أوروبا تتخلف عن أمريكا ... والفجوة تتسع
من التقنية إلى الطاقة وأسواق المال والجامعات
الجمعة / 4 / ذو الحجة / 1444 هـ - 19:27 - الجمعة 23 يونيو 2023 19:27
الحرب الأوكرانية أحْيَت التحالف عبر الأطلسي (حلف الناتو). لكن العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين تزداد اختلالا.
الولايات المتحدة الآن أكثر ثراء بقدر كبير وأكثر حيوية من الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا. والفجوة بينهما يتعاظم اتساعها، وسيكون لذلك أثر يتجاوز كثيرا مستويات المعيشة النسبية. فاعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في الحصول على التقنية والطاقة ورأس المال والحماية العسكرية يقوِّض باطَّراد أية طموحات قد تكون لدى الاتحاد الأوروبي في تحقيق 'الاستقلال الذاتي الاستراتيجي.' في عام 2008 كان اقتصاد الاتحاد الأوروبي مُساويا تقريبا في حجمه لاقتصاد الولايات المتحدة. لكن منذ الأزمة المالية العالمية تفاوتت حظوظهما الاقتصادية بقدر مثير. وكما أشار جيريمي شابيرو وجاما بوجلَرِين الباحثان في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية 'في عام 2008 كان اقتصاد الاتحاد الأوروبي أكبر نوعا ما من الاقتصاد الأمريكي. فقد بلغ حجمه 16.2 تريليون دولار مقابل 14.7 تريليون دولار. وبحلول عام 2022 ارتفع حجم اقتصاد الولايات المتحدة إلى 25 تريليون دولار فيما بلغ حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي واقتصاد بريطانيا في مجموعهما 19.8 تريليون دولار فقط. واقتصاد أمريكا الآن أكبر بحوالي الثلث تقريبا منهما معا. وهو يفوق اقتصاد الاتحاد الأوروبي لوحده (بدون اقتصاد بريطانيا) بأكثر من 50%. الأرقام الإجمالية صادمة. وهي ترتكز على صورة تعكس تخلف اقتصاد أوروبا عن اقتصاد الولايات في كل القطاعات. مشهد التقنية الأوروبية تسيطر عليه الشركات الأمريكية مثل أمازون ومايكروسوفت وآبل. وأكبر سبع شركات تقنية في العالم على أساس الرسملة السوقية كلها أمريكية. وهنالك شركتان أوروبيتان فقط ضمن أكبر 20 شركة هما أيه اس ام إل القابضة واس أيه بي. وفي حين طورت الصين شركات تقنية عملاقة محلية إلا أن الشركات الأوروبية الرائدة كثيرا ما تستحوذ عليها الشركات الأمريكية. فشركة سكايب اشترتها مايكروسوفت في عام 2011 واستحوذت جوجل على شركة الذكاء الاصطناعي 'ديب مايند' في عام 2014. ومن المرجح أيضا أن تهيمن الشركات الأمريكية والصينية على تطوير الذكاء الاصطناعي.
الجامعات الرائدة التي ترعى الشركات التقنية الناشئة وتقدمها لأصحاب المصلحة والمستثمرين في الولايات المتحدة يفتقر إليها الاتحاد الأوروبي. فقائمتا تصنيف شنغهاي وتصنيف التايمز لكبرى جامعات العالم بهما جامعة واحدة فقط من بلدان الاتحاد الأوروبي ضمن أفضل 30 جامعة. أما بريطانيا فأحسن حالا بفضل كمبردج واكسفورد ولندن امبريال سيتي وجامعات أخرى. في عام 1990 انتجت أوروبا 44% من أشباه الموصلات في العالم. وهي الآن تنتج 9% فقط مقارنة بحوالي 12% للولايات المتحدة. هذا ويسارع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كلاهما لتطوير قدراتهما الإنتاجية لكن في حين من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة شروع 14 منشأة جديدة في تصنيع أشباه الموصلات بحلول عام 2025 ستضيف أوروبا والشرق الأوسط معا 10 منشآت فقط مقارنة بـ 43 منشأة جديدة في الصين وتايوان. تتطلع الولايات المتحدة وأيضا الاتحاد الأوروبي إلى تغيير هذا الوضع بسياسات صناعية طموحة تقدم أموالا عامة وحوافز حكومية لشركات صناعة الرقائق الإلكترونية ومنتجي السيارات الكهربائية. لكن مكانة الدولار بوصفه عملة الاحتياط العالمية تمنح الأمريكيين القدرة على تمويل طموحاتهم دون إثارة الخوف في الأسواق. فالأمريكان كما ذكر أحد الصناعيين الأوروبيين 'يمكنهم فقط تمرير بطاقة الائتمان.' أما الاتحاد الأوروبي بالمقارنة فلديه موازنة أقل بكثير وقد بدأ للتو فقط في إصدار دين مشترك. الحصول على رأس المال الخاص أيضا أكثر سهولة في الولايات المتحدة. يقول بول اخلايتنر رئيس المجلس الاستشاري العالمي بمصرف دويتشه بانك الألماني أن أوروبا الآن 'تعتمد تماما تقريبا على أسواق رأس المال الأمريكية.' يقول لي اخلايتنر أوروبا لديها عدد قليل جدا من صناديق التقاعد الكبيرة التي تمنح عمقا لأسواق رأس المال في الولايات المتحدة. وأضاف 'إذا أردت عمل أي شيء كبير سواء كان ذلك استحواذا على شركة أو إصدارا أوليا لأسهم شركة ما ستذهب دائما إلى المستثمرين الأمريكان.' تحدث مسؤولو الاتحاد الأوروبي كثيرا عن إيجاد 'اتحاد أسواق رأسمال' يقدم لأوروبا شيئا قريبا من حجم سوق المال الأمريكية. لكن التقدم في هذا المجال ضعيف.
الولايات المتحدة خلافا لأوروبا لديها أيضا إمدادات داخلية وفيرة ورخيصة من موارد الطاقة. فثورة النفط والغاز الصخريين تعني أن أمريكا الآن أكبر منتج للنفط والغاز في العالم. في الأثناء ارتفعت أسعار الطاقة بشدة في أوروبا. فحرب أوكرانيا وفقدان الغاز الروسي الرخيص يعنيان أن الصناعة الأوروبية تدفع ثلاثة أو أربعة أضعاف ما يدفعه منافسوها الأمريكيون للحصول على الطاقة. هذا الوضع، حسبما يقول رؤساء الشركات الأوروبية في حزن، يقود سلفا إلى إغلاق المصانع في أوروبا. ربما يميل البعض في بريطانيا إلى اعتبار كل هذا دليلا على أن بريطانيا كانت أثناء وجودها داخل الاتحاد الأوروبي مقيدة إلى جثة 'مُرتَهنة إلى شيء غير مفيد' وأن خروجها منه خطوة جيدة. لكن خارج السوق الأوربية الموحَّدة تعاني بريطانيا بقدر أكبر من مشاكل ضيق سوق المال الذي يقيِّد الاتحاد الأوروبي نفسه. نتيجة لذلك تتخلف الصناعة البريطانية. إذن هل حقا ليست هنالك أية مجالات تقود فيها أوروبا العالم؟ يشير البعض في افتخار إلى حقيقة أن حجم السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي يعني أن كل الشركات حول العالم صار لزاما عليها تبني الضوابط واللوائح التنظيمية الأوروبية أو ما يسمى 'أثر بروكسل.' لكن وكما هو واضح من الأفضل قيادة العالم في إيجاد الثروة وليس تنظيمه. أوروبا تتفوق حقا في صناعات 'نمط الحياة'. فما يقرب من ثُلُثَي سياح العالم يأتون إلى أوروبا. وسوق السلع الفاخرة تسيطر عليها الشركات الأوروبية. كما تسيطر الفرق الأوروبية على لعبة كرة القدم وهي الرياضة الأكثر شعبية في العالم على الرغم من أن بعض أكبر الأندية يملكها الآن مستثمرون شرق أوسطيون وأمريكيون وآسيويون. هيمنة أوروبا على صناعات نمط الحياة تؤكد على أن نوعية الحياة في القارة العجوز لا تزال جذابة للعديدين. لكن ربما ذلك جزء من المشكلة. فبدون إحساس أقوى بالتهديد الذي تواجهه قد لا تتمكن أوروبا أبدا من شحذ الهمة واستجماع الإرادة الكافية لوقف تدهورها المستمر في القوة والنفوذ والثروة.
الكاتب كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز
الولايات المتحدة الآن أكثر ثراء بقدر كبير وأكثر حيوية من الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا. والفجوة بينهما يتعاظم اتساعها، وسيكون لذلك أثر يتجاوز كثيرا مستويات المعيشة النسبية. فاعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في الحصول على التقنية والطاقة ورأس المال والحماية العسكرية يقوِّض باطَّراد أية طموحات قد تكون لدى الاتحاد الأوروبي في تحقيق 'الاستقلال الذاتي الاستراتيجي.' في عام 2008 كان اقتصاد الاتحاد الأوروبي مُساويا تقريبا في حجمه لاقتصاد الولايات المتحدة. لكن منذ الأزمة المالية العالمية تفاوتت حظوظهما الاقتصادية بقدر مثير. وكما أشار جيريمي شابيرو وجاما بوجلَرِين الباحثان في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية 'في عام 2008 كان اقتصاد الاتحاد الأوروبي أكبر نوعا ما من الاقتصاد الأمريكي. فقد بلغ حجمه 16.2 تريليون دولار مقابل 14.7 تريليون دولار. وبحلول عام 2022 ارتفع حجم اقتصاد الولايات المتحدة إلى 25 تريليون دولار فيما بلغ حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي واقتصاد بريطانيا في مجموعهما 19.8 تريليون دولار فقط. واقتصاد أمريكا الآن أكبر بحوالي الثلث تقريبا منهما معا. وهو يفوق اقتصاد الاتحاد الأوروبي لوحده (بدون اقتصاد بريطانيا) بأكثر من 50%. الأرقام الإجمالية صادمة. وهي ترتكز على صورة تعكس تخلف اقتصاد أوروبا عن اقتصاد الولايات في كل القطاعات. مشهد التقنية الأوروبية تسيطر عليه الشركات الأمريكية مثل أمازون ومايكروسوفت وآبل. وأكبر سبع شركات تقنية في العالم على أساس الرسملة السوقية كلها أمريكية. وهنالك شركتان أوروبيتان فقط ضمن أكبر 20 شركة هما أيه اس ام إل القابضة واس أيه بي. وفي حين طورت الصين شركات تقنية عملاقة محلية إلا أن الشركات الأوروبية الرائدة كثيرا ما تستحوذ عليها الشركات الأمريكية. فشركة سكايب اشترتها مايكروسوفت في عام 2011 واستحوذت جوجل على شركة الذكاء الاصطناعي 'ديب مايند' في عام 2014. ومن المرجح أيضا أن تهيمن الشركات الأمريكية والصينية على تطوير الذكاء الاصطناعي.
الجامعات الرائدة التي ترعى الشركات التقنية الناشئة وتقدمها لأصحاب المصلحة والمستثمرين في الولايات المتحدة يفتقر إليها الاتحاد الأوروبي. فقائمتا تصنيف شنغهاي وتصنيف التايمز لكبرى جامعات العالم بهما جامعة واحدة فقط من بلدان الاتحاد الأوروبي ضمن أفضل 30 جامعة. أما بريطانيا فأحسن حالا بفضل كمبردج واكسفورد ولندن امبريال سيتي وجامعات أخرى. في عام 1990 انتجت أوروبا 44% من أشباه الموصلات في العالم. وهي الآن تنتج 9% فقط مقارنة بحوالي 12% للولايات المتحدة. هذا ويسارع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كلاهما لتطوير قدراتهما الإنتاجية لكن في حين من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة شروع 14 منشأة جديدة في تصنيع أشباه الموصلات بحلول عام 2025 ستضيف أوروبا والشرق الأوسط معا 10 منشآت فقط مقارنة بـ 43 منشأة جديدة في الصين وتايوان. تتطلع الولايات المتحدة وأيضا الاتحاد الأوروبي إلى تغيير هذا الوضع بسياسات صناعية طموحة تقدم أموالا عامة وحوافز حكومية لشركات صناعة الرقائق الإلكترونية ومنتجي السيارات الكهربائية. لكن مكانة الدولار بوصفه عملة الاحتياط العالمية تمنح الأمريكيين القدرة على تمويل طموحاتهم دون إثارة الخوف في الأسواق. فالأمريكان كما ذكر أحد الصناعيين الأوروبيين 'يمكنهم فقط تمرير بطاقة الائتمان.' أما الاتحاد الأوروبي بالمقارنة فلديه موازنة أقل بكثير وقد بدأ للتو فقط في إصدار دين مشترك. الحصول على رأس المال الخاص أيضا أكثر سهولة في الولايات المتحدة. يقول بول اخلايتنر رئيس المجلس الاستشاري العالمي بمصرف دويتشه بانك الألماني أن أوروبا الآن 'تعتمد تماما تقريبا على أسواق رأس المال الأمريكية.' يقول لي اخلايتنر أوروبا لديها عدد قليل جدا من صناديق التقاعد الكبيرة التي تمنح عمقا لأسواق رأس المال في الولايات المتحدة. وأضاف 'إذا أردت عمل أي شيء كبير سواء كان ذلك استحواذا على شركة أو إصدارا أوليا لأسهم شركة ما ستذهب دائما إلى المستثمرين الأمريكان.' تحدث مسؤولو الاتحاد الأوروبي كثيرا عن إيجاد 'اتحاد أسواق رأسمال' يقدم لأوروبا شيئا قريبا من حجم سوق المال الأمريكية. لكن التقدم في هذا المجال ضعيف.
الولايات المتحدة خلافا لأوروبا لديها أيضا إمدادات داخلية وفيرة ورخيصة من موارد الطاقة. فثورة النفط والغاز الصخريين تعني أن أمريكا الآن أكبر منتج للنفط والغاز في العالم. في الأثناء ارتفعت أسعار الطاقة بشدة في أوروبا. فحرب أوكرانيا وفقدان الغاز الروسي الرخيص يعنيان أن الصناعة الأوروبية تدفع ثلاثة أو أربعة أضعاف ما يدفعه منافسوها الأمريكيون للحصول على الطاقة. هذا الوضع، حسبما يقول رؤساء الشركات الأوروبية في حزن، يقود سلفا إلى إغلاق المصانع في أوروبا. ربما يميل البعض في بريطانيا إلى اعتبار كل هذا دليلا على أن بريطانيا كانت أثناء وجودها داخل الاتحاد الأوروبي مقيدة إلى جثة 'مُرتَهنة إلى شيء غير مفيد' وأن خروجها منه خطوة جيدة. لكن خارج السوق الأوربية الموحَّدة تعاني بريطانيا بقدر أكبر من مشاكل ضيق سوق المال الذي يقيِّد الاتحاد الأوروبي نفسه. نتيجة لذلك تتخلف الصناعة البريطانية. إذن هل حقا ليست هنالك أية مجالات تقود فيها أوروبا العالم؟ يشير البعض في افتخار إلى حقيقة أن حجم السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي يعني أن كل الشركات حول العالم صار لزاما عليها تبني الضوابط واللوائح التنظيمية الأوروبية أو ما يسمى 'أثر بروكسل.' لكن وكما هو واضح من الأفضل قيادة العالم في إيجاد الثروة وليس تنظيمه. أوروبا تتفوق حقا في صناعات 'نمط الحياة'. فما يقرب من ثُلُثَي سياح العالم يأتون إلى أوروبا. وسوق السلع الفاخرة تسيطر عليها الشركات الأوروبية. كما تسيطر الفرق الأوروبية على لعبة كرة القدم وهي الرياضة الأكثر شعبية في العالم على الرغم من أن بعض أكبر الأندية يملكها الآن مستثمرون شرق أوسطيون وأمريكيون وآسيويون. هيمنة أوروبا على صناعات نمط الحياة تؤكد على أن نوعية الحياة في القارة العجوز لا تزال جذابة للعديدين. لكن ربما ذلك جزء من المشكلة. فبدون إحساس أقوى بالتهديد الذي تواجهه قد لا تتمكن أوروبا أبدا من شحذ الهمة واستجماع الإرادة الكافية لوقف تدهورها المستمر في القوة والنفوذ والثروة.
الكاتب كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز