مرفأ قراءة: من معارك الأدب.. معركة القديم والجديد!
السبت / 26 / ذو الحجة / 1444 هـ - 17:41 - السبت 15 يوليو 2023 17:41
- 1 -
في الجزء الثالث من «حديث الأربعاء» للدكتور طه حسين، ستُجابِه القارئ هذه الأسطر التي يُصدّر بها الدكتور العميد هذا الجزء؛ يقول:
'كان نشر هذا الكتاب [يقصد هنا رسالة بعث بها الرافعي إلى جريدة السياسة] للأستاذ مصطفى صادق الرافعي - رحمه لله - في جريدة السياسة مثارًا لجدلٍ عنيف وخصومة خصبة لها في تاريخ الأدب العربي الحديث أثر أي أثر. لذلك رأيتُ أن أثبت نص هذا الكتاب، ليستطيع القارئون من الشباب الذين لم يشهدوا هذه الخصومة أن يتتبعوها واضحة جلية. وهذه الفكرة نفسها قد اقتضت أن أنشر في هذا الجزء فصلًا يتصل بهذه الخصومة قد نشر في الجزء الثاني من «حديث الأربعاء»، لتكون قضية الخصومة بين القديم والجديد كاملة، ولن يعاد نشر هذا الفصل في الجزء الثاني؛ لأن مكانه في هذا الجزء'.
بهذه الأسطر التي يصدّر بها الدكتور طه حسين الجزء الثالث من كتابه المدوي «حديث الأربعاء»، يوثّق واحدة من أكبر المعارك وأهمها وأكثرها ثراء وقيمة في تاريخ المعارك الأدبية الحديثة؛ وهي قضية القديم والجديد التي لم تدر رحاها بين الدكتور طه والرافعي فقط، بل أسهم فيها واشترك في إحماء أوارها معظم أعلام الأدب والفكر والثقافة في هذه الفترة، ومنهم الدكتور محمد حسين هيكل.
- 2 -
وبطبيعة الحال فلم تكن تلك المعركة هي المعركة الوحيدة التي خاضها طه حسين، فقد سبقتها معارك وتلتها معارك، وما أكثر ما خاض الدكتور العميد من معارك وخصومات، وما كان الدكتور طه حسين يكاد يكتب مقالًا أو ينشر كتابًا أو يذيع رأيا حتى تثور المعارك وتدبج المقالات والمقالات المضادة (ومثله في ذلك العقاد، وهيكل وزكي ومبارك.. إلخ) حتى ليصح القول إن من علامات حيوية وثراء وخصوبة هذا العصر - وأي عصر يسعى للتقدم ويبحث عن الأخذ بأسباب النهوض - ثوران هذه المعارك واندلاعها؛ إذ إنها تحمل في طياتها خصوبة اصطراع الآراء والأفكار والتيارات والاتجاهات، ما يعني أن هناك بالضرورة نتاجا مثمرا لهذه المعارك حتى وإن شابها بعض السخونة والعنف المتبادل، وإن كانت في غالبها تدور في إطار الفكر وإنتاج المعرفة ولا تتعداه إلى ما دون ذلك إلا في استثناءات!
وعلى كثرة الكتب التي ألفها الدكتور طه حسين في حياته (ما يقرب من خمسة وستين كتابا) فإنه لم يهتم بجمع حصاد المعارك التي خاضها، ربما لأنها بكاملها مضمنة ضمن أعماله في مواقعها (مثل حديث الأربعاء، وخصام ونقد، ومن بعيد.. إلخ) أو لأن هناك من اهتم بجمع وتوثيق هذه المعارك عموما، وتسجيل وقائعها وجمع نصوصها (مثل كتاب أنور الجندي عن المعارك الأدبية الذي أشرنا إليه في المقال السابق). وعلى كل حال فقد اضطلع بعض الباحثين والدارسين والمؤرخين الأدبيين بجمع وتوثيق معارك عميد الأدب العربي في أكثر من كتاب (أذكر منهم كتاب سامح كريم عن «معارك طه حسين السياسية والأدبية»، وكتاب إبراهيم عبد العزيز وغيرهما).
- 3 -
أغلب المعارك التي دارت خلال الفترة من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى النصف الأول من القرن العشرين كانت تجسد أبلغ تجسيد القضايا والموضوعات التي شغلت أذهان النخبة الفكرية والثقافية آنذاك. كان طبيعيا أن تشغل مفاهيم الثقافة (التراث والمعاصرة، الجديد والقديم، الدين والعلم، المذاهب والتيارات الفكرية... إلخ) ومفاهيم الأدب (الإحياء والبعث، النقد القديم والنقد الجديد، الوافد والموروث.. إلخ) وما يدور في فلكهما، أقول كان طبيعيا أن تشغل هذه المفاهيم والقضايا ساحة المعارك التي كانت تشتعل أول ما تشتعل على صفحات الجرائد والمجلات الغزيرة التي كان يزخر بها وطننا العربي في تلك الفترة.
وكان بديهيا أن تكون معركة 'القديم والجديد' هي 'أم المعارك' باعتبار أنها تجسد الصراع الدائر آنذاك بين التيارين الكبيرين المتصارعين؛ وهما تيار 'التجديد والحداثة والإصلاح'، وكان يقوده في ذلك الوقت الرعيل الأول والثاني من خريجي وأساتذة الجامعة المصرية وعلى رأسهم طه حسين.
أما التيار الثاني؛ 'التيار التقليدي المحافظ' أو التيار التراثي الذي كان يتكون في أغلبه من الأزهريين والمنتسبين للأزهر الذي كان يمثل البيئة التقليدية آنذاك لحركة الفكر والأدب والثقافة، وقد كان على رأس هذا التيار من خارج الأزهر الكاتب المعروف مصطفى صادق الرافعي.
وقد كان هذا التيار في عمومه يرى ضرورة الاكتفاء بما ورثناه والانكفاء على ما تلقيناه عن السلف وندور في فلكه، ونجتر أفكاره ونقلد أساليبه مع رفض يكاد يكون تاما لأي جديد أو وافد أو عصري بدعوى مقاومة 'الغزو الثقافي'، والتصدي للتغريب، والحفاظ على الهوية.. إلخ ما هو معروف في أدبيات تلك الفترة.
- 4 -
قبل اشتعال هذه المعركة بشكل صريح، دارت مناوشات طفيفة حول مفهوم 'الأسلوب' وطريقة الكتابة، وضرورة الانتقال باللغة العربية من أشكالها وقوالبها التراثية القديمة إلى أشكال أخرى تتحرر فيها من السجع والمحسنات وطريقة المقامات والبحث عن أسلوب حر مترسل، وظهر هذا على سبيل المثال في النقد الذي وجهه طه حسين إلى المنفلوطي الذي كان يتمتع بشهرة عارمة في العقدين الأولين من القرن العشرين.
في ذلك الوقت كان طه حسين 'ينهال بمعاوله على أسماء كبيرة بأفكاره الجديدة، ومناهجه المنظمة الرصينة، يدفعه أحيانا جموح الشباب ولكن في الأغلب كان يحرك كثيرًا من المياه الراكدة في الفكر العربي'، كما يقول الأستاذ محمد حافظ في مقاله عن طه حسين والمنفلوطي.
اشتعلت أولى معارك طه حسين في الصحافة مبكرا عام 1910 عقب كتابته نقدًا وتعليقًا على كتاب «النظرات» لمصطفى المنفلوطي الذي ألفه المنفلوطي، وأصدره في شهر أبريل عام 1910، وكان نشر أجزاء منه على صفحات جريدة (المؤيد) الشهيرة خلال الفترة من شهر أبريل إلى شهر سبتمبر عام 1910. والمنفلوطي كان نجم هذا الزمان، المثال البارع والكاتب العلم الذي لم ينج من تأثير أسلوبه أحد في تلك الفترة، فقد كان ملء السمع والبصر، كاتبًا مرموقا له لونه المعروف ومذاقه المخصوص، تميزت كتاباته برشاقة التعبير والبعد عن التكلف في اللفظ، وقد اكتسب هذه الميزة من عمله في الصحافة، هذا الأسلوب الفني المتحرر من المحسنات التي كانت تزخر بها كتابات القرن التاسع عشر، ومطالع القرن العشرين.
لهذا كان الهجوم على شخصية لها وضعها بين الناس من شأنه أن يسلط الأضواء على صاحب الهجوم أيا كان، فما بالنا لوكان صاحب الهجوم هو طه حسين الذي خرج حديثا إلى الحياة العامة، حيث انتسب إلى الجامعة الأهلية عام 1908، وكان من الذين عرفوا الطريق إلى القارئ، وذلك من خلال مقالاته التي احتضنتها صفحات (الجريدة) التي كان يرأس تحريرها أحمد لطفي السيد.
- 5 -
يذكر التاريخ الأدبي أن طه حسين كان من أشد المعجبين بأسلوب المنفلوطي، وقد اعترف بذلك صراحة في مقال له بجريدة (مصر الفتاة) في عددها الصادر يوم 31 أغسطس 1909 حيث قال ما خلاصته إنه يقبل على قراءة جريدة (المؤيد) يوم تنشر مقالًا للأستاذ مصطفى المنفلوطي، وذكر أن مقالات ذلك الكاتب الكبير كانت تبلغ من قلبه مبلغا عظيما.
لكن هذا الموقف تغير بالكلية، ولم يكد يمضي أشهر قليلة على اعترافه بهذا الإعجاب، حتى بدأ سيل من هجوم الدكتور طه حسين نشرته جريدة (الشعب) في مقاله الأول «النظرة في النظرات» النظرة الثانية، يوم 20 أبريل 1910.
وظل طه حسين ينتقد ويهاجم نظرات مصطفى لطفي المنفلوطي إلى أن بلغت حصيلة ما كتب من مقالات في نقد المنفلوطي ونظراته ست مقالات كاملة، فصل فيها طه حسين مآخذه على كتابة المنفلوطي وأسلوبه، وعدد من وجهة نظره، المعايب (أو العيوب) التي أخذها عليه، وقد حددها في ثمانية؛ وهي عيوب على ما فيها من قسوة وشدة في اللفظ وخشونة في الاتهام إلا أنها في المجمل تصور وتمثل خير تمثيل تفاصيل ودقائق في درس العبارة العربية وقياسها بين القديم والجديد، ووزن التركيب وطرائق التصوير فيما يدخل في صميم الدرس النقدي والأسلوبي الحديث والمعاصر..
في الجزء الثالث من «حديث الأربعاء» للدكتور طه حسين، ستُجابِه القارئ هذه الأسطر التي يُصدّر بها الدكتور العميد هذا الجزء؛ يقول:
'كان نشر هذا الكتاب [يقصد هنا رسالة بعث بها الرافعي إلى جريدة السياسة] للأستاذ مصطفى صادق الرافعي - رحمه لله - في جريدة السياسة مثارًا لجدلٍ عنيف وخصومة خصبة لها في تاريخ الأدب العربي الحديث أثر أي أثر. لذلك رأيتُ أن أثبت نص هذا الكتاب، ليستطيع القارئون من الشباب الذين لم يشهدوا هذه الخصومة أن يتتبعوها واضحة جلية. وهذه الفكرة نفسها قد اقتضت أن أنشر في هذا الجزء فصلًا يتصل بهذه الخصومة قد نشر في الجزء الثاني من «حديث الأربعاء»، لتكون قضية الخصومة بين القديم والجديد كاملة، ولن يعاد نشر هذا الفصل في الجزء الثاني؛ لأن مكانه في هذا الجزء'.
بهذه الأسطر التي يصدّر بها الدكتور طه حسين الجزء الثالث من كتابه المدوي «حديث الأربعاء»، يوثّق واحدة من أكبر المعارك وأهمها وأكثرها ثراء وقيمة في تاريخ المعارك الأدبية الحديثة؛ وهي قضية القديم والجديد التي لم تدر رحاها بين الدكتور طه والرافعي فقط، بل أسهم فيها واشترك في إحماء أوارها معظم أعلام الأدب والفكر والثقافة في هذه الفترة، ومنهم الدكتور محمد حسين هيكل.
- 2 -
وبطبيعة الحال فلم تكن تلك المعركة هي المعركة الوحيدة التي خاضها طه حسين، فقد سبقتها معارك وتلتها معارك، وما أكثر ما خاض الدكتور العميد من معارك وخصومات، وما كان الدكتور طه حسين يكاد يكتب مقالًا أو ينشر كتابًا أو يذيع رأيا حتى تثور المعارك وتدبج المقالات والمقالات المضادة (ومثله في ذلك العقاد، وهيكل وزكي ومبارك.. إلخ) حتى ليصح القول إن من علامات حيوية وثراء وخصوبة هذا العصر - وأي عصر يسعى للتقدم ويبحث عن الأخذ بأسباب النهوض - ثوران هذه المعارك واندلاعها؛ إذ إنها تحمل في طياتها خصوبة اصطراع الآراء والأفكار والتيارات والاتجاهات، ما يعني أن هناك بالضرورة نتاجا مثمرا لهذه المعارك حتى وإن شابها بعض السخونة والعنف المتبادل، وإن كانت في غالبها تدور في إطار الفكر وإنتاج المعرفة ولا تتعداه إلى ما دون ذلك إلا في استثناءات!
وعلى كثرة الكتب التي ألفها الدكتور طه حسين في حياته (ما يقرب من خمسة وستين كتابا) فإنه لم يهتم بجمع حصاد المعارك التي خاضها، ربما لأنها بكاملها مضمنة ضمن أعماله في مواقعها (مثل حديث الأربعاء، وخصام ونقد، ومن بعيد.. إلخ) أو لأن هناك من اهتم بجمع وتوثيق هذه المعارك عموما، وتسجيل وقائعها وجمع نصوصها (مثل كتاب أنور الجندي عن المعارك الأدبية الذي أشرنا إليه في المقال السابق). وعلى كل حال فقد اضطلع بعض الباحثين والدارسين والمؤرخين الأدبيين بجمع وتوثيق معارك عميد الأدب العربي في أكثر من كتاب (أذكر منهم كتاب سامح كريم عن «معارك طه حسين السياسية والأدبية»، وكتاب إبراهيم عبد العزيز وغيرهما).
- 3 -
أغلب المعارك التي دارت خلال الفترة من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى النصف الأول من القرن العشرين كانت تجسد أبلغ تجسيد القضايا والموضوعات التي شغلت أذهان النخبة الفكرية والثقافية آنذاك. كان طبيعيا أن تشغل مفاهيم الثقافة (التراث والمعاصرة، الجديد والقديم، الدين والعلم، المذاهب والتيارات الفكرية... إلخ) ومفاهيم الأدب (الإحياء والبعث، النقد القديم والنقد الجديد، الوافد والموروث.. إلخ) وما يدور في فلكهما، أقول كان طبيعيا أن تشغل هذه المفاهيم والقضايا ساحة المعارك التي كانت تشتعل أول ما تشتعل على صفحات الجرائد والمجلات الغزيرة التي كان يزخر بها وطننا العربي في تلك الفترة.
وكان بديهيا أن تكون معركة 'القديم والجديد' هي 'أم المعارك' باعتبار أنها تجسد الصراع الدائر آنذاك بين التيارين الكبيرين المتصارعين؛ وهما تيار 'التجديد والحداثة والإصلاح'، وكان يقوده في ذلك الوقت الرعيل الأول والثاني من خريجي وأساتذة الجامعة المصرية وعلى رأسهم طه حسين.
أما التيار الثاني؛ 'التيار التقليدي المحافظ' أو التيار التراثي الذي كان يتكون في أغلبه من الأزهريين والمنتسبين للأزهر الذي كان يمثل البيئة التقليدية آنذاك لحركة الفكر والأدب والثقافة، وقد كان على رأس هذا التيار من خارج الأزهر الكاتب المعروف مصطفى صادق الرافعي.
وقد كان هذا التيار في عمومه يرى ضرورة الاكتفاء بما ورثناه والانكفاء على ما تلقيناه عن السلف وندور في فلكه، ونجتر أفكاره ونقلد أساليبه مع رفض يكاد يكون تاما لأي جديد أو وافد أو عصري بدعوى مقاومة 'الغزو الثقافي'، والتصدي للتغريب، والحفاظ على الهوية.. إلخ ما هو معروف في أدبيات تلك الفترة.
- 4 -
قبل اشتعال هذه المعركة بشكل صريح، دارت مناوشات طفيفة حول مفهوم 'الأسلوب' وطريقة الكتابة، وضرورة الانتقال باللغة العربية من أشكالها وقوالبها التراثية القديمة إلى أشكال أخرى تتحرر فيها من السجع والمحسنات وطريقة المقامات والبحث عن أسلوب حر مترسل، وظهر هذا على سبيل المثال في النقد الذي وجهه طه حسين إلى المنفلوطي الذي كان يتمتع بشهرة عارمة في العقدين الأولين من القرن العشرين.
في ذلك الوقت كان طه حسين 'ينهال بمعاوله على أسماء كبيرة بأفكاره الجديدة، ومناهجه المنظمة الرصينة، يدفعه أحيانا جموح الشباب ولكن في الأغلب كان يحرك كثيرًا من المياه الراكدة في الفكر العربي'، كما يقول الأستاذ محمد حافظ في مقاله عن طه حسين والمنفلوطي.
اشتعلت أولى معارك طه حسين في الصحافة مبكرا عام 1910 عقب كتابته نقدًا وتعليقًا على كتاب «النظرات» لمصطفى المنفلوطي الذي ألفه المنفلوطي، وأصدره في شهر أبريل عام 1910، وكان نشر أجزاء منه على صفحات جريدة (المؤيد) الشهيرة خلال الفترة من شهر أبريل إلى شهر سبتمبر عام 1910. والمنفلوطي كان نجم هذا الزمان، المثال البارع والكاتب العلم الذي لم ينج من تأثير أسلوبه أحد في تلك الفترة، فقد كان ملء السمع والبصر، كاتبًا مرموقا له لونه المعروف ومذاقه المخصوص، تميزت كتاباته برشاقة التعبير والبعد عن التكلف في اللفظ، وقد اكتسب هذه الميزة من عمله في الصحافة، هذا الأسلوب الفني المتحرر من المحسنات التي كانت تزخر بها كتابات القرن التاسع عشر، ومطالع القرن العشرين.
لهذا كان الهجوم على شخصية لها وضعها بين الناس من شأنه أن يسلط الأضواء على صاحب الهجوم أيا كان، فما بالنا لوكان صاحب الهجوم هو طه حسين الذي خرج حديثا إلى الحياة العامة، حيث انتسب إلى الجامعة الأهلية عام 1908، وكان من الذين عرفوا الطريق إلى القارئ، وذلك من خلال مقالاته التي احتضنتها صفحات (الجريدة) التي كان يرأس تحريرها أحمد لطفي السيد.
- 5 -
يذكر التاريخ الأدبي أن طه حسين كان من أشد المعجبين بأسلوب المنفلوطي، وقد اعترف بذلك صراحة في مقال له بجريدة (مصر الفتاة) في عددها الصادر يوم 31 أغسطس 1909 حيث قال ما خلاصته إنه يقبل على قراءة جريدة (المؤيد) يوم تنشر مقالًا للأستاذ مصطفى المنفلوطي، وذكر أن مقالات ذلك الكاتب الكبير كانت تبلغ من قلبه مبلغا عظيما.
لكن هذا الموقف تغير بالكلية، ولم يكد يمضي أشهر قليلة على اعترافه بهذا الإعجاب، حتى بدأ سيل من هجوم الدكتور طه حسين نشرته جريدة (الشعب) في مقاله الأول «النظرة في النظرات» النظرة الثانية، يوم 20 أبريل 1910.
وظل طه حسين ينتقد ويهاجم نظرات مصطفى لطفي المنفلوطي إلى أن بلغت حصيلة ما كتب من مقالات في نقد المنفلوطي ونظراته ست مقالات كاملة، فصل فيها طه حسين مآخذه على كتابة المنفلوطي وأسلوبه، وعدد من وجهة نظره، المعايب (أو العيوب) التي أخذها عليه، وقد حددها في ثمانية؛ وهي عيوب على ما فيها من قسوة وشدة في اللفظ وخشونة في الاتهام إلا أنها في المجمل تصور وتمثل خير تمثيل تفاصيل ودقائق في درس العبارة العربية وقياسها بين القديم والجديد، ووزن التركيب وطرائق التصوير فيما يدخل في صميم الدرس النقدي والأسلوبي الحديث والمعاصر..