أفكار وآراء

الزيارة السلطانية لمصر وأهمية التكامل العربي

جاءت الزيارة الرسمية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى جمهورية مصر العربية الشقيقة في توقيت مهم ومناخ عربي إيجابي لتعطي المزيد من ترسيخ وتعزيز العلاقات العمانية المصرية على مختلف الأصعدة.

شهدت الأيام الماضية حدثين مهمين على صعيد التكامل العربي وعلى صعيد إيجاد فكر متجدد في العلاقات العربية العربية الذي يهم سلطنة عمان قيادة وشعبا وهو أهمية التكامل العربي في كل المجالات، ولعل الخطاب السلطاني الأول الذي ألقاه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بعد تسلمه مقاليد الحكم خلفا للسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- هو أهمية السير في نفس نهج السياسة الخارجية لسلطنة عمان التي حققت نجاحات مشهودة على كل المستويات، علاوة على تأكيد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على تعزيز العلاقات مع الدول العربية.

ومن هنا جاء الحدث الأهم وهو الزيارة الرسمية الأولى للسلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى الشقيقة مصر، حيث كان هناك اللقاء المثمر مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وكانت هناك مباحثات مهمة بين القيادتين العمانية والمصرية في كل المجالات التي تهم البلدين الشقيقين والشعبين العماني والمصري.

وتمثل جمهورية مصر العربية طوال تاريخها القديم والحديث حلقة وصل حضارية مع التاريخ العماني القديم والحديث، حيث ربطت سلعة اللبان الاستراتيجية في ذلك العصر بين مصر الفرعونية والحضارة العمانية القديمة، فكان اللبان العماني يصدر من ظفار إلى مصر وإلى عدد من عواصم العالم القديم في بيت لحم وروما والفاتيكان وغيرها من الدول، كون اللبان العماني كان يستخدم بكميات كبيرة في الكنائس والمعابد وحتى في المجالات الطبية والعطرية في العصر الحديث.

ومن هنا جاءت زيارة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى الشقيقة مصر، والتي اختتمت مؤخرا لتعطي زخما سياسيا وإعلاميا كبيرا بين البلدين والشعبين الشقيقين، حيث تعد العلاقات العمانية المصرية من العلاقات النموذجية التي تميزت بالاحترام والتشاور والتنسيق طوال أكثر من نصف قرن.

ولعل المشهد السياسي الذي لا يزال عالقا في عقول وقلوب الشعب المصري هو ذلك الموقف العماني المشهود الذي اتخذه السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- عام ١٩٧٩ إبان معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، حيث حدثت المقاطعة العربية لمصر ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس. وقد حضرت شخصيا عددا من اجتماعات وزراء الخارجية العرب في الشقيقة تونس عامي ١٩٨٧ و١٩٨٨ موفدا من قبل جريدة عمان، وكان المشهد السياسي العربي في حالة من التشتت خاصة مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية. ومن هنا كان لوقوف سلطنة عمان قيادة وشعبا مع القيادة المصرية ومع الشعب المصري في خياراته الوطنية أثر كبير في ذلك الوفاء المصري لسلطنة عمان، وعندما تذكر العلاقات العمانية المصرية أو عند حدوث زيارة رسمية لأحد القادة من مصر أو سلطنة عمان يقفز إلى الذهن مباشرة في الإعلام المصري ذلك الموقف العماني التاريخي مع مصر، وهو الموقف الذي ثبتت صحته بعد سنوات، حيث استعادت جمهورية مصر العربية أراضيها المحتلة من قبل إسرائيل وخاصة سيناء العزيزة، كما رجعت العلاقات العربية مع مصر خلال القمة العربية في الدار البيضاء عام ١٩٨٩ بحضور السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وهي آخر قمة عربية يحضرها السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- حيث لعب دورا محوريا في عودة العلاقات العربية العربية وعودة مصر إلى مكانها الطبيعي وعودة الجامعة العربية إلى مقرها في القاهرة.

لقد حظيت زيارة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أعزه الله- باهتمام إعلامي كبير من الإعلام المصري، وكانت هناك تغطية صحفية شاملة من الصحافة المصرية والإذاعات والقنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية، كما هو الحال في وسائل الإعلام العمانية علاوة على الإعلام العربي، ومن هنا جاءت الزيارة في توقيت مهم لتعطي المزيد من ترسيخ وتعزيز العلاقات العمانية المصرية على صعيد عدد من المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والإعلامية والثروة الزراعية، خاصة أن موقعي مصر وسلطنة عمان موقعان استراتيجيان على البحار المفتوحة، حيث تقع مصر على البحر الأحمر وأيضا البحر الأبيض المتوسط وهناك ممر قناة السويس ذو الأهمية التجارية في ربط الشرق بالغرب وفي بلادنا سلطنة عمان هناك بحر عمان وبحر العرب والمحيط الهندي علاوة على الممر الملاحي الاستراتيجي وهو مضيق هرمز الذي يعد شريان الطاقة من منطقة الخليج العربي إلى الغرب وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية. كما أن هناك عددا من المجالات الحيوية، خاصة قطاع السياحة والتعليم وفي مجال البحث العلمي وفي مجال الإعلام. ومن هنا كانت الزيارة الرسمية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أيده الله- ذات أهمية خاصة في ظل مناخ عربي إيجابي حدث في نفس الفترة الزمنية، ونعني به القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية التي مثل فيها سلطنة عمان وفد رسمي برئاسة صاحب السمو السيد أسعد بن طارق نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان.

ويمكن القول بأن هناك ربطا واضحا بين عقد القمة العربية في مدينة جدة السعودية وبين الزيارة الرسمية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وهو أهمية التفرغ للتكامل العربي خاصة على الصعيد الاقتصادي والتنمية المستدامة وإنهاء الصراعات والحروب والخلافات التي استنزفت الكثير من المقدرات العربية، ولعل أولى إشارات الرؤية العربية الجديدة هي عودة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية، علاوة على إنهاء الحرب في اليمن بشكل كبير وتبادل الأسرى، كما أن هناك عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وعلى ضوء ذلك يمكن للمراقب أن يرى مناخا عربيا إيجابيا نحو إيجاد علاقات عربية عربية إيجابية وحل المشكلات من خلال الحوار وكل ذلك الانفراج في العلاقات العربية العربية وأيضا حلحلة الأزمات، وقد كان للدبلوماسية العمانية دور محوري بقيادة حكيمة ورؤية عميقة للسلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- والذي جاءت زيارته الرسمية لمصر لتعطي زخما سياسيا في مجال التعاون والتكامل العربي العربي خاصة وأن العرب لديهم من المقدرات والثروات الطبيعية والبشرية والمواقع الاستراتيجية والتاريخ والمصير المشترك ما يجعل المنطقة العربية ذات تكتل اقتصادي وتنموي يفوق أكبر التكتلات في العالم.

ومن هنا فإن زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى الشقيقة مصر ونتائجها الإيجابية، ولقاءه المثمر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأيضا نتائج القمة العربية في السعودية تعطي الأمل للأجيال العربية والتفاؤل نحو مستقبل عربي مشرق يسوده التعاون والتكامل والبناء وروح جديدة نحو إيجاد منظومة عربية يكون لها إسهام فعال في الحضارة الإنسانية كما حدث ذلك قبل قرون، خاصة أيام النهضة العربية الإسلامية.