سر أهمية كمالا هاريس في انتخابات 2024
السبت / 8 / شوال / 1444 هـ - 20:26 - السبت 29 أبريل 2023 20:26
ترجمة: أحمد شافعي -
قبل أسابيع قليلة، أدلى أحد أشهر المفكرين الفرنسيين وهو برنارد هنري ليفي بحوار حول فيلمه الوثائقي الجديد (Slava Ukraini)، فقال فيه شيئا ساعدني أن أفهم لماذا وأنا أقترب من عيد ميلادي السبعين لم أزل راغبا في أن أكون صحفيا.
فقد سئل لماذا وهو في الرابعة والسبعين يتعرض للصواريخ في أوكرانيا لكي يذيع في وطنه وحشية الحرب الروسية فقال ليفي: «لقد انتابني في أوكرانيا الشعور للمرة الأولى بأن العالم الذي عرفته، والعالم الذي نشأت فيه، والعالم الذي أريد أن أورثه لأبنائي وأحفادي، قد ينهار».
وهذا الخوف نفسه عندي أنا الآخر.
وهنا يكمن سر النطاق الضيق الذي ينصب عليه تركيز مقالاتي في هذه الأيام. إذ أن ثمة أمورا لا يمكن السماح مطلقا بحدوثها: فلا يمكن السماح لإسرائيل بأن تتحول إلى دولة استبدادية شأن مجر فكتور أوربان، ولا يمكن السماح لأوكرانيا بالسقوط أمام فلاديمير بوتين، ولا يمكن السماح لدونالد ترامب بأن يشغل البيت الأبيض مرة أخرى.
ولو تحققت الثلاثة جميعا، فالعالم الذي أريد أن أورثه لأبنائي وأحفادي يمكن أن ينهار تماما.
فإسرائيل ستضيع، والاتحاد الأوروبي ـ أي الولايات المتحدة الأوروبية وهي أكبر مركز متعدد الأعراق للأسواق الحرة والشعوب الحرة وحقوق الإنسان في العالم ـ سيكون تحت رحمة بوتين.
والولايات المتحدة الأمريكية، بعودة ترامب الانتقامية إلى البيت الأبيض، وقد لقي العفو فعليا عن هجماته العديدة على مؤسساتنا الديمقراطية وانتهاكه لنزاهة انتخاباتنا، لن تكون أبدا البلد الذي عرفناه. فسوف يتحرر ترامب من قيوده، وتلك فكرة تبعث القشعريرة في الأبدان.
من هذه الزوايا أريد أن أتكلم عن إعلان جو بايدن يوم الثلاثاء ترشحه للرئاسة وقد انضمت إليه من جديد كمالا هاريس. فقدرة بايدن على إكمال ولايته الحالية بنجاح والانتقال إلى ولاية أخرى أمر حاسم للسيناريوهات الثلاثة السابقة الإشارة إليها. ولهذا وما دام بايدن قد أعلن ترشحه، فلا بديل عن فوزه.
ولكن في حين تعتقدون أن انتخابات 2024 قد تكون إعادة مرجحة لانتخابات 2020، فقد لا يكون هذا هو حال الديمقراطيين. ففي هذه المرة سيكون شريك بايدن في الترشح أمرا مهما بحق.
دائما يقال لنا، في النهاية: إن الشعب يصوت للمرشح على منصب الرئيس لا للمرشح على منصب نائب الرئيس، لكن لأن بايدن سيكون في السادسة والثمانين من العمر عند نهاية ولايته الثانية ـ ومن ثم ففرصة انهياره صحيا غير ضئيلة ـ فسوف يكون مطلوبا من الشعب أن يصوت بالقدر نفسه لنائبه، ربما أكثر مما حدث في أي انتخابات في تاريخ أمريكا.
لقد تبين لأحدث متوسط لاستطلاعات الرأي في موقع 538 حول (بايدن-هاريس) أن 51.9% من الأمريكيين لا يقرون أداء هاريس لوظيفتها و40% يقرونه، والنسبتان نفسهما لبايدن.
ولأقلها بوضوح: أنا انتخبت بايدن، ولست نادما. فهو رجل جيد، ورئيس جيد، أفضل مما يظهر في الاستطلاعات. والتحالف الغربي الذي شكله، ويحافظ على تماسكه، لمواجهة الحرب الروسية لأوكرانيا كان درسا رفيعا في إدارة التحالفات والدفاع عن النظام الديمقراطي في أوروبا. ولا يفتيك في هذا مثل بوتين.
والطريقة التي قال بها بايدن لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إنه لا ينخدع بأن انقلاب نتانياهو عن القضاء «إصلاح قضائي» ـ وإنه ـ لن يتغاضى عنه ـ كانت مصدر تشجيع هائل لمئات آلاف الإسرائيليين الذين تظاهروا في الشوارع دفاعا عن ديمقراطيتهم.
أما عن الموضوعات المحلية التي تعنيني أكثر مما عداها، أي إعادة بناء البنية الأساسية، وضمان قيادة أمريكا في تصنيع أكثر الرقائق تقدما مما سيكون مصدر وقود لعصر الذكاء الاصطناعي، وتحفيز قوى السوق من أجل توفير الحجم الضخم من الطاقة النظيفة الذي نحتاج إليه لتخفف أسوأ آثار التغير المناخي ـ فقد حقق بايدن أكثر من أكبر آمالي جموحا.
سيكون جو بايدن هو مرشحي، مهما بلغ من العمر، ما دامت لديه القدرة بدنيا وذهنيا، لأنني لا أرى أن لدى ديمقراطيا غيره هذا المزيج من المهارات السياسية والاعتقاد الراسخ بضرورة وإمكانية الوحدة الوطنية والحنكة في السياسة الخارجية والمقدرة على مخالفة أنصار ترامب دون أن يحاول إذلالهم. وهو يرغب رغبة حقيقية في استئصال السم من نظامنا السياسي.
لكن ... أنا واع تمام الوعي بأن الكثير من الأمريكيين لا يشتركون معي في آرائي. وأدرك أن قرابة 30% من الجمهوريين من أنصار ترامب بعيدون تماما عن المتناول، فلا يمكن أن يقول بايدن ما يحملهم على تغيير رأيهم. ولكنهم لن يحددوا نتيجة الانتخابات القادمة.
ومثلما أفاد موقع أكسيوس Axios في 17 ابريل، تبين لاستطلاع أجراه جالوب أن «نسبة 49% من الأمريكيين يرون أنفسهم مستقلين سياسيا، وذلك يماثل الحزبين الأساسيين مجتمعين».
هذا يعني أن ثمة الكثير من المحافظين المبدئيين المعتدلين والمستقلين الذين لن يصوتوا أو لا يفضلون أن يصوتوا مرة أخرى لترامب. وقد أظهر عدد كاف منهم مثل ذلك في انتخابات التجديد النصفي في 2022 فمنعوا تقريبا كل الأساسيين من منكري الانتخابات الترامبيين الذين ترشحوا من الوصول إلى السلطة في الولايات أو على المستوى الوطني. فساعدت أصواتهم في إنقاذ نظامنا الديمقراطي.
إذا ما استقر سباق 2024 على بايدن في مقابل ترامب، فسوف نحتاج إلى ظهور هؤلاء الجمهوريين المستقلين والمعتدلين من جديد. ولكن في هذه المرة، وبسبب سن بايدن واحتمال ألا يكون قادرا على إكمال ولايته الثانية، فسيكون منصب نائب الرئيس أهم بكثيرا بالنسبة لهم.
لا يخفى أن مكانة نائبة الرئيس هاريس لم ترتفع خلال الفترة الماضية التي تتجاوز العامين. لا أعرف ما المشكلة، فهل تعاملت مع مجموعة مستحيلة من القضايا، أم تواجه وضعا شديد الصعوبة، أم تتعامل مع مزيج من الجنسية والعنصرية باعتبارها أول امرأة ملونة تتولى منصب نائب الرئيس؟ كل ما أعرفه هو أن لدى الناخبين شكوكا حيال قدراتها على تولي منصب الرئيس، وقد بلغت هذه الشكوك من الجسامة أنها حملتها على التخلي عن الترشح للرئاسة حتى قبل مؤتمر أيوا الحزبي سنة 2020، وهذه الشكوك لم تتبدد.
في ضوء المخاطر، يجب أن يثبت بايدن لحزبه ـ والأهم من حزبه المستقلون والجمهوريون المعتدلون ـ لماذا تمثل هاريس الخيار الأفضل لخلافته في حال عدم قدرته على إكمال ولايته. وليس بوسعه أن يتجاهل هذا الأمر، لأن تلك المسألة سوف تكون في أذهان كثير من الناخبين عندما يحين وقت الانتخابات.
في الوقت نفسه، على هاريس أن تثبت نفسها، والطريقة المثلى هي أن تظهر بمزيد من القوة ما هي قادرة على عمله. ومما قد ينظر بايدن في القيام به أن يكلف هاريس بتولي مسؤولية ضمان أن نقل أمريكا إلى عصر أعمال الذكاء الاصطناعي يعمل من أجل تقوية المجتمعات والطبقة الوسطى. وهذا موضوع كبير قد يقدمها للبلد كله.
لقد كتبت مقالة قبل أكثر من سنتين اقترحت فيها على بايدن أن يجعل من هاريس «وزيرته الفعلية للتنمية الريفية، المكلفة بتضييق فجوة الفرص، وفجوة الاتصال، وفجوت التعلم، وفجوة الشركات الناشئة، القائمة بين أمريكا الريفية وبقية البلد». كان من شأن ذلك أن يكون تحديا جوهريا وكان سيمكِّن هاريس من بناء جسور مع الجمهوريين في الريف. ولم يحدث قط.
إنه يروعني الوصول إلى هذه الانتخابات ببطاقة ديمقراطية تمنح الجمهوريين المعتدلين والمستقلين ـ الراغبين بشدة في بديل لترامب ـ أي مبرر للانجذاب إليه مرة أخرى.
وانتبهوا. ترامب ليس بأحمق. ولو أنه مرشح الحزب الجمهوري، فيسهل عليّ أن أراه وهو يسعى إلى امرأة جمهورية أكثر اعتدالا من قبيل نيكي هالي لتكون شريكته في الترشح مدركا أن حضورها في البطاقة سوف يكون حافزا يعطي بعض المعارضين لترامب من الجمهوريين والمستقلين على الأقل مبررا لسد أنوفهم والتصويت له مرة أخرى.
وإياكم أن تخطئوا، فمنصب نائب الرئيس سيكون في غاية الأهمية في انتخابات ستكون هي الأخرى في غاية الأهمية. لأنني لا أريد أن يفوز بايدن في هذه الانتخابات بـ 50.1%. أريد الرفض للترامبية أن يكون كاسحا ولسياسات الانقسام. أريد أن أوجه رسالة جهيرة للعالم ـ لأمثال بوتين ونتانياهو وأوربان ـ بأن الكثيرين منا في أمريكيا في يمين الوسط ويسار الوسط، وكثيرا من الشعب، جاهزون للعمل من أجل المنفعة العامة، وهم أكثر من الكارهين والانقساميين.
وهذه هي أمريكا الجديرة بأن نورثها لأبنائنا وأحفادنا.
توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي في صحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «الطريق من بيروت إلى القدس».
«خدمة نيويورك تايمز»
قبل أسابيع قليلة، أدلى أحد أشهر المفكرين الفرنسيين وهو برنارد هنري ليفي بحوار حول فيلمه الوثائقي الجديد (Slava Ukraini)، فقال فيه شيئا ساعدني أن أفهم لماذا وأنا أقترب من عيد ميلادي السبعين لم أزل راغبا في أن أكون صحفيا.
فقد سئل لماذا وهو في الرابعة والسبعين يتعرض للصواريخ في أوكرانيا لكي يذيع في وطنه وحشية الحرب الروسية فقال ليفي: «لقد انتابني في أوكرانيا الشعور للمرة الأولى بأن العالم الذي عرفته، والعالم الذي نشأت فيه، والعالم الذي أريد أن أورثه لأبنائي وأحفادي، قد ينهار».
وهذا الخوف نفسه عندي أنا الآخر.
وهنا يكمن سر النطاق الضيق الذي ينصب عليه تركيز مقالاتي في هذه الأيام. إذ أن ثمة أمورا لا يمكن السماح مطلقا بحدوثها: فلا يمكن السماح لإسرائيل بأن تتحول إلى دولة استبدادية شأن مجر فكتور أوربان، ولا يمكن السماح لأوكرانيا بالسقوط أمام فلاديمير بوتين، ولا يمكن السماح لدونالد ترامب بأن يشغل البيت الأبيض مرة أخرى.
ولو تحققت الثلاثة جميعا، فالعالم الذي أريد أن أورثه لأبنائي وأحفادي يمكن أن ينهار تماما.
فإسرائيل ستضيع، والاتحاد الأوروبي ـ أي الولايات المتحدة الأوروبية وهي أكبر مركز متعدد الأعراق للأسواق الحرة والشعوب الحرة وحقوق الإنسان في العالم ـ سيكون تحت رحمة بوتين.
والولايات المتحدة الأمريكية، بعودة ترامب الانتقامية إلى البيت الأبيض، وقد لقي العفو فعليا عن هجماته العديدة على مؤسساتنا الديمقراطية وانتهاكه لنزاهة انتخاباتنا، لن تكون أبدا البلد الذي عرفناه. فسوف يتحرر ترامب من قيوده، وتلك فكرة تبعث القشعريرة في الأبدان.
من هذه الزوايا أريد أن أتكلم عن إعلان جو بايدن يوم الثلاثاء ترشحه للرئاسة وقد انضمت إليه من جديد كمالا هاريس. فقدرة بايدن على إكمال ولايته الحالية بنجاح والانتقال إلى ولاية أخرى أمر حاسم للسيناريوهات الثلاثة السابقة الإشارة إليها. ولهذا وما دام بايدن قد أعلن ترشحه، فلا بديل عن فوزه.
ولكن في حين تعتقدون أن انتخابات 2024 قد تكون إعادة مرجحة لانتخابات 2020، فقد لا يكون هذا هو حال الديمقراطيين. ففي هذه المرة سيكون شريك بايدن في الترشح أمرا مهما بحق.
دائما يقال لنا، في النهاية: إن الشعب يصوت للمرشح على منصب الرئيس لا للمرشح على منصب نائب الرئيس، لكن لأن بايدن سيكون في السادسة والثمانين من العمر عند نهاية ولايته الثانية ـ ومن ثم ففرصة انهياره صحيا غير ضئيلة ـ فسوف يكون مطلوبا من الشعب أن يصوت بالقدر نفسه لنائبه، ربما أكثر مما حدث في أي انتخابات في تاريخ أمريكا.
لقد تبين لأحدث متوسط لاستطلاعات الرأي في موقع 538 حول (بايدن-هاريس) أن 51.9% من الأمريكيين لا يقرون أداء هاريس لوظيفتها و40% يقرونه، والنسبتان نفسهما لبايدن.
ولأقلها بوضوح: أنا انتخبت بايدن، ولست نادما. فهو رجل جيد، ورئيس جيد، أفضل مما يظهر في الاستطلاعات. والتحالف الغربي الذي شكله، ويحافظ على تماسكه، لمواجهة الحرب الروسية لأوكرانيا كان درسا رفيعا في إدارة التحالفات والدفاع عن النظام الديمقراطي في أوروبا. ولا يفتيك في هذا مثل بوتين.
والطريقة التي قال بها بايدن لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إنه لا ينخدع بأن انقلاب نتانياهو عن القضاء «إصلاح قضائي» ـ وإنه ـ لن يتغاضى عنه ـ كانت مصدر تشجيع هائل لمئات آلاف الإسرائيليين الذين تظاهروا في الشوارع دفاعا عن ديمقراطيتهم.
أما عن الموضوعات المحلية التي تعنيني أكثر مما عداها، أي إعادة بناء البنية الأساسية، وضمان قيادة أمريكا في تصنيع أكثر الرقائق تقدما مما سيكون مصدر وقود لعصر الذكاء الاصطناعي، وتحفيز قوى السوق من أجل توفير الحجم الضخم من الطاقة النظيفة الذي نحتاج إليه لتخفف أسوأ آثار التغير المناخي ـ فقد حقق بايدن أكثر من أكبر آمالي جموحا.
سيكون جو بايدن هو مرشحي، مهما بلغ من العمر، ما دامت لديه القدرة بدنيا وذهنيا، لأنني لا أرى أن لدى ديمقراطيا غيره هذا المزيج من المهارات السياسية والاعتقاد الراسخ بضرورة وإمكانية الوحدة الوطنية والحنكة في السياسة الخارجية والمقدرة على مخالفة أنصار ترامب دون أن يحاول إذلالهم. وهو يرغب رغبة حقيقية في استئصال السم من نظامنا السياسي.
لكن ... أنا واع تمام الوعي بأن الكثير من الأمريكيين لا يشتركون معي في آرائي. وأدرك أن قرابة 30% من الجمهوريين من أنصار ترامب بعيدون تماما عن المتناول، فلا يمكن أن يقول بايدن ما يحملهم على تغيير رأيهم. ولكنهم لن يحددوا نتيجة الانتخابات القادمة.
ومثلما أفاد موقع أكسيوس Axios في 17 ابريل، تبين لاستطلاع أجراه جالوب أن «نسبة 49% من الأمريكيين يرون أنفسهم مستقلين سياسيا، وذلك يماثل الحزبين الأساسيين مجتمعين».
هذا يعني أن ثمة الكثير من المحافظين المبدئيين المعتدلين والمستقلين الذين لن يصوتوا أو لا يفضلون أن يصوتوا مرة أخرى لترامب. وقد أظهر عدد كاف منهم مثل ذلك في انتخابات التجديد النصفي في 2022 فمنعوا تقريبا كل الأساسيين من منكري الانتخابات الترامبيين الذين ترشحوا من الوصول إلى السلطة في الولايات أو على المستوى الوطني. فساعدت أصواتهم في إنقاذ نظامنا الديمقراطي.
إذا ما استقر سباق 2024 على بايدن في مقابل ترامب، فسوف نحتاج إلى ظهور هؤلاء الجمهوريين المستقلين والمعتدلين من جديد. ولكن في هذه المرة، وبسبب سن بايدن واحتمال ألا يكون قادرا على إكمال ولايته الثانية، فسيكون منصب نائب الرئيس أهم بكثيرا بالنسبة لهم.
لا يخفى أن مكانة نائبة الرئيس هاريس لم ترتفع خلال الفترة الماضية التي تتجاوز العامين. لا أعرف ما المشكلة، فهل تعاملت مع مجموعة مستحيلة من القضايا، أم تواجه وضعا شديد الصعوبة، أم تتعامل مع مزيج من الجنسية والعنصرية باعتبارها أول امرأة ملونة تتولى منصب نائب الرئيس؟ كل ما أعرفه هو أن لدى الناخبين شكوكا حيال قدراتها على تولي منصب الرئيس، وقد بلغت هذه الشكوك من الجسامة أنها حملتها على التخلي عن الترشح للرئاسة حتى قبل مؤتمر أيوا الحزبي سنة 2020، وهذه الشكوك لم تتبدد.
في ضوء المخاطر، يجب أن يثبت بايدن لحزبه ـ والأهم من حزبه المستقلون والجمهوريون المعتدلون ـ لماذا تمثل هاريس الخيار الأفضل لخلافته في حال عدم قدرته على إكمال ولايته. وليس بوسعه أن يتجاهل هذا الأمر، لأن تلك المسألة سوف تكون في أذهان كثير من الناخبين عندما يحين وقت الانتخابات.
في الوقت نفسه، على هاريس أن تثبت نفسها، والطريقة المثلى هي أن تظهر بمزيد من القوة ما هي قادرة على عمله. ومما قد ينظر بايدن في القيام به أن يكلف هاريس بتولي مسؤولية ضمان أن نقل أمريكا إلى عصر أعمال الذكاء الاصطناعي يعمل من أجل تقوية المجتمعات والطبقة الوسطى. وهذا موضوع كبير قد يقدمها للبلد كله.
لقد كتبت مقالة قبل أكثر من سنتين اقترحت فيها على بايدن أن يجعل من هاريس «وزيرته الفعلية للتنمية الريفية، المكلفة بتضييق فجوة الفرص، وفجوة الاتصال، وفجوت التعلم، وفجوة الشركات الناشئة، القائمة بين أمريكا الريفية وبقية البلد». كان من شأن ذلك أن يكون تحديا جوهريا وكان سيمكِّن هاريس من بناء جسور مع الجمهوريين في الريف. ولم يحدث قط.
إنه يروعني الوصول إلى هذه الانتخابات ببطاقة ديمقراطية تمنح الجمهوريين المعتدلين والمستقلين ـ الراغبين بشدة في بديل لترامب ـ أي مبرر للانجذاب إليه مرة أخرى.
وانتبهوا. ترامب ليس بأحمق. ولو أنه مرشح الحزب الجمهوري، فيسهل عليّ أن أراه وهو يسعى إلى امرأة جمهورية أكثر اعتدالا من قبيل نيكي هالي لتكون شريكته في الترشح مدركا أن حضورها في البطاقة سوف يكون حافزا يعطي بعض المعارضين لترامب من الجمهوريين والمستقلين على الأقل مبررا لسد أنوفهم والتصويت له مرة أخرى.
وإياكم أن تخطئوا، فمنصب نائب الرئيس سيكون في غاية الأهمية في انتخابات ستكون هي الأخرى في غاية الأهمية. لأنني لا أريد أن يفوز بايدن في هذه الانتخابات بـ 50.1%. أريد الرفض للترامبية أن يكون كاسحا ولسياسات الانقسام. أريد أن أوجه رسالة جهيرة للعالم ـ لأمثال بوتين ونتانياهو وأوربان ـ بأن الكثيرين منا في أمريكيا في يمين الوسط ويسار الوسط، وكثيرا من الشعب، جاهزون للعمل من أجل المنفعة العامة، وهم أكثر من الكارهين والانقساميين.
وهذه هي أمريكا الجديرة بأن نورثها لأبنائنا وأحفادنا.
توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي في صحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «الطريق من بيروت إلى القدس».
«خدمة نيويورك تايمز»