أنساغ.. البحر يضحك علينا
الاحد / 9 / شوال / 1444 هـ - 18:43 - الاحد 30 أبريل 2023 18:43
(1)
تنبثق الكتابة من الاستغاثة بغير قصد (ولا داعي لكل هذا الَّلغط).
(2)
فاترٌ هذا الطَّريد مثل مُحَصِّل التذاكر في قطار وِجْهَتُه الهاوية.
(3)
أنا في غاية الرضا عن نفسي (لكن متأخر جدَّا يا للأسف). الرضا محض عذاب آخر يحيق بك حين لا تحتاجه.
(4)
الكذب شيء، وادعاء الحقيقة شيء آخر. أحبُّ الكذَّابين كثيرا لأنهم يعترفون باستحالة الملكيَّة الفرديَّة لما يدعوه الحكماء «الحقيقة»، ويجددون «حقائقهم» دوما.
(5)
نعم، ضبطوني في الحارة القديمة، وانتشرت أقوال مؤسفة عن «الغريب» الذي يتصرف كما لو إنه كلب ضالٌّ أو يتيم.
في الحقيقة تغير كل شيء: صارت هناك طرقات مُسفلتة صغيرة مضاءة بأنوار الكهرباء المتباعدة نسبيَّا. لكن ما تبقى هو الزُّقاق الضئيل الذي كانت رسائلنا الليليَّة تمخره في النهار وفي الليل.
لم يعد ذلك الباب موجودا (أزيل المبنى كلّه، ورأيت في المكان القديم الخَرب بناية من ثلاثة طوابق ونصف).
ماذا تبقى من هناك، إذاً؟
عدت من هناك بشمس، وقمر، وباقة ياسمين ذابلة.
ستكون لدينا هذه الصِّفة المُستَلَّة من النُّبوَّات مباشرة: لن يرحمنا أحد!
(6)
الحلم تذكار الكتابة المؤجَّلة. إنه الـ «déjà vu» الخاص بك وحدك «أحس أنني خَبِرْتُ بالأمس ما يحدث لي اليوم للمرة الأولى»، أو، بطريقة أخرى قليلا، مثلما وصفت عنايات الزيَّات الأمر في يوميَّاتها (أو، بالأحرى، ما تبقى من تلك اليوميَّات بعد تدميرها المقصود): «أحس أني قد عشت حياتي من قبل، فلماذا إذاً أوجد من جديد؟...» «..استدرتُ ونزلتُ أُكمل رحلة مستقبلي القديم»! (كما اقتبستْها إيمان مرسال في «في أثر عنايات الزيَّات»).
(7)
الجحيم شيء غريب، فظ، ووحشيٌّ، وقاسٍ، وكارثته الكبرى هي أنه يحدث هنا على الأرض، وتماما وبالضبط في بيوتنا.
(8)
الحزن: لا تكتب عن شيء لم تعد تعرفه ولم يعد يعلمك. اكتب فقط عن اللوعة التي في جسدك وروحك (أقصد: بالمعنى الباثولوجي تماما، والذي يتفاقم في عِلْمِ الذَّبح).
(9)
الحَمَامات شيء من قبيل الكتابة أو ناحية المحو. لكن الكارثة هي أنها تحطُّ على نافذتك وأنت في غيبوبة البرزخ.
(10)
لا تكُفُّ السُّلطة عن تذكيرك بأن عليك المشي على مسافة عشرة آلاف كيلومتر (في الأقل) من آخر إنجازاتها التي تتناقل أخبارها الصحافة والأقربون.
(11)
في كل علاقة هناك دوما قنبلة موقوتة.
مع تقدم العمر وازدياد التجارب عليك ألا تحفل بالعلاقات، بل بما تبقى من أشلائك (العلاقات كثيرة، والأشلاء قليلة).
(12)
لم أعد أحتاج إلى «الماء والثَّلج والبَرَد»، والمقبرة نزوح الأطياف.
(13)
البكاء أعظم بوح بلا معنى أي شيء، ولا جدوى كل شيء.
البكاء استغفار في غاية الخشونة، والمَهَبّ.
(14)
هذا الخفير المتحفِّزُ اليَقِظُ يحرس مخزنا ليس فيه سوى الفئران وما ضاع من أدبيَّات ووثائق الصَّفقة.
(15)
كان قليل من الحياة هو كل ما يحتاج إليه الشَّاعر (لكن، حتى هذا أتى، ببعض الأسف، بعد فوات الأوان).
لم يعد الشاعر بحاجة إلى أي شيء (فاهتموا بأنفسكم، إن أمكن).
(16)
نَحَّيتُ من حياتي اليوم ثلاثمائة وأربعين كلمة وشخصين، فصرت رشيقا أكثر.
(17)
عيب بندقيَّة «الكَسْر» أنها لم تكن لها طاقة ناريَّة تكفي لقتلك (لم يكن هناك أي داع لاغتيال كل تلك الغربان في يوم واحد).
(18)
البداية هي كل ما سيحدث للمرة الثانية (ولذلك ليس هناك شيء اسمه «النهاية»).
(19)
أمينة، دايان، أمل، كلاوديا، فاطمة، إيزابيل، سناي، كرستِن، خديجة: ضرورة وجود أكبر بلدوزر في العالم.
(20)
ليس هناك ما يمكن وما ينبغي ولا ينبغي ذكره عن هذا اليوم السيئ إلى أبعد الحدود: «شاهدت فيلما رديئا جدا «للويس» بونويل.. إنه سوقيٌّ على نحوٍ لا يمكن تصديقه» (أندريه تاركوفسكي، «اليوميَّات»).
(21)
في الإتيان أروع هدايا السماء (التي تنسحب بالتَّدَرُّج بعد ذلك).
«ولو قدرت على الإتيان جئتكمُ/ سعيا على الوجه أو مشيا على الرَّأس» (الحلاج).
(22)
الافتعال، والتَّظاهر، والتَّكلُّف، والتَّصنُّع: كل ما هو متاح لنا من حقيقة.
(23)
الأمريكان هم أفضل شعب في العالم (أقصد، بعد أن تكون قد شاهدت جميع أفلام الرسوم المتحرِّكة).
(24)
أخاف الموت رغبةً في تفاصيل أصغر.
(25)
الفستق تنهُّدٌ آخر على نحرك، وآخر ما يتذكره السَّرير.
(26)
الضَّجر لا يكفي، فقد اكتفى.
(27)
الوفاء هو الميزة الوحيدة للأعشاب الخضراء والجافة، وللنِّسيان.
(28)
مريم ليست أمَّك وحدك؛ فخذ حذرك واحترس يا يوسف.
(29)
جثَّة تقيم في جسد.
(30)
كم هي ظامئة تلك الدمعة.
(31)
في أعراف السورياليين الأوائل كانت السخرية من أسلحة مقاومة العالم.
أما سورياليو الحاضر فلا يحسنون أي شيء سوى أن يجعلونا نسخر منهم.
(32)
الكتابة مهنة الأسى، واللوعة. أما السرعة فوظيفة الرِّياضيين في مختلف حلبات وميادين التَّنافس والسِّباقات.
حسن جدا، ما الذي تبقى بعد ذلك؟
(33)
القول بأن المرء قد أفاق في هذه الظهيرة فيه ضرب من المقامرة.
(34)
سوف يحدث صمت كبير حين نموت.
علينا ألا ندرِّب أنفسنا على ذلك.
(35)
كل الأيام تليق بالموت، وهناك يوم واحد فقط يستأهل الحياة (لكنك لم تفعل ذلك).
(36)
الوهم أهم بكثير من الحلم وأقوى منه؛ فالثاني يطمح إلى التحقُّق، وبالتالي مصير التَّجاوز والزَّوال. أما الأول فهو ضارب في دون كيخوته، وفي ملحمتك الجديدة وحدك.
(37)
الرُّعاف شجن على طين لم يبتلَّ بما فيه الكفاية (لغاية الآن).
(38)
أمضي وحيدا كسجَّادة الصَّلاة.
(39)
النبيذ ليس أكثر (ولا أقلَّ أيضا) من فشلٍ أمام حبَّة عنب بين نهدين (يأتي هذا وفاءً لذكرى سالم بن راشد الصُّوري).
(40)
البحر يضحك علينا لأنه ليس أكثر من ماء غير أزرق أصلا.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
تنبثق الكتابة من الاستغاثة بغير قصد (ولا داعي لكل هذا الَّلغط).
(2)
فاترٌ هذا الطَّريد مثل مُحَصِّل التذاكر في قطار وِجْهَتُه الهاوية.
(3)
أنا في غاية الرضا عن نفسي (لكن متأخر جدَّا يا للأسف). الرضا محض عذاب آخر يحيق بك حين لا تحتاجه.
(4)
الكذب شيء، وادعاء الحقيقة شيء آخر. أحبُّ الكذَّابين كثيرا لأنهم يعترفون باستحالة الملكيَّة الفرديَّة لما يدعوه الحكماء «الحقيقة»، ويجددون «حقائقهم» دوما.
(5)
نعم، ضبطوني في الحارة القديمة، وانتشرت أقوال مؤسفة عن «الغريب» الذي يتصرف كما لو إنه كلب ضالٌّ أو يتيم.
في الحقيقة تغير كل شيء: صارت هناك طرقات مُسفلتة صغيرة مضاءة بأنوار الكهرباء المتباعدة نسبيَّا. لكن ما تبقى هو الزُّقاق الضئيل الذي كانت رسائلنا الليليَّة تمخره في النهار وفي الليل.
لم يعد ذلك الباب موجودا (أزيل المبنى كلّه، ورأيت في المكان القديم الخَرب بناية من ثلاثة طوابق ونصف).
ماذا تبقى من هناك، إذاً؟
عدت من هناك بشمس، وقمر، وباقة ياسمين ذابلة.
ستكون لدينا هذه الصِّفة المُستَلَّة من النُّبوَّات مباشرة: لن يرحمنا أحد!
(6)
الحلم تذكار الكتابة المؤجَّلة. إنه الـ «déjà vu» الخاص بك وحدك «أحس أنني خَبِرْتُ بالأمس ما يحدث لي اليوم للمرة الأولى»، أو، بطريقة أخرى قليلا، مثلما وصفت عنايات الزيَّات الأمر في يوميَّاتها (أو، بالأحرى، ما تبقى من تلك اليوميَّات بعد تدميرها المقصود): «أحس أني قد عشت حياتي من قبل، فلماذا إذاً أوجد من جديد؟...» «..استدرتُ ونزلتُ أُكمل رحلة مستقبلي القديم»! (كما اقتبستْها إيمان مرسال في «في أثر عنايات الزيَّات»).
(7)
الجحيم شيء غريب، فظ، ووحشيٌّ، وقاسٍ، وكارثته الكبرى هي أنه يحدث هنا على الأرض، وتماما وبالضبط في بيوتنا.
(8)
الحزن: لا تكتب عن شيء لم تعد تعرفه ولم يعد يعلمك. اكتب فقط عن اللوعة التي في جسدك وروحك (أقصد: بالمعنى الباثولوجي تماما، والذي يتفاقم في عِلْمِ الذَّبح).
(9)
الحَمَامات شيء من قبيل الكتابة أو ناحية المحو. لكن الكارثة هي أنها تحطُّ على نافذتك وأنت في غيبوبة البرزخ.
(10)
لا تكُفُّ السُّلطة عن تذكيرك بأن عليك المشي على مسافة عشرة آلاف كيلومتر (في الأقل) من آخر إنجازاتها التي تتناقل أخبارها الصحافة والأقربون.
(11)
في كل علاقة هناك دوما قنبلة موقوتة.
مع تقدم العمر وازدياد التجارب عليك ألا تحفل بالعلاقات، بل بما تبقى من أشلائك (العلاقات كثيرة، والأشلاء قليلة).
(12)
لم أعد أحتاج إلى «الماء والثَّلج والبَرَد»، والمقبرة نزوح الأطياف.
(13)
البكاء أعظم بوح بلا معنى أي شيء، ولا جدوى كل شيء.
البكاء استغفار في غاية الخشونة، والمَهَبّ.
(14)
هذا الخفير المتحفِّزُ اليَقِظُ يحرس مخزنا ليس فيه سوى الفئران وما ضاع من أدبيَّات ووثائق الصَّفقة.
(15)
كان قليل من الحياة هو كل ما يحتاج إليه الشَّاعر (لكن، حتى هذا أتى، ببعض الأسف، بعد فوات الأوان).
لم يعد الشاعر بحاجة إلى أي شيء (فاهتموا بأنفسكم، إن أمكن).
(16)
نَحَّيتُ من حياتي اليوم ثلاثمائة وأربعين كلمة وشخصين، فصرت رشيقا أكثر.
(17)
عيب بندقيَّة «الكَسْر» أنها لم تكن لها طاقة ناريَّة تكفي لقتلك (لم يكن هناك أي داع لاغتيال كل تلك الغربان في يوم واحد).
(18)
البداية هي كل ما سيحدث للمرة الثانية (ولذلك ليس هناك شيء اسمه «النهاية»).
(19)
أمينة، دايان، أمل، كلاوديا، فاطمة، إيزابيل، سناي، كرستِن، خديجة: ضرورة وجود أكبر بلدوزر في العالم.
(20)
ليس هناك ما يمكن وما ينبغي ولا ينبغي ذكره عن هذا اليوم السيئ إلى أبعد الحدود: «شاهدت فيلما رديئا جدا «للويس» بونويل.. إنه سوقيٌّ على نحوٍ لا يمكن تصديقه» (أندريه تاركوفسكي، «اليوميَّات»).
(21)
في الإتيان أروع هدايا السماء (التي تنسحب بالتَّدَرُّج بعد ذلك).
«ولو قدرت على الإتيان جئتكمُ/ سعيا على الوجه أو مشيا على الرَّأس» (الحلاج).
(22)
الافتعال، والتَّظاهر، والتَّكلُّف، والتَّصنُّع: كل ما هو متاح لنا من حقيقة.
(23)
الأمريكان هم أفضل شعب في العالم (أقصد، بعد أن تكون قد شاهدت جميع أفلام الرسوم المتحرِّكة).
(24)
أخاف الموت رغبةً في تفاصيل أصغر.
(25)
الفستق تنهُّدٌ آخر على نحرك، وآخر ما يتذكره السَّرير.
(26)
الضَّجر لا يكفي، فقد اكتفى.
(27)
الوفاء هو الميزة الوحيدة للأعشاب الخضراء والجافة، وللنِّسيان.
(28)
مريم ليست أمَّك وحدك؛ فخذ حذرك واحترس يا يوسف.
(29)
جثَّة تقيم في جسد.
(30)
كم هي ظامئة تلك الدمعة.
(31)
في أعراف السورياليين الأوائل كانت السخرية من أسلحة مقاومة العالم.
أما سورياليو الحاضر فلا يحسنون أي شيء سوى أن يجعلونا نسخر منهم.
(32)
الكتابة مهنة الأسى، واللوعة. أما السرعة فوظيفة الرِّياضيين في مختلف حلبات وميادين التَّنافس والسِّباقات.
حسن جدا، ما الذي تبقى بعد ذلك؟
(33)
القول بأن المرء قد أفاق في هذه الظهيرة فيه ضرب من المقامرة.
(34)
سوف يحدث صمت كبير حين نموت.
علينا ألا ندرِّب أنفسنا على ذلك.
(35)
كل الأيام تليق بالموت، وهناك يوم واحد فقط يستأهل الحياة (لكنك لم تفعل ذلك).
(36)
الوهم أهم بكثير من الحلم وأقوى منه؛ فالثاني يطمح إلى التحقُّق، وبالتالي مصير التَّجاوز والزَّوال. أما الأول فهو ضارب في دون كيخوته، وفي ملحمتك الجديدة وحدك.
(37)
الرُّعاف شجن على طين لم يبتلَّ بما فيه الكفاية (لغاية الآن).
(38)
أمضي وحيدا كسجَّادة الصَّلاة.
(39)
النبيذ ليس أكثر (ولا أقلَّ أيضا) من فشلٍ أمام حبَّة عنب بين نهدين (يأتي هذا وفاءً لذكرى سالم بن راشد الصُّوري).
(40)
البحر يضحك علينا لأنه ليس أكثر من ماء غير أزرق أصلا.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني