ابن مداد
رواد الأدب العماني
الاثنين / 25 / رمضان / 1444 هـ - 21:34 - الاثنين 17 أبريل 2023 21:34
محمد بن مداد، شاعر وفقيه من علماء النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، قدم له الشيخ سيف بن حمود البطاشي ترجمة إضافية في كتابه «إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان» ونقل بعضا من قصائده، وله ديوان شعر حققه الشيخ مهنا بن خلفان الخروصي، مجهول تاريخ الولادة والوفاة، ولكن تاريخ نسخ المخطوطة كان سنة 874هـ مما يدل على أنه كان حيا إلى هذا التاريخ. ويتميز شعره بالقوة اللغوية والجزالة المعنوية حتى يخيل إليك أن تقرأ لواحد من أساطين شعراء الجاهلية، كما يمتاز بجمال النظم والخلط بين التعليم والنصح والعاطفة، وهنا مختارات من شعره اختارها الدكتور هلال الحجري، يقول في إحداها:
وهمٌ جعلت الشعريين خناقه
وقد غورت أم النجوم الثواقبِ
ونومٌ كطعم البابلي نفيته
وقد هجع النوّام من كل جانبِ
أراقب لمحا من سهيلٍ كأنه
ذبال يذكا في منارة راهبِ
كأن نجوم الليل وعي رواكدٌ
مخانق درٍّ في نحور الكواعبِ
ومما قاله في الحكمة:
وهذه الحكمة وحشيةٌ
محبوسةٌ في صدر أهل النفاقِ
تكاد من غمٍّ ومن ضيقةٍ
تطير من فرجة باب الرواق
حتى إذا صارت إلى ربها
قرت وما أقطرت لطيب الوفاق!
ومن جميل شعره:
إن الدليل على حبي مسامرتي
للنجم يسبح في الخضراء غرقانا!
ومنه قوله:
ملكت قيل الصبر يوم وداعكم
حفاظا، ولم أملك من العين أدمعا
سلوا الليل عني: هل أعد نجومه
إذا كان ليلا أسود اللون أقرعا
وهل طعمت عيناي من لذة الكرى
إذا النوم في أجفان غيري شعشعا
ومن نصائحه:
لا تعتمر جاهلا يروقك إن
واجهته في جمال رونقه
إن بدا في جميل أهبته
يا نجس ملبوسه ومنطقه
وانظر إليه بعين مطرح
فإنما ذاك من تحذلقه
واسم إلى عالم أخي أدب
عمدا فقبِّل بياض مفرقه
وهاك نصيحة أخرى:
إذ! ما شئت منزلة وجاها
ومكرمة تحاولها وقدرا
وأن تؤتى مع المثرين مالا
وتكثر فيهم ذهبا ووفرا
فلا تتعلمن في العلم حرفا
ولا تقرأ مع الكتّاب سطرا!
فما من عالم إلا وما في
البرايا اليوم أضيق منه صدرا
وأكدر عيشة وأشد بؤسا
وأكثر محنة وأقل قدرا
تعاوره الكلاب بكل فج
وتأكل لحمه عدوا وقسرا
ومن شكواه من الزمان:
هذا زمان تضم الخيل هيئتها
ذلا، وتصهل في أرجائها الحمر!
ومنه أيضا:
يا لدهر قد بدل الحلو مرا
وأتى بالعجايب المفظعات
قطع الوصل من ذوي الفضل
والعلم وأبقى للأوجه المنكرات!
ويقول في رثاء الكتب:
ابك لشوق العلوم إذ دثرت
وأصبحت مقفرا مبواها
ابك لها حين مات عالمها
ابك لرب أمنها ومدراها
قد أصبحت بعده معطلة
لم تلق غير الغبار يرزاها
فالصرص والفأر يعملان بها
والطل بعد الصبيان ينكاها!
ومن روائع أشعاره، قوله:
العلم كنز لمن أزرى به المالُ
وحسن حال لمن ساءت به الحالُ
ما أشبه العالم المرضي سيرته
بالنهر يجري وباقي الناس أوشال
لا تطلب العلم إن لم تستعف به
فلا يكن لك عند الناس إجلال
وكن بعلمك عمّالا تزد شرفا
لا خير في العلم إن خانته أعمال
ولا تُدل به في الناس مفتخرا
مباهيا إن شؤم العلم إدلال
ولا تذل به خصما فتلفته
عن حقه فشهود الله ملال
ولا تبغ بهم في أمرهم عوجا
فالناس بله إذا ميلتهم مالوا
ولا تكن ضجرا عند الجدال بهم
واصفح بحلمك إن قالوا وإن نالوا
ولا تعلمهم ما يفتحون به
باب الجدال فإن الناس جهال
ولا تكن طمعا فيهم وكن ورعا
عنهم فإن هدايا الناس أثقال
واستغن عنهم بفضل الله مدرعا
ثوب القناعة ما بالي بك البال
وإن أتاك أخ في العلم مقتبسا
فلا يكن بك إعراض وإملال
فاعمل له خلقا سهلا وهش به
فزينة العلم إجمال وإجلال
العلم أوله مر وآخره
عذب الشراب وصافي الماء سلسال
العلم نور وبرهان ومعجزة
وزينة ما بها ذو العقل يختال
والعلم لا يهتدي للنفع حامله
حتى يساعده قول وأفعال
والعلم لا يحتويه غير مصطبرٍ
قد ساعدته على التبكير آصال
والعلم جدٌ ولا يسطيعه رجل
تلعابة عند جمع العلم هوال
مشمر لوذعي عاقل فطن
له إلى شرفات العلم إرقال
لا يعدل العلم شيء عنده أبدا
بله الذخائر لا أهل ولا مال
هذا النص من الباب الأول في ديوان الشيخ، والذي خصصه المحقق لطلب العلم. كان افتتاحه بمقدمة في قيمة العلم ثم نصائح للمتعلمين مبينا طبيعة العلم. «فالعلم كنز يرفع من حال الناس، والعالم كالنهر كثير الماء وباقي الناس أوشال قليلة الماء. ولذا لا تطلب العلم من أجل المال، واعمل بعلمك، ولا تتفاخر بعلمك، ولا تذل به خصمك، ولا تغوي به الناس، ولا تضجر من الجدال، ولا تعلم الناس ما لا ينفعهم، ولا تطمع بهدايا الناس وكن قنوعا، ولا تعرض عن طلاب العلم بل استقبلهم استقبالا حسنا. واعلم أنه ما دام أن العلم نور في الطريق وزينة للإنسان، فإنه لا ينفع إلا مع العمل، بل يحتاج إلى الصبر والجد لا اللعب والسعي والتبكير والذكاء والسرعة، لأنه أعظم من المال والأهل».
وهمٌ جعلت الشعريين خناقه
وقد غورت أم النجوم الثواقبِ
ونومٌ كطعم البابلي نفيته
وقد هجع النوّام من كل جانبِ
أراقب لمحا من سهيلٍ كأنه
ذبال يذكا في منارة راهبِ
كأن نجوم الليل وعي رواكدٌ
مخانق درٍّ في نحور الكواعبِ
ومما قاله في الحكمة:
وهذه الحكمة وحشيةٌ
محبوسةٌ في صدر أهل النفاقِ
تكاد من غمٍّ ومن ضيقةٍ
تطير من فرجة باب الرواق
حتى إذا صارت إلى ربها
قرت وما أقطرت لطيب الوفاق!
ومن جميل شعره:
إن الدليل على حبي مسامرتي
للنجم يسبح في الخضراء غرقانا!
ومنه قوله:
ملكت قيل الصبر يوم وداعكم
حفاظا، ولم أملك من العين أدمعا
سلوا الليل عني: هل أعد نجومه
إذا كان ليلا أسود اللون أقرعا
وهل طعمت عيناي من لذة الكرى
إذا النوم في أجفان غيري شعشعا
ومن نصائحه:
لا تعتمر جاهلا يروقك إن
واجهته في جمال رونقه
إن بدا في جميل أهبته
يا نجس ملبوسه ومنطقه
وانظر إليه بعين مطرح
فإنما ذاك من تحذلقه
واسم إلى عالم أخي أدب
عمدا فقبِّل بياض مفرقه
وهاك نصيحة أخرى:
إذ! ما شئت منزلة وجاها
ومكرمة تحاولها وقدرا
وأن تؤتى مع المثرين مالا
وتكثر فيهم ذهبا ووفرا
فلا تتعلمن في العلم حرفا
ولا تقرأ مع الكتّاب سطرا!
فما من عالم إلا وما في
البرايا اليوم أضيق منه صدرا
وأكدر عيشة وأشد بؤسا
وأكثر محنة وأقل قدرا
تعاوره الكلاب بكل فج
وتأكل لحمه عدوا وقسرا
ومن شكواه من الزمان:
هذا زمان تضم الخيل هيئتها
ذلا، وتصهل في أرجائها الحمر!
ومنه أيضا:
يا لدهر قد بدل الحلو مرا
وأتى بالعجايب المفظعات
قطع الوصل من ذوي الفضل
والعلم وأبقى للأوجه المنكرات!
ويقول في رثاء الكتب:
ابك لشوق العلوم إذ دثرت
وأصبحت مقفرا مبواها
ابك لها حين مات عالمها
ابك لرب أمنها ومدراها
قد أصبحت بعده معطلة
لم تلق غير الغبار يرزاها
فالصرص والفأر يعملان بها
والطل بعد الصبيان ينكاها!
ومن روائع أشعاره، قوله:
العلم كنز لمن أزرى به المالُ
وحسن حال لمن ساءت به الحالُ
ما أشبه العالم المرضي سيرته
بالنهر يجري وباقي الناس أوشال
لا تطلب العلم إن لم تستعف به
فلا يكن لك عند الناس إجلال
وكن بعلمك عمّالا تزد شرفا
لا خير في العلم إن خانته أعمال
ولا تُدل به في الناس مفتخرا
مباهيا إن شؤم العلم إدلال
ولا تذل به خصما فتلفته
عن حقه فشهود الله ملال
ولا تبغ بهم في أمرهم عوجا
فالناس بله إذا ميلتهم مالوا
ولا تكن ضجرا عند الجدال بهم
واصفح بحلمك إن قالوا وإن نالوا
ولا تعلمهم ما يفتحون به
باب الجدال فإن الناس جهال
ولا تكن طمعا فيهم وكن ورعا
عنهم فإن هدايا الناس أثقال
واستغن عنهم بفضل الله مدرعا
ثوب القناعة ما بالي بك البال
وإن أتاك أخ في العلم مقتبسا
فلا يكن بك إعراض وإملال
فاعمل له خلقا سهلا وهش به
فزينة العلم إجمال وإجلال
العلم أوله مر وآخره
عذب الشراب وصافي الماء سلسال
العلم نور وبرهان ومعجزة
وزينة ما بها ذو العقل يختال
والعلم لا يهتدي للنفع حامله
حتى يساعده قول وأفعال
والعلم لا يحتويه غير مصطبرٍ
قد ساعدته على التبكير آصال
والعلم جدٌ ولا يسطيعه رجل
تلعابة عند جمع العلم هوال
مشمر لوذعي عاقل فطن
له إلى شرفات العلم إرقال
لا يعدل العلم شيء عنده أبدا
بله الذخائر لا أهل ولا مال
هذا النص من الباب الأول في ديوان الشيخ، والذي خصصه المحقق لطلب العلم. كان افتتاحه بمقدمة في قيمة العلم ثم نصائح للمتعلمين مبينا طبيعة العلم. «فالعلم كنز يرفع من حال الناس، والعالم كالنهر كثير الماء وباقي الناس أوشال قليلة الماء. ولذا لا تطلب العلم من أجل المال، واعمل بعلمك، ولا تتفاخر بعلمك، ولا تذل به خصمك، ولا تغوي به الناس، ولا تضجر من الجدال، ولا تعلم الناس ما لا ينفعهم، ولا تطمع بهدايا الناس وكن قنوعا، ولا تعرض عن طلاب العلم بل استقبلهم استقبالا حسنا. واعلم أنه ما دام أن العلم نور في الطريق وزينة للإنسان، فإنه لا ينفع إلا مع العمل، بل يحتاج إلى الصبر والجد لا اللعب والسعي والتبكير والذكاء والسرعة، لأنه أعظم من المال والأهل».