ثقافة

محمد بن سعيد القلهاتي

رواد الأدب العماني

 


أبو سعيد محمد بن سعيد القلهاتي من علماء النصف الثاني من القرن (6 هـ / 12م) وهو من أشهر الكتّاب العمانيين، حيث يعد كتابه الكشف والبيان من المصنفات الأولية في مقالات الفرق والملل المعبّرة عن وجهة النظر الإباضية، وينقسم إلى قسمين: قسم تاريخي والآخر عقائدي. ويأخذ القلهاتي معلوماته عن رواة ومؤلفين قدامى، منهم السني ومنهم الإباضي، وأشهر هؤلاء الرواة مجاهد وابن شهاب الزهري ومحمد بن السائب الكلبي وشبيب بن عطية الخرساني الإباضي وأبو غانم غيرهم. ويقع الكتاب في خمسين بابا وينقسم إلى قسمين: قسم تاريخي والآخر عقائدي، ويبدأ القسم الأول في الكلام عن خلق السماوات والأرض والملائكة والجن والإنس، ويشمل تاريخ الأنبياء والرسل منذ بدء الخليقة ويفصل فيه الحديث عن البعثة النبوية الشريفة وما تلاها من أحداث حتى بداية العصر الأموي مع تركيز خاص على فترة خلافة كل من عثمان بن عفان وعلي، أما القسم الثاني فيتناول المؤلف عقائد بعض الأديان والمذاهب مثل عبدة الشمس والمزدكية ومذاهب أهل الهند، ثم يتكلم عن الفرق الإسلامية وبيان عقائدها وأوجه الشبه والخلاف بينها، ويعطي أهمية خاصة للفرقة الإباضية التي ينتمي إليها ويسميها الفرقة الوهبية نسبة إلى عبدلله بن وهب الراسبي.

والقلهاتي إلى جانب ذلك شاعر مبدع ذو نفس طويل، من ذلك منظومته المسدسة الحلوانية، وتعرف أيضا القحطانية، لأنه انتصر فيها للقحطانية في مدح طويل، وقد رد عليه ابن رزيق بقصيدة انتصر فيها للعدنانية. ومن الحلوانية نختار هذه الأبيات:

ألا حي دار الحي من بطن حلوانِ

وحي مراعيهم بأكناف قرآن

وحي اللوى فالأبطح الدمث الداني

ووادي الحمى والمرخ من سفح رامان

مآلف أحبابي ومعهد أخداني

ديار بها في اللهو جررتُ أرساني

ذكرت بها الحي الجميع قبيل أنْ

يعيث النوى فيهم فيؤذن بالشطنْ

فبت سمير الهم والليل قد دخن

كأني سليم لم تذق عيني الوسن

بكى أسفا وارتاع خوف الردى وأنْ

كمثلي لمّا هيج الشوق أحزاني

وعهدي بها والشمل متصل العقدِ

مضارب فيها كل واضحة الخدِ

منعمة الأطراف مهزوزة القد

تميس كغصن البان في كفل نهد

وترنو بعين الظبي بالأجزع الفرد

وتجزيك عن وصلٍ بصدٍّ وهجران

فيا حسنها من أربع وملاعبِ

ويا طيبها من أدور ومضاربِ

مسارح ربات الحجا والربارب

ومغنى الغواني الآنسات الكواعب

برزن ولا يخشين رقبة راقب

ويختلن في برد الشباب بريعان

ألا فخذي عني المآثر واسمعي

ألا فاحفظي عني المفاخر وارفعي

وبالحق من صدق الأحاديث فاقنعي

أنا ابن المعالي واللواء المشرّع

أنا ابن الألى أهل الحجاب الممنّع

أنا ابن الملوك الغر من آل قحطان

تبوأت في الشماء من دوحة الأزدِ

وللشرف السامي المؤيّد والمجدِ

وأهل المساعي السابقين إلى الحمدِ

هم ملكوا الدنيا على القرب والبعد

وجاسوا خلال الأرض بالخيل والجندِ

بنو سد يأجوج من القطران

فمن كمزيقيا الذي مزّق الحللْ

قفا في الندى آثار آبائه الأول

وجاد فأعنى جوده كل من سأل

وساد على كل البرية حين حلّ

به في الندى بين الورى يُضرب المثلْ

كأنّ يديه في المواهب عينان

فالنص من قصيدة طويلة للقلهاتي يمدح فيها القحطانيين، وهنا اخترنا سبعة مقاطع منها، وسميت بالحلوانية لأن مطلعها ألا حي دار الحي من بطن حلوان. يمكننا تقسيم النص وفق المقاطع، ففي المقطع الأول يذكر أماكن الأحبة من آل قحطان، ثم يذكر ترحالهم عن الديار وأثر ذلك عليه (حزن دائم وألم)، ويتذكر حبيبته فيها وهي منعمة الأطراف مهزوزة القد تميس كالغصن، وعيناها كالظبي، ولكنها تقابل طلب وصاله بالصد، تلك الديار كانت منازل للغواني والأمن، ثم يفتخر بنسبه القحطاني، ويفتخر بالأزد الملوك السابقين إلى المكارم، ومنهم مزيقيا الشجاع المقدام الكريم. ونلاحظ الابتكار في شكل القصيدة حيث هي سداسية كل مقطع مكوّن من ستة أشطر خمسة بقافية واحدة والسادس القافية الدائمة للقصيدة (النون المكسورة)، كما يلمس المتلقي جمال التصوير.

وله أيضا المقامة الكلوية، أنشأها بسبب رجوع بعض أهل كلوة عن مذهب الإباضية. عندما دعي من أمير كلوة وإباضيي شرقي أفريقيا للجدل العقائدي للدفاع عن الآراء العقائدية الإباضية على نسق المقامات الأدبية. وهو تغير يلحظ في كتابة السير العمانية في هذه الفترة. السيرة تناولها بالشرح راشد بن عمر بن أحمد بن أبي الحسن بن عبدالله بن أحمد بن النظر (ق.7هـ/13م). كذلك أبدى المستشرقون اهتماما بدراسة السيرة وانتشار الفكر الإباضي والتوسع العماني في شرق أفريقيا منهم. ومنها قوله:

نص: حي دار حلوان

«حدّث رجلٌ من أهل الاستقامة والإيمان، أنه خرج من أرض عمان، إلى كلوة لزيارة الإخوان، يركب المنشآت ويقتحم الأهوال، وينفق الأموال، إلى أن وصل إلى مصرها بعد الأين، وذهاب العين، ولما عاين مصرها، طفق يدور في مشاهدها، ويتعرف بأماجدها، ويسأل عن أئمة مساجدها، ويستقصي عن صغارها وكبارها، ويستخبر عن ملوكها وأحبارها، فبينما هو يدور في مشارع الدور، إذا بنادٍ قد اجتمع فيه الحاضر والبادي، وشيخ متطلس بينهم ينادي، بلسان ذلق، وصوت صهصلق، قد استحوذ عليه الشيطان فاستذله، واستهواه إلى جرفٍ هارٍ وذلة، قد أحاطوا به إحاطة الأهلة بالزبرقان، والأكمام بثمر الأغصان، وهو يقول أنا من سلالة القاضي الوليد بن سليمان، رافعا عقيرته بالزور والبهتان، ويزعم أنه من المقتدين بالقرآن، وهو مخالف بنص ومبتدع في الفرقان،...بإحدى أذنيه صمم، وفي عقله لمم، أهلب الجسد، مغبّر الشعر، مبيضّ العنقفة، كالدجال الأعور، عليه هيئة الزنادقة، سمته بين الحاضرين سمة دفاف، يذم العلماء الأسلاف، ويمدح الشكّاك من أهل الخلاف، ويجنح إلى قول الحشوية، ويؤيد رأي الصوفية الغوية، يستهزئ بقول المسلمين، ويفنّد من تمسّك بالدين، يزخرف على الأميين والضعفاء، ويزعم أن الرقص من شيمة أهل الوفاء، والأوباش به محدقون، ولقوله محققون، ولافترائه مصدّقون، ولكلامه مطرقون، قد ركض عليهم الشيطان بخيله ورجله، يزين لهم القول كما زيّن السامري سوء فعله:

«يا من عزبت عنهم العقول، احضروا مجلسي واجتمعوا وافهموا ما أقول لكم، واسمعوا أشهدكم أني تركت مذهب أبي الوليد، وتمذّهبت بالمذهب الجديد، واعتزلت مذهب عبدالله بن إباض، واتبعت مذهب أهل النكاح في المخيض والمخاض، مذهب أهل اللعب والرقص والارتكاض، واعتقدت جميع الفرق المارقة، كالصوفية والجوالقية والدهرية والزنادقة، لأني أخرج من النار، وأدخل الجنة ذات الغرف الشاهقة،...فإن اقتديتم نلتم في دنياكم الصلاح والفلاح، وظفرتم في أخراكم بالفوز والنجاح...ارجعوا عن مذهب الشراة، مذهب أهل الولاية والبراءة، الجاحدين رؤية ربهم في أخراه...»

فالمقامة الكلوية، أنشأها بسبب رجوع بعض أهل كلوة عن مذهب الإباضية. فقد كان أهل كلوة إباضية فاتفق أنه نشأ بينهم رجل من أولاد الوليد بن سليمان النيسابوري، فلما حضرته الوفاة عمد إلى ولده «بارك» فجعله وصيه وقدّمه في المذهب والفتوى، فحسده أخوه فعمد إلى رجل عراقي يقال له أبو العليان فقرأ عليه، وتابعه رعاع الناس، وكفّروا الإباضية، فأرسل أخوه «بارك» يستصرخ أهل عمان، فأرسل العمانيون الشيخ محمد بن عمر البشري المنحي، الذي نزل قبل سفره مع الشيخ القلهاتي، فلما وصل كلوة اجتمع بالرجل المرتد عن مذهبه ووبخه ووعظه، فرجع الناس إلى المذهب الإباضي، ورجع الشيخ محمد البشري فاجتمع بالشيخ القلهاتي وحكى له القصة، فكتب هذه المقامة يذكر فيها بعض معالم المذهب الإباضي وبعض البدع وكتبها على نسق المقامات الأدبية. والمقامة تناولها بالشرح راشد بن عمر بن أحمد بن أبي الحسن بن عبدالله بن أحمد بن النظر (ق.7هـ/13م). كذلك أبدى المستشرقون اهتماما بدراسة السيرة وانتشار الفكر الإباضي والتوسع العماني في شرق أفريقيا منهم.

والمقامة الكلوية فهي نواة المقامات العمانية (بعد ابن دريد)، ولا يخفى أن القلهاتي كتبها بأسلوب المقامة تشويقا للقصة، ولكنها لم تتقيد بكل سمات المقامة الفنية.