أردوغان.. وتحديات ما بعد الفوز
الثلاثاء / 9 / ذو القعدة / 1444 هـ - 22:37 - الثلاثاء 30 مايو 2023 22:37
كما كان متوقعا فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بفترة رئاسية جديدة في تركيا، بعد صراع انتخابي صعب واجه فيه منافسة شرسة من منافسيه سواء على مستوى الرئاسة أو على مستوى المجلس التشريعي الذي سيعمل معه خلال الفترة الجديدة التي تمتد لخمس سنوات قادمة.
لعل ما يثير الدهشة في انتخابات تركيا أنها جذبت انتباه العرب بشكل كبير، وكانت محط اهتمام قطاعات واسعة في غالبية الدول العربية، سواء من المتعاطفين مع أردوغان وتجربته والذين كانوا يتمنون نجاحه، أو المعارضين له الذين كانوا يتمنون إزاحته، رغم أنه يحكم بلدا بعيدا عنا، وشعبا لا نعرف عنه الكثير.
الاهتمام العربي بالانتخابات التركية كان له ما يبرره، ويمكن فهمه في سياق الانفتاح التركي على العالم العربي، والانفتاح الإعلامي العربي على تركيا، وتدخل أنقرة الواضح في مناطق النزاعات والصراعات العربية - العربية مثل سوريا والعراق وليبيا، بالإضافة إلى احتضانها لملايين اللاجئين والمستثمرين العرب الذين ربطوا بقاءهم واستمرار وجودهم والحفاظ على مصالحهم في تركيا باستمرار وجود أردوغان على رأس النظام الحاكم.
كان من الطبيعي أن يتحول الاهتمام الشعبي بأردوغان وتركيا والانتخابات إلى اهتمام إعلامي كبير دفع كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية الإخبارية العالمية والعربية إلى المتابعة المستمرة وعلى مدار الساعة لهذه الانتخابات، ومتابعة النتائج لحظة بلحظة من خلال فرق من المراسلين انتشروا في جميع أنحاء تركيا وتسابقوا في تقديم الجديد من الأخبار والمعلومات إلى المشاهدين العرب. وتميزت تغطية الفضائيات العربية لهذه الانتخابات بالمهنية، وإن بدا بعضها متحيزا بشكل سافر إلى أطراف معينة نتيجة كونها - أي هذه الفضائيات - تبث من دول لها مواقف من تركيا والرئيس أردوغان. ودفع الاهتمام الشعبي العربي إلى خروج المئات في مواكب فرح، وفقا لتقرير نشرته الجزيرة نت، احتفالا بفوز أردوغان في عدد من الدول الغربية والعربية والإسلامية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وباكستان وبريطانيا وفرنسا وسويسرا ونيذرلاندز والسويد وألبانيا وأذربيجان وفلسطين ولبنان.
في تقديري أن رجب طيب أردوغان وتركيا عموما كانا يستحقان هذا الاهتمام الكبير، حتى وإن كان في جزء منه تعبيرا صامتا، وذا دلالة، عن الرغبة الكامنة في نفوس ملايين العرب في أن يشاهدوا في حياتهم ولو لمرة واحدة صراعا سياسيا مماثلا وانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة في دولهم، يتنافس فيها السياسيون من جميع ألوان الطيف السياسي، لنيل الرضا الشعبي. ويهنئ في نهايتها المهزوم المنتصر، ويحتفل فيه الجميع بانتصار الديمقراطية.
الآن وبعد أن انتهى «العرس الانتخابي» التركي، فإن السؤال الذي يشغل العالم ربما أكثر مما يشغل الأتراك أنفسهم، هو ماذا سيفعل أردوغان فيما أسماه القرن التركي الجديد؟ ويكتسب هذا السؤال أهميته من ضخامة الملفات الداخلية والخارجية المتشابكة التي سوف يكون على أردوغان التعامل معها بحكمة هذه المرة، بعيدا عن الاندفاع الذي ميز فترات حكمه السابقة، والذي جر عليه وعلى تركيا أزمات كثيرة، وعرضه لمكائد سياسية محلية وإقليمية وعالمية كادت تعصف به وبحزبه في الانتخابات الأخيرة.
دعونا نقول إن أردوغان سوف يجد نفسه بعد نتيجة هذه الانتخابات، وفي ظل الأوضاع الداخلية والخارجية الحالية، أمام طريقين لا ثالث لهما، وسيكون عليه أن يستخدم خبراته السياسية المتراكمة على مدار سنين طويلة، إلى جانب ذكائه في اختيار الطريق المناسب لبلاده خلال السنوات الخمسة القادمة.
الأول يتمثل في النظر إلى فوزه في هذه الانتخابات الصعبة باعتباره تفويضا شعبيا له لمواصلة سياساته الاقتصادية والخارجية الصدامية والمتأرجحة، والثاني هو التعلم من دروس الماضي وانتهاج سياسات جديدة في الداخل والخارج تكون أكثر واقعية.
في الداخل يبدو الملف الاقتصادي أخطر الملفات التي تواجه أردوغان في فترته الرئاسية الجديدة، وتحتاج حلولا عاجلة ومبتكرة ومن خارج الصندوق. فالواقع الاقتصادي - كما تقول وكالة بلومبيرج، المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، ليس على ما يرام، ويزيد تدخل البنك المركزي المستمر لدعم سعر صرف الليرة التركية الأمر سوءا، بعد أن فقدت الليرة ثلث قيمتها تقريبا مقابل الدولار، خاصة مع إصرار أردوغان شخصيا على فكرة أن خفض أسعار الفائدة سيؤدي إلى خفض التضخم، الذي قد يصل في نهاية هذا العام إلى 40 بالمائة وفقا لوكالة بلومبيرج ايكونوميكس.
الحل كما يرى البعض يبدأ بتخلي أردوغان عن تدخله الشخصي في الشأن الاقتصادي، وإسناد هذا الملف الخطير إلى فريق من التكنوقراط المتخصصين وذوي الخبرة الواسعة لقيادة الاقتصاد التركي، والسماح للبنك المركزي بالبدء في رفع أسعار الفائدة، وإلغاء الإجراءات الخاصة بدعم الليرة، واتخاذ المزيد من الإجراءات لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية على الفئات الأشد فقرا.
يبدو الأمر مختلفا قليلا في الملفات الخارجية العديدة التي تواجه أردوغان، بعد أن نجح خلال السنة الأخيرة في تصفية المشكلات التي كانت عالقة مع عدد من الدول العربية لسنوات طويلة. ولعل هذا ما يبشر بانتهاج سياسة خارجية أكثر واقعية، يتجنب من خلالها المواجهة غير الضرورية مع الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية، والدول التي لا يتوافق معها سياسيا وفكريا، وخصوصا الاتحاد الأوروبي الذي يعد الشريك الاقتصادي الأكبر لتركيا. وفي هذا الإطار تصبح الموازنة بين مطالب دول أوروبا بتطبيق العقوبات المفروضة على روسيا نتيجة الحرب الأوكرانية، وبين الموقف التركي الذي يحافظ على علاقات ودية دافئة مع روسيا أشبه بالسير على الحبال بالنسبة لتركيا وأردوغان في قادم الأيام.
سيكون على الرئيس أردوغان أن يحدد موقفه بوضوح من مختلف الأزمات العالمية، وألا يقتصر دور تركيا على الوساطة بين أطراف الصراع الغربي - الروسي، وتسهيل التوصل إلى حلول وسط في بعض القضايا مثل مفاوضات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، واتفاق السماح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر الموانئ التركية. ومن المهم كما يقول بعض المحللين أن يدرك أردوغان في هذه المرحلة أن التقارب أكثر من اللازم مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين قد يؤدي إلى تقليص نفوذه ودوره العالمي كثيرا.
ويبقى لأردوغان في هذا الملف المعالجة العقلانية للنزاع التركي - السويدي، وأن يتخلى عن رفضه انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عقابا لها على سماحها للجماعات الانفصالية الكردية بالعمل من أراضيها. ومع ذلك فإن هذا النزاع ما زال قابلا للحل، الذي يمكن أن يقرب تركيا من تحقيق أهدافها، خاصة في العلاقة بدول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المهم لأردوغان وتركيا أن يرافق هذا التحول تغييرا في اللهجة والخطاب الإعلامي الموجه للغرب والعالم، والتركيز فيه على مجالات التعاون المشترك التي تفتح آفاقا واسعة للاقتصاد التركي، وتزيد من نفوذه الشخصي على المستويين الوطني والعالمي كرجل دولة بارز وزعيم ديمقراطي منتخب.
لعل ما يثير الدهشة في انتخابات تركيا أنها جذبت انتباه العرب بشكل كبير، وكانت محط اهتمام قطاعات واسعة في غالبية الدول العربية، سواء من المتعاطفين مع أردوغان وتجربته والذين كانوا يتمنون نجاحه، أو المعارضين له الذين كانوا يتمنون إزاحته، رغم أنه يحكم بلدا بعيدا عنا، وشعبا لا نعرف عنه الكثير.
الاهتمام العربي بالانتخابات التركية كان له ما يبرره، ويمكن فهمه في سياق الانفتاح التركي على العالم العربي، والانفتاح الإعلامي العربي على تركيا، وتدخل أنقرة الواضح في مناطق النزاعات والصراعات العربية - العربية مثل سوريا والعراق وليبيا، بالإضافة إلى احتضانها لملايين اللاجئين والمستثمرين العرب الذين ربطوا بقاءهم واستمرار وجودهم والحفاظ على مصالحهم في تركيا باستمرار وجود أردوغان على رأس النظام الحاكم.
كان من الطبيعي أن يتحول الاهتمام الشعبي بأردوغان وتركيا والانتخابات إلى اهتمام إعلامي كبير دفع كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية الإخبارية العالمية والعربية إلى المتابعة المستمرة وعلى مدار الساعة لهذه الانتخابات، ومتابعة النتائج لحظة بلحظة من خلال فرق من المراسلين انتشروا في جميع أنحاء تركيا وتسابقوا في تقديم الجديد من الأخبار والمعلومات إلى المشاهدين العرب. وتميزت تغطية الفضائيات العربية لهذه الانتخابات بالمهنية، وإن بدا بعضها متحيزا بشكل سافر إلى أطراف معينة نتيجة كونها - أي هذه الفضائيات - تبث من دول لها مواقف من تركيا والرئيس أردوغان. ودفع الاهتمام الشعبي العربي إلى خروج المئات في مواكب فرح، وفقا لتقرير نشرته الجزيرة نت، احتفالا بفوز أردوغان في عدد من الدول الغربية والعربية والإسلامية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وباكستان وبريطانيا وفرنسا وسويسرا ونيذرلاندز والسويد وألبانيا وأذربيجان وفلسطين ولبنان.
في تقديري أن رجب طيب أردوغان وتركيا عموما كانا يستحقان هذا الاهتمام الكبير، حتى وإن كان في جزء منه تعبيرا صامتا، وذا دلالة، عن الرغبة الكامنة في نفوس ملايين العرب في أن يشاهدوا في حياتهم ولو لمرة واحدة صراعا سياسيا مماثلا وانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة في دولهم، يتنافس فيها السياسيون من جميع ألوان الطيف السياسي، لنيل الرضا الشعبي. ويهنئ في نهايتها المهزوم المنتصر، ويحتفل فيه الجميع بانتصار الديمقراطية.
الآن وبعد أن انتهى «العرس الانتخابي» التركي، فإن السؤال الذي يشغل العالم ربما أكثر مما يشغل الأتراك أنفسهم، هو ماذا سيفعل أردوغان فيما أسماه القرن التركي الجديد؟ ويكتسب هذا السؤال أهميته من ضخامة الملفات الداخلية والخارجية المتشابكة التي سوف يكون على أردوغان التعامل معها بحكمة هذه المرة، بعيدا عن الاندفاع الذي ميز فترات حكمه السابقة، والذي جر عليه وعلى تركيا أزمات كثيرة، وعرضه لمكائد سياسية محلية وإقليمية وعالمية كادت تعصف به وبحزبه في الانتخابات الأخيرة.
دعونا نقول إن أردوغان سوف يجد نفسه بعد نتيجة هذه الانتخابات، وفي ظل الأوضاع الداخلية والخارجية الحالية، أمام طريقين لا ثالث لهما، وسيكون عليه أن يستخدم خبراته السياسية المتراكمة على مدار سنين طويلة، إلى جانب ذكائه في اختيار الطريق المناسب لبلاده خلال السنوات الخمسة القادمة.
الأول يتمثل في النظر إلى فوزه في هذه الانتخابات الصعبة باعتباره تفويضا شعبيا له لمواصلة سياساته الاقتصادية والخارجية الصدامية والمتأرجحة، والثاني هو التعلم من دروس الماضي وانتهاج سياسات جديدة في الداخل والخارج تكون أكثر واقعية.
في الداخل يبدو الملف الاقتصادي أخطر الملفات التي تواجه أردوغان في فترته الرئاسية الجديدة، وتحتاج حلولا عاجلة ومبتكرة ومن خارج الصندوق. فالواقع الاقتصادي - كما تقول وكالة بلومبيرج، المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، ليس على ما يرام، ويزيد تدخل البنك المركزي المستمر لدعم سعر صرف الليرة التركية الأمر سوءا، بعد أن فقدت الليرة ثلث قيمتها تقريبا مقابل الدولار، خاصة مع إصرار أردوغان شخصيا على فكرة أن خفض أسعار الفائدة سيؤدي إلى خفض التضخم، الذي قد يصل في نهاية هذا العام إلى 40 بالمائة وفقا لوكالة بلومبيرج ايكونوميكس.
الحل كما يرى البعض يبدأ بتخلي أردوغان عن تدخله الشخصي في الشأن الاقتصادي، وإسناد هذا الملف الخطير إلى فريق من التكنوقراط المتخصصين وذوي الخبرة الواسعة لقيادة الاقتصاد التركي، والسماح للبنك المركزي بالبدء في رفع أسعار الفائدة، وإلغاء الإجراءات الخاصة بدعم الليرة، واتخاذ المزيد من الإجراءات لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية على الفئات الأشد فقرا.
يبدو الأمر مختلفا قليلا في الملفات الخارجية العديدة التي تواجه أردوغان، بعد أن نجح خلال السنة الأخيرة في تصفية المشكلات التي كانت عالقة مع عدد من الدول العربية لسنوات طويلة. ولعل هذا ما يبشر بانتهاج سياسة خارجية أكثر واقعية، يتجنب من خلالها المواجهة غير الضرورية مع الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية، والدول التي لا يتوافق معها سياسيا وفكريا، وخصوصا الاتحاد الأوروبي الذي يعد الشريك الاقتصادي الأكبر لتركيا. وفي هذا الإطار تصبح الموازنة بين مطالب دول أوروبا بتطبيق العقوبات المفروضة على روسيا نتيجة الحرب الأوكرانية، وبين الموقف التركي الذي يحافظ على علاقات ودية دافئة مع روسيا أشبه بالسير على الحبال بالنسبة لتركيا وأردوغان في قادم الأيام.
سيكون على الرئيس أردوغان أن يحدد موقفه بوضوح من مختلف الأزمات العالمية، وألا يقتصر دور تركيا على الوساطة بين أطراف الصراع الغربي - الروسي، وتسهيل التوصل إلى حلول وسط في بعض القضايا مثل مفاوضات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، واتفاق السماح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر الموانئ التركية. ومن المهم كما يقول بعض المحللين أن يدرك أردوغان في هذه المرحلة أن التقارب أكثر من اللازم مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين قد يؤدي إلى تقليص نفوذه ودوره العالمي كثيرا.
ويبقى لأردوغان في هذا الملف المعالجة العقلانية للنزاع التركي - السويدي، وأن يتخلى عن رفضه انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عقابا لها على سماحها للجماعات الانفصالية الكردية بالعمل من أراضيها. ومع ذلك فإن هذا النزاع ما زال قابلا للحل، الذي يمكن أن يقرب تركيا من تحقيق أهدافها، خاصة في العلاقة بدول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المهم لأردوغان وتركيا أن يرافق هذا التحول تغييرا في اللهجة والخطاب الإعلامي الموجه للغرب والعالم، والتركيز فيه على مجالات التعاون المشترك التي تفتح آفاقا واسعة للاقتصاد التركي، وتزيد من نفوذه الشخصي على المستويين الوطني والعالمي كرجل دولة بارز وزعيم ديمقراطي منتخب.