أفكار وآراء

العبور الآمن بأقل الأضرار

بعد أيام قليلة سنودّع شهر رمضان المبارك وسنستقبل عيد الفطر السعيد، سنودّع أجمل الأيام في السنة التي عشنا فيها نفحات الشهر المبارك بكل روحانية وتقرّب من الله عزّ وجل مستشعرين عظمة أيامه ولياليه التي قضيناها بهدوء وسكينة وطمأنينة، فقد وفّقنا الله سبحانه وتعالى على المواظبة في أداء صلاة التراويح وقراءة القرآن والإكثار من الدعاء وأداء العبادات وإخراج الصدقات والزكوات، فهنيئا لمن استفاد من شهر رمضان المبارك في التكفير عن ذنوبه وخطاياه والكف عن المعاصي واستعد جيدا لاستقبال ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ولا عزاء لمن تخاذل في صيامه وقيامه سائلين الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منا صيامنا وقيامنا وصالحات أعمالنا وأن يوفقنا للخير دائما وأن ينوّر دروبنا بالإيمان والتقيّد بكتابه العزيز والاهتداء بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. إن مظاهر شهر رمضان المبارك وفوائده وإيجابياته لا يمكن سردها في مقال واحد ولكن يمكن أن نشير إليها فهو شهر الكرم والعطاء وهو الشهر الذي يجتمع فيه الصائمون على المحبة والإخاء والمودة وتتبادل فيه الأطعمة والموائد بين الأقارب والجيران والأصدقاء وتتصافى فيه القلوب ويكثر فيه الخير ويستشعر الصائم نعمة الطعام والشبع ومرارة الجوع التي يعاني منها المحتاج والفقير ليشمّر فيها المسلم المقتدر لتقديم الطعام لغير المقتدر. وبالرغم من قرب انتهاء الشهر الفضيل ينبغي علينا جميعا أن نواصل تلمّس احتياجات الأشخاص والأسر والعوائل التي تواجه تحديات مالية في الوفاء بمتطلبات اكتمال فرحة عيد الفطر المبارك على وجه الخصوص ومتطلبات الحياة اليومية عموما، فما أجمل أن نرسم الابتسامة على وجوه الأطفال والآباء والأمهات ونحن نستقبل أياما مليئة بالفرح والسعادة وما أبهى صورة الاحتفال بأيام العيد السعيد ونحن نشاهد الجميع يتزيّن بالملابس الجديدة التي تعكس أثر مناسبة العيد على نفوسنا وعلى احتفالنا بختام شهر رمضان المبارك الذي اجتهدنا فيه بكل ما أوتينا من قوة في الإيمان والصبر على مشقة الصيام والقيام بالرغم من رصدنا لبعض الملاحظات على سلوكيات الأفراد الاستهلاكية في شهر رمضان المبارك، إلا أننا لا نزال لم نفهم تلك السلوكيات التي أشرنا لها في مقالات سابقة وهي سلوكيات تمثّلت في عدم إحكام الإنفاق على شراء الأطعمة والموائد بمختلف أصنافها وامتلاء حاويات القمامة بالأطعمة الصالحة للاستخدام الآدمي إضافة إلى تهاون البعض في أداء العبادات خلال الأيام الماضية خاصة عند دخول العشر الأواخر من الشهر الفضيل وذلك لأسباب مرتبطة بالاستعدادات والتجهيزات لاستقبال عيد الفطر المبارك مما نلحظ ارتيادا مستمرا ومتواصلا للأسواق والمحال التجارية المختلفة، وهذه السلوكيات للأسف تتكرر سنويا دون وجود سياسة واضحة من قبل الأسرة لضبط هذه السلوكيات التي تحوّلت لممارسة دائمة، ولذلك جاء العبور الآمن بأقل الأضرار هو عنوان مقالنا هذا الأسبوع، ولا أقصد هنا أن نعبر بأمان في مجال بعينه ولكن أود أن أشير إلى ثلاثة سلوكيات ينبغي أن نعبرها بأمان وهي أولا: المواظبة على الاجتهاد كثيرا في أداء العبادات حتى آخر يوم من شهر رمضان المبارك خاصة في العشر الأواخر من الشهر الفضيل وإبعاد كل الأشياء الجانبية التي تعيقنا عن أداء العبادات خاصة صلاتي التراويح والتهجد، وثانيا: حوكمة الإنفاق والاستهلاك عند ارتياد الأسواق والمحال التجارية والشراء بقدر الحاجة والابتعاد عن تقليد الآخرين في شراء مستلزمات العيد والوضع في الحسبان أن الراتب ليس لمناسبة العيد وحسب بل لأكثر من 35 يوما قادمة وأن هناك مستلزمات واحتياجات مؤجلة خلال شهر رمضان المبارك وهي من الضروريات لشرائها، بعد الشهر الفضيل، وثالثا: الحفاظ على سلامة البشر عند ارتياد الطرقات السريعة وغير السريعة؛ إذ لا نزال نعاني من زهق الأرواح في مختلف الطرقات لأسباب مستغربة وغير مفهومة فظاهرة الحوادث لا يمكن أن تطفئ شمعة الفرح والسعادة التي تغمرنا بمناسبة قدوم عيد الفطر المبارك ومع كثرة التعليمات والإرشادات الواردة من شرطة عُمان السلطانية بضرورة التقيد بالسرعة القانونية وعدم التجاوز الخاطئ وعدم الانشغال بالهاتف النقال وضرورة أخذ قسط كاف من النوم لضمان التركيز في القيادة، إلا أن الحوادث المميتة مستمرة وللأسف الشديد للأسباب المذكورة، فخلال أسبوع واحد نما إلى علمنا وفاة أكثر من 5 عُمانيين جراء تعرضهم لحوادث سير أليمة وهذا العدد هو المعلوم لدينا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وربما يكون العدد أكبر، وحقيقة دون مبالغة فإن الصور التي تتداول عن وقوع الحوادث عكّرت علينا الاحتفال باستقبال عيد الفطر السعيد فكم من أسرة فقدت معيلها وكم من أسرة فقدت أحد أبنائها.. رحماك يالله أن تلطف بنا وبمن حولنا.

وبما أن رواتب شهر أبريل قد صرفت باكرًا فإنه ينبغي أن نكون أكثر حكمة في إدارة هذه الرواتب، وألا تأخذنا العاطفة في شراء ما نريده فالأولى أن نسخر أموالنا لشراء ما نحتاجه ونقيّم ما نريده وفق استطاعتنا ومقدرتنا المالية وأن نبتعد عن تقليد الآخرين في شراء المستلزمات بل نضع حدودا عريضة بحيث نشتري بقدر ما نحتاج، وإن كان ضبط مثل هذه السلوكيات يواجه تحديا من قبل الأبناء إلا أن ضبطها وإحكامها سينعكس إيجابا على استدامة المحفظة المالية للأسرة وتسهم في تعزيز ممارسة الضبط المالي لدخل الأسرة.

أخيرا.. نرجو من الله عزّ وجل أن نستقبل عيد الفطر السعيد ونحن في أتم الصحة والعافية وأن يجعلها أياما مليئة بالبهجة والسرور وأن يوفقنا على القيام والصيام فيما تبقّى من شهر رمضان المبارك وأن يجنبنا شر الحوادث والفقد.