في الوعي الذي يُمْسكنا!
الأربعاء / 20 / رمضان / 1444 هـ - 20:52 - الأربعاء 12 أبريل 2023 20:52
الوعي، الذي يمكن أن يكون معنى من معاني الروح، في تأويل ما، هو الجوهر اللطيف الذي يتحكم فينا حتى في النوم فكل من الوعي الباطن والوعي الظاهر يعكسان طريقتين في التحكم بتصرفاتنا.
مطلق الوعي هو الشرط الشارط لقيام كتلة الجسد البشري بأدنى واجباتها، لأن علاقة الجسد بمطلق الوعي هي علاقة حضور وغياب ضروريين، ففقدان الجسد للوعي ينجم عنه سقوط كتلة الجسد البشري على الفور إلى درجة تلفتنا لحقيقة أننا لا يمكن أن نكون بشرا في غياب مطلق الوعي متلبسا أجسادنا في كافة عملياتنا اليومية، بل حتى حركات الكائنات غير الإنسانية تحتاج إلى ذلك الوعي الذي يمسك كتلتها أن تكف بها عن أن تكون جمادا أو شيئا ميتا.
وهذا الوعي الأعلى للكائن البشري هو الذي جعله محلا لاستحقاق الكرامة التي تحول بها إلى كائن نفيس خلقه الله وكرمه.
يشير القرآن الكريم إلى مرحلة للجسد البشري الأول كان فيها جسدا غائبا عن الحياة فوصف القرآن هذا الغياب بأنه غير مذكور، مع وجود أعضائه التي كانت مكتملة كبنية عضوية جسدية لكنها غير واعية لا بذاتها ولا بالآخرين، وذلك في قول الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا}
وقيمة مطلق الوعي للإنسان هي حاجة وضرورة لا بد منها لكونه كائنا حيا، لأن استخدام ذلك الوعي في الوظائف والحركات اليومية للإنسان أمر لا بد منه.
لكننا حين نتأمل سياقات أخرى للوعي البشري سنجد كذلك مراحل متعددة مر بها هذا الوعي، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المرحلة التي لم تكن فيها للبشر الأوائل تجارب تراكمية لوعيهم بطريقة مستقلة أول الأمر، حتى أننا لو تأملنا في سياق تطور الوعي الذي يرصده القرآن لعلاقة الإنسان بالكتب السماوية نجد أن أول ذكر للصحف (الكتب) يأتي في القرآن حكاية عن إبراهيم وهي صحف نعتها الله بوصف يدل على أنها ربما تشير إلى تطور مبكر في قدرات البشر على المعرفة والكتابة، حيث وصفها القرآن بالصحف الأولى.
بداية علاقة الوعي البشري بالكتب بحسب السياق القرآني لا يعني بالضرورة انقطاع الإنسان عن المعرفة من حيث كونه إنسانا، فقد وصف القرآن آدم بأنه تعلم الأسماء. لكن بدايات الوعي البشري في تلقي المعرفة قبل آلية الكتب، كانت هي الوصايا القولية، كما كان الأمر مع آدم عندما هبط إلى الأرض «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» ولعلها كانت أشبه بالوصايا الشفاهية في تلك المرحلة المبكرة من عمر البشرية، بل حتى في عصر نوح كان هناك ذكر للوصايا والكلمات، ويمكننا أن نستشف من الآية الكريمة «ومَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ» ما نرى فيه وضوحا تعليميا من الملائكة للبشر.
لقد ظلت البشرية في أطوار تاريخها الطويل تراكم وعيا متزايدا ومتطورا باتجاه التركيب والتعقيد، حتى أصبح الوعي البشري اليوم على هذه الشاكلة من التعقيد والتركيب إلى درجة تشبه الإعجاز.
لكن خط تطور الوعي البشري ليس خطا مستقيما بل يعكس أحيانا تناقضا واضحا ومسارا دائريا. لقد أصبحت ثقة البشر اليوم بالعلم ليس كما كانت في بداية القرن العشرين، وما أنتجه الوعي البشري من آليات للقتل والدمار كان أحد أسباب تشكيك الفلاسفة في الإيمان المطلق في الثقة بالعلم البشري.
ولعل اتجاه مدرسة فرانكفورت التي وجهت أسئلة فلسفية شككت بجوانب الشر التي هزت ثقة رواد تلك المدرسة بالعلم، وفي قدرته على أن يكون نتاجه خيرا محضا للبشرية، كانت من أولى الخطوات الممهدة لظهور فلسفات أخرى أكثر حدة وشكا في الصوابية المطلقة للوعي البشري كمدرسة فلاسفة ما بعد الحداثة أو فلاسفة «الاختلاف» الذين ظهرت أفكارهم في فرنسا وغيرها.
يطرح الوعي البشري علاقة إشكالية معقدة حين يشتغل على ذاته، أي حين يتحول الإنسان في هذا الوعي إلى موضوع، وهذا هو السبب الأساس الذي جعل من فلاسفة ما بعد الحداثة يعيدون اعتبارا لكثير من مصادر المعرفة خارج مركزية الحداثة الأوربية، وشمل ذلك حقول مثل الدين والسحر والأساطير وغيرها.
إن الوعي البشري هوية للإنسان متعددة الأقنعة والوجوه ومتطورة دائما في علاقتها مع هذا الإنسان واتصالها به على نحو مطلق.
مطلق الوعي هو الشرط الشارط لقيام كتلة الجسد البشري بأدنى واجباتها، لأن علاقة الجسد بمطلق الوعي هي علاقة حضور وغياب ضروريين، ففقدان الجسد للوعي ينجم عنه سقوط كتلة الجسد البشري على الفور إلى درجة تلفتنا لحقيقة أننا لا يمكن أن نكون بشرا في غياب مطلق الوعي متلبسا أجسادنا في كافة عملياتنا اليومية، بل حتى حركات الكائنات غير الإنسانية تحتاج إلى ذلك الوعي الذي يمسك كتلتها أن تكف بها عن أن تكون جمادا أو شيئا ميتا.
وهذا الوعي الأعلى للكائن البشري هو الذي جعله محلا لاستحقاق الكرامة التي تحول بها إلى كائن نفيس خلقه الله وكرمه.
يشير القرآن الكريم إلى مرحلة للجسد البشري الأول كان فيها جسدا غائبا عن الحياة فوصف القرآن هذا الغياب بأنه غير مذكور، مع وجود أعضائه التي كانت مكتملة كبنية عضوية جسدية لكنها غير واعية لا بذاتها ولا بالآخرين، وذلك في قول الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا}
وقيمة مطلق الوعي للإنسان هي حاجة وضرورة لا بد منها لكونه كائنا حيا، لأن استخدام ذلك الوعي في الوظائف والحركات اليومية للإنسان أمر لا بد منه.
لكننا حين نتأمل سياقات أخرى للوعي البشري سنجد كذلك مراحل متعددة مر بها هذا الوعي، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المرحلة التي لم تكن فيها للبشر الأوائل تجارب تراكمية لوعيهم بطريقة مستقلة أول الأمر، حتى أننا لو تأملنا في سياق تطور الوعي الذي يرصده القرآن لعلاقة الإنسان بالكتب السماوية نجد أن أول ذكر للصحف (الكتب) يأتي في القرآن حكاية عن إبراهيم وهي صحف نعتها الله بوصف يدل على أنها ربما تشير إلى تطور مبكر في قدرات البشر على المعرفة والكتابة، حيث وصفها القرآن بالصحف الأولى.
بداية علاقة الوعي البشري بالكتب بحسب السياق القرآني لا يعني بالضرورة انقطاع الإنسان عن المعرفة من حيث كونه إنسانا، فقد وصف القرآن آدم بأنه تعلم الأسماء. لكن بدايات الوعي البشري في تلقي المعرفة قبل آلية الكتب، كانت هي الوصايا القولية، كما كان الأمر مع آدم عندما هبط إلى الأرض «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» ولعلها كانت أشبه بالوصايا الشفاهية في تلك المرحلة المبكرة من عمر البشرية، بل حتى في عصر نوح كان هناك ذكر للوصايا والكلمات، ويمكننا أن نستشف من الآية الكريمة «ومَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ» ما نرى فيه وضوحا تعليميا من الملائكة للبشر.
لقد ظلت البشرية في أطوار تاريخها الطويل تراكم وعيا متزايدا ومتطورا باتجاه التركيب والتعقيد، حتى أصبح الوعي البشري اليوم على هذه الشاكلة من التعقيد والتركيب إلى درجة تشبه الإعجاز.
لكن خط تطور الوعي البشري ليس خطا مستقيما بل يعكس أحيانا تناقضا واضحا ومسارا دائريا. لقد أصبحت ثقة البشر اليوم بالعلم ليس كما كانت في بداية القرن العشرين، وما أنتجه الوعي البشري من آليات للقتل والدمار كان أحد أسباب تشكيك الفلاسفة في الإيمان المطلق في الثقة بالعلم البشري.
ولعل اتجاه مدرسة فرانكفورت التي وجهت أسئلة فلسفية شككت بجوانب الشر التي هزت ثقة رواد تلك المدرسة بالعلم، وفي قدرته على أن يكون نتاجه خيرا محضا للبشرية، كانت من أولى الخطوات الممهدة لظهور فلسفات أخرى أكثر حدة وشكا في الصوابية المطلقة للوعي البشري كمدرسة فلاسفة ما بعد الحداثة أو فلاسفة «الاختلاف» الذين ظهرت أفكارهم في فرنسا وغيرها.
يطرح الوعي البشري علاقة إشكالية معقدة حين يشتغل على ذاته، أي حين يتحول الإنسان في هذا الوعي إلى موضوع، وهذا هو السبب الأساس الذي جعل من فلاسفة ما بعد الحداثة يعيدون اعتبارا لكثير من مصادر المعرفة خارج مركزية الحداثة الأوربية، وشمل ذلك حقول مثل الدين والسحر والأساطير وغيرها.
إن الوعي البشري هوية للإنسان متعددة الأقنعة والوجوه ومتطورة دائما في علاقتها مع هذا الإنسان واتصالها به على نحو مطلق.