أفكار وآراء

ضعف نتنياهو والفلسطينيين هو مكمن الخطر

ترجمة ـ أحمد شافعي -

تفجر الصراع المضطرم بلا نهاية بين الإسرائيليين والفلسطينيين فبات حربا جامحة اندلعت هذا الأسبوع في مدينة جنين المحاصرة في الضفة الغربية، مهددة بوقوع كارثة أوسع نطاقا وأبعد مدى.

إلى أي مدى اقتربنا الآن من انتفاضة ثالثة، وأسوأ من ذلك، إلى أي مدى اقتربنا من حرب في الشرق الأوسط ينساق إليها أعداء إسرائيل الألداء كحزب الله وإيران؟ المفارقة أن الضعف المزمن لدى كل من الجانبين هو الذي حال دون وقوع هذه الكارثة الكبيرة حتى الآن.

الضعف هو المشترك بينهما، إذا ما استثنينا أرض فلسطين المعذبة المتنازع عليها نفسها. من الواضح أن توغل قوات الدفاع الإسرائيلية في جنين يلقى مقاومة ضارية ويترتب على ذلك أنه قد يطول لأكثر من المتوقع. فبالنسبة للجيش الإسرائيلي ثمة مخاطرة تورط القوات. وبالنسبة للمقاتلين الفلسطينيين في مواجهة الضربات الجوية والطائرات المسيرة والجرافات المدرعة، فالقتال كالعادة غير متوازن.

بين عشية وضحاها، وجد الآلاف من سكان مخيم جنين القديم للاجئين الذي يرجع إلى خمسينيات القرن الماضي أنهم باتوا مرة أخرى مشردين. وتشير الأمم المتحدة إلى أن إسرائيل تتحرك حركة غير شرعية. في الوقت نفسه، تهدد حماس في غزة بانتقام رهيب، فيتصاعد التوتر. وهي «حلقة العنف» القديمة. ومرة أخرى، تدور الدائرة.

كل هذا يبدو مألوفا إلى درجة الذهول، إلا في نظر الأسر الشابة المروعة العالقة في الفوضى. إن قادة الأمن الإسرائيلي ينظرون إلى جنين باعتبارها ملاذا آمنا للإرهابيين لا بد من إزالته. ويقول مقاتلون فلسطينيون إنهم يحمون أهلهم من الهجمات اليومية التي تشنها قوات الدفاع الإسرائيلية والمستوطنون الإسرائيليون ومات من جرائها المئات خلال الثمانية عشر شهرا الماضية.

لكل رأي وجاهته. ومع ذلك يتمسك كلاهما في ضعف بالرواية القديمة نفسها مكررين أخطاء الماضي مخططين لأهوال جديدة مرتبطين إلى بعضهم البعض بالمشترك من الخوف والعناد والعجز المزري عن إعادة تصور المستقبل.

من لديه الآن مثل شجاعة رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال إسحاق رابين سنة 1993 والرؤية التي تجعله يصيح أن «كفى»؟ إن ثلاثين سنة عجفاء من الدماء والدموع قد مضت منذ ذلك الحين. وقبل حتى أن تنتهي هذه المواجهة الأخيرة فإن نتاجها واضح بالفعل: مزيد من الشقاء، والكراهية. مزيد من الموت، وطريق آخر مسدود.

بغض النظر عما قد يقوله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن هذا الهجوم المزعزع للاستقرار الوطني ليس عرضا للقوة من قبل إسرائيل، بل هو أقرب إلى العكس. وهو لن يقضي على الإرهاب، كما يزعم اليمينيون، ولن يغير توازن الخوف بشكل جذري. ولكنه يمكن أن يؤدي إلى أزمة أوسع لا يمكن احتواؤها.

إن أفعال هذا الأسبوع تسلط الضوء على عقود من صنع السياسات المدمرة قصيرة النظر التي أسهم فيها نتنياهو أكثر ممن عداه. ومثلما حدث في عام 2002، ستخلق معركة جنين المزيد من «الشهداء»، وستزيد من المجندين للإرهاب، وستترك إسرائيل أقل أمنا لا أكثر أمنا.

في مواجهة المحاكمة بتهمة الفساد والتمرد الوطني بسبب «إصلاحاته» القضائية المناهضة للديمقراطية، يمثل نتنياهو تجسيدا للضعف الحالي.

لقد خسر دعم جو بايدن: فالرئيس الأمريكي ينبذه عمدا. يتعرض التقدم الدبلوماسي في العالم العربي للخطر الآن مع تصاعد الإدانة. وبفضل نتنياهو، باتت مكانة إسرائيل كدولة ديمقراطية نموذجية في الشرق الأوسط موضع تساؤل.

وحيثما يكون رئيس وزراء إسرائيل ضعيفا، يكون أنصاره من اليمين المتطرف طائشين - وخطرين فضلا عن ذلك. وبفضل الدعم البرلماني من وزير الأمن القومي إيتامار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش وحلفائهم يبقى نتنياهو في منصبه. وفي المقابل، يكتسبون هم وأصدقاؤهم من المستوطنين المتشددين منابر يروجون منها لسياسات وآراء تحريضية ومعادية للعرب.

وهم لا يخجلون من استخدامها. ويقول قادة قوات الدفاع الإسرائيلي إن عملية جنين محدودة من حيث الوقت والقطاع والأهداف. لكنّ لدى بن جفير أفكارا أخرى. فهو يقول إن جنين يجب أن تكون «عملية عسكرية، لتدمير المباني، والقضاء على الإرهابيين - بالعشرات والمئات، وإذا لزم الأمر بالآلاف، لا بالواحد أو بالاثنين».

وهذه هي لغة جرائم الحرب والتطهير العرقي، لا لغة مكافحة الإرهاب المشروعة. ومع ذلك، يبدو أن هذا هو ما يفكر فيه المستوطنون المتطرفون عندما يتحدثون عن الاحتلال الصريح والإجلاء الجماعي لسكان الضفة الغربية الفلسطينيين وآلاف المنازل اليهودية الجديدة.

وأدى الضعف والانقسام الفلسطيني إلى ظهور مجموعات محلية من المقاتلين الشباب في الضفة الغربية، ممثلين في ما يسمى بألوية جنين الساعية إلى المقاومة المسلحة بسبب الافتقار إلى عملية سياسية ذات مصداقية. وهم بدورهم عرضة للتلاعب والاستغلال من قبل المتطرفين في حماس والجهاد الإسلامي وإيران. فلا محالة أن ينتشر العنف.

ما من شك في أن مخاوف إسرائيل الأمنية حقيقية وملحة. وما من شك، أيضا، في أن غارات قوات الدفاع الإسرائيلي التي لا هوادة فيها وتعديات المستوطنين قد أججت الغضب في الضفة الغربية، وأدت بالتالي إلى تهديد إسرائيل أيضا.

هكذا يفضي الشيء إلى الآخر. فليس الأمر باللغز المعقد كما يقولون في غزة. وإلى أي مدى يتصور نتنياهو الضعيف وحلفاؤه الخطرون أن بوسعهم السيطرة على الموقف قبل أن ينفجر كل شيء؟ أم أن هذه في الواقع هي خطتهم؟

لقد مر وقت، قبل بضع سنوات، حين كان يمكن لوزير خارجية الولايات المتحدة أو مبعوث سلام من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أن ينطلق لإنقاذ، أو على الأقل لتهدئة الفجوة العميقة. لكن القصور الذاتي، مثل الضعف، أمر معدٍ.

ما من خطط سلام الآن، وما حل الدولتين الخرافي إلا ذكرى حزينة. وبايدن المتذبذب يخوض معارك تكفيه مع روسيا والصين، فضلا عن المستوى المحلي أيضا. وأوروبا منشغلة بأوكرانيا. وبكين لم تصبح لاعبا جادا بعد. والأمم المتحدة نفوذها أقل من أي وقت مضى.

وفي حين لم يبق من الشهية الكثير لصنع السلام والوساطة على المستوى الدولي، إلا فثمة قدر أقل، في هذه الأوقات الصعبة، من التفاهم والتسامح والرحمة. بالنسبة للإسرائيليين، ما من شبكة أمان الآن بالتأكيد، تنقذهم من أنفسهم. بالنسبة للفلسطينيين، لم يكن ثمة قط وجود لتلك الشبكة.

وهكذا، في خضم تزايد عدد الجثث وتضاؤل والآمال، يتزايد خطر اندلاع حريق مدمر بلا هوادة.

سيمون تيسدال معلق في الشؤون الخارجية.

ترجمة خاصة لـ عمان عن جارديان