أفكار وآراء

اليمن.. السلام يحتاج تضافر وإخلاص كل الأطراف!!

من المؤكد أن كل خطوة لإطفاء نار الحروب والمواجهات المسلحة بين الأشقاء واستعادة السلام والاستقرار في أي بقعة عربية هي خطوة طيبة جديرة بالمساندة والتأييد بكل السبل، ويزداد الأمر أهمية وإلحاحا عندما يتعلق باليمن الشقيق، وإذا كانت الحروب والمواجهات المسلحة، خاصة تلك التي تستمر فترات طويلة في بيئات معينة كالبيئة اليمنية، تترك عادة الكثير من الآثار السلبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والإنسانية، فضلا عن حالات الدمار الواسعة النطاق للبنية الأساسية للأطراف المشاركة أو بعضها على الأقل، فإنَّه من المعروف أن طريق استعادة السلام وتحقيق الاستقرار هو طريق طويل متعدد الخطى والمراحل، ويتطلب الكثير من الجهد والعمل المخلص المستند إلى قناعة وإرادة كل الأطراف للسير على هذا الطريق وتحمل صعوباته وصولا إلى الهدف النبيل، المتمثل في استعادة السلام والاستقرار، وبغض النظر عن ظروف وملابسات الحرب في اليمن التي اندلعت في 16 من مارس عام 2015، وما مرت به على امتداد أكثر من ثماني سنوات، فإنه من الأهمية بمكان أن الأطراف التي خاضت هذه الحرب، التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، كما هو مأمول، أصبحت جميعها على قناعة تامة وراسخة إلى حد كبير بضرورة إنهاء نزيف الحرب، وإفساح المجال للسير على طريق بناء السلام واستعادة الاستقرار لأبناء الشعب اليمني الشقيق، وعلى أسس ترتضيها مختلف القوى اليمنية وبتوافق يضمها جميعها وبما يحفظ لليمن الشقيق وحدته أرضا وشعبا وسيادته كذلك. والأكثر من ذلك أن تلك القناعة والرغبة في إنهاء الحرب تستند الآن – أكثر من أي وقت مضى – إلى إرادة سياسية قوية وإلى القدرة على العمل والتنفيذ على الأرض من جانب كل الأطراف المعنية يمنيا وإقليميا ودوليا، وإلى حد يقلل كما هو مأمول من العراقيل والصعوبات التي طالما عطلت السير على طريق السلام خلال السنوات الماضية. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة باختصار شديد إلى ما يلي: أولا، أنه إذا كانت السنوات الماضية قد شهدت العديد من التحركات وجهود الوساطة لوقف الحرب في اليمن، إلا أنها لم تحقق أهدافها ليس فقط لأن طموحات وآمال النصر والحسم العسكري كانت لا تزال كبيرة لدى مختلف الأطراف المعنية، التي كانت لديها القدرة على تحمل النفقات الباهظة للحرب والتبعات السياسية لها، ولكن أيضا لأن البيئة المحلية والإقليمية والدولية في السنوات الخمس التي أعقبت اندلاع الحرب كانت تغذي الميل إلى الاستمرار في الحرب للاستفادة منها بشكل أو بآخر، غير أن إلغاء الرئيس الأمريكي السابق ترامب للاتفاق النووي مع إيران عام 2018 وازدياد مظاهر الحرب بالوكالة في اليمن، وتغير الحسابات السياسية لبعض الأطراف المشاركة في الحرب بدرجة أو بأخرى، وانسحاب بعضها بشكل كلي أو جزئي، وازدياد عبء الإنفاق العسكري والمدني، واتساع نطاق العمليات إلى ما وراء حدود بعض الأطراف، واستهداف بعض المواقع الحيوية والاستراتيجية فيها، تزامن في الواقع مع زيادة إدراك حقيقة أن استمرار القتال لن يحقق الأهداف المنشودة التي تم الإعلان عنها في بداية القتال، من ناحية، كما تزامن ذلك أيضا مع اتجاه واضح من جانب الأطراف الإقليمية المعنية والمشاركة في الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر لإعادة صياغة سياستها الإقليمية في ضوء مجموعة التغيرات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، والتي كان من أهم ملامحها ازدياد الدور الخليجي في السياسات الإقليمية من ناحية ثانية. وبدون الدخول في تفاصيل عديدة، فإنه يمكن القول إن ازدياد الدور الخليجي وتبني سياسات تميل إلى بناء علاقات جديدة أكثر ميلا للاستقرار ولحل المشكلات القائمة بالطرق السلمية وإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة، خليجيا وإقليميا، وهو ما يتم ترجمته بشكل واضح على الأرض على أكثر من مستوى، وفي المقدمة منه الأزمة اليمنية يأتي أيضا في إطار التقارب السعودي الإيراني الذي يطرح نتائجه الإيجابية والملموسة على أكثر من مستوى. على أنه ينبغي الإشارة إلى حقيقة أنه صاحب ذلك كله إدراك ويقين من جانب مختلف الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية لشفافية وإخلاص وقدرة الدبلوماسية العمانية على القيام بدور نشط وإيجابي وفعال أيضا لتعزيز جهود حل الأزمة والتهيئة للسير بخطوات عملية على طريق السلام وإعادة بناء الثقة بين أطراف الأزمة، وهو ما عبر عن نفسه في اتساع وعمق واستمرارية الجهود والمساعي العمانية الحميدة التي ثمنتها مختلف الأطراف المحلية اليمنية والإقليمية المعنية بالأزمة وكذلك المبعوث الأممي إلى اليمن هانز جروندبيرج.

ثانيا: إنه في ظل زيادة الثقل الإقليمي في خطوات حل الأزمة اليمنية، والتي تمثلت في نجاح عملية تبادل الأسرى بين جماعة أنصار الله الحوثية وبين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا خلال أيام الجمعة والسبت والأحد الماضية (14 -16 إبريل الجاري) وهو ما يدعو إلى التفاؤل، خاصة إذا تم التوصل إلى اتفاق لتحويل الهدنة المؤقتة التي استمرت ستة أشهر بدأت في الثاني من أكتوبر الماضي، إلى هدنة دائمة وهو ما تدور حوله الاتصالات الجارية الآن بناء على مبادرة السلطنة، مما سيفتح المجال أمام خطوات عملية وجادة لترجمة ما تضمنته الوثيقة التي بلورتها السعودية ووافقت عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي تم تسليمها إلى صنعاء في لقاءات الوفدين العماني والسعودي مع جماعة أنصار الله في الأيام الأخيرة، فإن ذلك سيكون إنجازا طيبا. خاصة وأن محادثات صنعاء الأسبوع الماضي مع الوفدين السعودي والعماني قد تناولت بحث وقف العمليات الحربية، ورفع القيود عن المنافذ التي تديرها جماعة أنصار الله ودفع رواتب كافة الموظفين العموميين من عائدات النفط والغاز وكذلك بحث الهدنة، حسبما أشار محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله الذي قال أيضا إنه تم التوصل إلى تفاهمات مع السعودية «في جميع الملفات».

وبينما تسهم عملية تبادل الأسرى التي تمت في الأيام الأخيرة في استعادة بناء الثقة وفي أنها «فرصة حقيقية يجب اغتنامها والبناء عليها ولبدء عملية سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة لإنهاء الصراع بشكل مستدام» حسبما قال المبعوث الأممي لليمن، فإن الزخم الذي صاحب نجاح عملية تبادل الأسرى التي تضمنت تبادل 887 أسيرا من الجانبين على قاعدة «الكل مقابل الكل» من بينهم وزير الدفاع اليمني الأسبق اللواء محمود الصبيحي واللواء ناصر منصور هادي شقيق الرئيس اليمني السابق من شأنه أن يعزز التفاؤل بشأن الخطوات التالية، خاصة وأن كل الأطراف الإقليمية تؤيد استعادة السلام في اليمن وتحقيق حل سلمي للأزمة.

ونظرا لحقيقة أن تحقيق السلام والحل السلمي للمشكلات لا يتحقق بمجرد التمني، بل إنه يحتاج إلى الكثير من الجهود المخلصة والمتضافرة معا، خاصة في حالة مثل الأزمة اليمنية، وما شهدته من تطورات خلال السنوات الثماني الماضية، فإن هذه المرحلة من الجهود والمساعي التي تشارك فيها سلطنة عمان بقوة وعمق تحتاج بالضرورة إلى تضافر كل الجهود المخلصة من جانب الأطراف المعنية، ليس فقط للتوصل إلى هدنة ووقف للقتال وفتح للمنافذ واستعادة الثقة، ولكنها تحتاج أيضا إلى تعاون ودعم خليجي وإقليمي ودولي للأخذ بيد اليمن الشقيق وإلى توفير كل ما يمكن من إمكانات، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار مجلس التعاون الخليجي، أو في الإطار الجماعي الدولي لتضميد جراح الحرب والتهيئة للنهوض باليمن ومساعدته على حل المشكلات التي تراكمت على مدى السنوات السابقة والإسهام في بناء حياة أفضل للشعب اليمني الشقيق.

غير أن ذلك يتطلب ضرورة مشاركة كل القوى اليمنية السياسية والاجتماعية في جهود الحل دون استثناء ودون استئثار، وكذلك تخلي مختلف الأطراف المعنية باليمن عن أية تطلعات أو طموحات أو مكاسب على حساب اليمن، ووضع الحلول والالتزام بها وفق مبادئ القانون الدولي وفي إطاره أيضا حتى يخرج اليمن الشقيق من محنته بشكل مستدام.