أفكار وآراء

مشروع الحماية الاجتماعية وتنشيط الدورة الاقتصادية

مشروع قانون الحماية الاجتماعية الذي لا يزال في دورته التشريعية في مجلس عمان يعد من الخطوات الوطنية الحيوية التي ركز عليها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - من خلال جملة من الخطوات التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن على حد سواء، خاصة مشروع قانون الحماية الاجتماعية.

فبعد إقراره من المقام السامي - حفظه الله ورعاه - سوف يكون له انعكاس إيجابي ليس فقط على معظم الأسر العمانية ولكن على صعيد الدورة الاقتصادية وتحريك الأسواق من خلال وجود السيولة مع معظم المواطنين، وهذا بدوره يعطي للحركة الاقتصادية مجالا واسعا، بعيدا عن الركود الذي تعاني منه دول العالم خاصة خلال السنوات الأخيرة في ظل جائحة كورونا وما سببته من مشكلات صحية واقتصادية على دول العالم. إن مشروع قانون الحماية الاجتماعية يعد من الخطوات الوطنية في عهد النهضة المتجددة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - ويكتسب أهمية اجتماعية واقتصادية في ظل «رؤية عمان ٢٠٤٠» التي تجعل من بلادنا سلطنة عمان دولة ذات تطور وتحديث نوعي على صعيد العالم في المجالات التي تستهدفها رؤية عمان وفي ظل مؤشرات إيجابية على صعيد الاقتصاد الوطني وما يسجله من تحسن ونمو متواصلين في كل القطاعات، خاصة القطاعات غير النفطية، ومن هنا فإنه أمام الحكومة مرحلة مهمة نحو الوصول بالاقتصاد الوطني إلى الاستدامة المالية والتركيز على قطاعات واعدة مثل قطاع السياحة الذي يمكن أن تكون مساهمته كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي علاوة على تنشيط وجلب المزيد من الاستثمار، الذي يُوجد المزيد من فرص العمل علاوة على تنشيط القطاع السمكي الذي يجعل من سلطنة عمان دولة محورية ليس فقط من خلال تصدير الأسماك ولكن من خلال إقامة صناعات متعددة تعطي قيمة مضافة وتساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني. وكذلك الأمر ينطبق علي القطاع اللوجستي وتنشيط الموانئ والمطارات وهو الأمر الذي تركز عليه «رؤية عمان ٢٠٤٠». وعلى ضوء ذلك فإن التجارب خلال السنوات الماضية التي كان الاعتماد فيها على قطاع وحيد وهو النفط والغاز؛ لا يمكن أن يكون مجديا في ظل حقيقة أساسية فقطاع الطاقة أصبح مسيسا من القوى الدولية خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية وظهور مصطلح العقوبات على صادرات النفط الروسي.

ومن هنا فإن تنويع الاقتصاد الوطني أصبح ضرورة لا خيارًا لأن الصدمات النفطية وانخفاض الأسعار هو أمر حتمي لأسباب سياسية أو نتيجة الكوارث الطبيعية أو اندلاع الحروب والصراعات في عالم مضطرب وفي ظل حالة من عدم اليقين، وهذا يفرض على أي مخطط اقتصادي أن يعي هذه الحقيقة من خلال الخطط والبرامج التي من شأنها أن تفعّل القطاعات غير النفطية، خاصة أن بلادنا سلطنة عمان لديها من الإمكانيات ما يمكنها من أن تصل إلى نتائج جيدة في السنوات القادمة في ظل عدد من المشروعات الكبرى التي سوف تنطلق من المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم كميناء الدقم ومصفاة الدقم ومحطة مركز لتخزين النفط وغيرها من المشروعات في محافظات سلطنة عمان، علاوة على ما تتمتع به بلادنا من موقع بحري استراتيجي فريد يطل على البحار المفتوحة، وقد حدث تقدم واضح خلال جائحة كورونا من خلال الاستيراد المباشر من المصدر والتنوع في السلع الاستراتيجية لإعطاء المستهلك المزيد من الخيارات، علاوة على تنامي علاقاتنا التجارية.

إن الاقتصاد الوطني لا بد أن يقوم على تنوع الخيارات الاقتصادية بحيث إذا حدثت صدمة نفطية تكون القطاعات غير النفطية جاهزة لمواصلة برامج وخطط التنمية الشاملة، وهذا أمر لا بد من تحقيقه لأن الاعتماد على قطاع وحيد ليس من الحكمة في شيء وهذا دور المجموعة الاقتصادية في الحكومة بأن يكون تركز على الجانب الإبداعي بإيجاد الأفكار والمبادرات، والمرتكزات والخطط لتنشيط القطاعات غير النفطية، وفي تصوري هذا هو الإطار الصحيح للوصول إلى الاستدامة المالية وتنفيذ خطة التوازن المالي التي حققت خلال الفترة الماضية نتائج جيدة خاصة في تدني سقف الدين الخارجي.

إن التنوع الاقتصادي هو الذي يجعل الدول أكثر استقرارا وأكثر قدرة على تنفيذ خططها الاقتصادية والاجتماعية وأن لا تكون سلعة النفط هي الملاذ الوحيد، ونحن نعرف الصدمات النفطية خلال العقود الأخيرة والتي دفعت بالدول إلى الاستدانة، وبالتالي ازداد الدين الخارجي بشكل كبير وهذه معضلة اقتصادية لا بد أن نأخذ منها الدروس.

صحيح أن قطاع النفط والغاز سيظل من المرتكزات الاقتصادية الحيوية خاصة لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن من المهم الاستعداد لكل المتغيرات ولا شك أن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - يركز كثيرا على التنوع الاقتصادي خاصة الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر واستغلال الميزة النسبية في سلطنة عمان من خلال وجود طاقة الشمس والرياح، كما أن هناك اهتماما واضحا بالأمن الغذائي والذي يعد ركيزة أساسية، خاصة أن الحرب الروسية-الأوكرانية كشفت مشكلات سلاسل الإمداد من أهم دولتين في العالم تصدران الحبوب كالقمح. ومن هنا فإن التوسع في مشروعات الأمن الغذائي هو مسألة تدخل في إطار الأمن الوطني، ولا شك أن هناك جهودا تبذل في إقامة المزيد من المشروعات الاستراتيجية في مجال الغذاء داخل سلطنة عمان أو حتى خارجها من خلال الاستثمار المشترك.

إن مشروع قانون الحماية الاجتماعية هو من المشروعات التي سوف يكون لها انعكاس إيجابي على المجتمع وهو علامة فارقة في عهد النهضة المتجددة من خلال البرنامج المتكامل الذي سوف تستفيد منه الأسر العمانية وحتى تكون مثل هذه القوانين متواصلة ومستدامة تحتاج إلى اقتصاد متنوع يعتمد بشكل أساسي على القطاعات غير النفطية والتي سجلت في السنوات الأخيرة تطورا جيدا مما يعني أن مزيدا من التحسن في تلك القطاعات يُوجد حالة من الثقة لمواجهة أي صدمات نفطية لأسباب تتعلق بالصراعات الدولية والحروب التي لا يمكن التنبؤ بحدوثها.