الانتماء.. سلوك لا ادعاء
الاثنين / 17 / شوال / 1444 هـ - 19:51 - الاثنين 8 مايو 2023 19:51
مررنا ذات مرة بحارس لمؤسسة خاصة، وكان المدخل مليئا بأعقاب السجائر وعلب المشروبات الغازية الفارغة.
المشهد يُنفر الناظر من المكان ويبعث شعورا بعدم الدخول إلى المؤسسة مرة أخرى.
فقال له صاحبي: هل أنت الذي دخن كل هذه السجائر وشرب العلب؟!. لا أدري بماذا أجاب الحارس، ولكن المنظر كان محورا للنقاش بيني وبين الصديق وتحدثنا حول موضوع الانتماء. فلماذا لم يشعر الحارس بأن المكان الذي يحرسه مكانه، فيه يقضي وقته ويستلم راتبه من المؤسسة المالكة للمكان؟ ولماذا لم يزعجه مشهد أعقاب السجائر والعلب الفارغة؟ في هذه الحالة المكان بالنسبة للحارس هو منزله وليس مقر عمله ولا الحي الذي يسكنه ولا الشارع الذي يسلكه، أي أنه طارئ على الأمكنة، لا يشعر تجاهها بأي مشاعر أو واجب للاهتمام بها.
هذا يفتح أسئلة أخرى حول شكل العلاقة بين الفرد والمؤسسة وما ينبغي أن تكون. فالخلل في العلاقة بين الطرفين يتمظهر في سلوك الفرد تجاه مؤسسته، الذي يعكس في المقابل ترهل المؤسسة وفشلها في إيجاد أفراد منتمين وممتنين لها، وهذا ما يستدعي إعادة النظر في بنود العقد الاجتماعي بين الطرفين.
لأن الموظف اللامنتمي هو بالضرورة إنسان انفصل عن واقعه، ويعاني من مشكلة ما «ولا يعرف من هو؟ وقد وجد أناة ليست حقيقية، وهدفه الرئيسي هو أن يجد طريقا للعودة إلى نفسه» كما كتب الأديب البريطاني كولن ولسون (1931-2013) في روايته اللامنتمي الصادرة عام 1956.
يقاس هذا الأمر بالموظف الذي يشعر بالغبن في مؤسسته، فلا يهمه رأي المراجعين ولا جودة الخدمة في مكان عمله سواء كان في مؤسسة حكومية أو مؤسسة خاصة، والأمر بالنسبة له سيان تقدم مؤسسته أو تأخرها. ولكن لا يعني الشعور بالرضا وعدم الرضا تجاه مؤسسة بعينها، الانتقام من الآخرين، فعدم نيل الثناء من المسؤول لا يعني التوقف عن البهجة مع الزملاء في العمل ولا تقديم الخدمة لأصحاب المصلحة، كذلك عدم توفير خدمات النظافة من قبل البلدية، لا يعني ترك المخلفات في البيئة. وننتظر من الآخر أن يقوم بما امتنعنا عن تقديمه.
إن الانتماء أخلاق وأفعال وليس مصطلحا أو لفظة تُردد على خطب المنابر، أو كلمة يُتغنى بها في القصائد، والانتماء أيضا ليس محصورا على فئة اجتماعية من الناس بعينها، ولا يحدده المستوى التعليمي للأفراد. ففي كثير من الحالات يتخلى الدكتور عن انتمائه، ويلتزم بها غير المتعلم. وقد يخفق المسؤول أحيانا في أداء وظيفته، وينجح أدنى موظف في التسلسل الإداري في نجاح مؤسسته.
تبدأ التربية على الانتماء من سلوك الوالدين في البيت وفي الحي وفي البيئة المحيطة، ويتشكل في المدرسة عندما يرى الطالب فعل أساتذته تجاه المؤسسة التعليمية ومرافق المدرسة. ويُصقل الانتماء في مؤسسات التعليم العالي، حين يُفهم أن الانتماء للمكان يعني الانتماء للوطن وبناء الهوية التي يُشكل الانتماء روحها ومادتها.
إن الانتماء السامي هو الانتماء للإنسانية جمعاء دون أيديولوجيا أو عصبيات، انتماء يتجاوز الجنسيات والأعراق والجغرافيا إلى الكونية، والشعور بمسؤولية الحفاظ على الحياة على كوكب الأرض وصون الطبيعة، وتقديم ما يخدم الآخرين دون مقابل مثلما نصح راما كريشنا تلميذه راكهال ذات يوم: «يا بني أحب إليّ أن أسمع بأنك غرقت في نهر الجانج من أن أسمع بأنك رجل رديء تخدم الناس حبا للمال والمقتنيات الأرضية».
المشهد يُنفر الناظر من المكان ويبعث شعورا بعدم الدخول إلى المؤسسة مرة أخرى.
فقال له صاحبي: هل أنت الذي دخن كل هذه السجائر وشرب العلب؟!. لا أدري بماذا أجاب الحارس، ولكن المنظر كان محورا للنقاش بيني وبين الصديق وتحدثنا حول موضوع الانتماء. فلماذا لم يشعر الحارس بأن المكان الذي يحرسه مكانه، فيه يقضي وقته ويستلم راتبه من المؤسسة المالكة للمكان؟ ولماذا لم يزعجه مشهد أعقاب السجائر والعلب الفارغة؟ في هذه الحالة المكان بالنسبة للحارس هو منزله وليس مقر عمله ولا الحي الذي يسكنه ولا الشارع الذي يسلكه، أي أنه طارئ على الأمكنة، لا يشعر تجاهها بأي مشاعر أو واجب للاهتمام بها.
هذا يفتح أسئلة أخرى حول شكل العلاقة بين الفرد والمؤسسة وما ينبغي أن تكون. فالخلل في العلاقة بين الطرفين يتمظهر في سلوك الفرد تجاه مؤسسته، الذي يعكس في المقابل ترهل المؤسسة وفشلها في إيجاد أفراد منتمين وممتنين لها، وهذا ما يستدعي إعادة النظر في بنود العقد الاجتماعي بين الطرفين.
لأن الموظف اللامنتمي هو بالضرورة إنسان انفصل عن واقعه، ويعاني من مشكلة ما «ولا يعرف من هو؟ وقد وجد أناة ليست حقيقية، وهدفه الرئيسي هو أن يجد طريقا للعودة إلى نفسه» كما كتب الأديب البريطاني كولن ولسون (1931-2013) في روايته اللامنتمي الصادرة عام 1956.
يقاس هذا الأمر بالموظف الذي يشعر بالغبن في مؤسسته، فلا يهمه رأي المراجعين ولا جودة الخدمة في مكان عمله سواء كان في مؤسسة حكومية أو مؤسسة خاصة، والأمر بالنسبة له سيان تقدم مؤسسته أو تأخرها. ولكن لا يعني الشعور بالرضا وعدم الرضا تجاه مؤسسة بعينها، الانتقام من الآخرين، فعدم نيل الثناء من المسؤول لا يعني التوقف عن البهجة مع الزملاء في العمل ولا تقديم الخدمة لأصحاب المصلحة، كذلك عدم توفير خدمات النظافة من قبل البلدية، لا يعني ترك المخلفات في البيئة. وننتظر من الآخر أن يقوم بما امتنعنا عن تقديمه.
إن الانتماء أخلاق وأفعال وليس مصطلحا أو لفظة تُردد على خطب المنابر، أو كلمة يُتغنى بها في القصائد، والانتماء أيضا ليس محصورا على فئة اجتماعية من الناس بعينها، ولا يحدده المستوى التعليمي للأفراد. ففي كثير من الحالات يتخلى الدكتور عن انتمائه، ويلتزم بها غير المتعلم. وقد يخفق المسؤول أحيانا في أداء وظيفته، وينجح أدنى موظف في التسلسل الإداري في نجاح مؤسسته.
تبدأ التربية على الانتماء من سلوك الوالدين في البيت وفي الحي وفي البيئة المحيطة، ويتشكل في المدرسة عندما يرى الطالب فعل أساتذته تجاه المؤسسة التعليمية ومرافق المدرسة. ويُصقل الانتماء في مؤسسات التعليم العالي، حين يُفهم أن الانتماء للمكان يعني الانتماء للوطن وبناء الهوية التي يُشكل الانتماء روحها ومادتها.
إن الانتماء السامي هو الانتماء للإنسانية جمعاء دون أيديولوجيا أو عصبيات، انتماء يتجاوز الجنسيات والأعراق والجغرافيا إلى الكونية، والشعور بمسؤولية الحفاظ على الحياة على كوكب الأرض وصون الطبيعة، وتقديم ما يخدم الآخرين دون مقابل مثلما نصح راما كريشنا تلميذه راكهال ذات يوم: «يا بني أحب إليّ أن أسمع بأنك غرقت في نهر الجانج من أن أسمع بأنك رجل رديء تخدم الناس حبا للمال والمقتنيات الأرضية».