حرية التعبير والنشر.. شهادة شخصية
السبت / 23 / رمضان / 1444 هـ - 20:29 - السبت 15 أبريل 2023 20:29
أريق مداد كثير حول الحوار الذي أجراه معالي د.عبدالله الحراصي وزير الإعلام مع الإعلامي موسى الفرعي في صحيفة أثير، والحقيقة أن أهم ما ورد في هذا الحوار هو تأكيد معاليه أن النقد ليس مسموحًا به فقط، بل إنه مطلوب من قِبَل جلالة السلطان المعظم شخصيا، وهذا ما شجعني على كتابة هذا المقال لأنشره في زاويتي الأسبوعية بجريدة عُمان.
ولأن المساحة لا تكفي للاسترسال في مواضيع كثيرة فسأكتفي بنقطتين تهمانني شخصيًّا ككاتب وإعلامي. أولاهما هي نقطة الرقيب و«مزاجيته» التي تطرق لها المدوّن معاوية الرواحي في تغريداته تعقيبا على حوار معالي الوزير، وأنا أظن أنها واحدة من أهم العقبات التي تقف في طريق حرية التعبير التي يحرص معاليه على التأكيد عليها في حواراته وتصريحاته الإعلامية، ولكننا لا نراها مجسّدة على أرض الواقع للأسف الشديد. وأعزو ذلك لسببين جوهريين، أولهما أن كثيرًا من قراء النصوص هم غير مؤهلين للقراءة، ويتبدى ذلك من ملاحظاتهم «العجيبة» على هذه النصوص، وقد اقترح معاوية تأهيلهم، لكنني شخصيًّا أرى أن الاقتراح الأمثل هو اختيار قراء مثقفين لإجازة النصوص لا قراء موظفين، فالنوع الأول هو الأقدر على فهم النص وما بين سطوره، أما الثاني فبسبب عدم فهمه للنصوص فإنه يلجأ إلى منعها، دون أن يعني هذا الوقوع في فخ التعميم، فهناك من موظفي مديرية المطبوعات والنشر استثناءات لهذه القاعدة.
النقطة الأخرى وهي الأهم أن قانون المطبوعات والنشر المعمول به في عُمان حاليًّا يعود إلى عام 1984م، وسيحتفل العام القادم بعيد ميلاده الأربعين، ولم يجر عليه إلا تعديلات طفيفة بعد ذلك، ومن نافل القول إنه لا يصلح البتة لدولة عصرية أمضت ثلاثة وخمسين عامًا على نهضتها الحديثة، ويكفي أن أقول إن عددًا غير قليل من مواده يتعارض أصلًا مع النظام الأساسي للدولة. وقد بُحّتْ منذ سنين أصوات كثير من الكتّاب والإعلاميين المطالِبة بتعديله، سواء في ندوات أو مقالات أو حوارات، وكلما جاء وزير إعلام جديد وعد بتعديل هذا القانون أو سن قانون إعلامي جديد، إلا أن شيئًا من هذا لم يحدث حتى الآن.
ولأن معالي الحراصي طلب في حواره أن يكون أي نقد مسؤولًا ومعضّدًا بأمثلة فسأضرب أمثلة تخصني. إذْ يرقد في أدراج مديرية المطبوعات والنشر منذ ثلاث سنوات، أي منذ تولى معاليه وزارة الإعلام، كتابي «المختبئون في كلماتي» الذي كان يفترض أن يصدر في العام نفسه - أي 2020- عن طريق دار «نثر»، لكنه لم يحصل على الإجازة ولم يُبدِ الرقيب أسبابًا للرفض، وأعلم أن الدار وجهت رسالة تظلّم إلى معاليه لكن دون جدوى. الأمر نفسه تكرر مطلع عام 2022 مع كتاب «فرجار الراعي» للشاعر صالح العامري الذي حُجِبَ من منصة عين - التابعة لوزارة الإعلام - بعد ساعات فقط من وضعه ككتاب صوتي، ولم يفكّ عنه الحجب حتى كتابة هذه السطور، رغم أنه أبعد ما يكون عن أسباب المنع التي حددها معاليه في حواره مع الفرعي بثلاث كلمات: «الله، والوطن، والسلطان»، فلا هو كتاب في السياسة، ولا في نقد الدين، وإنما كتاب عن الأطفال والأشجار والأحلام والتأملات اليومية في الذات والكائنات والأشياء، والأمر نفسه ينسحب على الرواية الممنوعة «والشجر إذا هوى» للكاتب سعيد بن سلطان الهاشمي، التي هي رواية في حب الأشجار، ولا شيء واضح يمكن أن يؤدي إلى منعها سوى توجس الرقيب من اسم كاتبها. إن استرسلتُ في الحديث عن حرية التعبير في بلادي فسأتحدث عن كتب مُنِعتْ في عُمان بأثر رجعي منذ عام 2018 دون إبداء أسباب، وبعضها كان قد كُرّم من مؤسسات حكومية قبل ذلك، كما هي حال روايتي «الذي لا يحبّ جمال عبدالناصر» الفائزة بجائزة الكتاب الأكثر مبيعا في معرض مسقط عام 2014، وكتاب «عمامة العسكر» للكاتب حمود سعود الذي تلقى دعمًا من اللجنة الوطنية للشباب التابعة للحكومة، قبل أن يُمنع الكتابان مع عدد غير قليل من الكتب الأخرى التي كانت متداولة في عُمان عدة سنوات قبل هذا المنع.
وسأختم بأنه يمكن للمرء أن يتحدث كثيرًا عن ترحيبه بحرية النشر والتعبير والتزامه بهما وحثّه عليهما، لكن المعوّل عليه الحقيقي هو التطبيق على أرض الواقع، وهذا ما شاهدناه لدى دول جارة لنا كالمملكة العربية السعودية التي ألغت الرقابة المسبقة للكتب، تاركةً الأمر للقضاء فيما لو تجاوز كاتبٌ قانون النشر. وكم أتمنى أن تحذو سلطنة عُمان حذوها في هذا الموقف المتقدم تجاه حرية النشر والتعبير.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
ولأن المساحة لا تكفي للاسترسال في مواضيع كثيرة فسأكتفي بنقطتين تهمانني شخصيًّا ككاتب وإعلامي. أولاهما هي نقطة الرقيب و«مزاجيته» التي تطرق لها المدوّن معاوية الرواحي في تغريداته تعقيبا على حوار معالي الوزير، وأنا أظن أنها واحدة من أهم العقبات التي تقف في طريق حرية التعبير التي يحرص معاليه على التأكيد عليها في حواراته وتصريحاته الإعلامية، ولكننا لا نراها مجسّدة على أرض الواقع للأسف الشديد. وأعزو ذلك لسببين جوهريين، أولهما أن كثيرًا من قراء النصوص هم غير مؤهلين للقراءة، ويتبدى ذلك من ملاحظاتهم «العجيبة» على هذه النصوص، وقد اقترح معاوية تأهيلهم، لكنني شخصيًّا أرى أن الاقتراح الأمثل هو اختيار قراء مثقفين لإجازة النصوص لا قراء موظفين، فالنوع الأول هو الأقدر على فهم النص وما بين سطوره، أما الثاني فبسبب عدم فهمه للنصوص فإنه يلجأ إلى منعها، دون أن يعني هذا الوقوع في فخ التعميم، فهناك من موظفي مديرية المطبوعات والنشر استثناءات لهذه القاعدة.
النقطة الأخرى وهي الأهم أن قانون المطبوعات والنشر المعمول به في عُمان حاليًّا يعود إلى عام 1984م، وسيحتفل العام القادم بعيد ميلاده الأربعين، ولم يجر عليه إلا تعديلات طفيفة بعد ذلك، ومن نافل القول إنه لا يصلح البتة لدولة عصرية أمضت ثلاثة وخمسين عامًا على نهضتها الحديثة، ويكفي أن أقول إن عددًا غير قليل من مواده يتعارض أصلًا مع النظام الأساسي للدولة. وقد بُحّتْ منذ سنين أصوات كثير من الكتّاب والإعلاميين المطالِبة بتعديله، سواء في ندوات أو مقالات أو حوارات، وكلما جاء وزير إعلام جديد وعد بتعديل هذا القانون أو سن قانون إعلامي جديد، إلا أن شيئًا من هذا لم يحدث حتى الآن.
ولأن معالي الحراصي طلب في حواره أن يكون أي نقد مسؤولًا ومعضّدًا بأمثلة فسأضرب أمثلة تخصني. إذْ يرقد في أدراج مديرية المطبوعات والنشر منذ ثلاث سنوات، أي منذ تولى معاليه وزارة الإعلام، كتابي «المختبئون في كلماتي» الذي كان يفترض أن يصدر في العام نفسه - أي 2020- عن طريق دار «نثر»، لكنه لم يحصل على الإجازة ولم يُبدِ الرقيب أسبابًا للرفض، وأعلم أن الدار وجهت رسالة تظلّم إلى معاليه لكن دون جدوى. الأمر نفسه تكرر مطلع عام 2022 مع كتاب «فرجار الراعي» للشاعر صالح العامري الذي حُجِبَ من منصة عين - التابعة لوزارة الإعلام - بعد ساعات فقط من وضعه ككتاب صوتي، ولم يفكّ عنه الحجب حتى كتابة هذه السطور، رغم أنه أبعد ما يكون عن أسباب المنع التي حددها معاليه في حواره مع الفرعي بثلاث كلمات: «الله، والوطن، والسلطان»، فلا هو كتاب في السياسة، ولا في نقد الدين، وإنما كتاب عن الأطفال والأشجار والأحلام والتأملات اليومية في الذات والكائنات والأشياء، والأمر نفسه ينسحب على الرواية الممنوعة «والشجر إذا هوى» للكاتب سعيد بن سلطان الهاشمي، التي هي رواية في حب الأشجار، ولا شيء واضح يمكن أن يؤدي إلى منعها سوى توجس الرقيب من اسم كاتبها. إن استرسلتُ في الحديث عن حرية التعبير في بلادي فسأتحدث عن كتب مُنِعتْ في عُمان بأثر رجعي منذ عام 2018 دون إبداء أسباب، وبعضها كان قد كُرّم من مؤسسات حكومية قبل ذلك، كما هي حال روايتي «الذي لا يحبّ جمال عبدالناصر» الفائزة بجائزة الكتاب الأكثر مبيعا في معرض مسقط عام 2014، وكتاب «عمامة العسكر» للكاتب حمود سعود الذي تلقى دعمًا من اللجنة الوطنية للشباب التابعة للحكومة، قبل أن يُمنع الكتابان مع عدد غير قليل من الكتب الأخرى التي كانت متداولة في عُمان عدة سنوات قبل هذا المنع.
وسأختم بأنه يمكن للمرء أن يتحدث كثيرًا عن ترحيبه بحرية النشر والتعبير والتزامه بهما وحثّه عليهما، لكن المعوّل عليه الحقيقي هو التطبيق على أرض الواقع، وهذا ما شاهدناه لدى دول جارة لنا كالمملكة العربية السعودية التي ألغت الرقابة المسبقة للكتب، تاركةً الأمر للقضاء فيما لو تجاوز كاتبٌ قانون النشر. وكم أتمنى أن تحذو سلطنة عُمان حذوها في هذا الموقف المتقدم تجاه حرية النشر والتعبير.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني