أفكار وآراء

التحديات الاجتماعية لوسائل التواصل الاجتماعي

إن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على جوانب مختلفة من الحياة قد تحول إلى ظاهرة اجتماعية دفعت العديد من الباحثين في مجال التربية عموما والتربية الإعلامية وعلوم الاجتماع والنفس على وجه الخصوص إلى دراستها وتحليلها، إذ امتد تأثيرها إلى أنماط التفكير وسلوك المستخدمين والمتابعين وفي مقدمتهم الشباب، وأصبح من الضروري دراسة طبيعة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في التنشئة وما قد تغرسه من قيم وسلوكيات تؤثر في المظهر الخارجي والتوافق الاجتماعي والقيمي، وتتعدد الأبعاد الاجتماعية لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب منها إشباع الحاجات الوجدانية والاندماجية، إذ تتيح لهم ممارسة ما يشعرهم بالرضا والراحة في التواصل مع الأصدقاء والعائلة والآخرين، أيضا تعزز العلاقات بين الشباب اجتماعيا فهي وسيلة تسهل تكوين الصداقات وتمنح حرية الاختيار للمتابعين والمحاورين لإمكانية استخدامهم أسماء مستعارة وبذلك تمكنهم من إنشاء هوية افتراضية لإخفاء هوياتهم الحقيقية في مواقع الدردشة ليبرز وجوده واستقلاله وفقا لحاجاته النفسية في مرحلة الشباب فهي نافذة للتعبير وإبداء الرأي، أما دخولهم لمواقع الألعاب الإلكترونية فتمنحهم نوعا من المؤانسة الاجتماعية فيترابطون عضويا ويكونون صداقات تتشابه فيها الاهتمامات، ومن جانب آخر، فإن وسائل التواصل الاجتماعي قد تحول انتباه الشباب والجماهير عن قضاياهم الوطنية الأساسية والتطبيع الذي قد يحدث في أرض الواقع تغيير جذري في الثقافة والفكر والعادات واللغة، أيضا الاستخدام المتواصل لوسائل التواصل الاجتماعي وكثرة خصائصها التي تجذب المستخدم وتخدمه أتاح الكثير من الفرص والتحديات التي لها تأثير اجتماعي ونفسي وأمني وبالنسبة لكثير من المجتمعات يعد التأثير الاجتماعي مصدر قلق كبير فبسبب سرعة انتشارها نجحت في التأثير على اتجاهات الأفراد والمجموعات وتشكيل فكر المجتمع والتأثير في ثقافته وأطباعه في عمان، كما هو الحال في الدول الأخرى.

لقد اطلعت على عديد من الدراسات ورسائل الماجستير التي تسلّط الضوء على التحديات الناتجة عن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي لعلّ أبرزها رسالة ماجستير بجامعة السلطان قابوس في عام 2016 للباحثة إيمان البدرية بعنوان «علاقة وسائل التواصل الاجتماعي بالتماسك الأسري»، إذ لخّصت الرسالة تحديات وسائل التواصل الاجتماعي وآثارها في كونها تقلل مهارات التفاعل بين الأشخاص وجها لوجه لسهولة التواصل عبر هذه المواقع ففي الحياة الطبيعية لا تستطيع أن توجد محادثة شخص فورا وأن تلغيه من دائرة تواصلك بضغطة زر، وإضاعة الوقت، فالخدمات الترفيهية التي تقدمها قد تكون جذابة جدا لدرجة تنسى معها الوقت، مما يؤدي ذلك لإدمان وسائل التواصل، فاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الفراغ وجعلها أحد النشاطات الرئيسية في حياة الفرد اليومية يجعل ترك هذا النشاط أو استبداله أمرا صعبا للغاية خاصة وأنها مثالية من ناحية الترفيه لملء وقت الفراغ الطويل. وأحد أبرز تلك الآثار هو ضياع الهوية الثقافية العربية واستبدالها بالهوية العالمية لوسائل التواصل، وأيضا انعدام خصوصية الأشخاص التي تسبب أضرارا مادية ومعنوية عن طريق استغلالها في التشهير والإساءة لأولئك الأشخاص.

فوسائل التواصل الاجتماعي حظيت بأهمية كبيرة وتأثير واسع، إذ أصبحت محورا مؤثرا ورئيسيا في توجيه المجتمعات وفقا للمتخصصين بمجال التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى اكتساب وسائل التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك، وتويتر، وإنستجرام، وسناب شات» القوة والسلطة لتحريك الرأي العام عبر قيامها بأدوار مختلفة في نقل الأخبار والشائعات والمعلومات غير الدقيقة والمضللة بشأن الاحتجاجات والمظاهرات التي عرفت بالربيع العربي في عام 2011 وكأن مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تؤرق العالم عموما والمجتمعات العربية خصوصا لم تظهر على الساحة لولا ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. فالدور الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية أسهمت في ظهور تساؤلات واستفسارات بشأن حجم تحريك وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي الجمهور وتأثرهم بما يتداول فيها تجاه القضايا المختلفة بالإضافة إلى معرفة مدى اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى على ما يتداول فيها لمعرفة انجذابهم للتفاعل مع مختلف الموضوعات والقضايا، وكذلك قامت المؤسسات الحكومية بإجراء استطلاعات الرأي حول قضية أو مشكلة في وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه الجمهور تجاه موضوع معيّن مما يعكس قوة وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها. في المقابل ووفقا للدكتورة حنان أحمد عبر كتابها بعنوان «الإعلام والقضايا المجتمعية» فترى أن وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت دورها في إثراء المجتمعات معرفيا وفكريا ووعي الأشخاص بحقوقهم وواجباتهم مع اختلاف تعامل الدول مع هذه الوسائل مع الأخذ في الحسبان ضرورة التوازن بين مساحة الحرية التي يمتلكها الجمهور في وسائل التواصل الاجتماعي ووجود ضوابط تحكم عملية استخدامها لتجنب عدم تحولها لأداة تهدد أمن المجتمعات واستقرارها، وفي الجانب الاجتماعي أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في مستوى الوعي والدور المهم في التربية والتنشئة واكتساب العادات الصحيحة عبر سهولة التواصل وتبادل وجهات النظر بشأن المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى ذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت الأشخاص الذين يعانون من الخجل والانطوائية وصعوبة التواصل مع الآخرين بالتغلب على تلك الصفات، وفي المقابل ظهرت مشاكل اجتماعية أثرت سلبا على المجتمعات مثل انتشار الفتن والزعزعة الأمنية واكتساب العادات غير الحميدة، أما في سلطنة عمان فكان لوسائل التواصل الاجتماعي دور في مظاهرات 2011 بالإضافة إلى دورها في الحراك السياسي والاجتماعي في تلك المظاهرات، في المقابل كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور في توصيل المساعدات عند تعرض سلطنة عمان للأعاصير وآخرها إعصار شاهين وأيضا ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تمرير رسائل إعلامية حكومية مرتبطة بالتنبيهات الصادرة للجمهور للتعامل مع الأنواء المناخية، إذ تعد منصتا تويتر وفيسبوك مصدرين موثوقين للمواطنين لإيصال أصواتهم وتوجيه القضايا المختلفة للمجتمع.

ولتقليل هذه التأثيرات السلبية الناتجة عن الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي، اهتمت سلطنة عمان بسن تشريعات وقوانين لحماية البيانات الشخصية وحرية التعبير لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي التي سيتم التطرق إليها في مقالات قادمة بإذن الله لتقديم الحلول والمقترحات التي من شأنها نشر الوعي القانوني فيما يخص الحماية القانونية من عواقب جرائم الإنترنت عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي