الغرب يُنافِق وعليه أن يُدرك ذلك
الاحد / 27 / ذو الحجة / 1444 هـ - 20:18 - الاحد 16 يوليو 2023 20:18
ترجمة: قاسم مكي -
انتقلنا إلى حقبة تنافس عالمي تخفف من حدَّته الحاجة إلى التعاون والخوف من الحرب.
الأطراف الرئيسية في هذا التنافس هي الولايات المتحدة وحليفاتها من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى.
باقي العالم مهم أيضا. فهو يشمل ثلثي سكان الكوكب وعددا من القوى الصاعدة أبرزها الهند، البلد الأكثر سكانا في العالم الآن.
مع ذلك من الواضح أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مركزية في هذه الحقبة. ولحسن الحظ تحاول الإدارة الأمريكية التقليل من الاحتكاك مع الصين. فعلت ذلك مؤخرا جدا بزيارتين إلى بيجينج بواسطة وزير الخارجية انتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين.
الهدف من زيارة يلين حسبما ذكرت هو «تأسيس وتوطيد العلاقات» مع فريق القيادة الاقتصادية الجديد في بيجينج. وأكدت أن ذلك جزء من مسعى لإرساء العلاقة الثنائية وخفض مخاطر سوء التفاهم والنظر في مجالات التعاون.
وأضافت يلين قائلة «هنالك تمييز مهم بين فكّ الارتباط من ناحية وبين تنويع سلاسل الإمداد الحساسة أو اتخاذ إجراءات محددة تتعلق بالأمن القومي من الناحية الأخرى. نحن نعلم أن فك الارتباط بين أكبر اقتصادَين في العالم سيكون كارثيا لكلا البلدين ومقوضا لاستقرار العالم. وسيكون من المستحيل تقريبا القيام به».
يجب الثناء على هذا الجهد لتوضيح الأهداف وتحسين الشفافية وتوطيد العلاقات. علينا ألا نتعثر ونسقط في عداء مع الصين كما فعلنا مع روسيا. وما هو أفضل من ذلك أننا بحاجة إلى تسخير هذه العلاقة لخدمة مصالح العالم.
يجب ألا تقتصر اهتمامات الغرب على العلاقات مع الصين. فالعلاقات الأفضل مع باقي العالم مهمة أيضا. وهذا يتطلب من الغرب أن يدرك ازدواجية معاييره ونفاقه.
الحرب الروسية-الأوكرانية انتهاك مريع للمبادئ الأخلاقية والقانونية الأساسية. العديدون في البلدان النامية يدركون ذلك. لكنهم أيضا يتذكرون التاريخ الطويل للبلدان الغربية كقوى استعمارية وغازية. كما لم يخفقوا في إدراك أننا نهتم أكثر وإلى حد بعيد برفاقنا الأوروبيين أكثر من اهتمامنا بهم. فكثيرا جدا ما اعتبرنا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي وأمثال هذه المظالم أشياء لا تخصنا. (لذلك) يشعر العديدون أن أوكرانيا لا تخصهم.
ثم هنالك التجارة. ففي حديث مهم في أبريل «تنصَّل» جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي عن نظام التجارة الذي أنفقت بلاده عقودا من السنين في بنائه. ومؤخرا جدا «دفنته» كاثرين تاي الممثلة التجارية للولايات المتحدة. أثار حديثها العديد من القضايا.
مع ذلك لا يمكن تجاهل حقيقة هذا النكوص. لقد قبل العديدون في البلدان النامية مبدأ الانفتاح التجاري. والعديدون ازدهروا نتيجة لذلك. والآن يخشون من أنهم تركوا بلا حول ولا قوة.
موضوع آخر مهم وهو المساعدات الدولية. تعرضت البلدان النامية لسلسلة من الصدمات لم تكن مسؤولة عنها. من بين هذه الصدمات جائحة «كوفيد-19» والارتفاع الحاد في التضخم الذي أعقبتها حرب أوكرانيا والقفزة في أسعار الطاقة والغذاء ثم ارتفاع أسعار الفائدة.
المساعدات التي حصلت عليها هذه البلدان خلال تلك الفترة كانت غير كافية إلى حد بعيد. والترِكة التي خلّفتها الجائحة للشباب إلى جانب ضائقة الدَّين ربما توجد عقودا ضائعة.
مسألة المساعدات الإنمائية هذه ترتبط بتحدي المناخ. فكما يعرف أي أحد في البلدان النامية المستويات التاريخية لانبعاثات الغازات التي تطلقها بلدان الدخل المرتفع هي السبب وراء الإلحاح الحالي لمشكلة المناخ.
هذه البلدان أمكنها استخدام الغلاف الجوي كبالوعة لانبعاثاتها فيما لا يمكن للبلدان النامية أن تفعل ذلك الآن.
لذلك نحن اليوم نقول لهذه البلدان عليها اتخاذ مسار تنمية مختلف جدا عن مسارنا. ولا حاجة إلى القول أن هذا يثير غيظها. لكن على أي حال يجب خفض الانبعاثات بشدة الآن.
هذا الخفض يتطلب مجهودا دوليا بما في ذلك في العديد من البلدان الصاعدة والنامية. هل حققنا تقدما في هذه المهمة فعليا وليس جعجعة؟ الإجابة هي لا. فالانبعاثات لم تنخفض أبدا.
إذا لزم تراجع الانبعاثات بسرعة وفي الوقت ذاته وفاء البلدان النامية بالازدهار التي تطالب به شعوبها يجب أن يكون هنالك تدفق ضخم للموارد نحوها، على الأقل لتمويل جهود التخفيف من التغير المناخي والتكيف الضروري مع ارتفاع درجات الحرارة.
في عام 2021 بلغ صافي التحويلات من القروض الرسمية للبلدان الصاعدة والنامية 38 بليون دولار فقط. وكانت المنح أكبر. لكنها تركز على جوانب محددة.
هذا لا يكفي بأي حال من الأحوال. يجب أن يكون هنالك عون أكبر وإعفاء من الديون ودعم للاستثمار الذي له علاقة بالمناخ وآليات جديدة لتوليد الموارد المطلوبة مثل الاقتراح الذي يطلب من البلدان ذات الانبعاثات الأعلى من المتوسط مقابل الفرد الواحد من سكانها تعويض البلدان التي تقل انبعاثاتها عن المتوسط. أيضا من المهم جدا زيادة رساميل البنوك المتعددة الأطراف.
بلدان الأنظمة الديمقراطية المرتفعة الدخل تخفق في تقديم المساعدة الكافية لإنجاز هذه المهمة الطويلة الأمد. تماما كما فعلت مع جائحة كوفيد.
الفشل في حالة المناخ يعني إخفاقنا في إدراك مسؤوليتنا عن إدارة مشكلة لم يوجدها فقراء العالم. وهذا يبدو إجحافا بحقِّهم. ببساطة لأن من الواضح أنه كذلك.
نحن في تنافس بين أنظمة. وآمل أن تفوز الديمقراطية وحرية الفرد في نهاية المطاف. في المدى البعيد توجد فرصة طيبة لذلك. لكن أيضا علينا تذكر المهددات التي نواجهها الآن للسلام والازدهار والكوكب.
التصدي لهذه التحديات يتطلب ارتباطا عميقا بالصين. لكن لكي يحصل الغرب على النفوذ الذي يأمل فيه عليه إدراك أن دعاواه بالتفوق الأخلاقي ليست محصنة من التحدي أو أنها لا تواجه تحديا.
العديدون في عالمنا يعتبرون القوى الغربية أنانية ومكتفية بذاتها ومنافقة. وهم ليسوا مخطئين تماما في ذلك. يجب أن يكون أداؤنا أفضل بكثير.
مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز
انتقلنا إلى حقبة تنافس عالمي تخفف من حدَّته الحاجة إلى التعاون والخوف من الحرب.
الأطراف الرئيسية في هذا التنافس هي الولايات المتحدة وحليفاتها من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى.
باقي العالم مهم أيضا. فهو يشمل ثلثي سكان الكوكب وعددا من القوى الصاعدة أبرزها الهند، البلد الأكثر سكانا في العالم الآن.
مع ذلك من الواضح أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مركزية في هذه الحقبة. ولحسن الحظ تحاول الإدارة الأمريكية التقليل من الاحتكاك مع الصين. فعلت ذلك مؤخرا جدا بزيارتين إلى بيجينج بواسطة وزير الخارجية انتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين.
الهدف من زيارة يلين حسبما ذكرت هو «تأسيس وتوطيد العلاقات» مع فريق القيادة الاقتصادية الجديد في بيجينج. وأكدت أن ذلك جزء من مسعى لإرساء العلاقة الثنائية وخفض مخاطر سوء التفاهم والنظر في مجالات التعاون.
وأضافت يلين قائلة «هنالك تمييز مهم بين فكّ الارتباط من ناحية وبين تنويع سلاسل الإمداد الحساسة أو اتخاذ إجراءات محددة تتعلق بالأمن القومي من الناحية الأخرى. نحن نعلم أن فك الارتباط بين أكبر اقتصادَين في العالم سيكون كارثيا لكلا البلدين ومقوضا لاستقرار العالم. وسيكون من المستحيل تقريبا القيام به».
يجب الثناء على هذا الجهد لتوضيح الأهداف وتحسين الشفافية وتوطيد العلاقات. علينا ألا نتعثر ونسقط في عداء مع الصين كما فعلنا مع روسيا. وما هو أفضل من ذلك أننا بحاجة إلى تسخير هذه العلاقة لخدمة مصالح العالم.
يجب ألا تقتصر اهتمامات الغرب على العلاقات مع الصين. فالعلاقات الأفضل مع باقي العالم مهمة أيضا. وهذا يتطلب من الغرب أن يدرك ازدواجية معاييره ونفاقه.
الحرب الروسية-الأوكرانية انتهاك مريع للمبادئ الأخلاقية والقانونية الأساسية. العديدون في البلدان النامية يدركون ذلك. لكنهم أيضا يتذكرون التاريخ الطويل للبلدان الغربية كقوى استعمارية وغازية. كما لم يخفقوا في إدراك أننا نهتم أكثر وإلى حد بعيد برفاقنا الأوروبيين أكثر من اهتمامنا بهم. فكثيرا جدا ما اعتبرنا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي وأمثال هذه المظالم أشياء لا تخصنا. (لذلك) يشعر العديدون أن أوكرانيا لا تخصهم.
ثم هنالك التجارة. ففي حديث مهم في أبريل «تنصَّل» جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي عن نظام التجارة الذي أنفقت بلاده عقودا من السنين في بنائه. ومؤخرا جدا «دفنته» كاثرين تاي الممثلة التجارية للولايات المتحدة. أثار حديثها العديد من القضايا.
مع ذلك لا يمكن تجاهل حقيقة هذا النكوص. لقد قبل العديدون في البلدان النامية مبدأ الانفتاح التجاري. والعديدون ازدهروا نتيجة لذلك. والآن يخشون من أنهم تركوا بلا حول ولا قوة.
موضوع آخر مهم وهو المساعدات الدولية. تعرضت البلدان النامية لسلسلة من الصدمات لم تكن مسؤولة عنها. من بين هذه الصدمات جائحة «كوفيد-19» والارتفاع الحاد في التضخم الذي أعقبتها حرب أوكرانيا والقفزة في أسعار الطاقة والغذاء ثم ارتفاع أسعار الفائدة.
المساعدات التي حصلت عليها هذه البلدان خلال تلك الفترة كانت غير كافية إلى حد بعيد. والترِكة التي خلّفتها الجائحة للشباب إلى جانب ضائقة الدَّين ربما توجد عقودا ضائعة.
مسألة المساعدات الإنمائية هذه ترتبط بتحدي المناخ. فكما يعرف أي أحد في البلدان النامية المستويات التاريخية لانبعاثات الغازات التي تطلقها بلدان الدخل المرتفع هي السبب وراء الإلحاح الحالي لمشكلة المناخ.
هذه البلدان أمكنها استخدام الغلاف الجوي كبالوعة لانبعاثاتها فيما لا يمكن للبلدان النامية أن تفعل ذلك الآن.
لذلك نحن اليوم نقول لهذه البلدان عليها اتخاذ مسار تنمية مختلف جدا عن مسارنا. ولا حاجة إلى القول أن هذا يثير غيظها. لكن على أي حال يجب خفض الانبعاثات بشدة الآن.
هذا الخفض يتطلب مجهودا دوليا بما في ذلك في العديد من البلدان الصاعدة والنامية. هل حققنا تقدما في هذه المهمة فعليا وليس جعجعة؟ الإجابة هي لا. فالانبعاثات لم تنخفض أبدا.
إذا لزم تراجع الانبعاثات بسرعة وفي الوقت ذاته وفاء البلدان النامية بالازدهار التي تطالب به شعوبها يجب أن يكون هنالك تدفق ضخم للموارد نحوها، على الأقل لتمويل جهود التخفيف من التغير المناخي والتكيف الضروري مع ارتفاع درجات الحرارة.
في عام 2021 بلغ صافي التحويلات من القروض الرسمية للبلدان الصاعدة والنامية 38 بليون دولار فقط. وكانت المنح أكبر. لكنها تركز على جوانب محددة.
هذا لا يكفي بأي حال من الأحوال. يجب أن يكون هنالك عون أكبر وإعفاء من الديون ودعم للاستثمار الذي له علاقة بالمناخ وآليات جديدة لتوليد الموارد المطلوبة مثل الاقتراح الذي يطلب من البلدان ذات الانبعاثات الأعلى من المتوسط مقابل الفرد الواحد من سكانها تعويض البلدان التي تقل انبعاثاتها عن المتوسط. أيضا من المهم جدا زيادة رساميل البنوك المتعددة الأطراف.
بلدان الأنظمة الديمقراطية المرتفعة الدخل تخفق في تقديم المساعدة الكافية لإنجاز هذه المهمة الطويلة الأمد. تماما كما فعلت مع جائحة كوفيد.
الفشل في حالة المناخ يعني إخفاقنا في إدراك مسؤوليتنا عن إدارة مشكلة لم يوجدها فقراء العالم. وهذا يبدو إجحافا بحقِّهم. ببساطة لأن من الواضح أنه كذلك.
نحن في تنافس بين أنظمة. وآمل أن تفوز الديمقراطية وحرية الفرد في نهاية المطاف. في المدى البعيد توجد فرصة طيبة لذلك. لكن أيضا علينا تذكر المهددات التي نواجهها الآن للسلام والازدهار والكوكب.
التصدي لهذه التحديات يتطلب ارتباطا عميقا بالصين. لكن لكي يحصل الغرب على النفوذ الذي يأمل فيه عليه إدراك أن دعاواه بالتفوق الأخلاقي ليست محصنة من التحدي أو أنها لا تواجه تحديا.
العديدون في عالمنا يعتبرون القوى الغربية أنانية ومكتفية بذاتها ومنافقة. وهم ليسوا مخطئين تماما في ذلك. يجب أن يكون أداؤنا أفضل بكثير.
مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز