الفنان حكمت داوود لـ «عمان»: الأزياء جواز سفر بصري للشخصية للدخول إلى عوالم العمل الفني
يملك مخزونا من الموروث الخليجي وينتظر الفرصة لبلورته في عمل درامي
الجمعة / 28 / شوال / 1444 هـ - 21:21 - الجمعة 19 مايو 2023 21:21
لا أفرق بين نجم وكومبارس في تقديم الزي ولكل منهما أهميته لإنجاح العمل
تنوع البيئة السورية والنسيج السكاني يوحي لي بما أقدمه من أزياء
الشغف بالأزياء أطلعني على ثقافة وتقاليد الشعوب وجعلني أنهل من هذا الجمال
بعض الشركات تستغني عن مصمم الأزياء لتقليص الميزانية في المكان الخطأ وهذا يؤثر في جودة العمل
أمارس الرسم لأفرغ طاقتي وأعبر عما يحيط بي.. وأرسم الوجوه لأنها ذاكرة الحياة
أحلق في فضاءات الشعر لأدون إرهاصات الحياة والموت والحب والحرب والنساء
هناك مبدعون كثر في مجالات كثيرة لا تسلط عليهم الأضواء كثيرا، وهم كالجنود المجهولين يعملون بصمت ويبدعون، كنت في أوقات كثيرة أحاول الدخول إلى عوالم هؤلاء والتعرف إليهم ووضعهم أمام القراء والمتابعين ففيهم من يستحق المتابعة. ومن بين هؤلاء يبرز اسم مصمم الأزياء السوري حكمت داوود الذي كانت بصمته في الموسم الرمضاني الفائت واضحة للعيان، وجعلت المتابعين يتساءلون عن سر الإبداع في أزياء الممثلين.
حكمت داوود الذي تعمقت في مسيرته الإبداعية وجدتها تزخر بمعارف كثيرة، فبالإضافة لعمله الأساسي كمصمم أزياء من الدرجة الممتازة، لمست فيه روح الشاعر الراقي، ومن بين أنامله خرجت لوحات تضاهي بجماليتها وتعابيرها أجمل اللوحات. يبدع في التصوير الفوتوغرافي ويقدم لنا جمالية الأماكن ويغازل الذاكرة بالموروث الحضاري والمكاني الجميل. حاولت في هذه المساحة أن أقدم المبدع حكمت داوود كما يجب فكان هذا الحوار:
دعنا نبدأ من موضوع الأزياء في الأعمال الدرامية وأهمية أن تكون متناسبة مع زمن العمل وتوقيته وظروفه، وهل هناك اهتمام بشكل عام بهذا الموضوع من قبل صناع الدراما؟ وألا يوجد تأفف من الكلفة الزائدة أو مقدار ما يتطلبه وجود فريق لأجل ملابس الفنانين؟
حين تكون الأزياء قيمة فنية ومعنوية وجمالية فلا بد لها من أن تكون متناسبة مع البيئة المكانية والزمانية للعمل المراد تقديمه وإلا فإنها ستنعكس سلبا على مجمل العمل الفني ولن تساهم في تقديم العمل بالشكل المناسب، فالأزياء تعتبر جواز سفر بصري للشخصية للدخول على عوالم العمل الفني، وبالتالي إلى فكر وعقل المتلقي أو المشاهد، وأعتقد أن أي خلل مهما كان بسيطا يخل بهذا المفهوم عن الأزياء في العمل الفني هو إخلال بمجمل العمل، لذلك تكتسب الأزياء المرتبة الأولى في إبراز شكل وماهية وانتماء الشخصية، وتكاد أن تفهم الشخصية من النظرة الأولى، فتكوَن فكرة عن القيمة الاجتماعية والطبقية التي ينتمي إليها الشخص، فلذلك حتى شركات الإنتاج والمنتجين يبدون الاهتمام بهذا المفهوم وتتراوح مفاهيم هذه الشركات بقدر اهتمامها بعملها الفني.
شاهدناك في هذا الموسم الدرامي في عدة أعمال متميزة جدا وهي «العربجي» و«مربى العز» و«حارة القبة» قدمت فيها أزياء على مستوى راقي، وألوان مفعمة بالحياة، وفيها تطريز أخاذ، من أين استوحىيت كل هذا الدفق من الجمال في الملابس؟
سوريا هذه البلاد الجميلة التي ننتمي إليها غنية بإرثها التاريخي، وغناها الحضاري على مدى التاريخ، ومن يبحث في التاريخ فإنه سيتلمس هذا الجمال والتنوع الغني، فمنذ فجر التاريخ كانت الأزياء مرآة الإنسان في إبراز جماليات انتمائه، ناهيك عن الحاجة الحياتية اليومية، فهذه المرآة كانت ولا تزال انعكاسا لانتماء المرء وعاداته وتقاليده التي تبرز الهوية الحقيقية للإنسان، فعمق الحضارة السورية وتنوعها على مر التاريخ أكسبها جماليات لا يمكن للمرء تجاهلها ولا بد أن هذا الجمال ينعكس على ملبس وزخارف ومنمنمات ورموز هذا الانتماء ولا يخفى على أحد أن دمشق وحلب والكثير من المدن الكبيرة في سوريا كانت تأخذ من النسيج مصدر رزق وإنتاج وكانت تكثر فيها معامل النول والنسيج في معظم البلاد السورية الأمر الذي ساهم في تنوع خامات النسيج وطرق إنتاجها، وما أن تنهل من نبع هذا الإنتاج المتنوع حتى تصل إلى نتائج تعكسها على الشاشة كما في مسلسلات مربى العز وحارة القبة والعربجي والكثير الكثير من المسلسلات السورية التي كانت الأزياء فيها أحد أعمدة النجاح.
لم تكن تلك الأعمال هي الأولى في مسيرة المصمم والفنان حكمت داودد فقد عملت منذ بداية مسلسل «باب الحارة» وقبلها «هجرة القلوب إلى القلوب» وتوالت الأعمال، حدثنا عن هذه المسيرة المهنية بحلوها وجمالها، وعن كواليس بعض هذه الأعمال التي أجدت فيها.
تنوعت الأعمال الدرامية التي عملت فيها ما بين الكوميدي والتاريخي والبيئي ولكل منها متعته الخاصة التي أخذتني على عوالمها المختلفة التي أبهرتني وزاد تعلقي بها. أن تحب مهنة ما ستبدع فيها بلا أدنى شك، لذلك لا تقحم نفسك في أعمال لا تعشقها فإن ذلك سيؤثر سلبا على مستقبلك، مهما كانت المهنة يجب أولا وأخيرا أن تحبها، وتعطيها كامل قدراتك في سبيل إنجاحها، أما مهنة الدراما فمن كثرة اتساع مواضيعها وتشعباتها تتطلب منك البحث الدائم عن الجديد، الدراما عملية إبداعية متجددة على مر السنين يجب مواكبة عناصرها الفنية دوما التي أحد أهم عناصرها النص، لذلك القراءة والاطلاع على الأدب المحلي والعالمي يشذب قدرتك على قراءة النصوص الدرامية بشكل أفضل، وبالتالي يأخذك هذا الأدب إلى دخول عوالم جديدة تساعدك على فهم ماهية العمل الفني والبيئات وعوالم الشخصيات وأماكن عيشها، وقد أكون من هؤلاء الأشخاص الذين يتعطشون لقراءة الأدب العالمي وتسخير هذه المعرفة في رسم شخصيات العمل الذي أكون بصدده، وأنا أقرأ النصوص أعيش في عوالمها الداخلية وطرق عيشها وملبسها وانتمائها وهذه الحقيقة متعة جميلة في فهم الشخصيات.
كواليس الأعمال كثيرة ومحببة وعلاقاتي بكل الممثلين السوريين بمختلف أعمارهم ومشاربهم فيها الكثير من الاحترام المتبادل، وتحدث معنا مواقف طريفة وجميلة تكون جزءا من الترفيه بعيدا عن متاعب العمل والانهماك به، أثناء التصوير تحدث أمور كثيرة لا يتسع المكان لذكرها.
من دراستك في الفلسفة إلى التصميم والفن وعالم الأزياء كيف سارت بك الحياة إلى هذه الدروب الكثيرة؟ وكيف تولد لديك هذا الشغف بالتصميم؟ ومن شجعك؟
قد تكون مدينتي الجميلة القامشلي المميزة بتنوع إرثها الفلكلوري وغناها الثقافي مدخلا لي لمعرفة التنوع في ملابس الناس، ففي القامشلي هناك الكرد والعرب والأرمن والسريان والأشوريون والتركمان وغيرهم الكثير من الثقافات المتعايشة الذين يختلفون في ملابسهم مما يجعلك تتساءل وتبحث عن أسباب هذا الاختلاف في ملابس الناس؛ هذا كان السبب الأهم في توجهي إلى الأزياء، وإن لم أكن مخطئا فالأزياء أيضا هي فلسفة كونها تلامس الحياة اليومية للشخص وطريقة ملبسه وكمية الزخارف التي تطرز ثيابه وهي بلا شك نابعة من الثقافة البيئية التي تحيط به، هي ميثولوجيا وتاريخ ومعرفة البشر لمحيطهم والعيش مع هذه البيئة، الأزياء لم تعد حاجة حياتية بحتة فقط لكنها حاجة ثقافية وجمالية أيضا، لهذه الأسباب فالشغف بالأزياء يأتي من كونها تطلعك على ثقافة وتقاليد الشعوب وتجعلك تنهل من هذا الجمال، الذي يجعلك دائم العطش للمعرفة، لتأتي دمشق أخيرا وتشذب هذا الحب للمعرفة وتقدم لك كل ما عندها لتنهل من هذا النبع وتكوّن معرفتك وتلبي حاجاتك المتنوعة.
قادما من أقصى شرق البلاد في سوريا من القامشلي حيث التنوع الجمالي، إلى مدينة دمشق العاصمة، ما الذي حملته معك من هناك؟ وما الذي وجدته هنا في عالمك الفني؟
دمشق الأم الثانية لكل سوري، دمشق للجميع، تعطف عليك وترعاك وتحبك، كل ما عليك أن تبادلها هذا الحب، لدمشق الفضل الأكبر في تشذيب حياتي الفنية فهي موطن لكل متعطش للثقافة، تغريك دمشق ببيوتاتها الطينية الحنونة، بأزقتها، وناسها، وبمعارض الفن والتشكيل، بشعرائها وبروادها من كافة الدول، دمشق موطن للفن والإبداع، هي كرمانة محشوة بالياسمين ما أن تفتح أبوابها لك حتى تعيش في ألوانها وتعشق ما بداخلها وتعيش في نصاعة عبيرها الفني، دمشق عطرتني بهذا الأريج الحلو وفتحت لي أبواب الجمال وكنت أمينا في أعمالي الفنية للحفاظ على هذا التنوع الجميل.
ما أهمية الملابس في الأعمال الدرامية سواء التاريخية أو البيئية أو الاجتماعية؟ وكيف تستنبط أفكارك للملابس لكل عمل على حدة؟ وماذا يتطلب منك من وقت؟
الملابس في الأعمال الدرامية تعتبر انعكاسا مباشرا للشخصية سواء شكلها أو نوعيتها أو انتماؤها الاجتماعي، لذلك تكتسب الأزياء الحيز الأهم في تشكيل الفكرة الأولى عن الشخصية الفنية، لذلك من خلال قراءة النص الذي هو العماد الأول في العمل الفني أحاول أن أتلمس حيثيات الشخصية وأدخل إلى عوالمها وهذا يتطلب معرفة ومثابرة في فهم الشخصيات جميعها، وبكل تأكيد يأخذ الحيز الأكبر من عملي في بداية التحضير للعمل وحين تتبلور أفكاري وتصوراتي عن الشخصيات أبدأ برسم الملامح الأولية للشخصية ومن ثم أبدأ بإضافة الألوان، واختيار نوعية الأقمشة وتفاصيلها لكل شخصية لتكتمل اللوحة الأخيرة، وبعد الاجتماع مع المخرج وتبادل الأفكار والخبرات مع الفنانين الذين يضيفون مما يرونه مناسبا للشخصية نصل معا إلى رؤية كاملة عن لباس الشخصية في سياق العمل الفني الكامل.. لذلك فهي اختزال مكثف لذاكرتك ولخبرتك ولخبرة الفنانين والقائمين على العمل، وهي أيضا بلا شك نتاج عمل جماعي متكامل لجعل العمل الفني مقبولا ويلبي تصورات الكاتب والشركة المنتجة والمشاهدين، ولكي تنجز العمل بأكمل وجه حتما لا بد أن تنهل من مصادر المعرفة، من بطون الكتب التاريخية، وخبرات القدماء وحتى من صفحات الإنترنت والميديا وتسهم بإغناء مخزونك المعرفي أكثر وأكثر.
إلى أين وصل صدى العمل الذي تقوم به؟ وماذا عن مشاركاتك في أعمال عربية؟ وهل تطمح إلى تصميم ملابس لأعمال خليجية؟
شاركت بأعمال كثيرة خارج سوريا، وعملت مع شركات عربية وأجنبية باختصاصي كمصمم أزياء وما زلت في أول الطريق، في هذا الموسم الرمضاني كان لي عمل في أربيل والموصل «ليلة السقوط» من إخراج الأستاذ ناجي طعمي تناول مأساة أهالي الموصل وسنجار والإبادة الإيزيدية من قبل داعش. يسعدني كثيرا أن أنخرط في عمل بيئي خليجي، ففي الذاكرة كثير من الموروث الخليجي، وبحكم انتمائي لبلدتي في شرق سوريا، فالمحيط يتشابه أحيانا في الأزياء، ولدي مخزون معرفي عن الزي الخليجي، وأتمنى أن تتاح لي الفرصة لكي أضع بصمتي هناك وأقدم ما أستطيع.
كيف يكون تعاملك مع طاقم العمل الفني، ممثلين ومخرجا مثلا؟ هل يستسلم الممثل لأناملك وأنت تصوغ له لباسه أو يجادلك فيه؟ ما هو الأطرف والأكثر حرجا مما حدث معك في الأعمال الدرامية؟
حرصي الشديد على النص وقراءة ما بين السطور ومحاولة إبراز الشخصية على أكمل وجه وتبادل الأفكار مع المخرجين والفنانين حول كل شخصية مهما كان دورها بغض النظر عن مساحة المشاهد وعددها يغنيني عن التصادم أو الاختلاف، فأنا أؤمن بالعمل الجماعي وتقبل الأفكار التي تساعد في رسم الشخصية بشكلها الأفضل، لذلك هذه النقاشات وتبادل الأفكار يغني العمل الفني، وهي إيجابية جدا، وفي كل عمل فني أتعاون مع بائعي الأقمشة ومنفذي الأزياء ومشرفي ومساعدي الملابس عن كل تفصيل يخدم الشخصية، وأكون ممنونا لهم في تسليط الضوء على مسائل قد أغفل عنها، لذلك نكون كلنا شركاء في النجاح بهذا التعاون كما أنهم يشعرون أنهم من صناع العمل.
في كثير من الأحيان وباعتقادي يُستغنى عن مصمم الملابس في الأعمال المعاصرة، وقد يلبس كل ممثل ما يحلو في نظره ويخدم الشخصية برأيه ورأي المخرج، وأحيانا نرى ممثل بالملابس ذاتها في عدة أعمال ما رأيك؟
هذا صحيح، في الحقيقة الأعمال المعاصرة تفتقر إلى مصممي الأزياء وهذا يؤثر سلبا في مجمل العمل الفني، الأزياء هوية الممثل يجب إعطاء فرصة أكبر لمصممي الأزياء في الأعمال المعاصرة ليغني ويثري العمل، فالاختصاصات الفنية هي عناصر نجاح الأعمال من الديكور والأزياء والإضاءة والتصوير والإكسسوار وإلى ما ذلك من العاملين، وتوجه بعض الشركات للاستغناء عن مصممي الأزياء يهدف إلى تقليص الميزانية في المكان الخطأ وهذا يؤثر بشكل سيئ في نوعية العمل.
كيف تعتني بملابس الشخصيات لتمنحها روح الفكرة المراد إيصالها للناس؟ وما أهم الشخصيات والأعمال التي أخذت منك حيزا مهما من الجهد والتفكير؟
كل الأعمال تأخذ مني الجهد والتفكير مهما كان العمل، بالنسبة لي من يكون عنده مشهد واحد أو مائة مشهد فهو بالنهاية شخصية يجب العمل عليها بكل تفان وحرص، لذلك بأعمالي أهتم بملابس الكومبارس بنفس الجدية والحرص والاهتمام بملابس الممثلين، لأنهم أيضا جزء رئيسي من العمل، وفي الحقيقة تأخذ الأعمال الكوميدية مني الجهد الأكبر والحيز الواسع من التفكير حتى لا أقع في التهريج وأبتعد عن الحالة الكوميدية اللطيفة في الأزياء، وما بين الكوميديا والتهريج شعرة يجب الانتباه إليها بكل حرص.
الفن في حياتك ليس محصورا في الأزياء فقط بل نلمس ذلك في لوحاتك التشكيلية المتميزة جدا، ماذا يشكل الرسم بالنسبة إليك؟ وأي المدارس تحاكي فيها؟
الرسم نوع من تفريغ الطاقة ومحاكاة للحياة المحيطة بك، أرسم ضمن هذا المفهوم وهي هواية أمارسها باستمرار في أوقات الفراغ، وأيضا في أوقات ضغط الأعمال الفنية، والرسم يأخذني إلى نوع آخر من التعامل مع اللون والخطوط بعيدا عن الأقمشة هي حالة من الهواية الممتعة، مع الألوان نغوص معا ونتبادل أفكارنا ورؤانا عن العالم والناس والجمال والقيم الحياتية.
كما في الأزياء أتلمس شغفك بالألوان البراقة والجميلة والمفعمة بالحياة في كثير من لوحاتك حتى التي تحاكي الحزن، تركز على الوجوه، ما هي دلالات ذلك لديك؟
قد تكون ذاكرة البيئة والمخزون الثقافي المليء بالألوان يجر دفة السفينة بهذا الاتجاه، لست أدرى، ولكن وأنا في دمشق ربما تعيش معي ذاكرة الفرات ودجلة وسهول الجزيرة وبيوتاتها الطينية وقمحها وخبزها ووجوه الناس بآمالهم وآلامهم تشع حينا جمالا وأغلب الأحيان حزنا على خطوط فرشاتي وألواني.
الوجوه بالنسبة لي ذاكرة الحياة أرسمها بطريقتي وأمنحها الفضاء الموحي والمناسب في معالجة دقيقة يدرك معانيها من يقرأ اللوحة بدقة ويفهم معناها، وحتى في الألوان أكون دقيقا في خياراتي لأنني أعتبر اللون جزءا مهما مما يمكن أن تقوله خطوط اللوحة فأعتمد على مزج الألوان بعناية تامة لكي أصل للهدف إلى جانب الشكل العام للوحة.
الفنان حكمت داوود المصمم والرسام، يطل علينا أيضا من بوابة الشعر، ومن نافذة التصوير الفوتوغرافي، تكتب برهافة عاشق، وأحيانا بصرخة موجوع، هل ضاقت بك مساحة القماش، وكثرة الألوان لتعبر لنا عما فيك في الشعر وفي الصور؟
الفن كل لا يتجزأ هي كلها بالنهاية بوح داخلي تتعدد الوسائل في الإفصاح عن مجمل الحياة من خلال الشعر أو الصورة أو الزي، ويبقى للكلمة الحلوة فضاء أوسع أحلق فيه كلما وجدت نفسي بعيدا عن الأزياء ولو لبرهة من الوقت، لأدون ما بداخلي ويعتريني من مشاعر، لم تضيق مساحة اللون من حولي أبدا بالعكس كنت من خلالها أكتب قصيدة بألوان الأقمشة وبجماليتها، هي أيضا قصيدة من روحي.
«كطفل يشتهي» باكورة أعمالك الشعرية، وأتبعتها «جديلة قرب النهر»، ما الذي أردت قوله من خلالهما؟ وهل تصنف نفسك شاعرا، أو أنه بوح داخلي تريد أن يعلو صوته أكثر؟ وهل من جديد في الغوص ببحور الشعر؟
هي إرهاصات عن الحياة والموت والحب والحرب والنساء هي حياة وطن أحاول أن أعيشها بحلوها ومرها، أصدرت كتابين، ولدي المزيد، ولا أعرف إن كنت سأصدرها في كتاب، وقد لا أجد نفسي كتسمية شاعر بين الشعراء ولكنني أشعر أنني أكتب بروح الشاعر وذائقته ورهافة حسه وملامسته لقضاياه وما يشعر به من حوله، كل هذا البوح برسم من يتذوق الكلمة الحلوة، والتصنيف لا يهمني كثيرا بقدر ما يهمني أن أبوح عما في داخلي.
ما الجديد القادم من المشاريع الفنية سواء في الدراما أو في الفن التشكيلي؟
هناك عدة مشاريع تتعلق بالدراما منها أعمال جديدة خارج الموسم الرمضاني والحمد لله ما زلت أرسم كلما سنحت لي الفرصة، فاللوحات لي معها حميمة واسعة، وأحاكي الألوان كما أحاكي القماش بالرهافة والحس العالي ذاتهما، صوتي التشكيلي يعلو ويترافق مع صوتي الشعري لكي أصل برسالتي الفنية والجمالية لما أريد.على الصعيد الدرامي لا يمكنني البوح بالجديد منه قبل أن يعلن عنه أصحاب العمل وهذا متفق عليه بيننا.
تنوع البيئة السورية والنسيج السكاني يوحي لي بما أقدمه من أزياء
الشغف بالأزياء أطلعني على ثقافة وتقاليد الشعوب وجعلني أنهل من هذا الجمال
بعض الشركات تستغني عن مصمم الأزياء لتقليص الميزانية في المكان الخطأ وهذا يؤثر في جودة العمل
أمارس الرسم لأفرغ طاقتي وأعبر عما يحيط بي.. وأرسم الوجوه لأنها ذاكرة الحياة
أحلق في فضاءات الشعر لأدون إرهاصات الحياة والموت والحب والحرب والنساء
هناك مبدعون كثر في مجالات كثيرة لا تسلط عليهم الأضواء كثيرا، وهم كالجنود المجهولين يعملون بصمت ويبدعون، كنت في أوقات كثيرة أحاول الدخول إلى عوالم هؤلاء والتعرف إليهم ووضعهم أمام القراء والمتابعين ففيهم من يستحق المتابعة. ومن بين هؤلاء يبرز اسم مصمم الأزياء السوري حكمت داوود الذي كانت بصمته في الموسم الرمضاني الفائت واضحة للعيان، وجعلت المتابعين يتساءلون عن سر الإبداع في أزياء الممثلين.
حكمت داوود الذي تعمقت في مسيرته الإبداعية وجدتها تزخر بمعارف كثيرة، فبالإضافة لعمله الأساسي كمصمم أزياء من الدرجة الممتازة، لمست فيه روح الشاعر الراقي، ومن بين أنامله خرجت لوحات تضاهي بجماليتها وتعابيرها أجمل اللوحات. يبدع في التصوير الفوتوغرافي ويقدم لنا جمالية الأماكن ويغازل الذاكرة بالموروث الحضاري والمكاني الجميل. حاولت في هذه المساحة أن أقدم المبدع حكمت داوود كما يجب فكان هذا الحوار:
دعنا نبدأ من موضوع الأزياء في الأعمال الدرامية وأهمية أن تكون متناسبة مع زمن العمل وتوقيته وظروفه، وهل هناك اهتمام بشكل عام بهذا الموضوع من قبل صناع الدراما؟ وألا يوجد تأفف من الكلفة الزائدة أو مقدار ما يتطلبه وجود فريق لأجل ملابس الفنانين؟
حين تكون الأزياء قيمة فنية ومعنوية وجمالية فلا بد لها من أن تكون متناسبة مع البيئة المكانية والزمانية للعمل المراد تقديمه وإلا فإنها ستنعكس سلبا على مجمل العمل الفني ولن تساهم في تقديم العمل بالشكل المناسب، فالأزياء تعتبر جواز سفر بصري للشخصية للدخول على عوالم العمل الفني، وبالتالي إلى فكر وعقل المتلقي أو المشاهد، وأعتقد أن أي خلل مهما كان بسيطا يخل بهذا المفهوم عن الأزياء في العمل الفني هو إخلال بمجمل العمل، لذلك تكتسب الأزياء المرتبة الأولى في إبراز شكل وماهية وانتماء الشخصية، وتكاد أن تفهم الشخصية من النظرة الأولى، فتكوَن فكرة عن القيمة الاجتماعية والطبقية التي ينتمي إليها الشخص، فلذلك حتى شركات الإنتاج والمنتجين يبدون الاهتمام بهذا المفهوم وتتراوح مفاهيم هذه الشركات بقدر اهتمامها بعملها الفني.
شاهدناك في هذا الموسم الدرامي في عدة أعمال متميزة جدا وهي «العربجي» و«مربى العز» و«حارة القبة» قدمت فيها أزياء على مستوى راقي، وألوان مفعمة بالحياة، وفيها تطريز أخاذ، من أين استوحىيت كل هذا الدفق من الجمال في الملابس؟
سوريا هذه البلاد الجميلة التي ننتمي إليها غنية بإرثها التاريخي، وغناها الحضاري على مدى التاريخ، ومن يبحث في التاريخ فإنه سيتلمس هذا الجمال والتنوع الغني، فمنذ فجر التاريخ كانت الأزياء مرآة الإنسان في إبراز جماليات انتمائه، ناهيك عن الحاجة الحياتية اليومية، فهذه المرآة كانت ولا تزال انعكاسا لانتماء المرء وعاداته وتقاليده التي تبرز الهوية الحقيقية للإنسان، فعمق الحضارة السورية وتنوعها على مر التاريخ أكسبها جماليات لا يمكن للمرء تجاهلها ولا بد أن هذا الجمال ينعكس على ملبس وزخارف ومنمنمات ورموز هذا الانتماء ولا يخفى على أحد أن دمشق وحلب والكثير من المدن الكبيرة في سوريا كانت تأخذ من النسيج مصدر رزق وإنتاج وكانت تكثر فيها معامل النول والنسيج في معظم البلاد السورية الأمر الذي ساهم في تنوع خامات النسيج وطرق إنتاجها، وما أن تنهل من نبع هذا الإنتاج المتنوع حتى تصل إلى نتائج تعكسها على الشاشة كما في مسلسلات مربى العز وحارة القبة والعربجي والكثير الكثير من المسلسلات السورية التي كانت الأزياء فيها أحد أعمدة النجاح.
لم تكن تلك الأعمال هي الأولى في مسيرة المصمم والفنان حكمت داودد فقد عملت منذ بداية مسلسل «باب الحارة» وقبلها «هجرة القلوب إلى القلوب» وتوالت الأعمال، حدثنا عن هذه المسيرة المهنية بحلوها وجمالها، وعن كواليس بعض هذه الأعمال التي أجدت فيها.
تنوعت الأعمال الدرامية التي عملت فيها ما بين الكوميدي والتاريخي والبيئي ولكل منها متعته الخاصة التي أخذتني على عوالمها المختلفة التي أبهرتني وزاد تعلقي بها. أن تحب مهنة ما ستبدع فيها بلا أدنى شك، لذلك لا تقحم نفسك في أعمال لا تعشقها فإن ذلك سيؤثر سلبا على مستقبلك، مهما كانت المهنة يجب أولا وأخيرا أن تحبها، وتعطيها كامل قدراتك في سبيل إنجاحها، أما مهنة الدراما فمن كثرة اتساع مواضيعها وتشعباتها تتطلب منك البحث الدائم عن الجديد، الدراما عملية إبداعية متجددة على مر السنين يجب مواكبة عناصرها الفنية دوما التي أحد أهم عناصرها النص، لذلك القراءة والاطلاع على الأدب المحلي والعالمي يشذب قدرتك على قراءة النصوص الدرامية بشكل أفضل، وبالتالي يأخذك هذا الأدب إلى دخول عوالم جديدة تساعدك على فهم ماهية العمل الفني والبيئات وعوالم الشخصيات وأماكن عيشها، وقد أكون من هؤلاء الأشخاص الذين يتعطشون لقراءة الأدب العالمي وتسخير هذه المعرفة في رسم شخصيات العمل الذي أكون بصدده، وأنا أقرأ النصوص أعيش في عوالمها الداخلية وطرق عيشها وملبسها وانتمائها وهذه الحقيقة متعة جميلة في فهم الشخصيات.
كواليس الأعمال كثيرة ومحببة وعلاقاتي بكل الممثلين السوريين بمختلف أعمارهم ومشاربهم فيها الكثير من الاحترام المتبادل، وتحدث معنا مواقف طريفة وجميلة تكون جزءا من الترفيه بعيدا عن متاعب العمل والانهماك به، أثناء التصوير تحدث أمور كثيرة لا يتسع المكان لذكرها.
من دراستك في الفلسفة إلى التصميم والفن وعالم الأزياء كيف سارت بك الحياة إلى هذه الدروب الكثيرة؟ وكيف تولد لديك هذا الشغف بالتصميم؟ ومن شجعك؟
قد تكون مدينتي الجميلة القامشلي المميزة بتنوع إرثها الفلكلوري وغناها الثقافي مدخلا لي لمعرفة التنوع في ملابس الناس، ففي القامشلي هناك الكرد والعرب والأرمن والسريان والأشوريون والتركمان وغيرهم الكثير من الثقافات المتعايشة الذين يختلفون في ملابسهم مما يجعلك تتساءل وتبحث عن أسباب هذا الاختلاف في ملابس الناس؛ هذا كان السبب الأهم في توجهي إلى الأزياء، وإن لم أكن مخطئا فالأزياء أيضا هي فلسفة كونها تلامس الحياة اليومية للشخص وطريقة ملبسه وكمية الزخارف التي تطرز ثيابه وهي بلا شك نابعة من الثقافة البيئية التي تحيط به، هي ميثولوجيا وتاريخ ومعرفة البشر لمحيطهم والعيش مع هذه البيئة، الأزياء لم تعد حاجة حياتية بحتة فقط لكنها حاجة ثقافية وجمالية أيضا، لهذه الأسباب فالشغف بالأزياء يأتي من كونها تطلعك على ثقافة وتقاليد الشعوب وتجعلك تنهل من هذا الجمال، الذي يجعلك دائم العطش للمعرفة، لتأتي دمشق أخيرا وتشذب هذا الحب للمعرفة وتقدم لك كل ما عندها لتنهل من هذا النبع وتكوّن معرفتك وتلبي حاجاتك المتنوعة.
قادما من أقصى شرق البلاد في سوريا من القامشلي حيث التنوع الجمالي، إلى مدينة دمشق العاصمة، ما الذي حملته معك من هناك؟ وما الذي وجدته هنا في عالمك الفني؟
دمشق الأم الثانية لكل سوري، دمشق للجميع، تعطف عليك وترعاك وتحبك، كل ما عليك أن تبادلها هذا الحب، لدمشق الفضل الأكبر في تشذيب حياتي الفنية فهي موطن لكل متعطش للثقافة، تغريك دمشق ببيوتاتها الطينية الحنونة، بأزقتها، وناسها، وبمعارض الفن والتشكيل، بشعرائها وبروادها من كافة الدول، دمشق موطن للفن والإبداع، هي كرمانة محشوة بالياسمين ما أن تفتح أبوابها لك حتى تعيش في ألوانها وتعشق ما بداخلها وتعيش في نصاعة عبيرها الفني، دمشق عطرتني بهذا الأريج الحلو وفتحت لي أبواب الجمال وكنت أمينا في أعمالي الفنية للحفاظ على هذا التنوع الجميل.
ما أهمية الملابس في الأعمال الدرامية سواء التاريخية أو البيئية أو الاجتماعية؟ وكيف تستنبط أفكارك للملابس لكل عمل على حدة؟ وماذا يتطلب منك من وقت؟
الملابس في الأعمال الدرامية تعتبر انعكاسا مباشرا للشخصية سواء شكلها أو نوعيتها أو انتماؤها الاجتماعي، لذلك تكتسب الأزياء الحيز الأهم في تشكيل الفكرة الأولى عن الشخصية الفنية، لذلك من خلال قراءة النص الذي هو العماد الأول في العمل الفني أحاول أن أتلمس حيثيات الشخصية وأدخل إلى عوالمها وهذا يتطلب معرفة ومثابرة في فهم الشخصيات جميعها، وبكل تأكيد يأخذ الحيز الأكبر من عملي في بداية التحضير للعمل وحين تتبلور أفكاري وتصوراتي عن الشخصيات أبدأ برسم الملامح الأولية للشخصية ومن ثم أبدأ بإضافة الألوان، واختيار نوعية الأقمشة وتفاصيلها لكل شخصية لتكتمل اللوحة الأخيرة، وبعد الاجتماع مع المخرج وتبادل الأفكار والخبرات مع الفنانين الذين يضيفون مما يرونه مناسبا للشخصية نصل معا إلى رؤية كاملة عن لباس الشخصية في سياق العمل الفني الكامل.. لذلك فهي اختزال مكثف لذاكرتك ولخبرتك ولخبرة الفنانين والقائمين على العمل، وهي أيضا بلا شك نتاج عمل جماعي متكامل لجعل العمل الفني مقبولا ويلبي تصورات الكاتب والشركة المنتجة والمشاهدين، ولكي تنجز العمل بأكمل وجه حتما لا بد أن تنهل من مصادر المعرفة، من بطون الكتب التاريخية، وخبرات القدماء وحتى من صفحات الإنترنت والميديا وتسهم بإغناء مخزونك المعرفي أكثر وأكثر.
إلى أين وصل صدى العمل الذي تقوم به؟ وماذا عن مشاركاتك في أعمال عربية؟ وهل تطمح إلى تصميم ملابس لأعمال خليجية؟
شاركت بأعمال كثيرة خارج سوريا، وعملت مع شركات عربية وأجنبية باختصاصي كمصمم أزياء وما زلت في أول الطريق، في هذا الموسم الرمضاني كان لي عمل في أربيل والموصل «ليلة السقوط» من إخراج الأستاذ ناجي طعمي تناول مأساة أهالي الموصل وسنجار والإبادة الإيزيدية من قبل داعش. يسعدني كثيرا أن أنخرط في عمل بيئي خليجي، ففي الذاكرة كثير من الموروث الخليجي، وبحكم انتمائي لبلدتي في شرق سوريا، فالمحيط يتشابه أحيانا في الأزياء، ولدي مخزون معرفي عن الزي الخليجي، وأتمنى أن تتاح لي الفرصة لكي أضع بصمتي هناك وأقدم ما أستطيع.
كيف يكون تعاملك مع طاقم العمل الفني، ممثلين ومخرجا مثلا؟ هل يستسلم الممثل لأناملك وأنت تصوغ له لباسه أو يجادلك فيه؟ ما هو الأطرف والأكثر حرجا مما حدث معك في الأعمال الدرامية؟
حرصي الشديد على النص وقراءة ما بين السطور ومحاولة إبراز الشخصية على أكمل وجه وتبادل الأفكار مع المخرجين والفنانين حول كل شخصية مهما كان دورها بغض النظر عن مساحة المشاهد وعددها يغنيني عن التصادم أو الاختلاف، فأنا أؤمن بالعمل الجماعي وتقبل الأفكار التي تساعد في رسم الشخصية بشكلها الأفضل، لذلك هذه النقاشات وتبادل الأفكار يغني العمل الفني، وهي إيجابية جدا، وفي كل عمل فني أتعاون مع بائعي الأقمشة ومنفذي الأزياء ومشرفي ومساعدي الملابس عن كل تفصيل يخدم الشخصية، وأكون ممنونا لهم في تسليط الضوء على مسائل قد أغفل عنها، لذلك نكون كلنا شركاء في النجاح بهذا التعاون كما أنهم يشعرون أنهم من صناع العمل.
في كثير من الأحيان وباعتقادي يُستغنى عن مصمم الملابس في الأعمال المعاصرة، وقد يلبس كل ممثل ما يحلو في نظره ويخدم الشخصية برأيه ورأي المخرج، وأحيانا نرى ممثل بالملابس ذاتها في عدة أعمال ما رأيك؟
هذا صحيح، في الحقيقة الأعمال المعاصرة تفتقر إلى مصممي الأزياء وهذا يؤثر سلبا في مجمل العمل الفني، الأزياء هوية الممثل يجب إعطاء فرصة أكبر لمصممي الأزياء في الأعمال المعاصرة ليغني ويثري العمل، فالاختصاصات الفنية هي عناصر نجاح الأعمال من الديكور والأزياء والإضاءة والتصوير والإكسسوار وإلى ما ذلك من العاملين، وتوجه بعض الشركات للاستغناء عن مصممي الأزياء يهدف إلى تقليص الميزانية في المكان الخطأ وهذا يؤثر بشكل سيئ في نوعية العمل.
كيف تعتني بملابس الشخصيات لتمنحها روح الفكرة المراد إيصالها للناس؟ وما أهم الشخصيات والأعمال التي أخذت منك حيزا مهما من الجهد والتفكير؟
كل الأعمال تأخذ مني الجهد والتفكير مهما كان العمل، بالنسبة لي من يكون عنده مشهد واحد أو مائة مشهد فهو بالنهاية شخصية يجب العمل عليها بكل تفان وحرص، لذلك بأعمالي أهتم بملابس الكومبارس بنفس الجدية والحرص والاهتمام بملابس الممثلين، لأنهم أيضا جزء رئيسي من العمل، وفي الحقيقة تأخذ الأعمال الكوميدية مني الجهد الأكبر والحيز الواسع من التفكير حتى لا أقع في التهريج وأبتعد عن الحالة الكوميدية اللطيفة في الأزياء، وما بين الكوميديا والتهريج شعرة يجب الانتباه إليها بكل حرص.
الفن في حياتك ليس محصورا في الأزياء فقط بل نلمس ذلك في لوحاتك التشكيلية المتميزة جدا، ماذا يشكل الرسم بالنسبة إليك؟ وأي المدارس تحاكي فيها؟
الرسم نوع من تفريغ الطاقة ومحاكاة للحياة المحيطة بك، أرسم ضمن هذا المفهوم وهي هواية أمارسها باستمرار في أوقات الفراغ، وأيضا في أوقات ضغط الأعمال الفنية، والرسم يأخذني إلى نوع آخر من التعامل مع اللون والخطوط بعيدا عن الأقمشة هي حالة من الهواية الممتعة، مع الألوان نغوص معا ونتبادل أفكارنا ورؤانا عن العالم والناس والجمال والقيم الحياتية.
كما في الأزياء أتلمس شغفك بالألوان البراقة والجميلة والمفعمة بالحياة في كثير من لوحاتك حتى التي تحاكي الحزن، تركز على الوجوه، ما هي دلالات ذلك لديك؟
قد تكون ذاكرة البيئة والمخزون الثقافي المليء بالألوان يجر دفة السفينة بهذا الاتجاه، لست أدرى، ولكن وأنا في دمشق ربما تعيش معي ذاكرة الفرات ودجلة وسهول الجزيرة وبيوتاتها الطينية وقمحها وخبزها ووجوه الناس بآمالهم وآلامهم تشع حينا جمالا وأغلب الأحيان حزنا على خطوط فرشاتي وألواني.
الوجوه بالنسبة لي ذاكرة الحياة أرسمها بطريقتي وأمنحها الفضاء الموحي والمناسب في معالجة دقيقة يدرك معانيها من يقرأ اللوحة بدقة ويفهم معناها، وحتى في الألوان أكون دقيقا في خياراتي لأنني أعتبر اللون جزءا مهما مما يمكن أن تقوله خطوط اللوحة فأعتمد على مزج الألوان بعناية تامة لكي أصل للهدف إلى جانب الشكل العام للوحة.
الفنان حكمت داوود المصمم والرسام، يطل علينا أيضا من بوابة الشعر، ومن نافذة التصوير الفوتوغرافي، تكتب برهافة عاشق، وأحيانا بصرخة موجوع، هل ضاقت بك مساحة القماش، وكثرة الألوان لتعبر لنا عما فيك في الشعر وفي الصور؟
الفن كل لا يتجزأ هي كلها بالنهاية بوح داخلي تتعدد الوسائل في الإفصاح عن مجمل الحياة من خلال الشعر أو الصورة أو الزي، ويبقى للكلمة الحلوة فضاء أوسع أحلق فيه كلما وجدت نفسي بعيدا عن الأزياء ولو لبرهة من الوقت، لأدون ما بداخلي ويعتريني من مشاعر، لم تضيق مساحة اللون من حولي أبدا بالعكس كنت من خلالها أكتب قصيدة بألوان الأقمشة وبجماليتها، هي أيضا قصيدة من روحي.
«كطفل يشتهي» باكورة أعمالك الشعرية، وأتبعتها «جديلة قرب النهر»، ما الذي أردت قوله من خلالهما؟ وهل تصنف نفسك شاعرا، أو أنه بوح داخلي تريد أن يعلو صوته أكثر؟ وهل من جديد في الغوص ببحور الشعر؟
هي إرهاصات عن الحياة والموت والحب والحرب والنساء هي حياة وطن أحاول أن أعيشها بحلوها ومرها، أصدرت كتابين، ولدي المزيد، ولا أعرف إن كنت سأصدرها في كتاب، وقد لا أجد نفسي كتسمية شاعر بين الشعراء ولكنني أشعر أنني أكتب بروح الشاعر وذائقته ورهافة حسه وملامسته لقضاياه وما يشعر به من حوله، كل هذا البوح برسم من يتذوق الكلمة الحلوة، والتصنيف لا يهمني كثيرا بقدر ما يهمني أن أبوح عما في داخلي.
ما الجديد القادم من المشاريع الفنية سواء في الدراما أو في الفن التشكيلي؟
هناك عدة مشاريع تتعلق بالدراما منها أعمال جديدة خارج الموسم الرمضاني والحمد لله ما زلت أرسم كلما سنحت لي الفرصة، فاللوحات لي معها حميمة واسعة، وأحاكي الألوان كما أحاكي القماش بالرهافة والحس العالي ذاتهما، صوتي التشكيلي يعلو ويترافق مع صوتي الشعري لكي أصل برسالتي الفنية والجمالية لما أريد.على الصعيد الدرامي لا يمكنني البوح بالجديد منه قبل أن يعلن عنه أصحاب العمل وهذا متفق عليه بيننا.