أعمدة

حقك علينا.. يا عادل الحاج سالم

 
أحزنني ما كتبته المدونة والزميلة التونسية خولة الفرشيشي على صفحتها في حساب (الفيسبوك) عن الصديق المشترك، الكاتب والصحفي عادل الحاج سالم:

«الصديقات، الأصدقاء..

صديقنا الإعلامي والكاتب عادل الحاج سالم في أزمة صحية بلغت أشدها منذ 6 أشهر..عادل الذي أحبنا جميعا وقاسمنا الضحكات والدموع.. من حقه علينا أن نطرق باب بيته ونزوره الآن لعلنا ننجح في رسم ابتسامة على وجهه وفي بيته».

لم أقابل كاتبا تونسيا كان على مسافة واحدة من كل المثقفين من مختلف التيارات، ومحبوبا من الجميع قبل الثورة التونسية وبعدها، مثل الكاتب والصحفي عادل الحاج، المشرف على موقع الأوان الإلكتروني المعني بنشر التنوير والعقلانية، وإحدى أهم الشخصيات المثقفة والصادقة في تونس. كان أول كاتب وصحفي تونسي تعرفت عليه في بداية إقامتي هناك في أكتوبر 2005. عرفني عليه الصديق محمد علي بن مسعود الأسود ابن شاعر الزجل المعروف علي الأسود صاحب قصيدة «لا تفكر في ربيع عربنا..ربيع الغبنى.. ربيع غرقت فيه مراكبنا». أتذكر أنه اتصل بي الأستاذ محمد الذي عمل معلما في عدة مدارس في محافظة ظفار. وحددنا مكان اللقاء في مقهى فندق أريحا في نهاية شارع فلسطين باتجاه (البلفدير)، المقهى ذاته الذي سيتحول لاحقا إلى مكان للقاءات والتدارس في المقررات الدراسية بمعية الزملاء. كانت مدينة تونس حينها متاهة بالنسبة لي، وبداية اكتشافها يتطلب مفاتيح خاصة للانسجام في المدينة المكتظة بالفعاليات الثقافية. عرفني بن مسعود على صديقه عادل الحاج سالم الذي يعمل أيضا في سلك التعليم. كان بن مسعود مسرورا بوجودي في تونس، والتحاقي بمعهد التنشيط الشبابي والثقافي ببئر الباي لدراسة الماجستير في العلوم الثقافية. كان عادل الحاج سالم يعطي انطباعا بالألفة والمسرة وفي حديثه يعبر عن مكنون ثقافي عميق بلا تكلف ولا ادعاء.

بعد ذلك قابلت عادل في أكثر من مناسبة عابرة. لكن توطدت علاقتي به أكثر بعد تعرفي على شقيقه الدكتور محمد الحاج سالم، صاحب كتاب (من الميسر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية)، والذي أصبحت ملازما له في مكتبته الشخصية، وقد أفادني كثيرا في المنهجية البحثية، وعرفني على ولديه حبيب وجهاد الذي سيصبح لاحقا واحدا من الباحثين في علم الاجتماع الحضري، ومختصا في دراسة الحركات الاجتماعية. حين يجدني عادل برفقة أخيه، يمازحني بقوله «من لقى أحبابه نسى أصحابه»، أرد عليه «وين نلاقيك سي عادل، الكل يحب يقعد معاك» وبالفعل كنا نلتقي معه ومع الكاتب والناقد السينمائي خميس الخياطي في مقهى البارديسو الواقع في شارع الولايات المتحدة. وقتئذ كان عادل محررا في موقع الأوان المعني بنشر الثقافة التنويرية والفكرية في الوطن العربي، ولديه معارف وأصدقاء ينشرون في الموقع.

بعد الثورة واصل عادل نشاطه السياسي وغدا ضيفا على القنوات الفضائية ومسيرا للعديد من الندوات الثقافية والفكرية، وأصبح مسؤولا عن الأنشطة الثقافية في المكتبة الوطنية التونسية.

بلغني عادل في إحدى رسائله منذ سنوات، أنه «فاد» من تونس ويفكر في الهجرة إلى خارج تونس. حين توقف عن النشر في (الفيسبوك)، سألت عنه فقيل لي أنه يعاني من مرض عضال.

توضح حالة الكاتب والإعلامي عادل الحاج سالم، وضع المثقف العربي، الذي تستهلك السنون عمره، وهو يسعى إلى إعلاء الفكر ورفع مقام الثقافة لتنهض بالمجتمع وتدفع طاقاته الكامنة في الروح البشرية لتغيير الأوضاع الراهنة إلى مستويات تحفظ كرامة الإنسان وتحقق طموحاته. حالة عادل هي حالة المثقف العربي الذي يعاني من التهميش، كلما غاب عن الساحة، وكأنه ملزم أن يبقى وحيدا في الساحات يصارع طواحين الهواء. بينما الفئة التي تعمل على إشاعة الجهل والشعوذة، تفتح لها المنابر وتحصل على الرعاية الرسمية والاجتماعية، والاهتمام من قبل المؤسسات العامة والخاصة.

كل الدعوات بالصحة والسلامة للصديق العزيز عادل، ولكل الأحرار الذين يدفعون ثمن الكلمة والموقف. وأتمنى من الزملاء والأصدقاء في تونس العظيمة أن يبادروا بزيارة عادل الحاج، الذي لم يخذل أحدا.