روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

 
ـ ما حكم الإبرة الزيتية في مفصل الركبة في نهار رمضان للصائم لمن يعانون من خشونة الركبة حيث إنها تأتي حسب مواعيد محددة في المستشفى؟

يتكرر سؤال عن كثير من الأدوية التي تعطى بالحقن، ولا يمكن لي ولا لغيري معرفة مكونات هذه الأدوية، والقاعدة أنها إن كانت دواء خالصا، ولم تشتمل على مغذ فإنها غير مفطرة، أما إذا اشتملت على مغذ يستفيد منه البدن فإنها مفطرة، فإن احتاج إلى استعمالها في نهار رمضان، فإن عليه أن يقضي ذلك اليوم من بعد، أما إذا كانت لا غذاء فيها، على سبيل المثال دواء خالص، وأظن أن الحقن الزيتية، فيها سائل يشبه السائل الزلالي الموجود في منطقة الركبة، لكن ما مكوناته، ولا يسوغ أن يقاس أنه طالما من مكونات الجسم فإنه لا غذاء فيه، وهذا غير صحيح، فالحاصل أن هذا الأمر يقرره أهل الاختصاص من الأطباء والصيادلة المتخصصين في الأدوية ومكوناتها وهم الذين يبينون هذا الأمر إذا كانت هذه الحقن مشتملة على مغذ أو لا.

وما يؤخذ من منفذ مفتوح من الفم، أو بالسعوط من الأنف، لا يلتفت فيه بكونه مغذيا أو غير مغذ، لأن هذا يأخذ حكم الأكل، أما ما يصل إلى الجوف بغير المنافذ المفتوحة، مثل الحقن أو الملصقات أو غير ذلك، فهذا ينظر فيه من حيث مغذ أو ليس بمغذ، ومما يسأل عنه الكثير من الناس هي حقن الأنسولين، فهي غير مغذية، والله تعالى أعلم.

بما أن الله تعالى طرد إبليس من رحمته لرفضه السجود لآدم عليه السلام، فما الحكمة من استجابة الله عز وجل لطلب إبليس لإغواء البشر في قوله تعالى: «قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»؟

إن استجابة المولى الكريم لطلب إبليس كانت فيما يتعلق بالإنظار والإمهال، ولم تكن هذه الاستجابة من المولى الحكيم كما أراد إبليس، لأن إبليس أراد أن ينظر إلى يوم البعث، لذلك قال كثير من المفسرين أن إبليس أراد اجتناب الموت وغصاته، فدعا بالإنظار إلى يوم البعث، لكن الاستجابة كانت كما أراد الله تبارك وتعالى لحكمته، فقال: «قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» واختلفوا في معنى اليوم المعلوم، فأكثر المفسرين يقول بأنه يقصد به النفخة الأولى، أما فيما يتعلق بإضلال البشر فهذا وعد قطعه إبليس على نفسه، حيث قال: «قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ» هذا وعد قطعه على نفسه، ويجاهر بعداوته بين يدي الله تبارك وتعالى، ويصرح بأن مسلكه هو مسلك إضلال وإغواء لمن شرفهم الله تبارك وتعالى من آدم وذريته، وقد كان يعلم حينما آذن الله تبارك وتعالى بخلق آدم أن المقصود بأن يكون آدم خليفة في الأرض، هو وذريته فيهم الخلافة يخلف بعضهم بعضا. لم يكن بدعاء أو طلب تقدم به إلى الله تبارك وتعالى وإنما كان مجاهرة بعداوته ومن مسلكه من الإضلال والإغواء فكان الرد من الله تبارك وتعالى بقوله: «قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ» الآن من هذا الجواب نستشف الكثير من الحكم في خلق إبليس وفي الإنظار له، وفي تمكينه من إنجاز وعده على من سلط عليهم.

فما الحكمة من خلق إبليس؟ وهذا سؤال تناوله علماء الإسلام كثيرا وأبسطوا فيه الإجابات الكثيرة لها وجاهاتها وقبولها، ويمكن أن ألخص ما يسعفنا به الوقت، فالحكمة الأولى هو أن الله تبارك وتعالى أراد من خلقه الإنس والجن الابتلاء والامتحان، فإبليس هو من ابتلاء الله عز وجل للعباد، ومن اختبارهم وامتحانهم، ولهذا قال: «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ» وحينما أهبط مع آدم وزوجه قال ربنا تبارك وتعالى: «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

والوجه الثاني أن الأمر كله لله تبارك وتعالى، فهو الملك الحاكم الذي يدبر أمر هذا الكون وهذا الوجود وفق إرادته ومشيئته لا كما يريد المخلوقون، فالله تبارك وتعالى يظهر كمال ملكه، وتمام قدرته، فيتصرف في خلقه كيفما شاء، ليوقن العباد أن الأمر كله لله تبارك وتعالى، والحكمة الثالثة هو أن أظهر الله عز وجل للعباد من المكلفين أن رحمته أوسع، وأن حلمه أسبق، وأنه يمهل وينظر لحكمته وعدله من شاء، فيبعث ذلك فيهم الرجاء والإقبال بالتوبة والاستغفار والإنابة كما فعل أبوهم آدم عليه السلام، ويضاف إلى ذلك أن يعتبروا من موقف إبليس، فإنه أبى واستكبر فأذله الله عز وجل، وجعله في موضع التحقير والإهانة، فإنظاره لم يكن إنظار تكريم، هو يعلم أن المكرم هو آدم، والذي شرف بالخلافة في الأرض هو آدم وذريته، أما هو فمطرود من رحمة الله عز وجل، مهين ذليل.

ومن الحكم الأخرى أيضا ليظهر الله تبارك وتعالى مراتب كمالات العبودية له جل وعلا، لأنبيائه وأوليائه من المتقين ومن المخلصين، لأن هنالك مراتب للعبودية، وبقدر ما يجاهد العبد الشيطان، ويستعيذ بالله منه ويترفع عن وساوسه فإنه يترقى في مراتب الكمال هذه فلذلك يتفاوت العباد، فمنهم من يكون في الحد الأدنى ومنهم من يبلغ درجة الصديقين والشهداء والصالحين، الذين يكونون مع النبيين كما قال الله تبارك وتعالى. وكذلك من الحكم التي ذكرها أهل العلم هو بيان محاسن العبودية والطاعة لله تبارك وتعالى بإظهار الضد، فإن كمال الضد يظهر بالصورة المقابلة له، فبإظهار منزلة إبليس وما استحقه من مهانة وإذلال وتحقير، يمكن للطائعين المخلصين لله تبارك وتعالى أن تتبين منازلهم: «مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» فهذا لا يظهر إلا بمثل هذه الصورة المقابلة بإظهار الضد، حتى يتميز أهل الصلاح من أهل الفساد، ويتميز الخير من الشر. والله تعالى أعلم.