أفكار وآراء

«الكوتا النسائية» عدالة وتمكين أم مخالفة دستورية؟

من أهم عناوين الأخبار التي تتصدر وسائل الإعلام التقليدي وغير التقليدي المحلية حاليا، ثم تشغل مواقع التواصل الاجتماعي انتخابات مجلس الشورى، وليس هذا أمرا مستغربا حيث إنها منصة برلمانية تفاعلية تصل بين المجتمع وممثليه من ناحية، والمجلس والحكومة من ناحية أخرى فيما ينبغي أن تكون عليه وتمثله.

تصورات كثيرة بين الإيجابية والسلبية، ورؤى مختلفة بين طموح يقترح مساحات صلاحيات أوسع، وتأثير أوضح في صنع القرار، وشفافية في التعاطي وجدية في توظيف ممكنات العضوية، وبين تشاؤم لا يرى بصيص نور ليختار صاحبه الصمت تعبيرا عن احتجاج ورفض، أو السخرية والنقد السلبي تعبيرا عن فقدان الأمل والثقة معا، ثم يأتي آخرون بين هؤلاء في شريحة لا يمكن الاستهانة بها لا تعي أصلا قيمة العملية البرلمانية ولا أهمية التصويت للأكفأ والأنسب، ثم قلة من الغاضبين لترشحهم دون وصول أسمائهم للقائمة الأولى أو القائمة النهائية فيسعون لشيطنة المجلس وعضويته وجدواه.

ووسط كل ذلك أتأمل أهم ما صدر عن القائمة الأولى للدورة العاشرة من انتخابات مجلس الشورى بسلطنة عمان وفقا لما نشرته وزارة الداخلية مركزة على التمثيل النسائي في هذه المرحلة المبكرة من عمر هذه الدورة لأقرأ: «أعلنت وزارة الداخلية القوائم الأولية للمرشحين لعضوية مجلس الشورى للفترة العاشرة، البالغ عددهم (883) مرشحا ومرشحة بينهم (33) امرأة» ومع هذا الخبر تستوقفني الأعداد لأكرر حسرة سابقة وأعيد مقترحا مكررا.

أما الحسرة فمصدرها قلة عدد المرشحات من النساء الساعيات لتمثيل المجلس، مما يدل منذ الآن على توقع ما سيكون عليه في القائمة النهائية، وأما المقترح فأرجئه لما بعد التفصيل في يقين لا جدال فيه يقوم على مبدأي الاتفاق؛ أولا على ضرورة وأهمية الحضور النسائي في المنصات البرلمانية لا حضورا تجميليا أو تكميليا وحسب، بل قراءة واعية لحاجة المجتمع لقدرات المرأة وكفاءتها في مجالات عديدة هي أقدر فيها وأحرص على إيصالها كمجالات الأسرة والمرأة، وتنمية المجتمع بفئاته المختلفة متضمنة الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، كاهتمامها بالتفاصيل ودقائق الأمور فيما يتوافق وفطرتها وطبيعتها وقدراتها، وفي هذا ينبغي أن يحرص الجنسان رجالا ونساء لإيصال صوت المرأة في المجالس البرلمانية إيمانا بقدراتها، ثم سعيا للتكامل مع أخيها الرجل في مجلس ممثل للمجتمع بأكمله.

ثم النصف الثاني من اليقين الذي لا شك فيه ولا مراء، وهو كفاءة المرأة العمانية وقدراتها وإمكاناتها العالية التي أهلّتها لكثير من المسؤوليات القيادية حكوميا ومجتمعيا وأسريا، ولا أحسب أن هنالك من يشكك في ذلك، خصوصا مع عهدين من القيادة الحكيمة لهذا البلد المعطاء حيث منحت المرأة مساحات من الثقة في مجالات شتى، ثقة غالية في كفاءة مستحقة وعطاء لا محدود، ومع كل هذه الممكنات في العهدين لم تخذل المرأة العمانية هذه الثقة ولم تخيب ظن مانحيها في محبة وإخلاص وإبداع، ومع كل ذلك فإنني كامرأة عمانية لأشعر بالحسرة لهذا التمثيل الضعيف في مجلس تمنيت أن يكون فضاء تكاملٍ بين صوتين متماثلين كفاءة وحضورا، دون انتقاص أو تهميش أو تغليب لأحدهما على الآخر.

وقد يقول قائل: ومن منعها من الترشح؟ هذا ما أوصلت نفسها إليه من إمكاناتها! وحسب هذا السؤال من التحليل ما تضمنه من جوْر وخَطَل، فمن يقول ذلك تصريحا أو همسا لا بد أنه بعيد كل البعد عن واقع مجتمعه، ثم بعيد كل البعد عن منطق يقول «تبغي النجاة ولم تسلك مسالكها، إن السفينةَ لا تجري على اليَبَسِ» إذ كيف يذهب بك الظن - إن كان ظنا مجردا- هذا المذهب وأنت تعي جيدا أننا لمّا نتخلص بعد من أوهام التحيز القبلي والتفوق الذكوري؟! ثم إنه من المحزن أن يُظن بأن في الأمر تنافس لتغليب جنس على آخر، وأنه من المعيب أن تتفوق المرأة في الحصول على حضور في هذا المجلس على إخوتها من الرجال، والأعجب والمحزن أكثر من كل ذلك ما تروّج له بعض النسوة ممن وجدن تمكينا بالتعيين من محاربة فكرة تمكين المرأة برلمانيا بدعوى المساواة!

أنتقل بهذه المقالة إلى مقترح «الكوتا النسائية “التي لا أرى بها أي مخالفة دستورية حين تنطلق من مبدأ الانتخاب العادل كذلك لا التعيين، وهو مبدأ لا يخالف فكرة الدستورية العادلة، لكنه يتماشى مع فكرة العدالة الداعمة للمساواة في فهمها العميق لا السطحي، وقد عمل به في بلدان أوروبية وعربية مختلفة وبأشكال مختلفة، أقترح هنا شكلا يناسب طبيعة السلطنة كما يناسب طبيعة توزيع التمثيل البرلماني لدينا، هذا الانتخاب قائم على مبدأ تمكين المرأة بقرار منحها أحد الصوتين في كل الولايات المتضمنة صوتين، وذلك بتفعيل آليتين تمكنان من ذلك: الأولى في منح كل ناخب فرصتي ترشيح إحداهما للمرأة بالضرورة، والثانية في اختيار الصوت الثاني للمرأة الحاصلة على أكبر نسبة أصوات في ولايتها مهما قلّت.

في هذا التصور العادل تمكين عظيم للوصول بحضور المرأة في مجلس الشورى لما لا يقل عن 40% من عدد الأعضاء، وهو ما ينبغي أن يكون مطمحا للجميع وليس للمرأة فقط، وهو ما ينبغي أن نتفق عليه إيمانا منا بأهمية حضور المرأة ومشاركتها بتمثيل المجتمع في مجلس الشورى، ولن يكون ذلك أمرا عجابا فقد طرقت السلطنة باب الكوتا في بعض تطبيقات السعي للعدالة في مجالات كثيرة من بينها التعليم والتوظيف، حيث يستثنى الذكور مثلا في المقاعد الجامعية من شرط التنافس مع الإناث حرصا على عدالة التوزيع بين أعداد الخريجين والخريجات، ثم في مجالات التوظيف حيث تخصيص بعض المجالات الوظيفية للذكور فقط أو للنساء فقط وفقا لطبيعة وقدرات كل منهما.

مقترحي هذا أكرره هنا مؤمنة بأن الوعي لا يؤتى من التردد والخوف، بل يُبنى من الإخلاص في طَرْقِ الأبواب بالفكرة العادلة التي تؤتي أكلها لا محالة، إن لم يكن اليوم فغدا، دون يأس مهما تضاعفت المحبطات أو تراكم الرفض، ثم إني أرفعه لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وهو المؤمن بأهمية مشاركة المرأة في تأسيس وتنمية المجتمع، ونحن نتعلم من منطقه وحضوره مبدأ العمل بروح الفريق الواحد، كما نتعلم من حضور ومشاركة السيدة الجليلة في كافة الأنشطة المجتمعية إيمانهما بفكرتي التكامل والوحدة.

ختاما؛ حريٌّ بمجتمعاتنا العربية أن تعبر مرحلة التمييز والتحزب لمراحل من التكامل المبني على التنوع والاختلاف متجاوزين انتصاراتنا الوهمية التي قد تتراءى لنا في تفوق القبيلة أو الجنس أو العرق أو المناطقية، لا بد من وعي مجتمعي قادر على التمييز الواعي والانتخاب المدرك تبعات منح الصوت والقدرة على تمثيل المجتمع، ثم على كل مترشح أن يدرك مسؤوليته في الترشح أولا مؤمنا بقدراته وإمكاناته وإخلاصه لهذه المسؤولية، ثم ثانيا لتمثيله المجتمع مرآة ناقلة للواقع وصوتا قادرا على التغيير والتطوير، دون صخب الانفعالات الجوفاء دعاية لمرحلة قادمة، أو صمت التماثيل وثوقا من أن الأصوات آتية إليه دون كبير مشقة، لا بد من وعي مقرون بأسلوب يعكس هذا الوعي ويمثل غاية العضو المنتخب في تمثل إخلاصه عملا جادا متصلا و تواصلا تفاعليا دائما.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية