في كريمونا: بنوك الغذاء هي بنوك الابتكار أيضا
الثلاثاء / 2 / ذو القعدة / 1444 هـ - 20:18 - الثلاثاء 23 مايو 2023 20:18
أثناء تفشي جائحة كوفيد-19، ومع تعاقب الموجات الوبائية، كافح أبطال الخطوط الأمامية للغذاء للتكيُّف مع الاحتياجات المتغيرة للمنظومة، مع الامتثال للتدابير الوقائية في الوقت ذاته، والابتكار في تكوين شبكات الغذاء البديلة، وتنويع المنافذ المتاحة للمستهلكين في ظل التباعد الاجتماعي، ومواجهة النقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية، بسبب ما سُميَّ آنذاك «شراء الذعر»، الناتج عن تهافت المستهلكين على شراء كميات كبيرة من الغذاء، وتخزينها تحسبًا لأية طوارئ خلال فترات الإغلاق، وفي خضم هذه التحديات والأحداث الكبرى ظهرت بنوك الغذاء في مدينة كريمونا الإيطالية الواقعة بالقرب من ميلانو، لتُلهم العالم دروسًا في الابتكار المجتمعي.
عصفت موجة الوباء الأولى لفيروس كورونا بشدة في إيطاليا، شهد العالم عبر وسائل الإعلام ارتفاع الوفيات ومعدلات العدوى بين إجمالي السكان ومن مختلف الفئات العمرية، فيما تأثر الهيكل الاقتصادي بالقيود المفروضة للحد من العدوى، وأصابت هذه القيود منظومة الغذاء بالشلل، فمن جهة أسفر الإغلاق عن تعطل سلاسل التوريد، وأدّى «شراء الذعر» والاكتناز إلى انخفاضٍ حاد في تدفق التبرعات للمؤسسات الخيرية وبنوك الغذاء، مما تسبب في استمرار تقلبات الأسعار، وزيادة الفاقد والمهدر من الغذاء، وبذلك ارتفعت مخاطر الاختلالات المؤدية للعجز الغذائي، وبدأت المؤسسات الحكومية تئن من ضغوطات الطلب المستمر على الخدمات الأساسية، وسواءً في إيطاليا المثقلة بتداعيات الجائحة، أو في أي بقعة على هذا الكوكب، كانت الأنظار تتجه نحو الجمعيات التطوعية، ومؤسسات الأعمال الخيرية، للمبادرة في إعادة تشكيل الممارسات الاجتماعية بقيمٍ من التضامن، وحس المسؤولية الأخلاقية، استجابةً للتحديات المُلحَّة لتطورات الجائحة المحفوفة بعدم الوضوح.
في البدء تعالوا نتوقف عند أكثر التعريفات قربًا لواقع الابتكار المجتمعي في سياق تعزيز مرونة النظم الغذائية الوطنية، وعلاقتها الوطيدة بمحور «الابتكار في الأزمات» كما يقول المثل العربي: الحاجة أم الاختراع، إذ تفرض الأزمات ضرورة إحداث تغييرات ابتكارية، وتكنولوجية، ومؤسسية، والمكسب الاستراتيجي هو أن الدروس المستخلصة من إدارة الأزمات لا تعد فقط مصدرًا لإدارة أزمات مشابهة في المستقبل، وإنما هي أدوات فعالة من أجل الوصول لفهم أعمق للعمليات الابتكارية، وتحويلها إلى نماذج عمل تسهم في استدامة النظم الغذائية الوطنية، والمحافظة على مرونتها، والاستعداد بشكل أفضل للصدمات المستقبلية، والظروف غير المتوقعة.
تشير الأدبيات إلى أن مصطلح الابتكار المجتمعي قد استحوذ على الاهتمام الأكاديمي منذ ظهوره في الساحة المعرفية نهاية القرن الماضي، هو يُعنى بالإجمال بعملية إعادة تشكيل الممارسات الاجتماعية، من خلال إدخال تغييرات في الهياكل الثقافية، أو المعيارية، أو التنظيمية، وتفعيل موارد التفكير والابتكار الجماعية، استجابةً للتحديات المجتمعية عميقة الجذور، وهي تتضمن توليد وتنفيذ أفكار جديدة منبعها فكر المجتمع الذي يعايش هذه التحديات، ولديه «السياق المحلي» لطبيعة هذه الصعوبات، وبذلك فالابتكار المجتمعي يحمل قدرًا كبيرًا من الأصالة، كونه يتبع مناهج تصاعدية لإعادة توازن علاقات التأثير بين جميع أطراف التحديات، وتوليد قيمة اجتماعية ملموسة من الشراكة المجتمعية، والالتزام المشترك بين القطاعين الحكومي والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، من منظور ديناميكي طويل المدى.
وهذا يقودنا إلى التساؤلات المحورية وهي: ماذا يكسب العالم من قراءة تجربة بنوك الغذاء في مدينة كريمونا الإيطالية خلال جائحة كوفيد -19 كتجربة ابتكار مجتمعي نموذجية؟ وما مدى ارتباط مبادراتها في مواجهة العجز الغذائي بركائز الابتكار المجتمعي القائم على تمكين المجتمع المحلي في طرح حلول مستدامة؟ وكيف ساهم هذا النموذج الابتكاري لبنوك الغذاء في كريمونا في توليد فوائد امتدت لخارج حدود العمل التطوعي، ولما بعد الجائحة؟ تعد كريمونا واحدة من أولى مدن إيطاليا التي تأثرت بشكلٍ كبير بالوباء، وعانت منظومة الغذاء بانقطاعات في سلسلة التوريد، وتفاقمت مخاطر انعدام الأمن الغذائي مع تصاعد التدابير الصارمة لاحتواء زيادة حالات العدوى، وواجهت بنوك الغذاء ارتفاع الطلب على المواد الغذائية بنوعين من التدخلات الاستراتيجية، إذ جاء التدخل السريع خلال الموجة الوبائية الأولى التي امتدت من مارس إلى بداية أغسطس من عام 2020م، وتضمنت مجموعة من المبادرات التطوعية المتفرقة لشركاء بنوك الغذاء من منتجي وموردي الغذاء المحليين، وكذلك من المتبرعين، وذلك تماشيا مع حملة التضامن على المستوى الوطني التي أطلقت آنذاك، فبدأت بلدية كريمونا بتسيير عمل بنوك الغذاء في جمع التبرعات وتوزيعها على الفئات الأكثر احتياجًا، ثم بدأت الموجات الوبائية تتوالى مع مخاطر عالية من عدم الوضوح المستقبلي، حينها كانت بنوك الغذاء قد عبرت منحنى التعلم، وصارت أكثر جاهزية في التعاطي مع المستجدات الوبائية باتباع النهج اللامركزي.
جلبت تجربة الموجة الوبائية الأولى رؤى ابتكارية في بنوك الغذاء، ارتكزت على الجانب المؤسسي وعلى مستوى تبنّي تكنولوجيا الاتصالات، حيث طورت هذه البنوك ابتكارات تنظيمية شملت إعداد الاستراتيجيات الجديدة، والهياكل الداخلية الداعمة للتنظيم الذاتي، والشراكات الخارجية متعددة الأبعاد، باعتبارها عناصر ابتكار حيوية تعزز من مرونة النظم الغذائية، وقدرتها على الصمود والاستدامة، وفي هذا الإطار وضعت بنوك الغذاء مواثيق عمل جديدة غيَّرت معالم وفلسفة الجانب الخيري لهذه البنوك، وفي مقدمتها ضمان الوصول إلى إمدادات غذائية متنوعة ومستقرة، بدلًا من الاعتماد على تدفق التبرعات بفائض الغذاء فحسب، والتقليل من البصمة البيئية لقطاع التصنيع الغذائي، وبناء رأس المال الاجتماعي من خلال استقطاب المتبرعين والمتطوعين، وتأسيس شبكات الغذاء البديلة التي تتوافق مع ضرورة التباعد الاجتماعي.
وبذلك تصدرت بنوك الغذاء مشهد العمل الاجتماعي في كريمونا، هذه المؤسسات الفريدة من نوعها لم تعد مجرد مستودعات حفظ وإعادة توزيع الغذاء، لكنها صارت هياكل أساسية في منظومة الأمن الغذائي، ويترابط دورها الاستراتيجي بشكل مباشر مع ثلاثة من أهداف التنمية المستدامة؛ ينص الهدف الأول على «القضاء على الفقر بجميع أشكاله»، والهدف الثاني هو «القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين التغذية، وتعزيز الزراعة المستدامة»، والهدف الثاني عشر المتعلق بمحور «ضمان الاستهلاك، وأنماط الإنتاج المستدام»، الذي يتضمن هدفًا فرعيًّا يطمح بحلول عام 2030 إلى خفض نصيب الفرد من نفايات الغذاء العالمية إلى النصف، على مستوى البيع بالتجزئة، والمستهلكين، وتقليل الفاقد والمهدر من الغذاء على طول سلاسل الإنتاج والإمداد، بما في ذلك خسائر ما بعد الحصاد.
أما تاريخيا، فقد ظهر أول بنك للغذاء في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الستينيات من القرن الماضي، على يد رجل الأعمال المتقاعد جون فان هينغيل، إذ أسس في البداية ما سُميَّت «مطابخ الحساء المجانية»، وكانت تطعم الجياع والمحتاجين خلال فصل الشتاء، ثم طوّر الفكرة بجمع تبرعات الغذاء من المزارع الإنتاجية، وبيوت الأثرياء، ومنشآت الضيافة والفندقة، ووضع آليات إعادة توزيعها على الفئات الأكثر احتياجًا، وأطلق عليها بنك الغذاء، الذي انتشر بسرعة هائلة مع استنساخ هذه الفكرة في عموم الولايات الأمريكية، وبحلول عام 1977م، عبرت فكرة بنوك الغذاء حدود أمريكا إلى العالمية.
وبذات الآلية تكرر المشهد في مختلف دول العالم، إذ انبثقت بنوك الغذاء من الجهود الخيرية، ممثلة بذلك دور «القطاع الثالث»، أو المجتمع المدني في تعزيز المنظومة الكبرى للغذاء، وبقراءة نموذج كريمونا، نجد أن بنوك الغذاء نجحت باقتدار في إظهار مرونة عالية في مواجهة الأزمات الاجتماعية، على مستوى الممارسات، وكحاضنات للأفكار الابتكارية، التي تتجاوز مهماتها جمع وتوزيع المواد الغذائية، لتكون أحد أهم مدخلات نمذجة السياسات الغذائية، وتوفير مساحات للإلهام، ودعم التعلم المتبادل، وبناء الثقة بين جميع الفاعلين، وتوليد المعرفة الجماعية المبتكرة، وإنشاء إطار عمل تعاوني مشترك، يسعى إلى تحويل مطالب الاستدامة الغذائية إلى محركات قوية للتغيير الإيجابي في أنظمة الغذاء، أثناء الأزمات وفي جميع الحالات.
عصفت موجة الوباء الأولى لفيروس كورونا بشدة في إيطاليا، شهد العالم عبر وسائل الإعلام ارتفاع الوفيات ومعدلات العدوى بين إجمالي السكان ومن مختلف الفئات العمرية، فيما تأثر الهيكل الاقتصادي بالقيود المفروضة للحد من العدوى، وأصابت هذه القيود منظومة الغذاء بالشلل، فمن جهة أسفر الإغلاق عن تعطل سلاسل التوريد، وأدّى «شراء الذعر» والاكتناز إلى انخفاضٍ حاد في تدفق التبرعات للمؤسسات الخيرية وبنوك الغذاء، مما تسبب في استمرار تقلبات الأسعار، وزيادة الفاقد والمهدر من الغذاء، وبذلك ارتفعت مخاطر الاختلالات المؤدية للعجز الغذائي، وبدأت المؤسسات الحكومية تئن من ضغوطات الطلب المستمر على الخدمات الأساسية، وسواءً في إيطاليا المثقلة بتداعيات الجائحة، أو في أي بقعة على هذا الكوكب، كانت الأنظار تتجه نحو الجمعيات التطوعية، ومؤسسات الأعمال الخيرية، للمبادرة في إعادة تشكيل الممارسات الاجتماعية بقيمٍ من التضامن، وحس المسؤولية الأخلاقية، استجابةً للتحديات المُلحَّة لتطورات الجائحة المحفوفة بعدم الوضوح.
في البدء تعالوا نتوقف عند أكثر التعريفات قربًا لواقع الابتكار المجتمعي في سياق تعزيز مرونة النظم الغذائية الوطنية، وعلاقتها الوطيدة بمحور «الابتكار في الأزمات» كما يقول المثل العربي: الحاجة أم الاختراع، إذ تفرض الأزمات ضرورة إحداث تغييرات ابتكارية، وتكنولوجية، ومؤسسية، والمكسب الاستراتيجي هو أن الدروس المستخلصة من إدارة الأزمات لا تعد فقط مصدرًا لإدارة أزمات مشابهة في المستقبل، وإنما هي أدوات فعالة من أجل الوصول لفهم أعمق للعمليات الابتكارية، وتحويلها إلى نماذج عمل تسهم في استدامة النظم الغذائية الوطنية، والمحافظة على مرونتها، والاستعداد بشكل أفضل للصدمات المستقبلية، والظروف غير المتوقعة.
تشير الأدبيات إلى أن مصطلح الابتكار المجتمعي قد استحوذ على الاهتمام الأكاديمي منذ ظهوره في الساحة المعرفية نهاية القرن الماضي، هو يُعنى بالإجمال بعملية إعادة تشكيل الممارسات الاجتماعية، من خلال إدخال تغييرات في الهياكل الثقافية، أو المعيارية، أو التنظيمية، وتفعيل موارد التفكير والابتكار الجماعية، استجابةً للتحديات المجتمعية عميقة الجذور، وهي تتضمن توليد وتنفيذ أفكار جديدة منبعها فكر المجتمع الذي يعايش هذه التحديات، ولديه «السياق المحلي» لطبيعة هذه الصعوبات، وبذلك فالابتكار المجتمعي يحمل قدرًا كبيرًا من الأصالة، كونه يتبع مناهج تصاعدية لإعادة توازن علاقات التأثير بين جميع أطراف التحديات، وتوليد قيمة اجتماعية ملموسة من الشراكة المجتمعية، والالتزام المشترك بين القطاعين الحكومي والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، من منظور ديناميكي طويل المدى.
وهذا يقودنا إلى التساؤلات المحورية وهي: ماذا يكسب العالم من قراءة تجربة بنوك الغذاء في مدينة كريمونا الإيطالية خلال جائحة كوفيد -19 كتجربة ابتكار مجتمعي نموذجية؟ وما مدى ارتباط مبادراتها في مواجهة العجز الغذائي بركائز الابتكار المجتمعي القائم على تمكين المجتمع المحلي في طرح حلول مستدامة؟ وكيف ساهم هذا النموذج الابتكاري لبنوك الغذاء في كريمونا في توليد فوائد امتدت لخارج حدود العمل التطوعي، ولما بعد الجائحة؟ تعد كريمونا واحدة من أولى مدن إيطاليا التي تأثرت بشكلٍ كبير بالوباء، وعانت منظومة الغذاء بانقطاعات في سلسلة التوريد، وتفاقمت مخاطر انعدام الأمن الغذائي مع تصاعد التدابير الصارمة لاحتواء زيادة حالات العدوى، وواجهت بنوك الغذاء ارتفاع الطلب على المواد الغذائية بنوعين من التدخلات الاستراتيجية، إذ جاء التدخل السريع خلال الموجة الوبائية الأولى التي امتدت من مارس إلى بداية أغسطس من عام 2020م، وتضمنت مجموعة من المبادرات التطوعية المتفرقة لشركاء بنوك الغذاء من منتجي وموردي الغذاء المحليين، وكذلك من المتبرعين، وذلك تماشيا مع حملة التضامن على المستوى الوطني التي أطلقت آنذاك، فبدأت بلدية كريمونا بتسيير عمل بنوك الغذاء في جمع التبرعات وتوزيعها على الفئات الأكثر احتياجًا، ثم بدأت الموجات الوبائية تتوالى مع مخاطر عالية من عدم الوضوح المستقبلي، حينها كانت بنوك الغذاء قد عبرت منحنى التعلم، وصارت أكثر جاهزية في التعاطي مع المستجدات الوبائية باتباع النهج اللامركزي.
جلبت تجربة الموجة الوبائية الأولى رؤى ابتكارية في بنوك الغذاء، ارتكزت على الجانب المؤسسي وعلى مستوى تبنّي تكنولوجيا الاتصالات، حيث طورت هذه البنوك ابتكارات تنظيمية شملت إعداد الاستراتيجيات الجديدة، والهياكل الداخلية الداعمة للتنظيم الذاتي، والشراكات الخارجية متعددة الأبعاد، باعتبارها عناصر ابتكار حيوية تعزز من مرونة النظم الغذائية، وقدرتها على الصمود والاستدامة، وفي هذا الإطار وضعت بنوك الغذاء مواثيق عمل جديدة غيَّرت معالم وفلسفة الجانب الخيري لهذه البنوك، وفي مقدمتها ضمان الوصول إلى إمدادات غذائية متنوعة ومستقرة، بدلًا من الاعتماد على تدفق التبرعات بفائض الغذاء فحسب، والتقليل من البصمة البيئية لقطاع التصنيع الغذائي، وبناء رأس المال الاجتماعي من خلال استقطاب المتبرعين والمتطوعين، وتأسيس شبكات الغذاء البديلة التي تتوافق مع ضرورة التباعد الاجتماعي.
وبذلك تصدرت بنوك الغذاء مشهد العمل الاجتماعي في كريمونا، هذه المؤسسات الفريدة من نوعها لم تعد مجرد مستودعات حفظ وإعادة توزيع الغذاء، لكنها صارت هياكل أساسية في منظومة الأمن الغذائي، ويترابط دورها الاستراتيجي بشكل مباشر مع ثلاثة من أهداف التنمية المستدامة؛ ينص الهدف الأول على «القضاء على الفقر بجميع أشكاله»، والهدف الثاني هو «القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين التغذية، وتعزيز الزراعة المستدامة»، والهدف الثاني عشر المتعلق بمحور «ضمان الاستهلاك، وأنماط الإنتاج المستدام»، الذي يتضمن هدفًا فرعيًّا يطمح بحلول عام 2030 إلى خفض نصيب الفرد من نفايات الغذاء العالمية إلى النصف، على مستوى البيع بالتجزئة، والمستهلكين، وتقليل الفاقد والمهدر من الغذاء على طول سلاسل الإنتاج والإمداد، بما في ذلك خسائر ما بعد الحصاد.
أما تاريخيا، فقد ظهر أول بنك للغذاء في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الستينيات من القرن الماضي، على يد رجل الأعمال المتقاعد جون فان هينغيل، إذ أسس في البداية ما سُميَّت «مطابخ الحساء المجانية»، وكانت تطعم الجياع والمحتاجين خلال فصل الشتاء، ثم طوّر الفكرة بجمع تبرعات الغذاء من المزارع الإنتاجية، وبيوت الأثرياء، ومنشآت الضيافة والفندقة، ووضع آليات إعادة توزيعها على الفئات الأكثر احتياجًا، وأطلق عليها بنك الغذاء، الذي انتشر بسرعة هائلة مع استنساخ هذه الفكرة في عموم الولايات الأمريكية، وبحلول عام 1977م، عبرت فكرة بنوك الغذاء حدود أمريكا إلى العالمية.
وبذات الآلية تكرر المشهد في مختلف دول العالم، إذ انبثقت بنوك الغذاء من الجهود الخيرية، ممثلة بذلك دور «القطاع الثالث»، أو المجتمع المدني في تعزيز المنظومة الكبرى للغذاء، وبقراءة نموذج كريمونا، نجد أن بنوك الغذاء نجحت باقتدار في إظهار مرونة عالية في مواجهة الأزمات الاجتماعية، على مستوى الممارسات، وكحاضنات للأفكار الابتكارية، التي تتجاوز مهماتها جمع وتوزيع المواد الغذائية، لتكون أحد أهم مدخلات نمذجة السياسات الغذائية، وتوفير مساحات للإلهام، ودعم التعلم المتبادل، وبناء الثقة بين جميع الفاعلين، وتوليد المعرفة الجماعية المبتكرة، وإنشاء إطار عمل تعاوني مشترك، يسعى إلى تحويل مطالب الاستدامة الغذائية إلى محركات قوية للتغيير الإيجابي في أنظمة الغذاء، أثناء الأزمات وفي جميع الحالات.