«الأمور طيبة» في اليوم العالمي لحرية الصحافة !!
الثلاثاء / 11 / شوال / 1444 هـ - 18:47 - الثلاثاء 2 مايو 2023 18:47
يحتفل العالم -الأربعاء- باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يوافق الثالث من مايو من كل عام. ويكتسب احتفال هذا العام خصوصية فريدة في كونه يمثل مرور ثلاثين عاما على إعلان اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي تم اعتماده من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة في نفس التاريخ من عام 1991 تخليدا لذكرى اعتماد إعلان ويندهوك - ناميبيا، التاريخي الذي شهد عقد اليونسكو لحلقة دراسية للصحفيين الأفارقة بعنوان «من أجل تنمية صحافة إفريقية مستقلة وتعددية».
تتضمن فعاليات وأنشطة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة ندوات ومحاضرات تنظمها اليونسكو في مقر المنظمة الأممية في نيويورك، ويشارك فيها إعلاميون وصحفيون وأكاديميون ونشطاء مجتمع مدني ومؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي من مختلف الدول، إلى جانب فعاليات في العديد من مدن وعواصم العالم.
وكعادتها، تحتفل صباح اليوم جمعية الصحفيين العمانية باليوم العالمي لحرية الصحافة. ويشمل برنامج الاحتفال الذي يحتضنه مقر الجمعية بمسقط، إطلاق التقرير السنوي للحريات الصحفية في سلطنة عُمان للعام 2022، وجلسة حوارية تحمل عنوان «حرية التعبير: الحقوق والممارسات في التشريعات العُمانية». خصوصية الاحتفال العالمي بيوم حرية الصحافة هذا العام تتمثل في استخدام شعار غريب ومبدع لهذا العام، وهو «كل شيء على ما يرام»، أو كما يقول العمانيون «الأمور طيبة». يبدو الشعار إيجابيا على غير عادة شعارات الأعوام السابقة، التي كانت تحذر من الاعتداء على حرية الصحافة في العالم وتندد بالانتهاكات التي تتعرض لها الصحافة والصحفيون في غالبية الدول، بما في ذلك الدول المتقدمة. والحقيقة أن استخدام هذا الشعار يأتي في إطار التورية والسخرية، ويدعو إلى التفكير أكثر في المخاطر الناجمة عن العصف بحرية الصحافة، والمنافع التي قد تعود على العالم من هذه الحرية، وهو ما أوضحته منظمة اليونسكو بالقول «إن نشر عبارة «كل شيء على ما يرام في اليوم العالمي لحرية الصحافة، يعني أنه إذا كان كل شيء على ما يرام في الإعلام، فهناك خطأ ما في الصحافة. وعندما تتعرض الصحافة للخطر، لا يمكننا حماية حقوق الإنسان». وقد أنتجت اليونسكو إلى جانب الشعار الرئيسي مجموعة من الشعارات الزائفة ذات الدلالة التي لا تتحقق سوى في غياب الصحافة، وغياب حرية الصحافة، مثل «كوكب الأرض على ما يرام»، و«اللاجئون في العالم على ما يرام»، و«أطفال العالم على ما يرام»، و«السكان الأصليون في كل دول العالم بخير»، «كل شخص في العالم بصحة جيدة»، و«الجوع انتهى من العالم»، و«الحروب انتهت»، و«الرقابة على الإبداع الفني والأدبي انتهت»، و«حقوق المرأة بخير»، و«الفساد انتهى».
تريد اليونسكو من هذه الشعارات أن تعيد تذكير حكومات العالم بأهمية حرية الصحافة ودورها الفعال في مراقبة البيئة العالمية والوطنية، والتنبيه إلى الأخطار التي تواجه العالم في جميع مناحي الحياة. فإذا سكتت الصحافة أو تم قمعها ومنعها من التناول الحر لهذه القضايا، مثلما يحدث في غالبية دول العالم، فإن هذا يعني أن كل المشكلات التي يعاني منها العالم بيئيا واقتصاديا وصحيا واجتماعيا وسياسيا لن تنتهي. وتريد أيضا أن تقول للقراء والمشاهدين ومستخدمي المواقع الإلكترونية ومنصات النشر الرقمي إنهم إذا وجدوا أن الصحافة تقول إن «العالم على ما يرام»، وإن الأمور طيبة، وأن الحياة على الكوكب جميلة ووردية، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، فإن عليهم أن يدركوا أن ثمة خطب ما، وأزمة كبرى في الصحافة وحرية وسائل الإعلام، وذلك لسبب منطقي وبسيط، هو أن واقع العالم يقول عكس ذلك تماما. فالبيئة العالمية تعاني أشد المعاناة، والحروب الداخلية والخارجية تعصف بالعديد من شعوب ودول العالم، واللاجئون لا يزالون يعانون في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وعلى سواحل أستراليا وأوروبا ونيوزلندا، والأمراض ما زالت تفتك بالبشر الذين لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الصحية، والفساد ما زال ينتشر ويتمدد ويتوغل في كل قارات العالم.
الآن وبعد كل الاحتفالات التي سبقت احتفال هذا العام باليوم العالمي لحرية الصحافة، فإن السؤال الذي لا بد وأن يطرح نفسه هو: هل تحسنت أوضاع الحريات بشكل عام في العالم، وفي القلب منها أوضاع حرية الصحافة؟ هل «الأمور طيبة» أم أنها ليست طيبة وتزداد سوءا عاما بعد عام؟
الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى بحث وتفصيل، فالصورة تبدو واضحة جلية والمشهد الصحفي والإعلامي في غالبية دول العالم يقول إن العالم يتجه إلى وضع مزيد من القيود على حرية التعبير وحرية الصحافة. وعلى سبيل المثال فإن مقارنة بسيطة بين مستوى الحرية الذي كانت تتمتع بها وسائل الإعلام في دول «الربيع العربي»، قبل هذا الربيع وبعده، تؤكد أن أوضاع حرية الصحافة في تراجع مستمر. إذ تعلمت النظم السياسية التي جاءت في أعقاب هذا الربيع من الدرس، وأيقنت أن ترك مساحة ولو ضئيلة لحرية الصحافة وحرية منصات النشر الرقمي سوف يجلب لها المتاعب، ولذلك حرصت على وضع يدها على كل وسائل الإعلام، واحتكار كل منافذ التعبير في المجتمع، أما بشكل مباشر من خلال وسائل الإعلام التابعة للدولة، أو بشكل غير مباشر عبر شركات أنشأتها خصيصا لهذا الغرض، وإعلاميون جندتهم لحمل رسائلها والهجوم على منتقديها، بما في ذلك السيطرة من خلال اللجان الإلكترونية على منصات النشر الرقمي، وتوحيد الخطاب الإعلامي الذي يقول «إن الأمور طيبة» في كل المجالات. وقد منعت هذه الأنظمة وعاقبت ليس فقط وسائل الإعلام التي تنتقدها، ولكن أيضا الأشخاص الذين يوجهون لها أي انتقاد على شبكات التواصل الاجتماعي، واستخدمت النظام القضائي الذي سيطرت عليه لمطاردة أصحاب الرأي المخالف بمزاعم «نشر أخبار كاذبة».
ما حدث في الدول العربية انتقلت عدواه إلى أنظمة سياسية كثيرة في العالم تراقب كل منافذ النشر التقليدية والرقمية لضمان استمرار بقائها في السلطة. ومن المتوقع أن يزيد التوجه إلى التضحية بحرية الصحافة في الأعوام القادمة، نتيجة ما يشهده العالم من أحداث وحروب وظهور تكتلات دولية جديدة تستهدف خلق عالم متعدد الأطراف. إذ يمكن للحكومات التذرع بمخاطر غير مرئية تهدد الأمن الوطني لفرض مزيد من السيطرة على الصحافة. وتقول منظمة بيت الحرية في تقريرها السنوي عن «الحرية في العالم 2023»، إن مستوى الحريات ينخفض في العالم للعام السابع عشر على التوالي، وذلك بفعل الانقلابات والحروب، واستمرار النظم السلطوية غير الديمقراطية».
رغم كل ذلك يبقى الثالث من مايو يوما مميزا، خاصة للصحفيين والإعلاميين والأكاديميين المهتمين بقضايا حرية الصحافة وجمعيات ونقابات الصحافة في العالم. إنه يوم يؤكد فيه هؤلاء وغيرهم من أنصار الحرية، السعي الدائم إلى أن تكون الصحافة بمعناها الشامل، الذي يعني حاليا كل منصات النشر، وإنتاج وتوزيع الأخبار والآراء على الجمهور، مرآة حقيقية للمجتمع، والسلطة الرابعة التي تراقب السلطات الأخرى، و«كلب الحراسة» اليقظ والأمين الذي يحرس المجتمع حتى عندما ينام الجميع.
أ.د. حسني محمد نصر كاتب مصري وأستاذ في قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس
تتضمن فعاليات وأنشطة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة ندوات ومحاضرات تنظمها اليونسكو في مقر المنظمة الأممية في نيويورك، ويشارك فيها إعلاميون وصحفيون وأكاديميون ونشطاء مجتمع مدني ومؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي من مختلف الدول، إلى جانب فعاليات في العديد من مدن وعواصم العالم.
وكعادتها، تحتفل صباح اليوم جمعية الصحفيين العمانية باليوم العالمي لحرية الصحافة. ويشمل برنامج الاحتفال الذي يحتضنه مقر الجمعية بمسقط، إطلاق التقرير السنوي للحريات الصحفية في سلطنة عُمان للعام 2022، وجلسة حوارية تحمل عنوان «حرية التعبير: الحقوق والممارسات في التشريعات العُمانية». خصوصية الاحتفال العالمي بيوم حرية الصحافة هذا العام تتمثل في استخدام شعار غريب ومبدع لهذا العام، وهو «كل شيء على ما يرام»، أو كما يقول العمانيون «الأمور طيبة». يبدو الشعار إيجابيا على غير عادة شعارات الأعوام السابقة، التي كانت تحذر من الاعتداء على حرية الصحافة في العالم وتندد بالانتهاكات التي تتعرض لها الصحافة والصحفيون في غالبية الدول، بما في ذلك الدول المتقدمة. والحقيقة أن استخدام هذا الشعار يأتي في إطار التورية والسخرية، ويدعو إلى التفكير أكثر في المخاطر الناجمة عن العصف بحرية الصحافة، والمنافع التي قد تعود على العالم من هذه الحرية، وهو ما أوضحته منظمة اليونسكو بالقول «إن نشر عبارة «كل شيء على ما يرام في اليوم العالمي لحرية الصحافة، يعني أنه إذا كان كل شيء على ما يرام في الإعلام، فهناك خطأ ما في الصحافة. وعندما تتعرض الصحافة للخطر، لا يمكننا حماية حقوق الإنسان». وقد أنتجت اليونسكو إلى جانب الشعار الرئيسي مجموعة من الشعارات الزائفة ذات الدلالة التي لا تتحقق سوى في غياب الصحافة، وغياب حرية الصحافة، مثل «كوكب الأرض على ما يرام»، و«اللاجئون في العالم على ما يرام»، و«أطفال العالم على ما يرام»، و«السكان الأصليون في كل دول العالم بخير»، «كل شخص في العالم بصحة جيدة»، و«الجوع انتهى من العالم»، و«الحروب انتهت»، و«الرقابة على الإبداع الفني والأدبي انتهت»، و«حقوق المرأة بخير»، و«الفساد انتهى».
تريد اليونسكو من هذه الشعارات أن تعيد تذكير حكومات العالم بأهمية حرية الصحافة ودورها الفعال في مراقبة البيئة العالمية والوطنية، والتنبيه إلى الأخطار التي تواجه العالم في جميع مناحي الحياة. فإذا سكتت الصحافة أو تم قمعها ومنعها من التناول الحر لهذه القضايا، مثلما يحدث في غالبية دول العالم، فإن هذا يعني أن كل المشكلات التي يعاني منها العالم بيئيا واقتصاديا وصحيا واجتماعيا وسياسيا لن تنتهي. وتريد أيضا أن تقول للقراء والمشاهدين ومستخدمي المواقع الإلكترونية ومنصات النشر الرقمي إنهم إذا وجدوا أن الصحافة تقول إن «العالم على ما يرام»، وإن الأمور طيبة، وأن الحياة على الكوكب جميلة ووردية، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، فإن عليهم أن يدركوا أن ثمة خطب ما، وأزمة كبرى في الصحافة وحرية وسائل الإعلام، وذلك لسبب منطقي وبسيط، هو أن واقع العالم يقول عكس ذلك تماما. فالبيئة العالمية تعاني أشد المعاناة، والحروب الداخلية والخارجية تعصف بالعديد من شعوب ودول العالم، واللاجئون لا يزالون يعانون في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وعلى سواحل أستراليا وأوروبا ونيوزلندا، والأمراض ما زالت تفتك بالبشر الذين لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الصحية، والفساد ما زال ينتشر ويتمدد ويتوغل في كل قارات العالم.
الآن وبعد كل الاحتفالات التي سبقت احتفال هذا العام باليوم العالمي لحرية الصحافة، فإن السؤال الذي لا بد وأن يطرح نفسه هو: هل تحسنت أوضاع الحريات بشكل عام في العالم، وفي القلب منها أوضاع حرية الصحافة؟ هل «الأمور طيبة» أم أنها ليست طيبة وتزداد سوءا عاما بعد عام؟
الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى بحث وتفصيل، فالصورة تبدو واضحة جلية والمشهد الصحفي والإعلامي في غالبية دول العالم يقول إن العالم يتجه إلى وضع مزيد من القيود على حرية التعبير وحرية الصحافة. وعلى سبيل المثال فإن مقارنة بسيطة بين مستوى الحرية الذي كانت تتمتع بها وسائل الإعلام في دول «الربيع العربي»، قبل هذا الربيع وبعده، تؤكد أن أوضاع حرية الصحافة في تراجع مستمر. إذ تعلمت النظم السياسية التي جاءت في أعقاب هذا الربيع من الدرس، وأيقنت أن ترك مساحة ولو ضئيلة لحرية الصحافة وحرية منصات النشر الرقمي سوف يجلب لها المتاعب، ولذلك حرصت على وضع يدها على كل وسائل الإعلام، واحتكار كل منافذ التعبير في المجتمع، أما بشكل مباشر من خلال وسائل الإعلام التابعة للدولة، أو بشكل غير مباشر عبر شركات أنشأتها خصيصا لهذا الغرض، وإعلاميون جندتهم لحمل رسائلها والهجوم على منتقديها، بما في ذلك السيطرة من خلال اللجان الإلكترونية على منصات النشر الرقمي، وتوحيد الخطاب الإعلامي الذي يقول «إن الأمور طيبة» في كل المجالات. وقد منعت هذه الأنظمة وعاقبت ليس فقط وسائل الإعلام التي تنتقدها، ولكن أيضا الأشخاص الذين يوجهون لها أي انتقاد على شبكات التواصل الاجتماعي، واستخدمت النظام القضائي الذي سيطرت عليه لمطاردة أصحاب الرأي المخالف بمزاعم «نشر أخبار كاذبة».
ما حدث في الدول العربية انتقلت عدواه إلى أنظمة سياسية كثيرة في العالم تراقب كل منافذ النشر التقليدية والرقمية لضمان استمرار بقائها في السلطة. ومن المتوقع أن يزيد التوجه إلى التضحية بحرية الصحافة في الأعوام القادمة، نتيجة ما يشهده العالم من أحداث وحروب وظهور تكتلات دولية جديدة تستهدف خلق عالم متعدد الأطراف. إذ يمكن للحكومات التذرع بمخاطر غير مرئية تهدد الأمن الوطني لفرض مزيد من السيطرة على الصحافة. وتقول منظمة بيت الحرية في تقريرها السنوي عن «الحرية في العالم 2023»، إن مستوى الحريات ينخفض في العالم للعام السابع عشر على التوالي، وذلك بفعل الانقلابات والحروب، واستمرار النظم السلطوية غير الديمقراطية».
رغم كل ذلك يبقى الثالث من مايو يوما مميزا، خاصة للصحفيين والإعلاميين والأكاديميين المهتمين بقضايا حرية الصحافة وجمعيات ونقابات الصحافة في العالم. إنه يوم يؤكد فيه هؤلاء وغيرهم من أنصار الحرية، السعي الدائم إلى أن تكون الصحافة بمعناها الشامل، الذي يعني حاليا كل منصات النشر، وإنتاج وتوزيع الأخبار والآراء على الجمهور، مرآة حقيقية للمجتمع، والسلطة الرابعة التي تراقب السلطات الأخرى، و«كلب الحراسة» اليقظ والأمين الذي يحرس المجتمع حتى عندما ينام الجميع.
أ.د. حسني محمد نصر كاتب مصري وأستاذ في قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس