الموجات فوق الصوتية تقاوم الأمراض والشيخوخة !
الثلاثاء / 29 / ذو الحجة / 1444 هـ - 11:42 - الثلاثاء 18 يوليو 2023 11:42
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
تخيل جهازًا طبيًا يستطيع علاج مجموعة هائلة من الأمراض التي تصيبنا، الكبيرة منها والصغيرة، جهازٌ صغير أظهر نتائج واعدة في القضاء على الأورام السرطانية أو القضاء على دهون الجسم المصاحبة للسمنة، أو من المحتمل أن يكون فعالًا في علاج آلام الظهر والجلوكوما، وهو متعدد الاستخدامات لدرجة اعتباره أداة تستعمل لعلاج الاكتئاب أو القلق. سوف تندهش إذا علمت أن هذه التقنية موجودة، وستندهش أكثر أنها تعمل ببساطة عن طريق توليد موجات صوتية.
على الرغم من أن تقنية الموجات فوق الصوتية تستعمل بصورة شائعة في التصوير الطبي، فقد برزت في العقود الأخيرة كأداة طبية متعددة الاستعمال، فباستخدام الحرارة التي تولدها الموجات فوق الصوتية الشديدة، يمكننا تدمير الأورام أو الأنسجة الأخرى التي تسبب مشاكل في أعماق الجسم دون إجراء أي شقوق جراحيّة، وفي الوقت ذاته، إذا قللنا من شدة هذه الموجات، يمكننا الوصول إلى الدماغ بشكل غير مسبوق عن طريق إجراء هزات لخلايا الدماغ لتغيير سلوكها بطرق يبدو أنها تحسن الصحة العقلية، ولتتأكد أيها القارئ من فعالية هذه التقنية، فإن الموجات فوق الصوتية قد تعكس علامات الشيخوخة الجسدية، وتقلل مشاكل صعوبات التعلم وضعف الذاكرة المرتبط بالشيخوخة.
يقول (نير ليبسمان) من معهد صنيبروك للأبحاث في تورنتو في كندا: «إنّ تقنية الموجات فوق الصوتية هي بالفعل أداة منتشرة في كل مكان في الحقل الطبي، ولكن هناك تركيز هائل عليها الآن بسبب الطرق المتعددة التي يمكن استخدامها لعلاج المشاكل الطبية المتنوعة». تتزايد التطبيقات المحتملة لاستعمال هذه التقنية بسرعة لدرجة أنها تفوق قدرتنا على فهم سبب فعاليتها، والسؤال المطروح الآن هو: هل يمكننا معرفة كيف تؤثر الموجات فوق الصوتية على خلايانا حتى نتمكن من الوصول إلى أقصى إمكاناتها؟
إن أشعة الموجات فوق الصوتية، وهي صوت عالي التردد تصل سرعته فوق 20 كيلوهرتز - يستخدم على نطاق واسع في التصوير الطبي، لكننا نعلم منذ عقود أنها يمكن أن تفعل أكثر من ذلك بكثير، ففي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، اكتشف (ويليام وفرانسيس فراي) من جامعة إلينوي أن الموجات فوق الصوتية يمكن أن تعمل أيضًا كأداة جراحية، وذلك بعد أن طور الأخوان جهازًا يسلط الموجات فوق الصوتية من عدة اتجاهات على بقعة واحدة داخل النسيج، وقد أدت الحرارة الموضعية إلى توليد خلايا مدمرة في الموقع المستهدف مع عدم إصابة الأنسجة المحيطة بالموقع بأي أذى.
بحلول أوائل الستينيات، كان الأخوان فراي وزملاؤهما يستخدمون الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة لاستهداف وتدمير الأنسجة الضارة في دماغ الإنسان لعلاج الأعراض المرتبطة بمرض الشلل الرعاشي (باركنسون)، وقد حققوا شيئا من النجاح. يقول (وين لِجون) من جامعة فرجينيا للتقنيّة: «يمكنك تركيز الموجات فوق الصوتية بأطوال موجية مختلفة، وبذلك تستطيع استهداف مناطق أعمق من الدماغ بطرق لا تستطيعها باستخدام تقنيات أخرى».
وقد توالت المزيد من التطبيقات في وقت لاحق في القرن العشرين، إذ بدأ بعض الباحثين في استكشاف ما إذا كانت الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة يمكن أن تدمر الأورام السرطانية، سواء في الحيوانات أم في البشر، فيما بدأ آخرون في استخدامها في جراحة العيون.
لقد كان كل ذلك غيضا من فيض، أما اليوم فإنّ نطاق التطبيقات المحتملة لهذه التقنية استثنائي حقًا، فإلى جانب استخدامها لعلاج أنواع مختلفة من السرطان، بما في ذلك سرطان البروستاتا، هناك أدلة على أنه يمكن استخدام الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة لعلاج آلام الظهر، وتُظهر التجارب قبل السريرية أن هذه التقنية يمكنها تدمير دهون الجسم تحت الجلد، مما يشير إلى إمكانية استخدامها في علاج السمنة. ومقابل بضعة ريالات، يمكن لأي شخص شراء نظام شخصي لتقنية الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة مصمم لعلاج التجاعيد. (انظر كتاب «بشرة أكثر نعومة» صفحة 34). يقول (لِجون): «إن الميزة التي تتميز بها تقنية الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة هي إمكانية استخدامها لأغراض مختلفة كونها غير جراحية، وتتميز أيضا بدقة إصابتها للهدف».
إنّ دقة هذه التقنية تجعلها مفيدة بشكل خاص في علاج مشاكل الدماغ. عندما بدأ الأخوان فراي وزملاؤهما في استخدام هذه التقنية في علاج مرض الشلل الرعاشي (باركنسون) لأول مرة، كان من الضروري إزالة قطعة صغيرة من الجمجمة لأنها تشكل حاجزا عن تركيز الموجات فوق الصوتية. لكن منذ حوالي 30 عامًا، تغلب الباحثون على هذه العقبة حيث طوروا أجهزة أكثر تقدمًا يمكنها استعمال الموجات فوق الصوتية للتحكم في سمك جمجمة الفرد، مما يعني أنه لم يعد من الضروري إزالة أي عظم. سمح هذا التطور للباحثين بتجربة الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة كعلاج لمجموعة أوسع من الحالات، فعلى سبيل المثال يمكن أن تساعد هذه الموجات في علاج اضطراب الوسواس القهري عن طريق استهداف مناطق صغيرة من (الجهاز الحوفي) في الدماغ، الذي يقوم بدور في التحكم بالعواطف.
يقول (ليبسمان) إن قائمة تطبيقات الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة قد تطول، «شريطة أن تعرف أين تستهدف الموجات فوق الصوتية للحصول على التأثيرات التي تحتاجها».
هناك جانب آخر للموجات فوق الصوتية. بالعودة إلى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وعندما كان الأخوان فراي يطوران تقنيتهما، توصلوا إلى اكتشاف آخر. عندما خفضوا شدة الموجات فوق الصوتية، لاحظوا تغييرا في الطريقة التي تتصرف بها الخلايا دون تدميرها. على سبيل المثال، أظهرت الاختبارات التي أجريت على القطط أن تطبيق ما أصبح يعرف باسم الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة على منطقة من الدماغ مختصة في وظيفة البصر، وهي ما تسمى طبيا (النواة الربيبية الجانبية)، قلل مؤقتًا من قدرة الحيوانات على الاستجابة للضوء.
يقول لِجون: «كان هذا بحثًا رائدًا» لكن، لسبب ما، كانت فكرة التلاعب بالخلايا باستخدام الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة «لم تبدأ بصورة حقيقية أبدا» حتى عام 2010، عندما أظهر (ويليام تايلر) من جامعة ولاية أريزونا وزملاؤه أن الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة التي تم تسليطها على منطقة القشرة الحركية في أدمغة الفئران تسببت في ارتعاش مخالبها أو ذيولها، وقد أشار هذا إلى أن هذا النوع من الموجات فوق الصوتية يمكن أن يحفز الخلايا العصبية في منطقة دقيقة من الدماغ دون الحاجة إلى أقطاب كهربائية مزروعة جراحيًا. يقول لجون: «بدأ الناس يشعرون بالحماس حيال هذا الأمر من جديد».
في غضون بضع سنين، كان (تايلر ولجون) وزملاؤهم يستكشفون تأثيرات الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة على البشر، فقد سلطت هذه الموجات على القشرة الحسية الجسدية، وهي منطقة من الدماغ تتلقى إشارات من الجلد، مما أدى إلى تحسين حساسية الجلد لدى المتطوعين لإجراء التجربة. وعند تسليطها على القشرة الرئيسية للجهاز الحركي في الدماغ، زادت مدة ردة الفعل ببضع أجزاء من الألف من الثانية، وبفضل هذه الاكتشافات،
يستكشف الباحثون الآن ما إذا كان بإمكان الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة تعديل سلوك خلايا الدماغ لمعالجة مجموعة من الحالات. تجري العديد من التجارب السريرية لاستكشاف ما إذا كانت هذه الموجات تشكل علاجًا فعالًا للاكتئاب أو القلق أو الصرع أو اضطراب ما بعد الصدمة. في غضون ذلك، بدأ (لِجون) تجربة سريرية العام الماضي لمعرفة الطريقة التي يمكن أن تساعد بها الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة الأشخاص في إدارة الألم. يقول الباحث إن النتائج المبكرة مشجعة، إلا أن هناك الكثير مما يجب فعله قبل أن يصبح علاجًا قابلا للتطبيق. بدأت الفئران المسنة التي تعرضت للموجات فوق الصوتية منخفضة التردد تتصرف مثل الفئران الشابة.
هناك استعمال آخر للموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة يثير جدلا واسعا، فالموجات فوق الصوتية ليست مفيدة في معالجة الخلايا فحسب، بل يمكن استخدامها أيضًا لفتح الغشاء الواقع بين الدم والدماغ، إذ يحيط هذا الغشاء شبه النفاذ بالنظام الخاص بالأوعية الدموية في الدماغ، ويمنع مسببات الأمراض والمواد الأخرى الموجودة في الدم من العبور إلى الأنسجة العصبية، وتكمن المشكلة في أن هذا الغشاء يمنع أيضا حوالي 98 في المائة من الأدوية من الدخول إلى الدماغ، وهو ما كان يشكل عقبة لفترة طويلة أمام علاج الحالات المرضية التي تصيب هذا الجزء من الجسم، بما في ذلك السرطان ومرض الزهايمر.
على مدار العشرين عامًا الماضية، بدأ الباحثون في استغلال حقيقة مفادها أن الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة تسبب اهتزازا لأي شيء يقع في نطاق تركيزها، وهم يحقنون الآن مجرى الدم بفقاعات دقيقة بعرض يتراوح ما بين نصف مايكرومتر إلى مايكرومتر واحد مملوءة بالهواء أو غاز آخر، ثم يستخدمون هذه الموجات لتحريك الفقاعات أثناء مرورها عبر الأوعية الدموية في الدماغ، مما يؤدي إلى انفجار الفقاعات التي تنتج موجة صدمة تؤدي إلى تعطيل عمل الغشاء الواقع بين الدم والدماغ مؤقتا، مما يسمح للأدوية أو الجزيئات الأخرى بدخول أنسجة المخ.
كان (ليبسمان) جزءًا من فريق استعمل هذه التقنية لأول مرة لفتح الغشاء الواقع بين الدم ودماغ الإنسان في عام 2015، ومنذ ذلك الحين، استعملت هذه التقنية في التجارب السريرية لعلاج أورام الدماغ. يعمل (جيفري كوردور) من جامعة ولاية أريزونا على استعمال الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة والفقاعات الدقيقة لجلب التقنيات الجينيّة إلى الدماغ لعلاج مرض باركنسون. ومع أن فريق (كورودو) لم يصل إلى هذه المرحلة بعد، إلا أنه يقول إن هذا النهج العلاجي له مستقبل واعد.
يقول (جيفري كوردور): «بمجرد أن نصل إلى المرحلة التي يمكننا فيها الحصول على علاجات جينية محددة عبر الغشاء الواقع بين الدم والدماغ، يمكن أن يكون علاجًا نهائيا للعديد من الأمراض العصبية التي في حال عدم علاجها قد يؤدي إلى موت الخلايا العصبية».
نظرًا لأن هذا الغشاء ذو اتجاهين، فإن فتحه يوفر أيضًا فرصة لطرد البروتينات الضارة والمواد الأخرى المتراكمة في الدماغ. استخدم (يورجِن غوتز) من جامعة (كوينزلاند) بأستراليا وزملاؤه شكلا من أشكال الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة مع الفقاعات الدقيقة لإزالة رواسب بروتين الأمالويد المرتبطة بمرض الزهايمر من فئران عُدّلت جينيا حتى تصاب بالزهايمر.
في غضون ذلك، يستخدم (ليبسمان) حاليًا تركيبة الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة مع الفقاعات الدقيقة لضخ علامات الحمض النووي بشكل نشط من ورم الأرومة الدبقية المتعدد عبر الغشاء الواقع بين الدم والدماغ وفي مجرى الدم العام. من هناك، يسهل على الأطباء أخذ عينات منها لمراقبة استجابة الفرد لعلاج السرطان. يقول ليبسمان: «نجري حاليًا تجربة أولية على البشر، وإذا نجحت، فقد تفتح لنا طريقا جديدا لمراقبة تطور المرض في الدماغ».
على كل حال، فإن التطورات الأخيرة مع الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة ربما تكون الأكثر إثارة للدهشة، إذ إنها يمكن أن تجدد خلايا الدماغ ويحتمل أن تعكس علامات الشيخوخة في مناطق أخرى من جسم الإنسان.
مع تقدم الثدييات في العمر، تفقد أدمغتها القدرة على معالجة المعلومات الجديدة، مما يوجد مشاكل في القدرة على التعلم والذاكرة، ومن هنا تساءل (غوتز) وفريقه عما إذا كان بإمكان الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة المساعدة في عكس هذا التراجع. كانت فكرتهم هي استخدامه، جنبًا إلى جنب مع الفقاعات الدقيقة، لفتح الغشاء الواقع بين الدم والدماغ والسماح بدخول مجموعة من المواد التي تنتقل عن طريق الدم والتي لم يتم التعرف عليها بعد. يبدو أن هذه المنتجات تساعد في تحسين أداء الخلايا بطرق متعددة من بينها إزالة تجمعات البروتينات من الدماغ.
أكدت الدراسات التي أجريت على الفئران صحة فكرة (غوتز) وفريقه إلى حد ما، فقد حصلت الفئران التي فتح غشاؤها الواقع بين الدم والدماغ باستخدام هذه التقنية بالفعل على النتائج المتوقعة في أداء خلايا الدماغ. لكنّ غوتز وزملاءه تفاجأوا عندما اكتشفوا أن مجموعة من الفئران التي سلطت عليها الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة وحدها (في حين ظل الغشاء الواقع بين الدم والدماغ فيها مغلقًا) كان حالها أفضل، حيث استعادت الاستجابة العصبية طويلة المدى حيويتها في هذه الفئران، كما تحسنت أيضًا قدرتها على تعلم معلومات جديدة عن بيئتها، بينما لم تُشاهد هذه القدرة التعليمية في الفئران التي فُتحَ الغشاء الواقع بين الدم والدماغ فيها - وليس واضحا السبب وراء ذلك.
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»
يقول (غوتز): «كان الأمر رائعًا للغاية»، وقد دفعه البحث هو وزملاؤه إلى التفكير في تجربة هذه التقنية على كبار السن لمعرفة ما إذا كانت لها تأثيرات مماثلة على عملية التعلم.
قام (مايكل شيتز) من الفرع الطبي بجامعة تكساس وزملاؤه باكتشافات مثيرة للاهتمام بالمثل، ففي دراسة نُشرت على الإنترنت في أواخر العام الماضي، وجدوا أن وضع الخلايا الحيوانية المسنة - أو «الشائخة» - في طبق من الموجات فوق الصوتية منخفضة التردد يعمل على تجديدها، ويشجعها على النمو والانقسام بطريقة مماثلة للخلايا صغيرة السن. ومن اللافت للنظر أن التأثيرات بدت وكأنها تنتقل لتحدث في حيوانات كاملة، فالفئران المسنة الموضوعة في حمام من الماء الدافئ والمعرضة للموجات فوق الصوتية منخفضة التردد بدأت تتصرف مثل الفئران الصغيرة. في إحدى الحالات، بدأ الفأر المصاب بانحناء في الظهر ومشاكل في الحركة في التحرك بشكل طبيعي مرة أخرى بعد العلاج.
يقول (شيتز): «أعترف لكم بأنني لم أصدق أن ما توصلنا إليه كان جيدا جدًا لهذه الدرجة، لكن النتائج تتحدث عن نفسها، فكما يبدو فإن الموجات فوق الصوتية تعيد الشباب لهذه الحيوانات، وما تبقى الآن هو ما إذا كان يمكن أن يحدث الشيء نفسه مع البشر.»
يخطط (شيتز) الآن لإجراء تجربة تشمل الأشخاص المصابين بهشاشة العظام أو مرض السكري، وكلا الحالتين يمكن أن تكون مرتبطة بالخلايا الشائخة، ولكن حتى عندما يبدأ الباحثون في تخيل التطبيقات السريرية، سيبقون في حيرة من أمرهم حول كيفية إنتاج الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة، والموجات فوق الصوتية منخفضة التردد بشكل عام - لمثل هذه النتائج الرائعة.
يقول لجون: «هل هي آلية ميكانيكية؟ آلية فيزيائية؟ حرارية؟ ما الذي تفعله بالضبط؟ لا يزال هذا قيد الدراسة».
يشك (لجون) في أن القوى الميكانيكية هي المهمة. ونظرًا لأن الموجات فوق الصوتية منخفضة الكثافة تغسل الخلايا، فإنها تسبب تغييرات بسيطة في الضغط داخل الأنسجة، وتشير الأبحاث إلى أن هذا يمكن أن يؤثر على بعض المستقبلات الحسية في خلايا الدماغ، مما يؤثر على سلوك الخلايا وتواصلها مع بعضها البعض. يعتقد (شيتز) أن الأمر مختلف في الفئران، فهو يتوقع أن تغيرات الضغط من الموجات فوق الصوتية يمكن أن تدفع وتسحب الخلايا الشائخة، مما يمنحها نوعًا من التمرين البدني، وهذا بدوره ينشط عملية خاملة تسمى الالتهام الذاتي التي تسمح للخلايا بالتخلص من مواد فيها تعمل بشكل سيء، وبالعودة إلى نظام العمل الجيد.
يضيف (شيتز) أن «أحد العوامل الرئيسية للشيخوخة هو أن عملية الالتهام الذاتي معطلة، وأنه يبدو أن الموجات فوق الصوتية تعمل بطريقة ما على تنشيط مسار الالتهام الذاتي في الخلايا الشائخة، مما يسمح للخلايا بتنظيف نفسها والعودة إلى ممارسة سلوكها الطبيعي.» هناك آليات أخرى مقترحة، من بينها دراسة أجريت عام 2019 تقول أن الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة تؤثر على أنسجة المخ عبر خلايا دماغية على شكل نجمة تسمى الخلايا النجمية والتي، من بين وظائفها، توفير الدعم للخلايا العصبية.
مدة التأثير
في مراجعة نُشرت في وقت سابق من هذا العام، قال (جوتز وزملاؤه) إن إحدى هذه الفرضيات أو جميعها يمكن أن تكون صحيحة، «وإنه اعتمادًا على نوع الموجات فوق الصوتية التي تستخدم، وعلى الجزء المستهدف من الدماغ، وعلى نوعية المرض الموجود، قد ترى تأثيرات مختلفة».
يقول (لجون) إنه حتى لو فهمنا الطريقة التي تعمل بها الموجات فوق الصوتية منخفضة التردد، هناك عوائق أخرى يجب التغلب عليها قبل أن تكون هذه التقنية متوفرة في المستشفيات، منها الفترة التي تستمر فيها آثار هذه العلاجات. يضيف (لجون) أن «الكثير من الأبحاث الحالية تُظهر أن التأثيرات تستمر لمدة ساعة، وربما ساعتين، بناء على المدة التي يتم فيها تسليط الموجات فوق الصوتية، وأنه لكي ننتقل إلى التجارب السريرية، لا بد أن نحصل على تأثير لمدة أطول.»
وحتى الفئران التي أعاد (شيتز) لها شبابها، فإنه يقول إنها تعود بسرعة إلى حالتها الضعيفة بمجرد توقفها عن تلقي الموجات فوق الصوتية، معلقا «أننا لا يمكننا تقديم علاج واحد يمكنه حل جميع هذه المشاكل».
لكن لجون لا يزال متفائلاً، ويقول إنه عندما تنظر إلى الطرق الأخرى للتأثير على سلوك الخلية، مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، فقد استغرق الأمر عقودًا طويلة من أجل تطوير التقنية ومساعدتها في الوصول إلى إمكاناتها الكاملة.
يقول (ليبسمان) إن التطوير يستغرق وقتًا طويلاً بسبب وجود العديد من المتغيرات، منها اختلاف قوة العلاج ومدته، مضيفا أن تعدد استخدامات هذه التكنولوجيا سيفٌ ذو حدين». لكنه يعتقد أن الفائدة في النهاية تستحق الجهد المبذول، وأنه «من خلال هذه التقنية يمكننا تسريع وتيرة حل الكثير من الأمراض. إنّ الموجات فوق الصوتية تحمل مستقبلا واعدا.»
جلد أنعم
إن مستقبل استعمال الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة لا يقتصر على علاج مجموعة من الأمراض الطبية، (انظر الموضوع الرئيسي)، بل تشير الدراسات إلى أنها تتمتع أيضًا بالقدرة على تجديد شباب الجلد من خلال توفير شد الوجه غير الجراحي الذي تنافس نتائجه العمليات الجراحية. تولد الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة حرارة في النسيج الضام تحت الجلد، فينتج الجسم جزيئات التئام الجروح التي تعيد تشكيل بروتين الكولاجين في هذا النسيج وتشدد ترهل الفكيْن. الدراسات ليست قطعية في هذا المجال، لذلك تحتاج إلى مزيد من الدعم، ولكن في تجربة واحدة غير عشوائية لجهاز الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة يستخدمه أطباء الجلد، أفاد ما يقرب من ثلثي المشاركين بوجود شد ملحوظ في الخد والفك بحضور مجموعة من المقيّمين المستقلين، مع ملاحظة تحسن في 60 في المائة من المجموعة.
اليوم، أجهزة الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة الأقل قوة متاحة للبيع مباشرة للمستهلكين، وتشير دراسة نشرت العام الماضي إلى أنها يمكن أن تقلل التجاعيد في الفئران – إلا أنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت هذه الأجهزة لها التأثير نفسه مع البشر.
تخيل جهازًا طبيًا يستطيع علاج مجموعة هائلة من الأمراض التي تصيبنا، الكبيرة منها والصغيرة، جهازٌ صغير أظهر نتائج واعدة في القضاء على الأورام السرطانية أو القضاء على دهون الجسم المصاحبة للسمنة، أو من المحتمل أن يكون فعالًا في علاج آلام الظهر والجلوكوما، وهو متعدد الاستخدامات لدرجة اعتباره أداة تستعمل لعلاج الاكتئاب أو القلق. سوف تندهش إذا علمت أن هذه التقنية موجودة، وستندهش أكثر أنها تعمل ببساطة عن طريق توليد موجات صوتية.
على الرغم من أن تقنية الموجات فوق الصوتية تستعمل بصورة شائعة في التصوير الطبي، فقد برزت في العقود الأخيرة كأداة طبية متعددة الاستعمال، فباستخدام الحرارة التي تولدها الموجات فوق الصوتية الشديدة، يمكننا تدمير الأورام أو الأنسجة الأخرى التي تسبب مشاكل في أعماق الجسم دون إجراء أي شقوق جراحيّة، وفي الوقت ذاته، إذا قللنا من شدة هذه الموجات، يمكننا الوصول إلى الدماغ بشكل غير مسبوق عن طريق إجراء هزات لخلايا الدماغ لتغيير سلوكها بطرق يبدو أنها تحسن الصحة العقلية، ولتتأكد أيها القارئ من فعالية هذه التقنية، فإن الموجات فوق الصوتية قد تعكس علامات الشيخوخة الجسدية، وتقلل مشاكل صعوبات التعلم وضعف الذاكرة المرتبط بالشيخوخة.
يقول (نير ليبسمان) من معهد صنيبروك للأبحاث في تورنتو في كندا: «إنّ تقنية الموجات فوق الصوتية هي بالفعل أداة منتشرة في كل مكان في الحقل الطبي، ولكن هناك تركيز هائل عليها الآن بسبب الطرق المتعددة التي يمكن استخدامها لعلاج المشاكل الطبية المتنوعة». تتزايد التطبيقات المحتملة لاستعمال هذه التقنية بسرعة لدرجة أنها تفوق قدرتنا على فهم سبب فعاليتها، والسؤال المطروح الآن هو: هل يمكننا معرفة كيف تؤثر الموجات فوق الصوتية على خلايانا حتى نتمكن من الوصول إلى أقصى إمكاناتها؟
إن أشعة الموجات فوق الصوتية، وهي صوت عالي التردد تصل سرعته فوق 20 كيلوهرتز - يستخدم على نطاق واسع في التصوير الطبي، لكننا نعلم منذ عقود أنها يمكن أن تفعل أكثر من ذلك بكثير، ففي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، اكتشف (ويليام وفرانسيس فراي) من جامعة إلينوي أن الموجات فوق الصوتية يمكن أن تعمل أيضًا كأداة جراحية، وذلك بعد أن طور الأخوان جهازًا يسلط الموجات فوق الصوتية من عدة اتجاهات على بقعة واحدة داخل النسيج، وقد أدت الحرارة الموضعية إلى توليد خلايا مدمرة في الموقع المستهدف مع عدم إصابة الأنسجة المحيطة بالموقع بأي أذى.
بحلول أوائل الستينيات، كان الأخوان فراي وزملاؤهما يستخدمون الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة لاستهداف وتدمير الأنسجة الضارة في دماغ الإنسان لعلاج الأعراض المرتبطة بمرض الشلل الرعاشي (باركنسون)، وقد حققوا شيئا من النجاح. يقول (وين لِجون) من جامعة فرجينيا للتقنيّة: «يمكنك تركيز الموجات فوق الصوتية بأطوال موجية مختلفة، وبذلك تستطيع استهداف مناطق أعمق من الدماغ بطرق لا تستطيعها باستخدام تقنيات أخرى».
وقد توالت المزيد من التطبيقات في وقت لاحق في القرن العشرين، إذ بدأ بعض الباحثين في استكشاف ما إذا كانت الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة يمكن أن تدمر الأورام السرطانية، سواء في الحيوانات أم في البشر، فيما بدأ آخرون في استخدامها في جراحة العيون.
لقد كان كل ذلك غيضا من فيض، أما اليوم فإنّ نطاق التطبيقات المحتملة لهذه التقنية استثنائي حقًا، فإلى جانب استخدامها لعلاج أنواع مختلفة من السرطان، بما في ذلك سرطان البروستاتا، هناك أدلة على أنه يمكن استخدام الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة لعلاج آلام الظهر، وتُظهر التجارب قبل السريرية أن هذه التقنية يمكنها تدمير دهون الجسم تحت الجلد، مما يشير إلى إمكانية استخدامها في علاج السمنة. ومقابل بضعة ريالات، يمكن لأي شخص شراء نظام شخصي لتقنية الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة مصمم لعلاج التجاعيد. (انظر كتاب «بشرة أكثر نعومة» صفحة 34). يقول (لِجون): «إن الميزة التي تتميز بها تقنية الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة هي إمكانية استخدامها لأغراض مختلفة كونها غير جراحية، وتتميز أيضا بدقة إصابتها للهدف».
إنّ دقة هذه التقنية تجعلها مفيدة بشكل خاص في علاج مشاكل الدماغ. عندما بدأ الأخوان فراي وزملاؤهما في استخدام هذه التقنية في علاج مرض الشلل الرعاشي (باركنسون) لأول مرة، كان من الضروري إزالة قطعة صغيرة من الجمجمة لأنها تشكل حاجزا عن تركيز الموجات فوق الصوتية. لكن منذ حوالي 30 عامًا، تغلب الباحثون على هذه العقبة حيث طوروا أجهزة أكثر تقدمًا يمكنها استعمال الموجات فوق الصوتية للتحكم في سمك جمجمة الفرد، مما يعني أنه لم يعد من الضروري إزالة أي عظم. سمح هذا التطور للباحثين بتجربة الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة كعلاج لمجموعة أوسع من الحالات، فعلى سبيل المثال يمكن أن تساعد هذه الموجات في علاج اضطراب الوسواس القهري عن طريق استهداف مناطق صغيرة من (الجهاز الحوفي) في الدماغ، الذي يقوم بدور في التحكم بالعواطف.
يقول (ليبسمان) إن قائمة تطبيقات الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة قد تطول، «شريطة أن تعرف أين تستهدف الموجات فوق الصوتية للحصول على التأثيرات التي تحتاجها».
هناك جانب آخر للموجات فوق الصوتية. بالعودة إلى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وعندما كان الأخوان فراي يطوران تقنيتهما، توصلوا إلى اكتشاف آخر. عندما خفضوا شدة الموجات فوق الصوتية، لاحظوا تغييرا في الطريقة التي تتصرف بها الخلايا دون تدميرها. على سبيل المثال، أظهرت الاختبارات التي أجريت على القطط أن تطبيق ما أصبح يعرف باسم الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة على منطقة من الدماغ مختصة في وظيفة البصر، وهي ما تسمى طبيا (النواة الربيبية الجانبية)، قلل مؤقتًا من قدرة الحيوانات على الاستجابة للضوء.
يقول لِجون: «كان هذا بحثًا رائدًا» لكن، لسبب ما، كانت فكرة التلاعب بالخلايا باستخدام الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة «لم تبدأ بصورة حقيقية أبدا» حتى عام 2010، عندما أظهر (ويليام تايلر) من جامعة ولاية أريزونا وزملاؤه أن الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة التي تم تسليطها على منطقة القشرة الحركية في أدمغة الفئران تسببت في ارتعاش مخالبها أو ذيولها، وقد أشار هذا إلى أن هذا النوع من الموجات فوق الصوتية يمكن أن يحفز الخلايا العصبية في منطقة دقيقة من الدماغ دون الحاجة إلى أقطاب كهربائية مزروعة جراحيًا. يقول لجون: «بدأ الناس يشعرون بالحماس حيال هذا الأمر من جديد».
في غضون بضع سنين، كان (تايلر ولجون) وزملاؤهم يستكشفون تأثيرات الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة على البشر، فقد سلطت هذه الموجات على القشرة الحسية الجسدية، وهي منطقة من الدماغ تتلقى إشارات من الجلد، مما أدى إلى تحسين حساسية الجلد لدى المتطوعين لإجراء التجربة. وعند تسليطها على القشرة الرئيسية للجهاز الحركي في الدماغ، زادت مدة ردة الفعل ببضع أجزاء من الألف من الثانية، وبفضل هذه الاكتشافات،
يستكشف الباحثون الآن ما إذا كان بإمكان الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة تعديل سلوك خلايا الدماغ لمعالجة مجموعة من الحالات. تجري العديد من التجارب السريرية لاستكشاف ما إذا كانت هذه الموجات تشكل علاجًا فعالًا للاكتئاب أو القلق أو الصرع أو اضطراب ما بعد الصدمة. في غضون ذلك، بدأ (لِجون) تجربة سريرية العام الماضي لمعرفة الطريقة التي يمكن أن تساعد بها الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة الأشخاص في إدارة الألم. يقول الباحث إن النتائج المبكرة مشجعة، إلا أن هناك الكثير مما يجب فعله قبل أن يصبح علاجًا قابلا للتطبيق. بدأت الفئران المسنة التي تعرضت للموجات فوق الصوتية منخفضة التردد تتصرف مثل الفئران الشابة.
هناك استعمال آخر للموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة يثير جدلا واسعا، فالموجات فوق الصوتية ليست مفيدة في معالجة الخلايا فحسب، بل يمكن استخدامها أيضًا لفتح الغشاء الواقع بين الدم والدماغ، إذ يحيط هذا الغشاء شبه النفاذ بالنظام الخاص بالأوعية الدموية في الدماغ، ويمنع مسببات الأمراض والمواد الأخرى الموجودة في الدم من العبور إلى الأنسجة العصبية، وتكمن المشكلة في أن هذا الغشاء يمنع أيضا حوالي 98 في المائة من الأدوية من الدخول إلى الدماغ، وهو ما كان يشكل عقبة لفترة طويلة أمام علاج الحالات المرضية التي تصيب هذا الجزء من الجسم، بما في ذلك السرطان ومرض الزهايمر.
على مدار العشرين عامًا الماضية، بدأ الباحثون في استغلال حقيقة مفادها أن الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة تسبب اهتزازا لأي شيء يقع في نطاق تركيزها، وهم يحقنون الآن مجرى الدم بفقاعات دقيقة بعرض يتراوح ما بين نصف مايكرومتر إلى مايكرومتر واحد مملوءة بالهواء أو غاز آخر، ثم يستخدمون هذه الموجات لتحريك الفقاعات أثناء مرورها عبر الأوعية الدموية في الدماغ، مما يؤدي إلى انفجار الفقاعات التي تنتج موجة صدمة تؤدي إلى تعطيل عمل الغشاء الواقع بين الدم والدماغ مؤقتا، مما يسمح للأدوية أو الجزيئات الأخرى بدخول أنسجة المخ.
كان (ليبسمان) جزءًا من فريق استعمل هذه التقنية لأول مرة لفتح الغشاء الواقع بين الدم ودماغ الإنسان في عام 2015، ومنذ ذلك الحين، استعملت هذه التقنية في التجارب السريرية لعلاج أورام الدماغ. يعمل (جيفري كوردور) من جامعة ولاية أريزونا على استعمال الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة والفقاعات الدقيقة لجلب التقنيات الجينيّة إلى الدماغ لعلاج مرض باركنسون. ومع أن فريق (كورودو) لم يصل إلى هذه المرحلة بعد، إلا أنه يقول إن هذا النهج العلاجي له مستقبل واعد.
يقول (جيفري كوردور): «بمجرد أن نصل إلى المرحلة التي يمكننا فيها الحصول على علاجات جينية محددة عبر الغشاء الواقع بين الدم والدماغ، يمكن أن يكون علاجًا نهائيا للعديد من الأمراض العصبية التي في حال عدم علاجها قد يؤدي إلى موت الخلايا العصبية».
نظرًا لأن هذا الغشاء ذو اتجاهين، فإن فتحه يوفر أيضًا فرصة لطرد البروتينات الضارة والمواد الأخرى المتراكمة في الدماغ. استخدم (يورجِن غوتز) من جامعة (كوينزلاند) بأستراليا وزملاؤه شكلا من أشكال الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة مع الفقاعات الدقيقة لإزالة رواسب بروتين الأمالويد المرتبطة بمرض الزهايمر من فئران عُدّلت جينيا حتى تصاب بالزهايمر.
في غضون ذلك، يستخدم (ليبسمان) حاليًا تركيبة الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة مع الفقاعات الدقيقة لضخ علامات الحمض النووي بشكل نشط من ورم الأرومة الدبقية المتعدد عبر الغشاء الواقع بين الدم والدماغ وفي مجرى الدم العام. من هناك، يسهل على الأطباء أخذ عينات منها لمراقبة استجابة الفرد لعلاج السرطان. يقول ليبسمان: «نجري حاليًا تجربة أولية على البشر، وإذا نجحت، فقد تفتح لنا طريقا جديدا لمراقبة تطور المرض في الدماغ».
على كل حال، فإن التطورات الأخيرة مع الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة ربما تكون الأكثر إثارة للدهشة، إذ إنها يمكن أن تجدد خلايا الدماغ ويحتمل أن تعكس علامات الشيخوخة في مناطق أخرى من جسم الإنسان.
مع تقدم الثدييات في العمر، تفقد أدمغتها القدرة على معالجة المعلومات الجديدة، مما يوجد مشاكل في القدرة على التعلم والذاكرة، ومن هنا تساءل (غوتز) وفريقه عما إذا كان بإمكان الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة المساعدة في عكس هذا التراجع. كانت فكرتهم هي استخدامه، جنبًا إلى جنب مع الفقاعات الدقيقة، لفتح الغشاء الواقع بين الدم والدماغ والسماح بدخول مجموعة من المواد التي تنتقل عن طريق الدم والتي لم يتم التعرف عليها بعد. يبدو أن هذه المنتجات تساعد في تحسين أداء الخلايا بطرق متعددة من بينها إزالة تجمعات البروتينات من الدماغ.
أكدت الدراسات التي أجريت على الفئران صحة فكرة (غوتز) وفريقه إلى حد ما، فقد حصلت الفئران التي فتح غشاؤها الواقع بين الدم والدماغ باستخدام هذه التقنية بالفعل على النتائج المتوقعة في أداء خلايا الدماغ. لكنّ غوتز وزملاءه تفاجأوا عندما اكتشفوا أن مجموعة من الفئران التي سلطت عليها الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة وحدها (في حين ظل الغشاء الواقع بين الدم والدماغ فيها مغلقًا) كان حالها أفضل، حيث استعادت الاستجابة العصبية طويلة المدى حيويتها في هذه الفئران، كما تحسنت أيضًا قدرتها على تعلم معلومات جديدة عن بيئتها، بينما لم تُشاهد هذه القدرة التعليمية في الفئران التي فُتحَ الغشاء الواقع بين الدم والدماغ فيها - وليس واضحا السبب وراء ذلك.
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»
يقول (غوتز): «كان الأمر رائعًا للغاية»، وقد دفعه البحث هو وزملاؤه إلى التفكير في تجربة هذه التقنية على كبار السن لمعرفة ما إذا كانت لها تأثيرات مماثلة على عملية التعلم.
قام (مايكل شيتز) من الفرع الطبي بجامعة تكساس وزملاؤه باكتشافات مثيرة للاهتمام بالمثل، ففي دراسة نُشرت على الإنترنت في أواخر العام الماضي، وجدوا أن وضع الخلايا الحيوانية المسنة - أو «الشائخة» - في طبق من الموجات فوق الصوتية منخفضة التردد يعمل على تجديدها، ويشجعها على النمو والانقسام بطريقة مماثلة للخلايا صغيرة السن. ومن اللافت للنظر أن التأثيرات بدت وكأنها تنتقل لتحدث في حيوانات كاملة، فالفئران المسنة الموضوعة في حمام من الماء الدافئ والمعرضة للموجات فوق الصوتية منخفضة التردد بدأت تتصرف مثل الفئران الصغيرة. في إحدى الحالات، بدأ الفأر المصاب بانحناء في الظهر ومشاكل في الحركة في التحرك بشكل طبيعي مرة أخرى بعد العلاج.
يقول (شيتز): «أعترف لكم بأنني لم أصدق أن ما توصلنا إليه كان جيدا جدًا لهذه الدرجة، لكن النتائج تتحدث عن نفسها، فكما يبدو فإن الموجات فوق الصوتية تعيد الشباب لهذه الحيوانات، وما تبقى الآن هو ما إذا كان يمكن أن يحدث الشيء نفسه مع البشر.»
يخطط (شيتز) الآن لإجراء تجربة تشمل الأشخاص المصابين بهشاشة العظام أو مرض السكري، وكلا الحالتين يمكن أن تكون مرتبطة بالخلايا الشائخة، ولكن حتى عندما يبدأ الباحثون في تخيل التطبيقات السريرية، سيبقون في حيرة من أمرهم حول كيفية إنتاج الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة، والموجات فوق الصوتية منخفضة التردد بشكل عام - لمثل هذه النتائج الرائعة.
يقول لجون: «هل هي آلية ميكانيكية؟ آلية فيزيائية؟ حرارية؟ ما الذي تفعله بالضبط؟ لا يزال هذا قيد الدراسة».
يشك (لجون) في أن القوى الميكانيكية هي المهمة. ونظرًا لأن الموجات فوق الصوتية منخفضة الكثافة تغسل الخلايا، فإنها تسبب تغييرات بسيطة في الضغط داخل الأنسجة، وتشير الأبحاث إلى أن هذا يمكن أن يؤثر على بعض المستقبلات الحسية في خلايا الدماغ، مما يؤثر على سلوك الخلايا وتواصلها مع بعضها البعض. يعتقد (شيتز) أن الأمر مختلف في الفئران، فهو يتوقع أن تغيرات الضغط من الموجات فوق الصوتية يمكن أن تدفع وتسحب الخلايا الشائخة، مما يمنحها نوعًا من التمرين البدني، وهذا بدوره ينشط عملية خاملة تسمى الالتهام الذاتي التي تسمح للخلايا بالتخلص من مواد فيها تعمل بشكل سيء، وبالعودة إلى نظام العمل الجيد.
يضيف (شيتز) أن «أحد العوامل الرئيسية للشيخوخة هو أن عملية الالتهام الذاتي معطلة، وأنه يبدو أن الموجات فوق الصوتية تعمل بطريقة ما على تنشيط مسار الالتهام الذاتي في الخلايا الشائخة، مما يسمح للخلايا بتنظيف نفسها والعودة إلى ممارسة سلوكها الطبيعي.» هناك آليات أخرى مقترحة، من بينها دراسة أجريت عام 2019 تقول أن الموجات فوق الصوتية المركزة منخفضة الكثافة تؤثر على أنسجة المخ عبر خلايا دماغية على شكل نجمة تسمى الخلايا النجمية والتي، من بين وظائفها، توفير الدعم للخلايا العصبية.
مدة التأثير
في مراجعة نُشرت في وقت سابق من هذا العام، قال (جوتز وزملاؤه) إن إحدى هذه الفرضيات أو جميعها يمكن أن تكون صحيحة، «وإنه اعتمادًا على نوع الموجات فوق الصوتية التي تستخدم، وعلى الجزء المستهدف من الدماغ، وعلى نوعية المرض الموجود، قد ترى تأثيرات مختلفة».
يقول (لجون) إنه حتى لو فهمنا الطريقة التي تعمل بها الموجات فوق الصوتية منخفضة التردد، هناك عوائق أخرى يجب التغلب عليها قبل أن تكون هذه التقنية متوفرة في المستشفيات، منها الفترة التي تستمر فيها آثار هذه العلاجات. يضيف (لجون) أن «الكثير من الأبحاث الحالية تُظهر أن التأثيرات تستمر لمدة ساعة، وربما ساعتين، بناء على المدة التي يتم فيها تسليط الموجات فوق الصوتية، وأنه لكي ننتقل إلى التجارب السريرية، لا بد أن نحصل على تأثير لمدة أطول.»
وحتى الفئران التي أعاد (شيتز) لها شبابها، فإنه يقول إنها تعود بسرعة إلى حالتها الضعيفة بمجرد توقفها عن تلقي الموجات فوق الصوتية، معلقا «أننا لا يمكننا تقديم علاج واحد يمكنه حل جميع هذه المشاكل».
لكن لجون لا يزال متفائلاً، ويقول إنه عندما تنظر إلى الطرق الأخرى للتأثير على سلوك الخلية، مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، فقد استغرق الأمر عقودًا طويلة من أجل تطوير التقنية ومساعدتها في الوصول إلى إمكاناتها الكاملة.
يقول (ليبسمان) إن التطوير يستغرق وقتًا طويلاً بسبب وجود العديد من المتغيرات، منها اختلاف قوة العلاج ومدته، مضيفا أن تعدد استخدامات هذه التكنولوجيا سيفٌ ذو حدين». لكنه يعتقد أن الفائدة في النهاية تستحق الجهد المبذول، وأنه «من خلال هذه التقنية يمكننا تسريع وتيرة حل الكثير من الأمراض. إنّ الموجات فوق الصوتية تحمل مستقبلا واعدا.»
جلد أنعم
إن مستقبل استعمال الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة لا يقتصر على علاج مجموعة من الأمراض الطبية، (انظر الموضوع الرئيسي)، بل تشير الدراسات إلى أنها تتمتع أيضًا بالقدرة على تجديد شباب الجلد من خلال توفير شد الوجه غير الجراحي الذي تنافس نتائجه العمليات الجراحية. تولد الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة حرارة في النسيج الضام تحت الجلد، فينتج الجسم جزيئات التئام الجروح التي تعيد تشكيل بروتين الكولاجين في هذا النسيج وتشدد ترهل الفكيْن. الدراسات ليست قطعية في هذا المجال، لذلك تحتاج إلى مزيد من الدعم، ولكن في تجربة واحدة غير عشوائية لجهاز الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة يستخدمه أطباء الجلد، أفاد ما يقرب من ثلثي المشاركين بوجود شد ملحوظ في الخد والفك بحضور مجموعة من المقيّمين المستقلين، مع ملاحظة تحسن في 60 في المائة من المجموعة.
اليوم، أجهزة الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الكثافة الأقل قوة متاحة للبيع مباشرة للمستهلكين، وتشير دراسة نشرت العام الماضي إلى أنها يمكن أن تقلل التجاعيد في الفئران – إلا أنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت هذه الأجهزة لها التأثير نفسه مع البشر.