صناعة الزخم التنموي
السبت / 5 / ذو الحجة / 1444 هـ - 21:56 - السبت 24 يونيو 2023 21:56
يمكن القول إن الأشهر الفائتة شهدت نوعًا من «الاتصال الاستراتيجي» المكثف حول مسارات التنمية في سلطنة عُمان، سواء كان عبر إطلاق بعض المشروعات التنموية الكبرى وخلق حملات اتصالية جيدة نسبيًا حيال أحداثها، أو المؤتمرات الصحفية لبعض المؤسسات والقطاعات، أو حشد الاتصال الاستراتيجي حول قطاعات التنمية الاقتصادية الجديدة بما في ذلك قطاع الطاقة المتجددة. إلا أنه ثمة حدثان يمكن التقاطهما في اليومين الفائتين يعضدان هذا الاتصال: وهو الحملة الاتصالية (النموذجية) لإعلان مشروع «مدينة السلطان هيثم». واتجاه حكومة سلطنة عُمان إزاء تسمية متحدثين لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عن المؤسسات الحكومية. ثمة خط واصل بين هذين الحدثين وهو أننا نتجه لخلق حالة محمودة من الزخم التنموي. ونعني بالزخم التنموي هو الحفاظ على انتباه واهتمام أكبر فئة ممكنة من أفراد المجتمع حيال المشروعات والحراك التنموي في مختلف أوجهه. وتصعيد هذا الاهتمام طوال فترات (تخطيط وإعلان وتنفيذ) تلك المشروعات. لا شك أن هذه الحالة مطلب مُلح جدًا في المقاربة المحلية. فحسب تقديرنا فإن هذا الزخم في ذاته هو أحد ممكنات «المتابعة والمحاسبة» التي يرتكز عليها النموذج الجديد للتنمية في سلطنة عُمان، والذي يجعل المجتمع فاعلًا أساسيًا في هذه المنظومة ويبني مستويات نسبية متصاعدة من الثقة في عمل المؤسسات التنفيذية، إلى جانب كونه يرفد صانع السياسة العامة برجع الصدى حول أثر تحقق تلك المشروعات على سياقات التنمية الوطنية.
حسب تقديرنا قدم مشروع «مدينة السلطان هيثم» أنموذجًا أوليًا جيدًا للاتصال الاستراتيجي؛ وهو أحد ممكنات «صناعة الزخم التنموي» الذي نشير إليه. وهذا الاتصال في تقديرنا اتسم بثلاث سمات أساسية يمكن سحبها كنموذج على الحملات الاتصالية: الأولى: أنه كان مهيأ لتقديم رسالة لمختلف الشرائح المجتمعية بالأعمار والجنس والمستوى العلمي والثقافي ومستوى الاهتمام من عدمه. والثانية: أنه كان مهيأ للطرح والتعامل مع كل السيناريوهات المحتملة سواء من الأسئلة أو الاستفهامات أو مخاطر الاتصال الشائعة. والثالثة: أنه كان قادرًا على حشد «الأمل الجمعي» وخلق حالة عامة (نسبيًا) من الشعور والاتصال بالمستقبل. وهذه السمة تحديدًا من أهم ما يتطلبه الاتصال الاستراتيجي خاصة على مستوى الرؤى التنموية. نعتقد أن كل مشروع تنموي اليوم على امتداد رقعة عُمان يعني كل بيت في عُمان. وتبقى الأدوات الاتصالية وخلق الزخم التنموي هي العوامل الأساس التي تحسم حشد الشعور الجمعي العام تجاه تلك المشروعات من عداه.
وفي سبيل ذلك، ومع الاتجاه الراهن لتطوير منظومة «المتحدث لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية» فإن أحد أهم مرتكزات تطوير هذه المنظومة هو توحيد الاستراتيجيات الاتصالية، والتنبه إلى ثلاثة عوامل حاسمة نعتقد أنها أساسية في خلق اتصال عمومي فعّال وهي: الشفافية والفورية والواقعية. وكل عامل من هذه العوامل تقابله عديد الاعتبارات والأسس. كما أن الاتصال العمومي الفعّال سواء كان في الأوقات الطبيعية أو أوقات الأزمات إنما يرتكز على فهم السياق العام النفسي والاجتماعي إزاء عملية وفعل التنمية. يقول برناديت هايلاند: «يتأثر تفاعل الناس مع المعلومات والرسائل العامة والاستجابة لها بشكل كبير بهويتهم الثقافية والاجتماعية، والعمر، والجنس، وإمكانية الوصول إلى الموارد. تؤثر هذه العوامل على أنماط الاتصال المفضلة لدى الأشخاص، ومن وما يعتبرونه «سلطة جديرة بالثقة»، والأهم من ذلك، قدرتهم على التصرف والاستجابة للمعلومات». هنا نعتقد أن هذه الاعتبارات تفرض أدوارًا جديدة على «مركز التدريب الإعلامي» الموجود ضمن هيكل «وزارة الإعلام وهي تتمحور في ثلاثة أدوار إلى جانب «التدريب» للممارسين الإعلاميين. فالدور الأولى: إنما يتمثل في مراكمة أبحاث ودراسات حول العملية الاتصالية في سلطنة عُمان. نعلم أن هناك جهدا موسعا على مستوى الأقسام الأكاديمية للإعلام في سلطنة عُمان حول هذه المسألة. ولكن ما نقصده هنا هو التوسع في البحوث (المركزة) و(الاستراتيجية) و(التجريبية) ويشمل هذا الدور أيضًا دراسات أكثر تعمقًا في أنماط تلقي المواد الاتصالية والمناخ النفسي والاجتماعي الذي يؤثر على طبيعة تلقيها. أما الدور الآخر المنتظر فهو التدريب والتأهيل على خلق «السرديات الاتصالية». وفكرة «السرديات الاتصالية» مشتقة من «السرد الاستراتيجي» والذي فصلناه في مقالة سابقة في هذه المساحة تحت عنوان: «السرد الاستراتيجي والقبول المجتمعي». المنطلق في هذه الفكرة أن كل مشروع تنموي أو اتجاه تنموي في سلطنة عُمان يجب أن يتحول اتصاليًا إلى قصة، دور هذه القصة حفز مخيلة الأفراد واهتماماتهم وانتباههم للشعور أنهم جزء من هذه القصة. ومسألة «قوة السرد The Power Of Narrative» من المسائل التي أصبحت لها أدبياتها وأدواتها وبرامجها التدريبية المتخصصة ومرجعياتها التي يمكن أن تدرب وتؤهل عليها.
الدور الثالث المنتظر هو التركيز على تطوير معايير ومؤشرات الثقة. الوسيط الإعلامي هو إحدى الأدوات التي يمكن من خلالها قياس الثقة. وإن كان استطلاع «ثقة المواطن في وسائل الإعلام» لبنة يمكن البناء عليها، ففي تقديرنا المرحلة المقبلة يمكن التوسع في مقاييس وتطوير معايير أكثر تعمقًا لقياس مستويات الثقة العامة. لماذا نتحدث عن الثقة؟ بإيجاز لأن أغلب التقارير والدراسات التي تعنى باستشراف مستقبل الحكومات تتحدث عن أن أزمة فقدان الثقة في الحكومات تتصاعد. ومن أهم تلك التقارير تقرير « 2040National Intelligence Council’s Global Trends report» الذي يتوقع فجوات (متباينة) بين الدول في مستويات الثقة في الحكومات. ويرتكز على قياس تاريخي للتغيرات التي طرأت في استطلاعات إيدلمان للثقة. فبحسب التقرير فقد «ازدادت فجوة الثقة في المؤسسات بين الجمهور المطلع والجمهور العام خلال العقد الماضي، وفقًا لاستطلاعات إيدلمان، التي تظهر فجوة قدرها 5 نقاط مئوية في عام 2012 و16 نقطة في تقرير عام 2021. وبالمثل، تضاعفت فجوة الثقة في الأعمال أربع مرات خلال هذه الفترة». ويراهن في سيناريوهاته على عاملين أساسيين: زيادة مستويات التعليم وكبح الشائعات. وفي تقديرنا فإن وجود استراتيجيات اتصالية قادرة على خلق الزخم التنموي وزيادة ارتباط كافة الشرائح المجتمعية بمشروعات التنمية من شأنه أن يعضد هذه الثقة ويقرب صورة المؤسسات العامة وجهودها بشكل أكبر من التطلعات المجتمعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
حسب تقديرنا قدم مشروع «مدينة السلطان هيثم» أنموذجًا أوليًا جيدًا للاتصال الاستراتيجي؛ وهو أحد ممكنات «صناعة الزخم التنموي» الذي نشير إليه. وهذا الاتصال في تقديرنا اتسم بثلاث سمات أساسية يمكن سحبها كنموذج على الحملات الاتصالية: الأولى: أنه كان مهيأ لتقديم رسالة لمختلف الشرائح المجتمعية بالأعمار والجنس والمستوى العلمي والثقافي ومستوى الاهتمام من عدمه. والثانية: أنه كان مهيأ للطرح والتعامل مع كل السيناريوهات المحتملة سواء من الأسئلة أو الاستفهامات أو مخاطر الاتصال الشائعة. والثالثة: أنه كان قادرًا على حشد «الأمل الجمعي» وخلق حالة عامة (نسبيًا) من الشعور والاتصال بالمستقبل. وهذه السمة تحديدًا من أهم ما يتطلبه الاتصال الاستراتيجي خاصة على مستوى الرؤى التنموية. نعتقد أن كل مشروع تنموي اليوم على امتداد رقعة عُمان يعني كل بيت في عُمان. وتبقى الأدوات الاتصالية وخلق الزخم التنموي هي العوامل الأساس التي تحسم حشد الشعور الجمعي العام تجاه تلك المشروعات من عداه.
وفي سبيل ذلك، ومع الاتجاه الراهن لتطوير منظومة «المتحدث لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية» فإن أحد أهم مرتكزات تطوير هذه المنظومة هو توحيد الاستراتيجيات الاتصالية، والتنبه إلى ثلاثة عوامل حاسمة نعتقد أنها أساسية في خلق اتصال عمومي فعّال وهي: الشفافية والفورية والواقعية. وكل عامل من هذه العوامل تقابله عديد الاعتبارات والأسس. كما أن الاتصال العمومي الفعّال سواء كان في الأوقات الطبيعية أو أوقات الأزمات إنما يرتكز على فهم السياق العام النفسي والاجتماعي إزاء عملية وفعل التنمية. يقول برناديت هايلاند: «يتأثر تفاعل الناس مع المعلومات والرسائل العامة والاستجابة لها بشكل كبير بهويتهم الثقافية والاجتماعية، والعمر، والجنس، وإمكانية الوصول إلى الموارد. تؤثر هذه العوامل على أنماط الاتصال المفضلة لدى الأشخاص، ومن وما يعتبرونه «سلطة جديرة بالثقة»، والأهم من ذلك، قدرتهم على التصرف والاستجابة للمعلومات». هنا نعتقد أن هذه الاعتبارات تفرض أدوارًا جديدة على «مركز التدريب الإعلامي» الموجود ضمن هيكل «وزارة الإعلام وهي تتمحور في ثلاثة أدوار إلى جانب «التدريب» للممارسين الإعلاميين. فالدور الأولى: إنما يتمثل في مراكمة أبحاث ودراسات حول العملية الاتصالية في سلطنة عُمان. نعلم أن هناك جهدا موسعا على مستوى الأقسام الأكاديمية للإعلام في سلطنة عُمان حول هذه المسألة. ولكن ما نقصده هنا هو التوسع في البحوث (المركزة) و(الاستراتيجية) و(التجريبية) ويشمل هذا الدور أيضًا دراسات أكثر تعمقًا في أنماط تلقي المواد الاتصالية والمناخ النفسي والاجتماعي الذي يؤثر على طبيعة تلقيها. أما الدور الآخر المنتظر فهو التدريب والتأهيل على خلق «السرديات الاتصالية». وفكرة «السرديات الاتصالية» مشتقة من «السرد الاستراتيجي» والذي فصلناه في مقالة سابقة في هذه المساحة تحت عنوان: «السرد الاستراتيجي والقبول المجتمعي». المنطلق في هذه الفكرة أن كل مشروع تنموي أو اتجاه تنموي في سلطنة عُمان يجب أن يتحول اتصاليًا إلى قصة، دور هذه القصة حفز مخيلة الأفراد واهتماماتهم وانتباههم للشعور أنهم جزء من هذه القصة. ومسألة «قوة السرد The Power Of Narrative» من المسائل التي أصبحت لها أدبياتها وأدواتها وبرامجها التدريبية المتخصصة ومرجعياتها التي يمكن أن تدرب وتؤهل عليها.
الدور الثالث المنتظر هو التركيز على تطوير معايير ومؤشرات الثقة. الوسيط الإعلامي هو إحدى الأدوات التي يمكن من خلالها قياس الثقة. وإن كان استطلاع «ثقة المواطن في وسائل الإعلام» لبنة يمكن البناء عليها، ففي تقديرنا المرحلة المقبلة يمكن التوسع في مقاييس وتطوير معايير أكثر تعمقًا لقياس مستويات الثقة العامة. لماذا نتحدث عن الثقة؟ بإيجاز لأن أغلب التقارير والدراسات التي تعنى باستشراف مستقبل الحكومات تتحدث عن أن أزمة فقدان الثقة في الحكومات تتصاعد. ومن أهم تلك التقارير تقرير « 2040National Intelligence Council’s Global Trends report» الذي يتوقع فجوات (متباينة) بين الدول في مستويات الثقة في الحكومات. ويرتكز على قياس تاريخي للتغيرات التي طرأت في استطلاعات إيدلمان للثقة. فبحسب التقرير فقد «ازدادت فجوة الثقة في المؤسسات بين الجمهور المطلع والجمهور العام خلال العقد الماضي، وفقًا لاستطلاعات إيدلمان، التي تظهر فجوة قدرها 5 نقاط مئوية في عام 2012 و16 نقطة في تقرير عام 2021. وبالمثل، تضاعفت فجوة الثقة في الأعمال أربع مرات خلال هذه الفترة». ويراهن في سيناريوهاته على عاملين أساسيين: زيادة مستويات التعليم وكبح الشائعات. وفي تقديرنا فإن وجود استراتيجيات اتصالية قادرة على خلق الزخم التنموي وزيادة ارتباط كافة الشرائح المجتمعية بمشروعات التنمية من شأنه أن يعضد هذه الثقة ويقرب صورة المؤسسات العامة وجهودها بشكل أكبر من التطلعات المجتمعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان