه في حال فوز الحزب الجمهوري بالسيطرة على البيت الأبيض والكونجرس العام المقبل، فمن المؤكد تقريبًا أنه سيحاول تفكيك مجموعة سياسات دعم الطاقة الخضراء التي استحدثتها إدارة بايدن ويعتقد الخبراء أنها ستؤدي إلى خفض كبير في الانبعاثات.
المناخ، شئنا ذلك أم أبينا، قضية سياسية. ويجب أن يعي الأمريكيون أنها من أهم القضايا التي سيصوتون عليها في نوفمبر المقبل.
بول كروجمان كاتب عمود آراء في واشنطن بوست منذ عام 2000 وأستاذ متميز في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك. حصل على جائزة نوبل التذكارية لعام 2008 في العلوم الاقتصادية لعمله في التجارة الدولية والجغرافيا الاقتصادية.
الترجمة عن «نيويورك تايمز»
بعد بدئه رسميا حملته الرئاسية، سئل رون ديسانتيس عن تغير المناخ. فنحَّى الموضوع جانبا وقال «إنني أرفض دائما تسييس المناخ».
ولكننا بالقطع يجب أن نسيِّس المناخ. من الناحية العملية، قد لا تكون السياسة البيئية موضوعا مركزيا في حملة انتخابات 2024 التي سوف تدور أساسا حول قضايا الاقتصاد والمجتمع. ولكننا نعيش في زمن تتسارع فيه وتيرة الكوارث المتصلة بالمناخ، وينبغي أن يكون تطرف الحزب الجمهوري في مسائل البيئة -إذ إنه أشد عداء للعمل المناخي من أي حزب سياسي آخر في العالم المتقدم- هو أضخم القضايا الانتخابية على الإطلاق لو كنا في جدل سياسي أكثر عقلانية.
أولًا: خلفية بيئية: لم ينصرم علينا من عام 2023 إلا نصفه، ومع ذلك فقد شهدنا بالفعل الكثير من الأحداث المناخية التي كان ينبغي أن تكون صادمة قبل وقت غير بعيد. فعلى المستوى العالمي، كان شهر يونيو الماضي هو أشد الشهور حرارة في التاريخ المسجل. إذ ظلت موجات حارة غير مسبوقة تضرب المنطقة من العالم تلو المنطقة: فشهدت منطقتا جنوب آسيا والشرق الأوسط موجة حارة مهددة للحياة في مايو، وتشهد أوروبا الآن ثاني موجة حارة كارثية في فترة زمنية قصيرة، وتمر الصين بأعلى درجات حرارة مسجلة، وأغلب جنوب الولايات المتحدة يعاني مستويات خطيرة من الحرارة منذ أسابيع، دونما نهاية تلوح في الأفق.
وقد يجد أهل فلوريدا في أنفسهم رغبة إلى الغوص في المحيط طلبًا للانتعاش لولا أن درجات حرارة المحيط قبالة فلوريدا شارفت على مائة درجة فهرنهايت، وهو ما لا يقل كثيرا عن درجة الحرارة في حوض استحمام دافئ.
وفي حين أن درجة الحرارة في بقية أمريكا لم تصل إلى ذلك الحد، فكل من يقطنون الشمال الشرقي يتذكرون كيف أدى الدخان المتصاعد من حرائق الغابات في كندا إلى أيام من الهواء الملوث على نحو خطر والسماء البرتقالية.
لكن الأحداث المناخية المتطرفة كانت دائما جزءا من حياتنا. فهل بوسعنا أن نثبت أن تغير المناخ هو الذي تسبب في أي كارثة بعينها؟ ليس تماما. لكننا نقترب بسرعة من مجال «نسبة الحدث المتطرف» إلى أسبابه الدقيقة. فالنماذج المناخية تشير إلى أن أنواعا محددة من الأحداث المناخية المتطرفة تصبح أرجح حدوثا في كوكب يزداد احترارا، فعلى سبيل المثال، ما كان يعد موجة حارة كنا نمر بها في المتوسط كل بضعة عقود بات حدثا شبه سنوي. بل إن نسبة الأمور إلى أسبابها تقارن بين احتمالات وقوع حدث متطرف في ظل الاحترار العالمي واحتمالات وقوع الحدث نفسه في عالم بغير تغير مناخي.
وبالمناسبة، قد أذهب إلى القول إن نسبة الأحداث المتطرفة إلى أسبابها تكتسب مصداقية من حقيقة أنها لا تحكي دائمًا القصة نفسها، فهي في بعض الأحيان لا تقول إن التغير المناخي هو الجاني. على سبيل المثال، تشير التحليلات الأولية إلى أن تغير المناخ لم يلعب إلا دورا محدودا في الفيضانات الشديدة التي ضربت أخيرا شمال شرق إيطاليا.
غير أن ذلك كان الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. فبصفة عامة تشير تحاليل النسبة إلى أن الاحترار العالمي زاد من احتمالية وقوع كوارث السنين الأخيرة. ليست لدينا حتى الآن تقديرات لأحدث سلسلة من الكوارث الجارية، لكن يبدو أنه لا مشاحة في القول إن هذه السلسلة العالمية من الأحداث المناخية المتطرفة كانت لتستحيل تمامًا لولا تغير المناخ. ومن المؤكد تقريبا أن هذه هي محض حافة الأزمة، وأنها ليست أكثر من مقدمة بسيطة لكوارث كثيرة في الطريق.
وهذا هو ما يرجع بنا إلى «تسييس المناخ». لا ينبغي أن يكون القلق من الأزمة المناخية قضية اختلاف حزبي. لكنها كذلك، في بلدنا هذا على الأقل. اعتبارا من العام الماضي، كان 22% من الأمريكيين الذين يعدون أنفسهم منتمين إلى اليمين السياسي يرون أن التغير المناخي خطر كبير، فكانت فجوة اليسار واليمين أكبر بكثير منها في بلاد أخرى. وفي أمريكا وحدها ترى أشياء من قبيل أن الجمهوريين في تكساس يحاولون بنشاط تقويض قطاع الطاقة المتجددة المزدهر في ولايتهم.
الأمر اللافت في الإنكار المناخي هو أن الحجج لم تتبدل على الإطلاق منذ سنين: لا يوجد تغير مناخي قائم، أوكيه، بل هو قائم، ولكنه ليس بالشيء السيئ الذي يتكلمون عنه، علاوة على أن عمل أي شيء بشأنه سوف يكون كارثة اقتصادية.
ولا أحد يعدل عن شيء من هذه الحجج في مواجهة الدليل. ففي المرة التالية التي تحدث فيها موجة باردة في مكان ما من أمريكا، سوف يؤكد المشتبهون المعتادون مرة أخرى أن تغير المناخ محض خدعة. إن التقدم التكنولوجي المذهل في مجال الطاقة المتجددة، والذي يجعل الطريق إلى خفض الانبعاثات خفضا كبيرا يبدو الآن أسهل مما يتخيل المتفائلون، لم يوقف الادعاءات بأن تكاليف سياسة المناخ لإدارة بايدن ستكون غير قابلة للدعم.
لذلك لا ينبغي أن نتوقع حدوث موجات حرارة قياسية حول العالم لإنهاء التأكيدات بأن تغير المناخ، حتى لو أنه يحدث، ليس بالمشكلة الكبيرة. ولا ينبغي أن نتوقع من الجمهوريين أن يخففوا من معارضتهم للعمل المناخي، بغض النظر عما يحدث في العالم.
ما يعنيه هذا هو أنه في حال فوز الحزب الجمهوري بالسيطرة على البيت الأبيض والكونجرس العام المقبل، فمن المؤكد تقريبًا أنه سيحاول تفكيك مجموعة سياسات دعم الطاقة الخضراء التي استحدثتها إدارة بايدن ويعتقد الخبراء أنها ستؤدي إلى خفض كبير في الانبعاثات.
المناخ، شئنا ذلك أم أبينا، قضية سياسية. ويجب أن يعي الأمريكيون أنها من أهم القضايا التي سيصوتون عليها في نوفمبر المقبل.
بول كروجمان كاتب عمود آراء في واشنطن بوست منذ عام 2000 وأستاذ متميز في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك. حصل على جائزة نوبل التذكارية لعام 2008 في العلوم الاقتصادية لعمله في التجارة الدولية والجغرافيا الاقتصادية.
الترجمة عن «نيويورك تايمز»