الموارد المتجددة والاستثمار في الوقود الأحفوري
السبت / 8 / شوال / 1444 هـ - 20:28 - السبت 29 أبريل 2023 20:28
ترجمة قاسم مكي -
يوجَد مَيل قوي لمقاومة التغيير في أنظمة الطاقة. تشكل هذه المقاومة تحديا رئيسيا لجهود الانتقال بالاقتصادات من الوقود الأحفوري إلى الموارد المتجددة ومعالجة التغير المناخي. فلماذا نقوم بتركيب مضخة حرارية عندما تعمل غلاية الغاز على أحسن ما يكون أو شراء سيارة كهربائية عندما تؤدي المهمة سيارة المحرك الداخلي (البنزين)؟ ولماذا ننشئ خطوط طاقة كهربائية لربط محطات الطاقة الشمسية بشبكة الإمداد الكهربائي عندما تكون هذه الشبكة متصلة سلفا بمحطات توليد تستخدم الوقود الأحفوري؟
لكن أزمة أمن الطاقة الحالية أوضحت كيف يمكن للصدمات تخليص أنظمة الطاقة من مقاومة التخلي عن الوقود الأحفوري. فجهود روسيا للحصول على ميزة سياسية واقتصادية برفع أسعار الطاقة شكلت دافعا كبيرا للحكومات ليس فقط في الاتحاد الأوروبي ولكن في بلدان عديدة حول العالم لتسريع استخدام بدائل أنظف وأكثر أمانا.
آثار كل ذلك تبدو أكثر وضوحا في كل يوم. فقبل ستة أشهر ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن تداعيات الحرب في أوكرانيا تعيد تشكيل مستقبل الطاقة العالمية مع وضوح «ذروة» الطلب على الوقود الأحفوري لأول مرة والتي من المقرر بلوغها قبل نهاية العقد الحالي.
سيكون هذا تحولا تاريخيا. فموارد الوقود الأحفوري حافظت على حصتها في إمدادات الطاقة العالمية عند نسبة 80% لعقود. لكن عالم الطاقة يتغير بسرعة وتقنيات الطاقة النظيفة يزداد زخمها. بل تشير آخر بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن ذروة الطلب على الوقود الأحفوري أكثر اقترابا.
في هذا الصدد يمكن أن نشير إلى مساهمة تشكيلة من التقنيات والتطورات في مجال الطاقة النظيفة مثل ألواح الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية ومضخات الحرارة والسياسات والاستثمارات التي تعزز نموَّها. ومن المعروف جيدا في دوائر الطاقة والمناخ أن هذه التقنيات تتوسع بسرعة. لكن أعتقد أن أناسا عديدين لا يدركون حتى الآن مدى هذه السرعة.
يجب وضع دلالات ذلك في الاعتبار بقدر أكبر خصوصا حين تدفع أزمة الطاقة بعض البلدان نحو الاستثمار الجديد في مشروعات الوقود الأحفوري الكبيرة والتي قد لا تبدأ عملياتها الإنتاجية فعليا قبل نهاية هذا العقد.
لنأخذ مثلا ألواح خلايا الطاقة الشمسية. فخلال العامين الماضيين كان استخدامها في العالم سريعا بما يكفي للوفاء تماما بالمعدل المتصور في الخطة الطموحة لوكالة الطاقة الدولية التي تستهدف بلوغ صافي صفر كربون (تحييد انبعاثات الغازات الكربونية) بحلول عام 2050.
أيضا تتعزز الكهرباء منخفضة الكربون بعودة التوليد النووي في أجزاء عديدة من العالم.
كذلك مبيعات المضخات الحرارية البالغة الأهمية للتدفئة المستدامة والآمنة للمباني شهدت نموا سريعا خلال العامين الماضيين في أوروبا وغيرها. واستمرار تزايدها بهذه الوتيرة سيضاعف تقريبا حصتها في تدفئة المباني على نطاق العالم بحلول عام 2030. لقد تفوقت سلفا على مبيعات أفران وغلايات الغاز في الولايات المتحدة وفي عدد متزايد من البلدان الأوروبية. ولا يزال الطلب عليها قويا في الصين ثاني أكبر سوق لمضخات الحرارة.
كما ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية إلى ما يقرب من 15% من السوق العالمية للسيارات في عام 2022 من أقل من 5% قبل عامين فقط من ذلك. وأدّت الدعومات الحكومية دورا حيويا في خفض الدفع المقدَّم (التكلفة الأولية) لشراء سيارة كهربائية. إلى ذلك النفقات اليومية لاستخدامها أقل كثيرا بشكل عام من التكاليف المماثلة للسيارات التقليدية.
بالإضافة إلى ذلك تخاطر خطوة بلدان «أوبك بلس» الأخيرة بإعلانها خفضا مؤثرا في إنتاج النفط برفع أسعاره إلى مستويات مؤلمة اقتصاديا مرة أخرى. وهذا ما يجعل فكرة شراء سيارة كهربائية أكثر وجاهة مقارنة بأي وقت مضى.
يشير التحليل الجديد في تقرير الآفاق المستقبلية للسيارات الكهربائية في العالم لعام 2023 والذي ستصدره وكالة الطاقة الدولية إلى أن الاتجاهات الحالية لأسطول السيارات الكهربائية العالمي الذي يتوسع بسرعة سَتُغني عن الحاجة إلى ما يكافئ 5 ملايين برميل من النفط في اليوم بحلول عام 2030. ويمكن أن يزداد هذا العدد من البراميل بفضل السياسات الحكومية القوية التي تشجع المزيد من الناس على شراء السيارات الكهربائية.
سبق أن أشارت وكالة الطاقة الدولية في عام 2021 إلى أن الطلب العالمي على البنزين بلغ ذروته بفضل تزايد أعداد السيارات الكهربائية والتحسينات في اقتصاد الوقود. واليوم تكشف آخر تحليلاتنا أن الطلب العالمي على كل أنواع وقود النقل البري (البنزين والديزل وغيرهما) سيصل إلى ذروته في عام 2025 كنتيجة لكل هذه التحولات المستمرة.
كما يتسارع الانتقال إلى الطاقة النظيفة أيضا في قطاعات أخرى بما فيها تلك التي يصعب فيها خفض الانبعاثات الكربونية مثل صناعة الصلب. فمشروعات إنتاج الصلب باستخدام الهيدروجين بدلا من الفحم الحجري تتوسع بسرعة. وإذا بدأت المشروعات المعلنة حاليا في طرح ثمارها يمكن أن نحقق في عام 2030 أكثر من نصف ما يلزم لبلوغ هدف خطة وكالة الطاقة الدولية بالوصول إلى صافي صفر كربون بحلول عام 2050.
تعجِّل هذه التطورات بظهور اقتصاد جديد للطاقة النظيفة. ومع وضع هذا في البال فإن اتجاه بعض الشركات والحكومات لإقامة مشروعات وقود أحفوري كبيرة ليس فقط رهانا ضد بلوغ العالم لأهدافه المناخية ولكنه أيضا محفوف بالمخاطر بالنسبة للمستثمرين الذين يريدون الحصول على عوائد معقولة لرؤوس أموالهم.
فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية
عن الفاينانشال تايمز
يوجَد مَيل قوي لمقاومة التغيير في أنظمة الطاقة. تشكل هذه المقاومة تحديا رئيسيا لجهود الانتقال بالاقتصادات من الوقود الأحفوري إلى الموارد المتجددة ومعالجة التغير المناخي. فلماذا نقوم بتركيب مضخة حرارية عندما تعمل غلاية الغاز على أحسن ما يكون أو شراء سيارة كهربائية عندما تؤدي المهمة سيارة المحرك الداخلي (البنزين)؟ ولماذا ننشئ خطوط طاقة كهربائية لربط محطات الطاقة الشمسية بشبكة الإمداد الكهربائي عندما تكون هذه الشبكة متصلة سلفا بمحطات توليد تستخدم الوقود الأحفوري؟
لكن أزمة أمن الطاقة الحالية أوضحت كيف يمكن للصدمات تخليص أنظمة الطاقة من مقاومة التخلي عن الوقود الأحفوري. فجهود روسيا للحصول على ميزة سياسية واقتصادية برفع أسعار الطاقة شكلت دافعا كبيرا للحكومات ليس فقط في الاتحاد الأوروبي ولكن في بلدان عديدة حول العالم لتسريع استخدام بدائل أنظف وأكثر أمانا.
آثار كل ذلك تبدو أكثر وضوحا في كل يوم. فقبل ستة أشهر ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن تداعيات الحرب في أوكرانيا تعيد تشكيل مستقبل الطاقة العالمية مع وضوح «ذروة» الطلب على الوقود الأحفوري لأول مرة والتي من المقرر بلوغها قبل نهاية العقد الحالي.
سيكون هذا تحولا تاريخيا. فموارد الوقود الأحفوري حافظت على حصتها في إمدادات الطاقة العالمية عند نسبة 80% لعقود. لكن عالم الطاقة يتغير بسرعة وتقنيات الطاقة النظيفة يزداد زخمها. بل تشير آخر بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن ذروة الطلب على الوقود الأحفوري أكثر اقترابا.
في هذا الصدد يمكن أن نشير إلى مساهمة تشكيلة من التقنيات والتطورات في مجال الطاقة النظيفة مثل ألواح الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية ومضخات الحرارة والسياسات والاستثمارات التي تعزز نموَّها. ومن المعروف جيدا في دوائر الطاقة والمناخ أن هذه التقنيات تتوسع بسرعة. لكن أعتقد أن أناسا عديدين لا يدركون حتى الآن مدى هذه السرعة.
يجب وضع دلالات ذلك في الاعتبار بقدر أكبر خصوصا حين تدفع أزمة الطاقة بعض البلدان نحو الاستثمار الجديد في مشروعات الوقود الأحفوري الكبيرة والتي قد لا تبدأ عملياتها الإنتاجية فعليا قبل نهاية هذا العقد.
لنأخذ مثلا ألواح خلايا الطاقة الشمسية. فخلال العامين الماضيين كان استخدامها في العالم سريعا بما يكفي للوفاء تماما بالمعدل المتصور في الخطة الطموحة لوكالة الطاقة الدولية التي تستهدف بلوغ صافي صفر كربون (تحييد انبعاثات الغازات الكربونية) بحلول عام 2050.
أيضا تتعزز الكهرباء منخفضة الكربون بعودة التوليد النووي في أجزاء عديدة من العالم.
كذلك مبيعات المضخات الحرارية البالغة الأهمية للتدفئة المستدامة والآمنة للمباني شهدت نموا سريعا خلال العامين الماضيين في أوروبا وغيرها. واستمرار تزايدها بهذه الوتيرة سيضاعف تقريبا حصتها في تدفئة المباني على نطاق العالم بحلول عام 2030. لقد تفوقت سلفا على مبيعات أفران وغلايات الغاز في الولايات المتحدة وفي عدد متزايد من البلدان الأوروبية. ولا يزال الطلب عليها قويا في الصين ثاني أكبر سوق لمضخات الحرارة.
كما ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية إلى ما يقرب من 15% من السوق العالمية للسيارات في عام 2022 من أقل من 5% قبل عامين فقط من ذلك. وأدّت الدعومات الحكومية دورا حيويا في خفض الدفع المقدَّم (التكلفة الأولية) لشراء سيارة كهربائية. إلى ذلك النفقات اليومية لاستخدامها أقل كثيرا بشكل عام من التكاليف المماثلة للسيارات التقليدية.
بالإضافة إلى ذلك تخاطر خطوة بلدان «أوبك بلس» الأخيرة بإعلانها خفضا مؤثرا في إنتاج النفط برفع أسعاره إلى مستويات مؤلمة اقتصاديا مرة أخرى. وهذا ما يجعل فكرة شراء سيارة كهربائية أكثر وجاهة مقارنة بأي وقت مضى.
يشير التحليل الجديد في تقرير الآفاق المستقبلية للسيارات الكهربائية في العالم لعام 2023 والذي ستصدره وكالة الطاقة الدولية إلى أن الاتجاهات الحالية لأسطول السيارات الكهربائية العالمي الذي يتوسع بسرعة سَتُغني عن الحاجة إلى ما يكافئ 5 ملايين برميل من النفط في اليوم بحلول عام 2030. ويمكن أن يزداد هذا العدد من البراميل بفضل السياسات الحكومية القوية التي تشجع المزيد من الناس على شراء السيارات الكهربائية.
سبق أن أشارت وكالة الطاقة الدولية في عام 2021 إلى أن الطلب العالمي على البنزين بلغ ذروته بفضل تزايد أعداد السيارات الكهربائية والتحسينات في اقتصاد الوقود. واليوم تكشف آخر تحليلاتنا أن الطلب العالمي على كل أنواع وقود النقل البري (البنزين والديزل وغيرهما) سيصل إلى ذروته في عام 2025 كنتيجة لكل هذه التحولات المستمرة.
كما يتسارع الانتقال إلى الطاقة النظيفة أيضا في قطاعات أخرى بما فيها تلك التي يصعب فيها خفض الانبعاثات الكربونية مثل صناعة الصلب. فمشروعات إنتاج الصلب باستخدام الهيدروجين بدلا من الفحم الحجري تتوسع بسرعة. وإذا بدأت المشروعات المعلنة حاليا في طرح ثمارها يمكن أن نحقق في عام 2030 أكثر من نصف ما يلزم لبلوغ هدف خطة وكالة الطاقة الدولية بالوصول إلى صافي صفر كربون بحلول عام 2050.
تعجِّل هذه التطورات بظهور اقتصاد جديد للطاقة النظيفة. ومع وضع هذا في البال فإن اتجاه بعض الشركات والحكومات لإقامة مشروعات وقود أحفوري كبيرة ليس فقط رهانا ضد بلوغ العالم لأهدافه المناخية ولكنه أيضا محفوف بالمخاطر بالنسبة للمستثمرين الذين يريدون الحصول على عوائد معقولة لرؤوس أموالهم.
فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية
عن الفاينانشال تايمز