كيف نتجنب فخ «واترلوه» في الخطط المؤسسية؟
الثلاثاء / 19 / رمضان / 1444 هـ - 21:21 - الثلاثاء 11 أبريل 2023 21:21
هناك مثلٌ سائد في أوروبا مفاده أن من يواجه يوما سيئا، أو حظا غير موفق فهو يواجه يوم واترلوه، وهي المعركة التاريخية الحاسمة التي وقعت جنوب بروكسيل، بالقرب من قرية واترلوه وهزم فيها أسطورة القيادة العسكرية آنذاك نابليون بونابرت، وتستخدم هذه المقاربة كثيرا في التخطيط الاستراتيجي، حيث إن القارئ المتعمق لأحداث المعركة ونتائجها يدرك بوضوح أهمية العوامل والمدخلات الأساسية لعملية التخطيط السليم، مثل عامل التوقيت، ومحور الالتزام بالتركيز، وتجنب تمدد نطاق العمل، وهذا يقودنا لأهم سؤال في محور وضع الخطط الاستراتيجية المؤسسية وهو: لماذا تواجه الخطط الاستراتيجية المؤسسية تحديات في التنفيذ، وتنتهي الخطة ببرامج وآليات غير التي تم وضعها في الخطة الأصلية؟ دعونا ننظر في الأرقام لأنها تتحدث بصوت أعلى، تقول الإحصائيات إن نسبة الموظفين الذين هم على إدراك وفهم لاستراتيجية المؤسسة لا تتعدى 5% من إجمالي عدد الموظفين، ونسبة المديرين ومنتسبي الإدارة المتوسطة والعليا الذين يقومون بتنفيذ مهام مرتبطة مباشرة بالاستراتيجية لا تتعدى 25%، وفي معظم الأحيان نجد أن الشركاء من خارج المؤسسة قد يكونون على اطلاع بالخطط أكثر من الموظفين التنفيذيين أنفسهم، الذين يقع على عاتقهم تنفيذ ومتابعة أداء الخطة الاستراتيجية، وهذا يعيق نجاح المؤسسة في الوصول للوضع التنافسي المنشود بتحقيق خططها الطموحة.
قياسا على معركة واترلوه فإن عدم وضوح القرارات، والتغيير المستمر في خطط الإدارة التي كانت تتبدل مع مجريات المعركة كانت من أهم أسباب التراجع، إذن كلمة العبور هنا هي التواصل الجيد والممنهج، لأن التواصل الفعال مع جميع أفراد المؤسسة وعلى مختلف المستويات الفنية والإدارية ليس اختيارا وإنما مسألة بقاء، وفي كثير من الحالات تضع القيادة مبالغ طائلة في مشروع إعداد الاستراتيجية التنافسية للمؤسسة، وتستقدم بيوت خبرة، وتنفق مبالغ إضافية على تغطيات الإعلام والفعاليات الخارجية، وتستثمر الكثير من الوقت الذي هو أهم مورد في المحيط العملي، وتغفل أن الذي سيقوم بتنفيذ خطة العمل لتحقيق رؤية وأهداف الاستراتيجية هم موظفو المؤسسة.
والتواصل بحد ذاته ليس الحل وإنما نواتج الشفافية والتفاعل المجدي بين جميع الأطراف هي التي تصنع الفرق، فالموظفون يحتاجون لفهم الرؤية الاستراتيجية ذات المدى المتوسط والبعيد، والتي تطمح المؤسسة للوصول إليها، والطريقة والأدوات التي سيتم من خلالها تنفيذ خارطة الطريق نحو الرؤية، وبنفس الأهمية القيم المعنوية التي ترافق هذه العملية، واحتمالات النجاح والتعثر، والسيناريوهات المحتملة في تحقيق الأهداف والغايات المقترحة، وبذلك يمكن بدء تنفيذ الخطة الاستراتيجية بثقة أكبر لتوفر هذه العوامل المحورية في إحداث التغيير الإيجابي المنشود، وصناعة المستقبل الذي تصبو إليه الخطة.
وهناك نقطة مهمة للغاية يجب أن يلتفت إليها قادة العمل وهي التركيز على الاتصال الواعي والجيد بشكل واقعي بعيدا عن شكليات التواصل التقليدية، فأحيانا نجد أن المؤسسة تهدر وقتا ومالا بعد إعداد الخطة الاستراتيجية في تصميم برامج للتوعية، والمواد الإعلامية الترويجية، والملصقات والنشرات وغيرها كثير، في حين يكفي أن يقوم قائد العمل بالالتزام بإيصال أهداف الخطة ومسارات العمل المستقبلية، على اعتبار أن الموظفين كانوا في فترة الإعداد شركاء في صياغة الرؤية المستقبلية والأهداف وخطة العمل. إن الشراكة الحقيقية هي المفتاح لتعزيز الولاء المؤسسي، وضمان التعاون المثمر نحو تحقيق الأهداف المشتركة، وهي الأساس في معالجة الكثير من التحديات التي تنشأ خلال فترة تنفيذ الخطة.
وإذا رجعنا إلى معركة واترلوه مرة أخرى نجد أن من الأسباب التي أدت للخسارة التاريخية هو تمدد نطاق التحركات العسكرية خارج الخطة الأصلية التي رسمها نابليون، وكبار القادة العسكريين لديه، وكذلك القرارات الارتجالية التي اتخذت دون العودة لمحور التوقيت الزمني، إذ ارتكب نابليون خطأ فادحا حين قام بتأخير الزحف البري لحين جفاف الأرض من الأمطار، مما أتاح الفرصة للقوات الأوروبية في التقدم ضده، وبذلك فقد عنصر الاستباقية، والدرس المستفاد هنا هو تجنب التمدد في نطاق الخطة قدر الإمكان، والتركيز على خطوط العمل الأصلية التي تم وضعها بناءً على معطيات تحليلية متأنية، فنجد مثلا أن الخطط الاستراتيجية تتضمن مجموعة متكاملة من البرامج التنفيذية والأدوات الإجرائية، ولكن يتم أحيانا إضافة برامج ومبادرات خلال فترة التنفيذ، إما بسبب وجود الموارد الداعمة، أو لظهور فرص مواتية لاقتناص عوائد سريعة، وهي قد تكون إجمالا مفيدة وداعمة للخطة الاستراتيجية بشكل غير مباشر، ولكن تكرارها يعتبر انحرافا جذريا في مسار التنفيذ، وابتعادا فعليا عن الخطة الأصلية، وهي وإن كانت تعود بالمنفعة على المؤسسة، ولكنها غير مجدية على المدى البعيد، لأنها لا تساهم في تحقيق الرؤية المستقبلية والغاية الاستراتيجية للخطة.
إن تنفيذ الخطط الاستراتيجية المؤسسية لا يقل تعقيدا عن منهجية إدارة الخطط الكبرى على المستوى الوطني، ويتعرض المديرون وقادة العمل للكثير من التحديات والضغوطات العملية، وإن من أهم دوافع تغيير المسار، وتمدد النطاق هو التوقف عند كل فرصة لاقتناصها، أو الوقوف عند كل عقبة والبحث عن حل لها، على المعنيين بتنفيذ الخطط أن يدركوا أن المؤسسات هي نظم اجتماعية قبل أن تكون هياكل مؤسسية، والتحديات لا تعني البحث عن إضافات للخطة أو تغير نطاقها، هذه التحديات أعقد مما يتخيل قادة العمل فهي نتاج للعلاقات المتبادلة بين البرامج المقترحة، والموارد التي تدعم تنفيذها، والثقافة المؤسسية، والعلاقات مع الشركاء من خارج المؤسسة، ولذلك يجب على القائد ألا يبحث عن حل لكل عقدة، ولكن عليه أن يبحث عن جذور التحديات والدوافع التي أدت لظهورها على السطح، وعليه أن يلتفت بتركيز إلى تلك التحديات التي تبدو سهلة الحل، لأنها قد تعكس مشاكل عميقة محتملة الحدوث في المستقبل، والتي قد تسبب نتائج غير مرضية.
تعلمنا أحداث واترلوه بأن التغيرات الكبيرة أحيانا تكون الأنسب، لأن التحول على مستوى التكتيكات يبدو في الظاهر محدودا ولكن قد يتسبب في آثار عميقة، وعلى مستوى المؤسسة فإن وضع خطة واضحة محددة النطاق تكون أكثر احتمالا في التنفيذ، بعكس التغييرات الصغيرة التي تحدث بين الحين والآخر، لأنها أكثر عرضة للاصطدام بمقاومة الموظفين، ولذلك يجب الالتفات إلى أهمية التعامل الذكي مع تحديات تنفيذ الخطط المؤسسية، بأن يتم أولا تشخيص أسباب الصعوبات، ووضع الحلول الجذرية لها بعد تحليل عميق وفهم واسع لها، والابتعاد قدر الإمكان عن الحلول السريعة التي غالبا ما تكون وقتية، وتتسبب في تفاقم المشكلة على المدى البعيد.
ومن أجل تجنب فخ واترلوه في التخطيط على المستوى المؤسسي، هناك وقفة لا بد منها للإدارة مع الموظفين والشركاء، هي بمثابة وقوف الشخص أمام المرآة، والنظر بوضوح لما يريد تحقيقه من وضع الخطة الاستراتيجية، وإتاحة المساحة الكافية للشراكة الفعالة للأطراف المعنية بشكل مباشر، ثم تحقيق التواصل الفعال مع جميع الموظفين والشركاء، مع تجنب التمدد في نطاق الخطة، والابتعاد عن تضمين التغييرات والتحولات الصغيرة المتكررة في التصدي للتحديات الناشئة، فالتحديات لا تنتهي ولكن نهج العمل المشترك والواعي هو الأساس في تحقيق الخطط الاستراتيجية بتركيز وإنتاجية.
* د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار
قياسا على معركة واترلوه فإن عدم وضوح القرارات، والتغيير المستمر في خطط الإدارة التي كانت تتبدل مع مجريات المعركة كانت من أهم أسباب التراجع، إذن كلمة العبور هنا هي التواصل الجيد والممنهج، لأن التواصل الفعال مع جميع أفراد المؤسسة وعلى مختلف المستويات الفنية والإدارية ليس اختيارا وإنما مسألة بقاء، وفي كثير من الحالات تضع القيادة مبالغ طائلة في مشروع إعداد الاستراتيجية التنافسية للمؤسسة، وتستقدم بيوت خبرة، وتنفق مبالغ إضافية على تغطيات الإعلام والفعاليات الخارجية، وتستثمر الكثير من الوقت الذي هو أهم مورد في المحيط العملي، وتغفل أن الذي سيقوم بتنفيذ خطة العمل لتحقيق رؤية وأهداف الاستراتيجية هم موظفو المؤسسة.
والتواصل بحد ذاته ليس الحل وإنما نواتج الشفافية والتفاعل المجدي بين جميع الأطراف هي التي تصنع الفرق، فالموظفون يحتاجون لفهم الرؤية الاستراتيجية ذات المدى المتوسط والبعيد، والتي تطمح المؤسسة للوصول إليها، والطريقة والأدوات التي سيتم من خلالها تنفيذ خارطة الطريق نحو الرؤية، وبنفس الأهمية القيم المعنوية التي ترافق هذه العملية، واحتمالات النجاح والتعثر، والسيناريوهات المحتملة في تحقيق الأهداف والغايات المقترحة، وبذلك يمكن بدء تنفيذ الخطة الاستراتيجية بثقة أكبر لتوفر هذه العوامل المحورية في إحداث التغيير الإيجابي المنشود، وصناعة المستقبل الذي تصبو إليه الخطة.
وهناك نقطة مهمة للغاية يجب أن يلتفت إليها قادة العمل وهي التركيز على الاتصال الواعي والجيد بشكل واقعي بعيدا عن شكليات التواصل التقليدية، فأحيانا نجد أن المؤسسة تهدر وقتا ومالا بعد إعداد الخطة الاستراتيجية في تصميم برامج للتوعية، والمواد الإعلامية الترويجية، والملصقات والنشرات وغيرها كثير، في حين يكفي أن يقوم قائد العمل بالالتزام بإيصال أهداف الخطة ومسارات العمل المستقبلية، على اعتبار أن الموظفين كانوا في فترة الإعداد شركاء في صياغة الرؤية المستقبلية والأهداف وخطة العمل. إن الشراكة الحقيقية هي المفتاح لتعزيز الولاء المؤسسي، وضمان التعاون المثمر نحو تحقيق الأهداف المشتركة، وهي الأساس في معالجة الكثير من التحديات التي تنشأ خلال فترة تنفيذ الخطة.
وإذا رجعنا إلى معركة واترلوه مرة أخرى نجد أن من الأسباب التي أدت للخسارة التاريخية هو تمدد نطاق التحركات العسكرية خارج الخطة الأصلية التي رسمها نابليون، وكبار القادة العسكريين لديه، وكذلك القرارات الارتجالية التي اتخذت دون العودة لمحور التوقيت الزمني، إذ ارتكب نابليون خطأ فادحا حين قام بتأخير الزحف البري لحين جفاف الأرض من الأمطار، مما أتاح الفرصة للقوات الأوروبية في التقدم ضده، وبذلك فقد عنصر الاستباقية، والدرس المستفاد هنا هو تجنب التمدد في نطاق الخطة قدر الإمكان، والتركيز على خطوط العمل الأصلية التي تم وضعها بناءً على معطيات تحليلية متأنية، فنجد مثلا أن الخطط الاستراتيجية تتضمن مجموعة متكاملة من البرامج التنفيذية والأدوات الإجرائية، ولكن يتم أحيانا إضافة برامج ومبادرات خلال فترة التنفيذ، إما بسبب وجود الموارد الداعمة، أو لظهور فرص مواتية لاقتناص عوائد سريعة، وهي قد تكون إجمالا مفيدة وداعمة للخطة الاستراتيجية بشكل غير مباشر، ولكن تكرارها يعتبر انحرافا جذريا في مسار التنفيذ، وابتعادا فعليا عن الخطة الأصلية، وهي وإن كانت تعود بالمنفعة على المؤسسة، ولكنها غير مجدية على المدى البعيد، لأنها لا تساهم في تحقيق الرؤية المستقبلية والغاية الاستراتيجية للخطة.
إن تنفيذ الخطط الاستراتيجية المؤسسية لا يقل تعقيدا عن منهجية إدارة الخطط الكبرى على المستوى الوطني، ويتعرض المديرون وقادة العمل للكثير من التحديات والضغوطات العملية، وإن من أهم دوافع تغيير المسار، وتمدد النطاق هو التوقف عند كل فرصة لاقتناصها، أو الوقوف عند كل عقبة والبحث عن حل لها، على المعنيين بتنفيذ الخطط أن يدركوا أن المؤسسات هي نظم اجتماعية قبل أن تكون هياكل مؤسسية، والتحديات لا تعني البحث عن إضافات للخطة أو تغير نطاقها، هذه التحديات أعقد مما يتخيل قادة العمل فهي نتاج للعلاقات المتبادلة بين البرامج المقترحة، والموارد التي تدعم تنفيذها، والثقافة المؤسسية، والعلاقات مع الشركاء من خارج المؤسسة، ولذلك يجب على القائد ألا يبحث عن حل لكل عقدة، ولكن عليه أن يبحث عن جذور التحديات والدوافع التي أدت لظهورها على السطح، وعليه أن يلتفت بتركيز إلى تلك التحديات التي تبدو سهلة الحل، لأنها قد تعكس مشاكل عميقة محتملة الحدوث في المستقبل، والتي قد تسبب نتائج غير مرضية.
تعلمنا أحداث واترلوه بأن التغيرات الكبيرة أحيانا تكون الأنسب، لأن التحول على مستوى التكتيكات يبدو في الظاهر محدودا ولكن قد يتسبب في آثار عميقة، وعلى مستوى المؤسسة فإن وضع خطة واضحة محددة النطاق تكون أكثر احتمالا في التنفيذ، بعكس التغييرات الصغيرة التي تحدث بين الحين والآخر، لأنها أكثر عرضة للاصطدام بمقاومة الموظفين، ولذلك يجب الالتفات إلى أهمية التعامل الذكي مع تحديات تنفيذ الخطط المؤسسية، بأن يتم أولا تشخيص أسباب الصعوبات، ووضع الحلول الجذرية لها بعد تحليل عميق وفهم واسع لها، والابتعاد قدر الإمكان عن الحلول السريعة التي غالبا ما تكون وقتية، وتتسبب في تفاقم المشكلة على المدى البعيد.
ومن أجل تجنب فخ واترلوه في التخطيط على المستوى المؤسسي، هناك وقفة لا بد منها للإدارة مع الموظفين والشركاء، هي بمثابة وقوف الشخص أمام المرآة، والنظر بوضوح لما يريد تحقيقه من وضع الخطة الاستراتيجية، وإتاحة المساحة الكافية للشراكة الفعالة للأطراف المعنية بشكل مباشر، ثم تحقيق التواصل الفعال مع جميع الموظفين والشركاء، مع تجنب التمدد في نطاق الخطة، والابتعاد عن تضمين التغييرات والتحولات الصغيرة المتكررة في التصدي للتحديات الناشئة، فالتحديات لا تنتهي ولكن نهج العمل المشترك والواعي هو الأساس في تحقيق الخطط الاستراتيجية بتركيز وإنتاجية.
* د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار