سليمان النبهاني
رواد الأدب العماني
الثلاثاء / 26 / رمضان / 1444 هـ - 21:20 - الثلاثاء 18 أبريل 2023 21:20
السلطان سليمان بن سليمان بن مظفر بن سليمان النبهاني ينتهي نسبه إلى العتيك بن الأسد بن عمران، أحد أحياء الأزد المشهورة التي سكنت عمان منذ القدم. ولد في بهلا في النصف الأول من القرن التاسع الهجري، ونشأ نشأة مترفة فقد كان جده وأبوه ملكين، وفي صباه تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وأخذ العربية والأدب، ويظهر من شعره اطلاعه الواسع على شعر فحول الجاهلية والإسلام وعلى دراسته للصرف والنحو والعروض.
خاض السلطان الشاعر أثناء حكمه معارك عديدة، بعضها كانت بينه وبين أخيه حسام بن سليمان منافسةً على الملك، وانتهت بقتل أخيه حسام في ملحمة جبل الحديد. كما خاض معارك كرٍّ وفرِّ مع الأئمة المنصّبين في تلك الفترة، أسفرت إحداها عن خروجه إلى أرض فارس، واستنجد بملوك شيراز، وظل في جزيرة القسم بعيدا عن وطنه ويشير إلى ذلك الاغتراب في القصيدة التي مطلعها:
دَعاني الَهوى العُذريُّ بالقسْم موهنا
لبرقٍ تنشَّت من عمان سحائبه
لكن الأوضاع المضطربة ساعدته ورجع إلى ملكه بالقوة والجبروت، إلى أن بويع الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري للإمامة عام 906هـ، وظل بلا سلطة أو نفوذ إلى أن توفي حوالي عام 915هـ.
ورغم أن الصنعة تطغى على مضمون القصيدة -أحيانا- وكذلك المحسنات البلاغية التي تكثر فيها، لكنه على العموم شعر قوي لرجل قوي معتد بنفسه، يمتاز شعره بجزالة اللفظ ورشاقة المعنى، ناهيك عن استخدامه الألفاظ الغريبة والأساليب المبتكرة، مثل قصيدته المشهورة التي قال عنها نور الدين السالمي في كتابه «تحفة الأعيان»: «إنها تزاحم المعلقات السبع بلاغة وتزيد عليها جزالة ورشاقة» وهي رائية ذكر فيها مفاخر أجداده، قال في أولها:
أللدار من أكناف قوّ فعرعر
فخبت النقا بطن الصفا فالمشقر
كأن سطورا معجمات رسومها
إذا لحن أو هلهال برد محبر
تساقط من عينيك دمعك واكفا
كما استن منبت الجمان المشذر
نعم عرصات غير الدهر حسنها
ملآت موار من المور أكدر
ويشتمل أغلب شعره على غرضين رئيسيين هما: الفخر، والغزل، ويظهر جليا تأثر الشاعر بمن سبقه من الشعراء، حيث لم يكتف بمعارضة قصائدهم، بل اقتبس كلماتهم وأساليبهم وغرق في أخيلتهم ومعانيهم، ومن هؤلاء الشعراء امرؤ القيس وطرفة بن العبد وعنترة وأبو العلاء المعري وابن دريد. وفي شعره مادة جيدة للمؤرخ الفاحص كما يحوي الكثير من الحكايات، ومن ذلك قصة السلطان مع أخيه حسام، حينما كان يفتخر به في البداية ويجله ويقدره، ليدب بينهما خلاف، يستغله العذال للتشتيت والتحريض بينهما، فتبدأ رسائل النصح، تلتها رسائل الوعيد والتهديد، لتقع معارك عدة، تنتهي بمقتل حسام في معركة حبل الحديد بإزكي، فـيرثي السـلطان أخــاه بقصـائد مبكية وحزينة قال في إحداها:
لهفي عليك كلهف أمٍ برةٍ
فقدت جنينا فهي ثكلى تنزع
لهفي عليك كلهف طفلٍ قطعت
منه العلائق فهو باكٍ يفجع
قطعت يدي عمدا يدي وتوهمي
من قبل أن يدا يدا لا تقطع
وحتى غزلياته تنبئ عن المناطق والقرى والأمكنة، وهو يمثّل جانبا مغيبا من جوانب الحياة في عمان حيث مجالس الشعراء الغزليين، ومجالس الغناء والسمر، ولأنه ملك فقد انصرف عن المدح لأنه كان في غنى عنه، وإن مدح فهو مدح لقومه وفخر بنفسه، وجل شعره في الغزل والوصف والرثاء والهجاء والحكمة والتشبيب والمجون، وله شعر كثير في زوجه (راية).
حظي ديوان الشاعر بطبعة مبكرة عام 1965م في المطبعة العمومية بدمشق، وبتحقيق وشرح وتعليق جيد قام به الأستاذ عز الدين التنوخي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق.
ومن جميل شعره الغزلي:
لولاكِ مؤذيةَ النفو
س لما غضبتُ ولا صبوتُ
فإذا شَدَتْ فوق الغصو
نِ حمائمٌ غُردٌ شدوتُ
وإذا بكى جونُ الغما
مِ بمعهدٍ بالٍ بكيتُ
ولقد أغزِّلُ بالغزا
لةِ وهي تعلمُ ما عنيتُ
وأخاطبُ الغصنَ الرطيبَ
وما لخطرتهِ هفوتُ
وأتوق للقمرِ المنيرِ
وما به فيكِ ارتضيتُ
وأقول يا شمسَ السعودِ
وما لغايتكِ انتهيتُ
ما كنتُ أعلم ما الصبا
بةُ والهوى حتى بليتُ
لا تبخلي ذاتَ الدلال
عليَّ منكِ بما رَجوتُ
لو أشربُ السُّلوانَ عن
ذكراكِ موذيَ ما سلوت
لولا التعلُّلُ باللقا
والوصلِ منك أسىً قضيتُ
ويقول واصفا الخمرة:
راحٌ إذا هُرقتْ وأشرق نورهُا
سجدَ السُّقاةُ لها على الأذقان
ولها هديرٌ في الدِّنانِ كأنه
نغمُ القسوسِ قُبالة الصُّلبان
فكأنها وكأنَّ رصعَ حُبابها
ذهبٌ يرصَّع فوقه بجمانِ
نازعتُها الندمانَ في متنزَّهٍ
حاكتْ مطارفَه يدُ التَّهتان
فكأنَّ بهجتَه وغَضَّ أراكهِ
وجهُ الحبيبِ وقامة النُّشوان
والماءُ مندفقٌ تجعِّده الصّبا
وكأنه جارٍ بغير عنانِ
ويقول في الغزل الحسي:
إذا خطرتْ ومرَّ بها نسيمٌ
أمادَ قوامَها ذاك النسيمُ
مَيودٌ إن أتتك وإن تولَّتْ
تلاطمَ خلفَها كفلٌ فعيمُ
تقومُ فتمسكُ الخصرَ اضطرارا
فتقعدها العجيزةُ إذ تقوم
وتبسمُ عن ثنايا واضحاتٍ
تلوحُ كأنها درٌّ نظيم
عَروبٌ رخصةُ الأطرافِ خودٌ
بَرهرهةٌ لها لفظٌ رخيم
ويقول في ذلك الإطار أيضا:
فكم ليلةٍ حينَ جنَّ الظلام
ونام الخَليُّ وغابَ الأخبْ
أتتني تَهادى كغُصنٍ يَميسُ
مُضمَّخةً بعبيرٍ عَجب
بباقيةٍ من عتيقِ السُّلاف
تُزيلُ الهمومَ وتنفي الكُرب
تَنحلَّهَا عالمٌ بالقطاف
وعَصرِ الطَّلى من كرامِ العنب
مُشَعْشعةٍ قهوةٍ مُرَّةٍ
إذا نزلتْ قُلتَ هذا لَهب
لها حَببٌ فوقها كالجمان
يمورُ على مثل عصرِ الذهب
أما في الفخر فنجد المبالغة الصارخة، يقول مثلا:
أنا الملكُ الذي سادَ البرايا
وبيتُ الفخر والحسبِ اللباب
زنادي في الفضائلِ غيرُ كابٍ
وعزمي في الحوادثِ غير نابِ
ولي أبدا قُدورٌ راسياتٌ
تُناصبُها جفانٌ كالجوابي
تذلُّ لعِزَّيَ الأملاكُ طُرا
وَتحسُد راحتي جُونُ السَّحاب
إذا اكتسبت ملوكُ الأرضِ ذما
فإن الحمدَ قَسمي واكتسابي
ولي يومان منْ نعمٍ وبؤسٍ
وَلي طعمان من أرْي وصابِ
حياةٌ للجِناةِ عليَّ عفوا
إذا خضعوا، وموتهمُ عقابي
أنيلُ الراغبين بلا سؤالٍ
وأعطي الطالبين بلا حِساب
أتحكيني الملوكُ فلا وربي
وشَتَّان الأسُودُ من الذِّئاب
ومن يعد إلى ديوان النبهاني يجد فيه أبياتا رائعة في الحكمة، مثل قوله:
والمرء ما ينفعه من ماله
إلا الذي قدم في سبل الهدى
وكل ذي عيش سيفنى ما خلا
ذي العرش والفعل الجميل والثنا
من أخذ الصدق له سفينة
وفوّض الأمر لذي الطَّوْلِ نجا
من استشار غير ذي العقل هوى
ولم ينل من قصده غير العنا
ويقول مشتاقا إلى وطنه وهو في غربته:
خليليَّ هل حصن العميري عامرٌ
وهل عقرُ نزوى مخصباتٌ ملاعبُه
وهل سَمرتْ بعد الهدوِّ بربعهِ
معاصرةُ الخُمص الحَشا وكواعبه
وهل شرع بُهلا ذو المعاقل عائدٌ
بأيامنا لذَّاتُه ومطاربُه
وهل ذلك الريمُ الأغنُّ لبعدِنا
عن العهد أم شابته بعدي شوائبه
سقى الله أكنافَ الحوية فالصوى
فحيث اسبكرَّت من حبوبٍ أخاشبه
وباكر بطحاء الفُليج بعارضٍ
همى فابنَّت وارثعنَّت هواضبه
وتذكر الروايات أنه لمّا رأى نفسه قد انهمكت في المظالم، ونظر إلى ما خوله الله تعالى من أنواع النعم ولم ينازعه منازع في ملكه بعد موت الإمام عمر بن الخطاب ندم على فعله ذلك، وأراد التوبة والرجوع إلى الله تعالى من فعله فنظم قصيدة في توبته يذكر فيها الملوك الذين من قبله من بني نبهان وما جرى منهم وما صار عليهم من حكم الله تعالى، ثم تذكر فيها إن بقي على طغيانه وبغيه وظلمه كيف حاله يوم القيامة؟
لهفي على ما فات من شبابي
في الغي واللذة والتصابي
ويلاه مما خط في كتابي
إن لم أتب في ساعة المتابي
ولم أكن مع خالقي مرضيا
أين مفازتي وما اعتذاري
إذا وقفت بين أيدي الباري
وهتكت بين الورى أستاري
ودهدهوني صاغرا في الناري
أهوى بأقصا قعرها هويا
كيف ترجو الفوز في المعاد
وأنت لله من الأعادي
أم كيف ترجو رتبة العماد
وأنت منعاج عن الرشادي
متبع شيطانك الغويا
يا رب بالبيت العتيق الأعظم
والمروتين والصفا وزمزم
وبالنبي الطاهر المكرم
كن لابن نبهان المليك المجرم
براً رؤفا راحما حفيا
وامحوا الذي أحدثه وأجرما
واغفر لما أخره وقدُّما
وكن لما يرجوه منك منعما
فإنه ما مل أن ترحما
إذ كنت عن عذابه غنيا
خاض السلطان الشاعر أثناء حكمه معارك عديدة، بعضها كانت بينه وبين أخيه حسام بن سليمان منافسةً على الملك، وانتهت بقتل أخيه حسام في ملحمة جبل الحديد. كما خاض معارك كرٍّ وفرِّ مع الأئمة المنصّبين في تلك الفترة، أسفرت إحداها عن خروجه إلى أرض فارس، واستنجد بملوك شيراز، وظل في جزيرة القسم بعيدا عن وطنه ويشير إلى ذلك الاغتراب في القصيدة التي مطلعها:
دَعاني الَهوى العُذريُّ بالقسْم موهنا
لبرقٍ تنشَّت من عمان سحائبه
لكن الأوضاع المضطربة ساعدته ورجع إلى ملكه بالقوة والجبروت، إلى أن بويع الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري للإمامة عام 906هـ، وظل بلا سلطة أو نفوذ إلى أن توفي حوالي عام 915هـ.
ورغم أن الصنعة تطغى على مضمون القصيدة -أحيانا- وكذلك المحسنات البلاغية التي تكثر فيها، لكنه على العموم شعر قوي لرجل قوي معتد بنفسه، يمتاز شعره بجزالة اللفظ ورشاقة المعنى، ناهيك عن استخدامه الألفاظ الغريبة والأساليب المبتكرة، مثل قصيدته المشهورة التي قال عنها نور الدين السالمي في كتابه «تحفة الأعيان»: «إنها تزاحم المعلقات السبع بلاغة وتزيد عليها جزالة ورشاقة» وهي رائية ذكر فيها مفاخر أجداده، قال في أولها:
أللدار من أكناف قوّ فعرعر
فخبت النقا بطن الصفا فالمشقر
كأن سطورا معجمات رسومها
إذا لحن أو هلهال برد محبر
تساقط من عينيك دمعك واكفا
كما استن منبت الجمان المشذر
نعم عرصات غير الدهر حسنها
ملآت موار من المور أكدر
ويشتمل أغلب شعره على غرضين رئيسيين هما: الفخر، والغزل، ويظهر جليا تأثر الشاعر بمن سبقه من الشعراء، حيث لم يكتف بمعارضة قصائدهم، بل اقتبس كلماتهم وأساليبهم وغرق في أخيلتهم ومعانيهم، ومن هؤلاء الشعراء امرؤ القيس وطرفة بن العبد وعنترة وأبو العلاء المعري وابن دريد. وفي شعره مادة جيدة للمؤرخ الفاحص كما يحوي الكثير من الحكايات، ومن ذلك قصة السلطان مع أخيه حسام، حينما كان يفتخر به في البداية ويجله ويقدره، ليدب بينهما خلاف، يستغله العذال للتشتيت والتحريض بينهما، فتبدأ رسائل النصح، تلتها رسائل الوعيد والتهديد، لتقع معارك عدة، تنتهي بمقتل حسام في معركة حبل الحديد بإزكي، فـيرثي السـلطان أخــاه بقصـائد مبكية وحزينة قال في إحداها:
لهفي عليك كلهف أمٍ برةٍ
فقدت جنينا فهي ثكلى تنزع
لهفي عليك كلهف طفلٍ قطعت
منه العلائق فهو باكٍ يفجع
قطعت يدي عمدا يدي وتوهمي
من قبل أن يدا يدا لا تقطع
وحتى غزلياته تنبئ عن المناطق والقرى والأمكنة، وهو يمثّل جانبا مغيبا من جوانب الحياة في عمان حيث مجالس الشعراء الغزليين، ومجالس الغناء والسمر، ولأنه ملك فقد انصرف عن المدح لأنه كان في غنى عنه، وإن مدح فهو مدح لقومه وفخر بنفسه، وجل شعره في الغزل والوصف والرثاء والهجاء والحكمة والتشبيب والمجون، وله شعر كثير في زوجه (راية).
حظي ديوان الشاعر بطبعة مبكرة عام 1965م في المطبعة العمومية بدمشق، وبتحقيق وشرح وتعليق جيد قام به الأستاذ عز الدين التنوخي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق.
ومن جميل شعره الغزلي:
لولاكِ مؤذيةَ النفو
س لما غضبتُ ولا صبوتُ
فإذا شَدَتْ فوق الغصو
نِ حمائمٌ غُردٌ شدوتُ
وإذا بكى جونُ الغما
مِ بمعهدٍ بالٍ بكيتُ
ولقد أغزِّلُ بالغزا
لةِ وهي تعلمُ ما عنيتُ
وأخاطبُ الغصنَ الرطيبَ
وما لخطرتهِ هفوتُ
وأتوق للقمرِ المنيرِ
وما به فيكِ ارتضيتُ
وأقول يا شمسَ السعودِ
وما لغايتكِ انتهيتُ
ما كنتُ أعلم ما الصبا
بةُ والهوى حتى بليتُ
لا تبخلي ذاتَ الدلال
عليَّ منكِ بما رَجوتُ
لو أشربُ السُّلوانَ عن
ذكراكِ موذيَ ما سلوت
لولا التعلُّلُ باللقا
والوصلِ منك أسىً قضيتُ
ويقول واصفا الخمرة:
راحٌ إذا هُرقتْ وأشرق نورهُا
سجدَ السُّقاةُ لها على الأذقان
ولها هديرٌ في الدِّنانِ كأنه
نغمُ القسوسِ قُبالة الصُّلبان
فكأنها وكأنَّ رصعَ حُبابها
ذهبٌ يرصَّع فوقه بجمانِ
نازعتُها الندمانَ في متنزَّهٍ
حاكتْ مطارفَه يدُ التَّهتان
فكأنَّ بهجتَه وغَضَّ أراكهِ
وجهُ الحبيبِ وقامة النُّشوان
والماءُ مندفقٌ تجعِّده الصّبا
وكأنه جارٍ بغير عنانِ
ويقول في الغزل الحسي:
إذا خطرتْ ومرَّ بها نسيمٌ
أمادَ قوامَها ذاك النسيمُ
مَيودٌ إن أتتك وإن تولَّتْ
تلاطمَ خلفَها كفلٌ فعيمُ
تقومُ فتمسكُ الخصرَ اضطرارا
فتقعدها العجيزةُ إذ تقوم
وتبسمُ عن ثنايا واضحاتٍ
تلوحُ كأنها درٌّ نظيم
عَروبٌ رخصةُ الأطرافِ خودٌ
بَرهرهةٌ لها لفظٌ رخيم
ويقول في ذلك الإطار أيضا:
فكم ليلةٍ حينَ جنَّ الظلام
ونام الخَليُّ وغابَ الأخبْ
أتتني تَهادى كغُصنٍ يَميسُ
مُضمَّخةً بعبيرٍ عَجب
بباقيةٍ من عتيقِ السُّلاف
تُزيلُ الهمومَ وتنفي الكُرب
تَنحلَّهَا عالمٌ بالقطاف
وعَصرِ الطَّلى من كرامِ العنب
مُشَعْشعةٍ قهوةٍ مُرَّةٍ
إذا نزلتْ قُلتَ هذا لَهب
لها حَببٌ فوقها كالجمان
يمورُ على مثل عصرِ الذهب
أما في الفخر فنجد المبالغة الصارخة، يقول مثلا:
أنا الملكُ الذي سادَ البرايا
وبيتُ الفخر والحسبِ اللباب
زنادي في الفضائلِ غيرُ كابٍ
وعزمي في الحوادثِ غير نابِ
ولي أبدا قُدورٌ راسياتٌ
تُناصبُها جفانٌ كالجوابي
تذلُّ لعِزَّيَ الأملاكُ طُرا
وَتحسُد راحتي جُونُ السَّحاب
إذا اكتسبت ملوكُ الأرضِ ذما
فإن الحمدَ قَسمي واكتسابي
ولي يومان منْ نعمٍ وبؤسٍ
وَلي طعمان من أرْي وصابِ
حياةٌ للجِناةِ عليَّ عفوا
إذا خضعوا، وموتهمُ عقابي
أنيلُ الراغبين بلا سؤالٍ
وأعطي الطالبين بلا حِساب
أتحكيني الملوكُ فلا وربي
وشَتَّان الأسُودُ من الذِّئاب
ومن يعد إلى ديوان النبهاني يجد فيه أبياتا رائعة في الحكمة، مثل قوله:
والمرء ما ينفعه من ماله
إلا الذي قدم في سبل الهدى
وكل ذي عيش سيفنى ما خلا
ذي العرش والفعل الجميل والثنا
من أخذ الصدق له سفينة
وفوّض الأمر لذي الطَّوْلِ نجا
من استشار غير ذي العقل هوى
ولم ينل من قصده غير العنا
ويقول مشتاقا إلى وطنه وهو في غربته:
خليليَّ هل حصن العميري عامرٌ
وهل عقرُ نزوى مخصباتٌ ملاعبُه
وهل سَمرتْ بعد الهدوِّ بربعهِ
معاصرةُ الخُمص الحَشا وكواعبه
وهل شرع بُهلا ذو المعاقل عائدٌ
بأيامنا لذَّاتُه ومطاربُه
وهل ذلك الريمُ الأغنُّ لبعدِنا
عن العهد أم شابته بعدي شوائبه
سقى الله أكنافَ الحوية فالصوى
فحيث اسبكرَّت من حبوبٍ أخاشبه
وباكر بطحاء الفُليج بعارضٍ
همى فابنَّت وارثعنَّت هواضبه
وتذكر الروايات أنه لمّا رأى نفسه قد انهمكت في المظالم، ونظر إلى ما خوله الله تعالى من أنواع النعم ولم ينازعه منازع في ملكه بعد موت الإمام عمر بن الخطاب ندم على فعله ذلك، وأراد التوبة والرجوع إلى الله تعالى من فعله فنظم قصيدة في توبته يذكر فيها الملوك الذين من قبله من بني نبهان وما جرى منهم وما صار عليهم من حكم الله تعالى، ثم تذكر فيها إن بقي على طغيانه وبغيه وظلمه كيف حاله يوم القيامة؟
لهفي على ما فات من شبابي
في الغي واللذة والتصابي
ويلاه مما خط في كتابي
إن لم أتب في ساعة المتابي
ولم أكن مع خالقي مرضيا
أين مفازتي وما اعتذاري
إذا وقفت بين أيدي الباري
وهتكت بين الورى أستاري
ودهدهوني صاغرا في الناري
أهوى بأقصا قعرها هويا
كيف ترجو الفوز في المعاد
وأنت لله من الأعادي
أم كيف ترجو رتبة العماد
وأنت منعاج عن الرشادي
متبع شيطانك الغويا
يا رب بالبيت العتيق الأعظم
والمروتين والصفا وزمزم
وبالنبي الطاهر المكرم
كن لابن نبهان المليك المجرم
براً رؤفا راحما حفيا
وامحوا الذي أحدثه وأجرما
واغفر لما أخره وقدُّما
وكن لما يرجوه منك منعما
فإنه ما مل أن ترحما
إذ كنت عن عذابه غنيا