هوامش ومتون :محاربون لم يُخلقوا للهزيمة
الأربعاء / 26 / شوال / 1444 هـ - 20:44 - الأربعاء 17 مايو 2023 20:44
حين كتب الأمريكي آرنست همنجواي (1899-1961م) في روايته الشهيرة (الشيخ والبحر) جملته المضيئة «قد ينكسر الإنسان لكنه لا يهزم أبدا»، فإنّه أراد أن يقول لنا: إنّ الإنسان لم يُخلق للهزيمة، وهكذا صمد (سانتياجو) العجوز بطل رواية (الشيخ والبحر) التي فازت بجائزة نوبل للآداب عام 1954م، عندما هاجمته أسماك القرش التي جذبتها رائحة السمكة الكبيرة التي اصطادها، لكنه صمّم على الفوز عليها، فوصل إلى مبتغاه، فصار نموذجا لمحارب، واجه شراسة سمكة القرش وانتصر عليها.
مثلما انتصر أنطوان دي سانت اكزوبري صاحب «أرض البشر» على الكثير من المشاكل التي اعترضته خلال رحلاته الجوية، وكان طيارا، رغم أنه فقد حياته في آخر محاولة له، يقول اكنزوبري: «يعرف المرء نفسه عندما يقيسها بما تصادفه من عقبات، لابد له من آلة ليصل إليها، وهكذا الحال في الطائرة»، وفي الحياة نماذج كثيرة، غير النماذج التي قرأنا عنها في الروايات، كما يقول اكزوبري في (أرض البشر): «تعلّمنا الأرض عن أنفسنا أكثر مما تعلمنا الكتب جميعا» وفي مجابهاته مع مصاعب الحياة وأزماتها، ليس أمام الإنسان سوى الثبات، والمقاومة بكل الوسائل المتاحة، فالجندي في ساحة القتال يقاوم بسلاحه، والطالب بعلمه، والشاعر بكلمته، ومن هنا ظهر مصطلح (شعراء المقاومة) الذي أطلق على الشعراء الفلسطينيين الذين جابهوا الاحتلال بنيران القصيدة، كمحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، وسواهم، فهناك من واجه المرض، وقاومه، وتغلّب عليه، كما يفعل اليوم الشاعر الكبير كريم العراقي الذي يقاوم المرض الخبيث منذ أربع سنوات ونصف السنة، أجرى خلالها (22) عملية جراحية، كما قال لي قبل أيام، وتلقى جسمه (90) جرعة من العلاج الكيماوي الفتاك، وخسر أعضاء حيوية من جسمه، لكنه، عافاه الله وشافاه، لم يستسلم للمرض، بل ظلّ يقاومه بكتابة قصائد الحبّ التي سرعان ما تصل للجمهور العريض من خلال حناجر المغنين، وأقربهم إليه المطرب كاظم الساهر، وكانت معنوياته عالية وحين سألته عن السر في ذلك قال: «بمجرّد أن أيأس من العلاج ينتصر المرض» فقوته الروحية هي التي أعطته هذه الصلابة في مواجهة المرض، وهي تشبه صلابة د. شبر الموسوي في حربه مع مرض السكري الذي بقي يقاومه رغم أنه خسر ساقه التي كانت أول ضحايا هذه الحرب الشرسة، وحين بترت اضطر أن يدفنها بنفسه، وقد حدثني عن هذا جرى ذلك في تايلاند عندما أجرى عملية قطع الساق بسبب الغرغرينا فأرادت إدارة المستشفى التخلص من الساق، فعزّ ذلك عليه، فاستلمها، وحرص أن يحملها بنفسه، ولم يتركها لمن كان يرافقه في رحلة العلاج، وذهب إلى مقبرة قريبة، ودفنها، يومها، كان يروي حكايته مع ساقه التي دفنها وهو يضحك.
وقد لفتت نظري مؤخّرا حكاية شاب عماني قرأتها في تقرير منشور في صحيفة «أثير» الإلكترونية، ابتلي بمرض السرطان وهو في الخامسة عشرة من عمره، لكنّ (هاشم العبري) وهذا هو اسمه، لم ييأس، ولم يتوقف عن مواصلة دراسته، وواظب حتى دخل جامعة فلوريدا الدولية، وحين استفحل المرض بجسده، ونشب أنيابه، فيه قال له الطبيب: «لا يوجد علاج الآن يا هاشم، عش حياتك» وهي عبارة تعني أنّ المرض في الشوط الأخير، وعلى المريض أن يستمتع بالمتبقي من عمره، وعندما سمع تلك الجملة التي لها فعل الرصاصة التي تنطلق نحو محكوم بالإعدام، لم يجزع، واستوعب الموقف، وبدأ يقنع نفسه بضرورة التعايش مع فكرة الرحيل المبكّر، وكان قد بلغ الثالثة والعشرين من العمر، لكنه نظر لذلك نظرة مختلفة من زاوية إيجابية، فرغم أنه لم يبدأ حياته الاجتماعية بعد، أي لم يتزوج ولم ينجب إلا أنه يرى «الأشياء التي مررت بها في حياتي طويلة ومرحة رغم السنوات القصيرة، سافرت إلى بلدان كثيرة ولدي أصدقاء من كل مكان والابتسامة لن تفارقني» وبعد تخرّجه من الجامعة عاد إلى مسقط، وفتح لنفسه حسابا في الإنستجرام، وبدأ بتسجيل مقاطع مرئية يروي فيها حكاية صراعه مع المرض الخبيث، ووجّه من خلالها رسائل إيجابية لعائلته وأصدقائه وللجميع، وأوصى بنشرها بعد وفاته.
وهناك قصص أخرى لمحاربين قهروا المرض، وانتصروا عليه، وهم يشكلون نماذج يحتذى بها تؤكد أن الإنسان بقوّة إيمانه، وصبره لن يهزم، فقدره أن يكون محاربا لم يُخلق للهزيمة.
مثلما انتصر أنطوان دي سانت اكزوبري صاحب «أرض البشر» على الكثير من المشاكل التي اعترضته خلال رحلاته الجوية، وكان طيارا، رغم أنه فقد حياته في آخر محاولة له، يقول اكنزوبري: «يعرف المرء نفسه عندما يقيسها بما تصادفه من عقبات، لابد له من آلة ليصل إليها، وهكذا الحال في الطائرة»، وفي الحياة نماذج كثيرة، غير النماذج التي قرأنا عنها في الروايات، كما يقول اكزوبري في (أرض البشر): «تعلّمنا الأرض عن أنفسنا أكثر مما تعلمنا الكتب جميعا» وفي مجابهاته مع مصاعب الحياة وأزماتها، ليس أمام الإنسان سوى الثبات، والمقاومة بكل الوسائل المتاحة، فالجندي في ساحة القتال يقاوم بسلاحه، والطالب بعلمه، والشاعر بكلمته، ومن هنا ظهر مصطلح (شعراء المقاومة) الذي أطلق على الشعراء الفلسطينيين الذين جابهوا الاحتلال بنيران القصيدة، كمحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، وسواهم، فهناك من واجه المرض، وقاومه، وتغلّب عليه، كما يفعل اليوم الشاعر الكبير كريم العراقي الذي يقاوم المرض الخبيث منذ أربع سنوات ونصف السنة، أجرى خلالها (22) عملية جراحية، كما قال لي قبل أيام، وتلقى جسمه (90) جرعة من العلاج الكيماوي الفتاك، وخسر أعضاء حيوية من جسمه، لكنه، عافاه الله وشافاه، لم يستسلم للمرض، بل ظلّ يقاومه بكتابة قصائد الحبّ التي سرعان ما تصل للجمهور العريض من خلال حناجر المغنين، وأقربهم إليه المطرب كاظم الساهر، وكانت معنوياته عالية وحين سألته عن السر في ذلك قال: «بمجرّد أن أيأس من العلاج ينتصر المرض» فقوته الروحية هي التي أعطته هذه الصلابة في مواجهة المرض، وهي تشبه صلابة د. شبر الموسوي في حربه مع مرض السكري الذي بقي يقاومه رغم أنه خسر ساقه التي كانت أول ضحايا هذه الحرب الشرسة، وحين بترت اضطر أن يدفنها بنفسه، وقد حدثني عن هذا جرى ذلك في تايلاند عندما أجرى عملية قطع الساق بسبب الغرغرينا فأرادت إدارة المستشفى التخلص من الساق، فعزّ ذلك عليه، فاستلمها، وحرص أن يحملها بنفسه، ولم يتركها لمن كان يرافقه في رحلة العلاج، وذهب إلى مقبرة قريبة، ودفنها، يومها، كان يروي حكايته مع ساقه التي دفنها وهو يضحك.
وقد لفتت نظري مؤخّرا حكاية شاب عماني قرأتها في تقرير منشور في صحيفة «أثير» الإلكترونية، ابتلي بمرض السرطان وهو في الخامسة عشرة من عمره، لكنّ (هاشم العبري) وهذا هو اسمه، لم ييأس، ولم يتوقف عن مواصلة دراسته، وواظب حتى دخل جامعة فلوريدا الدولية، وحين استفحل المرض بجسده، ونشب أنيابه، فيه قال له الطبيب: «لا يوجد علاج الآن يا هاشم، عش حياتك» وهي عبارة تعني أنّ المرض في الشوط الأخير، وعلى المريض أن يستمتع بالمتبقي من عمره، وعندما سمع تلك الجملة التي لها فعل الرصاصة التي تنطلق نحو محكوم بالإعدام، لم يجزع، واستوعب الموقف، وبدأ يقنع نفسه بضرورة التعايش مع فكرة الرحيل المبكّر، وكان قد بلغ الثالثة والعشرين من العمر، لكنه نظر لذلك نظرة مختلفة من زاوية إيجابية، فرغم أنه لم يبدأ حياته الاجتماعية بعد، أي لم يتزوج ولم ينجب إلا أنه يرى «الأشياء التي مررت بها في حياتي طويلة ومرحة رغم السنوات القصيرة، سافرت إلى بلدان كثيرة ولدي أصدقاء من كل مكان والابتسامة لن تفارقني» وبعد تخرّجه من الجامعة عاد إلى مسقط، وفتح لنفسه حسابا في الإنستجرام، وبدأ بتسجيل مقاطع مرئية يروي فيها حكاية صراعه مع المرض الخبيث، ووجّه من خلالها رسائل إيجابية لعائلته وأصدقائه وللجميع، وأوصى بنشرها بعد وفاته.
وهناك قصص أخرى لمحاربين قهروا المرض، وانتصروا عليه، وهم يشكلون نماذج يحتذى بها تؤكد أن الإنسان بقوّة إيمانه، وصبره لن يهزم، فقدره أن يكون محاربا لم يُخلق للهزيمة.