أعمدة

نوافذ :الكلمة والصورة فقط

 
shialoom@gmail.com

إن تكن الكلمة تسجل سبقا معرفيا؛ غير محدود؛ فإن للصورة أن تنجز القدر ذاته من المعرفة أيضا، وبهذه القناعة يمكن أن تكون هناك ثمة علاقة قائمة بين الكلمة والصورة، ولذا تستوحي الصورة تألقها من خلال كلمة تقال حولها، وتزهو الكلمة من خلال صورة تكون الكلمة عنوانها، ومنذ زمن بعيد قيل: «أن الصورة عن ألف كلمة» وإن كان هناك ثمة اختلاف بسيط بين الصورة والكلمة؛ حيث يتعمد كاتب الكلمة رسالتها «مع سبق الإصرار والترصد» بينما لا يتحقق ذلك للصورة؛ فهي: «لحظة هاربة من عمر الزمن» فإن لم يتم توثيقها في لحظتها فقد تذهب إلى غير رجعة؛ فرسالتها في لحظتها، حيث تقترب كثيرا من وحي الصدفة.

هناك صور قليلة سجلت خلودا أزليا في عمر الزمن، ولا تزال تحافظ على خلودها في الذاكرة الجمعية، كما أن هناك كلمات ظلت محافظة على حمولتها المعرفية من الحكمة، والأمثال، فتجاوزت أعمار قائليها الافتراضية، فسمت بتأثيرها، وبمكانة قائليها على مر العصور والأزمان، فهذه الـ«المبادلة في الدور» بين الكلمة والصورة هي التي تلفت الأنظار نحو كثير من الأحداث، فما لا تستطيع الكلمة أن توجزه في لحظة راهنة قصيرة، تقوم الصورة بهذا الدور، وما لا تستطيع الصورة أن توضحه للعامة من الناس، تحضر الكلمة وتوجزه في معنى قصير لا يتجاوز جملة واحدة.

يبقى الإنسان هو الفاعل الحقيقي لهذه الثنائية القريبة جدا، والحميمية جدا، التي تجمع طرفي المعادلة بين الكلمة والصورة، فهو صانع الفوارق المختلفة بينهما، ويظل هو مهندس تفاعلاتهما، وتأثيراتهما، وهو المتعمد في جعل كلاهما مؤثر، أو إزاحتهما عن المشهد برمته، ومع أن للإنسان هذه القدرة المعرفية، إلا في كثير من الأحيان تتجاوز قدرة الكلمة والصورة قدرات هذا الإنسان؛ حيث تتجاوزان حنكته وتبصره، فتوقعانه في مأزق الرذيلة، فالكلمة الكاذبة؛ تقتل الحقيقة، وفحش الكلام يميت القلوب، وصور التعري تميت الحياء، وتغلف القلوب بأدران المعاصي؛ وتتجاوز إلى مقارفة الرذائل، وبهذه النتائج المتوقعة عن عدم التوظيف الرشيد لكلا: الكملة والصورة، تذهب المسألة إلى أن كلاهما ذو حدين جارحين؛ سواء في تأثيرهما المباشر، أو في توغلهما في الذاكرة بعد مثولهما في حياة الناس بتأثيراتهما السلبية.

ومع أن مشاريع الحياة لا يمكن أن تستغني عنهما؛ قيد أنملة؛ فإن الحكمة تقتضي أن يكون هناك تقنين لكليهما، وهذا التقنين لن يكون إلا من قبل صانع حدثيهما، وبالتالي فمسؤولية من تفوه بكلمة جارحة في حق إنسان، لا يختلف كثيرا عن ملتقط صورة فاضحة في إساءة إنسان آخر، فكلا الفردين مارسا سوأتي الأمرين (الكلمة/ الصورة) وكلا الفردين أوقعا نفسيهما في مأزق الرذيلة، وإذا كان هناك ثمة أمل في تلافي أثر الصورة، فإن هذه الفرصة غير متاحة للكلمة، وجمل الاعتذار والأسف؛ على الرغم من أهميتهما لرتق بعض ما تمزق من صفحة المشاعر؛ إلا أنهما لن يزيلا ما تم شرخه على امتداد ذات الصفحة.

نرتبط بالكلمة والصورة؛ ارتباطا منجزا لكل مشاريع الحياة اليومية، ونمارس من خلالها جل المآسي مع سبق الإصرار والترصد، ونرى فيهما الكثير من الأهمية لمنجز مشاريعنا اليومية، ونغالب أنفسنا في حالات القوة من أننا عازمون على أن تبقى الكلمة والصورة منزهتين من كل العيوب، وأنهما رسالتا أمن وسلام؛ وليس العكس.