هوامش ومتون :غنّام غنّام: حكواتي بلبوس عصري
الأربعاء / 24 / ذو القعدة / 1444 هـ - 20:28 - الأربعاء 14 يونيو 2023 20:28
لماذا هزمونا؟
بهذا السؤال ختم الفنّان غنّام غنّام عرض «بأمّ عيني 1948» الذي قدّمه ضمن فعاليات ملتقى «المسرحيات القصيرة» الذي أقامه النادي الثقافي، في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالخوير، وقد ألقى السؤال على الجمهور دون أن ينتظر إجابة، بعد سرد حكاية موجعة من حكايات الجرح الفلسطيني، تاركا علامات استفهام عديدة في أذهان جمهور أحاط بالممثل الذي وضع الكوفية الفلسطينية على كتفه، وهي التي حرص عليها في أعمال سابقة مؤكّدًا على هذه المفردة باعتبارها هوية تميّز الفلسطيني عن سواه، فأوصل للجمهور رسالة مقتضبة مفادها أنه يقف في قلب القضية الفلسطينية، ليقدّم فرجة مسرحيّة، نقل لنا من خلالها روح المكان، وإحساس العائد إلى أرضه بعد غياب قسري، راويا مشاهدات حقيقية هي جزء من يوميات الإنسان الفلسطيني العادي، لم يسمعها ولم يقرأها، بل عاش تفاصيلها بحذافيرها، ساردا حكاية اللاجئ الفلسطيني حين يزور دياره الأولى التي هجّر منها قسرا، وقد اعتمد في مادة العرض على تفاصيل حيّة، بعد زيارة قام بها لبلدته عام 2017م متخفّيا، مخترقا القبضة الحديدية للاحتلال بمساعدة شاب فلسطيني قام بترتيب كل شيء، مع أصدقاء له، ليؤكد أن (السلطة) الحقيقية بيد هؤلاء الشباب، فتجوّل في شوارع الناصرة، ووقف عند أسوار عكا، وبحر حيفا، وبيت غسان كنفاني الذي ولد به، ذاكرا تواريخ وأحداثا وأسماء، وجعل عيوننا تغرورق بالدموع، وهو يصور مشهد لقائه بابنتيه، وأحفاده، بعد سنوات طويلة من الغياب، وبهذا العرض يستكمل الفنان غنام غنام مشروعه المسرحي الذي بدأه بـ«عائد إلى حيفا» وأعقبه بـ«سأموت في المنفى»، وسيلحقه بجزء رابع وربما خامس، كما قال لي، مستكملا سرد تفاصيل الزيارة التي لم يروِ في هذا العرض سوى يومين من سبعة أيّام، وقد جعل ثيمة هذه العروض الحديث عن معاناة الإنسان الفلسطيني، لكنه بالوقت نفسه تحدّث عن صلابة الفلسطيني، وتمسّكه بحلم العودة، وملحمة صمود الإنسان الفلسطيني، واجتيازه الحواجز، والبطولات التي يحقّقها الفلسطينيون في كل يوم، مقابل الخسائر التي يتعرّض لها العدو، بشكل يومي، وكم كان سعيدا عندما شاهد حفيدته تقف بوجه أحد جنود الاحتلال وترقص وتغنّي«أنا دمي فلسطيني فلسطيني»، موظّفا قدراته كممثّل، في الأداء الجسدي والتعبيري وحتى اللغوي، فقد نوّع في سردياته بين اللغة الفصحى واللهجة المحكية، معيدا صياغة الأحداث، بوعي فنان قادر على خلخلة البنى التقليدية والمسلمات، ويغيّر المعادلات، ليشكل وعيا جديدا، قادرا على الحركة، والفعل، ولشدّ الجمهور إليه، وضبط إيقاع العرض، قام بتطعيمه بنصوص لعدد من الشعراء الفلسطينيين من بينهم: إبراهيم طوقان، ومحمود درويش، وتوفيق زياد، وشعراء عرب من بينهم على محمود طه وقصيدته الشهيرة التي لحّنها وغناها محمد عبدالوهاب:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة
مجد الأبوة والسؤددا؟
وأغنية فيروز «سنرجع يوما» إلى جانب عدد من الأهازيج الشعبية، كلّ تلك الخلطة الجمالية جاءت بدون أدوات ساندة، من شأنها أن تعين الممثّل، وتدعم أداءه، وترفع إيقاع العرض، فلا موسيقى ولا ديكور ولا إكسسوارات، سوى الكوفيّة، والمعطف الذي تخفّى به والقبّعة، وصوته الذي كان في ارتجافاته، وانتقالاته، ممثلا آخر يبسط نفوذه على الخشبة، خارج العلبة الإيطالية، فيما توزّع الجمهور حوله على شكل مستطيل، في غرفة استقبال ضيوف المسرح، كان كلّ شيء مختزلا، وموحيا، فلا توجد ثرثرة بصرية ولا سمعية، فلم يضع خارطة، ولا علما، لم يضع أناشيد حماسية، كخلفية تصعّد الأحداث، بل اكتفى بالكوفية ليعطي إشارة بصرية ذات دلالة، والأداء الجسدي، في عرض من الصعب وضعه في خانة مسرحية معينة، كما أشار في بداية العرض، فلا هو يندرج ضمن عروض المسرحيات القصيرة، فقد قدّم لنا عرضا طويلا في محتواه، وتفاصيله، ومساحته الزمنية التي بلغت الساعة، والربع، ولا لمسرح المونودراما، فهو ليس مونودراما، ففي المونودراما حدث ينمو ويتطوّر، وقد يكون أقرب ما يكون لمسرح الحكواتي، رغم أن مسرح الحكواتي يعتمد على الخيال الشعبي، وما سمعنا من حكايات رواها غنام غنام الممثل لم تخرج عن الواقع، وقام بهدم الجدار الرابع، ليكون التفاعل حيّا مع الجمهور، فكانت العفوية حاضرة، من خلال أحاديثه المرتجلة مع الجمهور، فكان وهو يتحدث عن واقع عايشه، كأنه أراد أن يروي مشاهداته للناس، فتلبس دور الراوي، مستعينا بمهاراته، مصوّرا الواقع كما شاهده بلا تزويق ولا بهرجة، فكان حكواتيا بلبوس عصري.
بهذا السؤال ختم الفنّان غنّام غنّام عرض «بأمّ عيني 1948» الذي قدّمه ضمن فعاليات ملتقى «المسرحيات القصيرة» الذي أقامه النادي الثقافي، في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالخوير، وقد ألقى السؤال على الجمهور دون أن ينتظر إجابة، بعد سرد حكاية موجعة من حكايات الجرح الفلسطيني، تاركا علامات استفهام عديدة في أذهان جمهور أحاط بالممثل الذي وضع الكوفية الفلسطينية على كتفه، وهي التي حرص عليها في أعمال سابقة مؤكّدًا على هذه المفردة باعتبارها هوية تميّز الفلسطيني عن سواه، فأوصل للجمهور رسالة مقتضبة مفادها أنه يقف في قلب القضية الفلسطينية، ليقدّم فرجة مسرحيّة، نقل لنا من خلالها روح المكان، وإحساس العائد إلى أرضه بعد غياب قسري، راويا مشاهدات حقيقية هي جزء من يوميات الإنسان الفلسطيني العادي، لم يسمعها ولم يقرأها، بل عاش تفاصيلها بحذافيرها، ساردا حكاية اللاجئ الفلسطيني حين يزور دياره الأولى التي هجّر منها قسرا، وقد اعتمد في مادة العرض على تفاصيل حيّة، بعد زيارة قام بها لبلدته عام 2017م متخفّيا، مخترقا القبضة الحديدية للاحتلال بمساعدة شاب فلسطيني قام بترتيب كل شيء، مع أصدقاء له، ليؤكد أن (السلطة) الحقيقية بيد هؤلاء الشباب، فتجوّل في شوارع الناصرة، ووقف عند أسوار عكا، وبحر حيفا، وبيت غسان كنفاني الذي ولد به، ذاكرا تواريخ وأحداثا وأسماء، وجعل عيوننا تغرورق بالدموع، وهو يصور مشهد لقائه بابنتيه، وأحفاده، بعد سنوات طويلة من الغياب، وبهذا العرض يستكمل الفنان غنام غنام مشروعه المسرحي الذي بدأه بـ«عائد إلى حيفا» وأعقبه بـ«سأموت في المنفى»، وسيلحقه بجزء رابع وربما خامس، كما قال لي، مستكملا سرد تفاصيل الزيارة التي لم يروِ في هذا العرض سوى يومين من سبعة أيّام، وقد جعل ثيمة هذه العروض الحديث عن معاناة الإنسان الفلسطيني، لكنه بالوقت نفسه تحدّث عن صلابة الفلسطيني، وتمسّكه بحلم العودة، وملحمة صمود الإنسان الفلسطيني، واجتيازه الحواجز، والبطولات التي يحقّقها الفلسطينيون في كل يوم، مقابل الخسائر التي يتعرّض لها العدو، بشكل يومي، وكم كان سعيدا عندما شاهد حفيدته تقف بوجه أحد جنود الاحتلال وترقص وتغنّي«أنا دمي فلسطيني فلسطيني»، موظّفا قدراته كممثّل، في الأداء الجسدي والتعبيري وحتى اللغوي، فقد نوّع في سردياته بين اللغة الفصحى واللهجة المحكية، معيدا صياغة الأحداث، بوعي فنان قادر على خلخلة البنى التقليدية والمسلمات، ويغيّر المعادلات، ليشكل وعيا جديدا، قادرا على الحركة، والفعل، ولشدّ الجمهور إليه، وضبط إيقاع العرض، قام بتطعيمه بنصوص لعدد من الشعراء الفلسطينيين من بينهم: إبراهيم طوقان، ومحمود درويش، وتوفيق زياد، وشعراء عرب من بينهم على محمود طه وقصيدته الشهيرة التي لحّنها وغناها محمد عبدالوهاب:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة
مجد الأبوة والسؤددا؟
وأغنية فيروز «سنرجع يوما» إلى جانب عدد من الأهازيج الشعبية، كلّ تلك الخلطة الجمالية جاءت بدون أدوات ساندة، من شأنها أن تعين الممثّل، وتدعم أداءه، وترفع إيقاع العرض، فلا موسيقى ولا ديكور ولا إكسسوارات، سوى الكوفيّة، والمعطف الذي تخفّى به والقبّعة، وصوته الذي كان في ارتجافاته، وانتقالاته، ممثلا آخر يبسط نفوذه على الخشبة، خارج العلبة الإيطالية، فيما توزّع الجمهور حوله على شكل مستطيل، في غرفة استقبال ضيوف المسرح، كان كلّ شيء مختزلا، وموحيا، فلا توجد ثرثرة بصرية ولا سمعية، فلم يضع خارطة، ولا علما، لم يضع أناشيد حماسية، كخلفية تصعّد الأحداث، بل اكتفى بالكوفية ليعطي إشارة بصرية ذات دلالة، والأداء الجسدي، في عرض من الصعب وضعه في خانة مسرحية معينة، كما أشار في بداية العرض، فلا هو يندرج ضمن عروض المسرحيات القصيرة، فقد قدّم لنا عرضا طويلا في محتواه، وتفاصيله، ومساحته الزمنية التي بلغت الساعة، والربع، ولا لمسرح المونودراما، فهو ليس مونودراما، ففي المونودراما حدث ينمو ويتطوّر، وقد يكون أقرب ما يكون لمسرح الحكواتي، رغم أن مسرح الحكواتي يعتمد على الخيال الشعبي، وما سمعنا من حكايات رواها غنام غنام الممثل لم تخرج عن الواقع، وقام بهدم الجدار الرابع، ليكون التفاعل حيّا مع الجمهور، فكانت العفوية حاضرة، من خلال أحاديثه المرتجلة مع الجمهور، فكان وهو يتحدث عن واقع عايشه، كأنه أراد أن يروي مشاهداته للناس، فتلبس دور الراوي، مستعينا بمهاراته، مصوّرا الواقع كما شاهده بلا تزويق ولا بهرجة، فكان حكواتيا بلبوس عصري.