أفكار وآراء

هذه هي أكبر مخاطر الذكاء الاصطناعي

ترجمة - أحمد شافعي

تمثل المواجهة بين الذكاء الاصطناعي المارق والبشر موضوعا شائعا في الخيال العلمي. وأتصوَّر أن هذه المواجهة قد تقع بالفعل. ولكن خطرا أقرب من هذا يتمثل في المواجهة بين البشر والبشر مع استعمال الذكاء الاصطناعي استعمال السلاح الفتاك من كلا الجانبين. وهذا الخطر يتعاظم بسرعة لأن ثمة سباق تسلح دوليا في الذكاء الاصطناعي المعسكر.

والأمر الذي يجعل سباق التسلح في الذكاء الاصطناعي مفزعا للغاية هو أنه يقلص دور التقدير البشري. فلو أن بوسع برامج الشطرنج المصممة للتحرك السريع أن تنهي مباراة ضد بعضها بعضا خلال ثوان معدودات، فإن بوسع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تقرأ تحركات بعضها بعضا أن تنتقل من السلم إلى الحرب بالسرعة نفسها.

على الورق، يبقى القادة العسكريون والسياسيون هم «المسيطرون» مثلما يقول علماء الكمبيوتر. لكن كيف لهؤلاء القادة المسيطرين أن يتخذوا رد فعل عندما تعلن أنظمة الذكاء الاصطناعي أن هجمة من الطرف الآخر يمكن أن تكون على بعد لحظات فتوصي من ثم بهجمة وقائية؟ هل يتجاسر القادة حينئذ على تجاهل مخرجات الصندوق الأسود الغامض الذي أنفقوا مئات المليارات من الدولارات على تطويره؟ وإذا ضغطوا الزر [أي زر الهجوم] امتثالا لما يقوله لهم الذكاء الاصطناعي، فهم حينئذ المسيطرون بالقول لا بالفعل. وإذا تجاهلوا، بناء على حدس ما، فقد تكون العواقب وخيمة بالقدر نفسه.

إن التقاطع القائم بين الذكاء الاصطناعي القادر على إجراء الحسابات بسرعة تفوق سرعة البشر مليون مرة، وبين الأسلحة النووية التي تفوق قوتها قوة أي سلاح تقليدي مليون مرة، تقاطع مفزع بقدر تقاطعات أخرى قادمة.

لقد ولِد هنري كيسنجر -الذي يبلغ من العمر مائة عام في السابع والعشرين من مايو الجاري- حينما كانت الحرب لم تزل تقوم على الخيول. وكيسنجر الآن، وقد كان وزيرا للخارجية في عهد الرئيسين نيكسن وفورد، يتأمل في الحرب القائمة على الذكاء الاصطناعي. وقد قرأت أخيرا كتاب «عصر الذكاء الاصطناعي ومستقبلنا الإنساني» الصادر سنة 2021 من تأليفه هو وإريك شميت الرئيس التنفيذي السابق ورئيس مجلس إدارة جوجل، ودانيال هاتنلوتشر العميد المؤسس لكلية شوارزمان للحوسبة التابعة لمعهد مساتشوستس للتكنولوجيا. وقد صدر الكتاب في العام الماضي مذيلا بملاحظة حول بعض التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي.

كتب المؤلفون الثلاثة «أن حقبة الذكاء الاصطناعي تنطوي على خطر تعقيد ألغاز الاستراتيجية الحديثة تعقيدا يفوق خيال البشر، بل ربما يفوق الفهم البشري الكامل».

يتمثل الحل الواضح في إيقاف تطوير الذكاء الاصطناعي المعسكر. وإن حملة (إيقاف الروبوت القاتل) ترى أن «قرارات الحياة والموت لا يجب أن توكل إلى آلة. ولقد حان الوقت لأن ينظم القانون الدولي هذه التقنيات».

لكن فرص الإيقاف هزيلة. فقد قال جريجوري ألين، المدير السابق للاستراتيجية والسياسة في مركز الذكاء الاصطناعي المشترك التابع للبنتاجون، لبلومبرج إن جهود الأمريكيين للتواصل مع نظرائهم في الصين لم تنجح.

ولن يوقف الأمريكيون تطوير الذكاء الاصطناعي المعسكر منفردين. فقد قال جون شيرمان، كبير مسؤولي المعلومات في البنتاجون، في مؤتمر للأمن السيبراني هذا الشهر: «إذا توقفنا نحن، فخمنوا من الذي لن يتوقف: إنهم أعداء محتملون في الخارج. فعلينا أن نستمر في التحرك».

يضغط شميت من أجل تطوير قدرات أمريكية في الذكاء الاصطناعي المعسكر من خلال (المشروع الخاص للدراسات التنافسية)، وهو مؤسسة تابعة لصندوق إريك آند ويني شميت للابتكار الاستراتيجي. ويكرر تقرير صدر هذا الشهر دعوة المشروع إلى «التفوق العسكري التكنولوجي على جميع الخصوم المحتملين، بما في ذلك جيش التحرير الشعبي الصيني».

في ما يتعلق بالموضوع الحاسم المتمثل في الحفاظ على السيطرة للبشر، يفضِّل مشروع شميت «التعاون بين الإنسان والآلة» و«التعاون الجماعي القتالي بين الإنسان والآلة». حيث يتعلق الخيار الأول باتخاذ القرار، ويتعلق الأخير بـ«تنفيذ المهمات المعقدة، ومن بينها العمليات القتالية». ويقول التقرير إنه يمكن للبشر والآلات، من خلال العمل معا، إنجاز أكثر مما يمكن لأي منهما إنجازه بمفرده.

لا يناصر مشروع شميت الأسلحة ذات الاستقلال الذاتي. لكن الحقيقة هي أن البنتاجون لديه بالفعل بعض من هذه الأسلحة. ومثلما أشار ديفيد سانجر في صحيفة التايمز هذا الشهر، فإنه يمكن لصواريخ باتريوت أن تنطلق دونما تدخل بشري «في مواجهة أهداف قادمة تكون أسرع من قدرة الإنسان على رد فعل». وحتى في تلك المرحلة، يفترض أن تخضع صواريخ باتريوت لإشراف من البشر. لكن من الناحية الواقعية، لو أن الكمبيوتر عاجز عن مواكبة ضباب الحرب وغموضها، فما فرص الإنسان في حالة كهذه؟

لقد قال جورج كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا في نهاية الحرب العالمية الأولى، إن الحرب أهم كثيرا من أن توكل إلى العسكريين. وكان يقصد من ذلك أن القادة المدنيين هم الذين يجب أن يتخذوا القرارات النهائية. لكن سباق التسلح في الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقودنا في يوم من الأيام إلى النقطة التي لن يرى فيها القادة المدنيون أي خيار سوى التنازل عن القرارات النهائية لأجهزة الكمبيوتر. فعندئذ سوف تعد الحرب أهم كثيرا من أن يترك أمرها للبشر.

بيتر كوي كاتب أمريكي في مجال الاقتصاد والأعمال والتمويل.

خدمة نيويورك تايمز