ضرورة أكاديمية الفنون
السبت / 22 / شوال / 1444 هـ - 20:31 - السبت 13 مايو 2023 20:31
يخبرنا عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في كتابه «مسائل في علم الاجتماع» (مشروع كلمة، ترجمة فريد الزاهي) أن «الفنان هو شخص يُعترَف به من خلال التعرف على ذاتنا في أعماله»، وأن أحد أبعاد أهمية اللقاء مع العمل الفنّي هو اكتشاف ما كنّا نريد قوله في موضوع معيّن لكننا لم نكن نعرف كيف نقوله. من هنا عُدّ الفنّ أهم عنصر من عناصر القوة الناعمة في أي بلد، بل إن تقدم هذا البلد وازدهاره يقاس بتقدم الفنون فيه، وقد رأينا في كثير من الدول المتقدمة كيف أن الفنون اختصرت على الدولة الكثير من العمل، إذْ استطاعت تعبئة الناس، وإصلاح القوانين، وإيجاد رأي عام تجاه قضايا مهمة، عدا دورها الأصلي المتمثّل في «الإمتاع والمؤانسة» إذا ما استعرنا عنوان كتاب التوحيدي الشهير.
هذه الأهمية الكبرى للفن هي النقطة التي انطلقت منها ندوة «الدراما العُمانية بين الواقع والطموح» التي نظمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم مساء الثلاثاء الماضي، وسعدتُ بالمشاركة فيها إلى جانب عدد من المشتغلين والمهمومين بالدراما الذين ناقشوا واقع الفنّ في عُمان اليوم، وباحوا بهواجسهم تجاه هذا الواقع، وحددوا مكامن الخلل فيه، بل واقترحوا الكثير من الحلول الطَموحة.
ولعل أهم توصية خرجتْ بها هذه الندوة هي أن الوقت قد حان لتأسيس أكاديمية للفنون في عُمان، لتضطلع بدور مهمّ في انتشال الفن العُماني من حالة الركود والمَوات التي أصابته في السنوات الأخيرة نتيجة الوضع الاقتصادي المتأزم، الذي يكون في مقدمة ضحاياه في العادة الثقافة والفنون، بسبب نظرة مترسخة لدى كثير من المسؤولين للأسف، أنهما - أي الثقافة والفنون- يكونان ترفًا في وقت الأزمات الاقتصادية، وينبغي التضحية بهما قبل أي شيء آخر؛ لذا فقد جُمِّدت لسنوات مهرجانات الشعر والأغنية والمسرح والملتقى الأدبي للشباب، وكان قسم الفنون المسرحية في جامعة السلطان قابوس، قد سبقها في هذا التجميد منذ مطلع الألفية الجديدة، ومازال مجمّدًا إلى اليوم.
ويمكن الوقوف على أهمية أكاديمية الفنون المقترحة إذا ما علمنا أن دولًا كثيرة سبقتنا في الفن تعتمد بشكل أساس في صناعتها الفنية من مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية ومسرحيات وأعمال موسيقية وغنائية على مُخرَجات هذه الأكاديميات أو المعاهد الفنية. وإذْ نشكو اليوم كمتابعين وجمهور متعطّش للدراما العُمانية من شحّ النصوص الدرامية الجيدة، أو ضعف الإمكانات التمثيلية لبعض المشتغلين بالأعمال الفنية، أو قلة المخرجين العُمانيين المؤهلين لإخراج أعمال ذات جودة مقبولة (لكي لا أقول عالية)، فإن السبب الأساس في رأيي هو عدم وجود مؤسسات مستدامة تصقل مواهب هؤلاء وتنميها، وتعمل على رفد الساحة الفنية بالدماء الجديدة بين فترة وأخرى، إضافة إلى عدم تفرغ الفنّانين للفنّ وحده في ظلّ اضطرارهم لامتهان أعمال أخرى تعينهم على متطلبات الحياة الكثيرة، لأن الفن وحده لا يمكن أن يضمن حياة كريمة مستقرة للقائمين عليه في بلاد لا يأخذ الفن فيها مكانه اللائق به.
كانت مداخلات الفنانين والمشتغلين بالدراما في هذه الندوة أشبه بقرع أجراس الخطر الذي يتهدد الدراما العُمانية بشكل خاص، والفنّ عمومًا بشكل عام، وهو ما ذكّرني بمقولة للشاعر صلاح عبدالصبور ذات مغزى شديد العُمق، يقول عبدالصبور: «إنّ الفنانين والفئران هم أكثر الكائنات استشعارًا للخطر. ولكنّ الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتُلقي بنفسها في البحر؛ هربًا من السفينة الغارقة. أما الفنانون فإنهم يظلون يقرعون الأجراس، ويصرخون بِمِلء الفم؛ حتى ينقذوا السفينة، أو يغرقوا معها».
هذه الأهمية الكبرى للفن هي النقطة التي انطلقت منها ندوة «الدراما العُمانية بين الواقع والطموح» التي نظمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم مساء الثلاثاء الماضي، وسعدتُ بالمشاركة فيها إلى جانب عدد من المشتغلين والمهمومين بالدراما الذين ناقشوا واقع الفنّ في عُمان اليوم، وباحوا بهواجسهم تجاه هذا الواقع، وحددوا مكامن الخلل فيه، بل واقترحوا الكثير من الحلول الطَموحة.
ولعل أهم توصية خرجتْ بها هذه الندوة هي أن الوقت قد حان لتأسيس أكاديمية للفنون في عُمان، لتضطلع بدور مهمّ في انتشال الفن العُماني من حالة الركود والمَوات التي أصابته في السنوات الأخيرة نتيجة الوضع الاقتصادي المتأزم، الذي يكون في مقدمة ضحاياه في العادة الثقافة والفنون، بسبب نظرة مترسخة لدى كثير من المسؤولين للأسف، أنهما - أي الثقافة والفنون- يكونان ترفًا في وقت الأزمات الاقتصادية، وينبغي التضحية بهما قبل أي شيء آخر؛ لذا فقد جُمِّدت لسنوات مهرجانات الشعر والأغنية والمسرح والملتقى الأدبي للشباب، وكان قسم الفنون المسرحية في جامعة السلطان قابوس، قد سبقها في هذا التجميد منذ مطلع الألفية الجديدة، ومازال مجمّدًا إلى اليوم.
ويمكن الوقوف على أهمية أكاديمية الفنون المقترحة إذا ما علمنا أن دولًا كثيرة سبقتنا في الفن تعتمد بشكل أساس في صناعتها الفنية من مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية ومسرحيات وأعمال موسيقية وغنائية على مُخرَجات هذه الأكاديميات أو المعاهد الفنية. وإذْ نشكو اليوم كمتابعين وجمهور متعطّش للدراما العُمانية من شحّ النصوص الدرامية الجيدة، أو ضعف الإمكانات التمثيلية لبعض المشتغلين بالأعمال الفنية، أو قلة المخرجين العُمانيين المؤهلين لإخراج أعمال ذات جودة مقبولة (لكي لا أقول عالية)، فإن السبب الأساس في رأيي هو عدم وجود مؤسسات مستدامة تصقل مواهب هؤلاء وتنميها، وتعمل على رفد الساحة الفنية بالدماء الجديدة بين فترة وأخرى، إضافة إلى عدم تفرغ الفنّانين للفنّ وحده في ظلّ اضطرارهم لامتهان أعمال أخرى تعينهم على متطلبات الحياة الكثيرة، لأن الفن وحده لا يمكن أن يضمن حياة كريمة مستقرة للقائمين عليه في بلاد لا يأخذ الفن فيها مكانه اللائق به.
كانت مداخلات الفنانين والمشتغلين بالدراما في هذه الندوة أشبه بقرع أجراس الخطر الذي يتهدد الدراما العُمانية بشكل خاص، والفنّ عمومًا بشكل عام، وهو ما ذكّرني بمقولة للشاعر صلاح عبدالصبور ذات مغزى شديد العُمق، يقول عبدالصبور: «إنّ الفنانين والفئران هم أكثر الكائنات استشعارًا للخطر. ولكنّ الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتُلقي بنفسها في البحر؛ هربًا من السفينة الغارقة. أما الفنانون فإنهم يظلون يقرعون الأجراس، ويصرخون بِمِلء الفم؛ حتى ينقذوا السفينة، أو يغرقوا معها».