هل العالم مستعد لـ «عملة متعددة الأقطاب»؟
الجمعة / 15 / رمضان / 1444 هـ - 19:56 - الجمعة 7 أبريل 2023 19:56
في الشهر الماضي أثارت روسيا والصين مخاوف جديدة في واشنطن، وكان ذلك أساسا بسبب أقوالهما وأفعالهما المرتَّبة بقصد التعبير عن وحدتهما الدبلوماسية حول أوكرانيا وقضايا أخرى كثيرة غيرها، لكن تلك المخاوف تعود أيضا إلى النقود. فأثناء زيارة شي جينبينج لموسكو في مارس تعهد فلاديمير بوتين بتبني الرينمينبي لتسوية «المدفوعات بين روسيا وبلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية» وذلك في مسعى لإحلال الدولار، يحدث هذا فيما تستخدم روسيا وباطِّراد عملة الرينمينبي في تجارتها المتعاظمة مع الصين، كما تعتمده ضمن احتياطيات بنكها المركزي؛ لتقليل تعرضها للأصول الأمريكية «المحفوفة بالمخاطر».
هل هذا شيء مهم؟ حتى عهد قريب كان معظم خبراء الاقتصاد الغربي يقولون: «لا أبدا، ليس مهما»، فقد افتُرض منذ أمد مديد أن الطبيعة المُغلقة لحساب رأس المال الصيني تشكل عائقا أمام الاستخدام الواسع النطاق لعملتها، (انغلاق أو غلق حساب رأس المال يعني الحد من حرية دخول وخروج رؤوس الأموال من وإلى اقتصاد بلد ما، يشمل ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر أو الاستثمار في الأسهم والسندات- المترجم).
لكن في الوقت الراهن، يؤثر إعلان بوتين حول تبني الرينمينبي بشدة وعلى نحو غير عادي على مشاعر الناس، أحد أسباب ذلك المخاوفُ الحالية من أن يجعل اضطراب المصارف في أمريكا، وكذلك التضخم ومعركة سقف الدين الحكومي الوشيكة بين بايدن والأغلبية الجمهورية في الكونجرس الأصول المرتكزة على الدولار أقل جاذبية للمستثمرين، في الشهر الماضي قال بيتر شيف وهو اقتصادي «ليبرتاري» من دعاة الحد من تدخل الحكومة في الاقتصاد: إن «الدولار يجري الحط من قيمته (خفض قوته الشرائية) لإنقاذ البنوك»، وهو بذلك يردد وجهة نظر واسعة الانتشار في أوساط اليمين الأمريكي، في الأثناء نشر جيم أونيل الاقتصادي السابق ببنك جولدمان ساكس ورقة في الشهر الماضي يحاجج فيها أن «الدولار يلعب دورا مهيمنا بقدر أكبر مما ينبغي في القطاع المالي العالمي»، ودعا البلدان الناشئة إلى التقليل من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها. الجدير بالذكر أن أونيل هو الذي دشَّن كُنيَة البريكس للكتلة التي تتشكل من البرازيل وروسيا والهند والصين، (وهي اختصار من الأحرف الأولى لأسماء هذه البلدان). العامل الآخر الذي أثار القلق (بشأن الدولار) إعلان السعودية حتى قبل زيارة شي إلى موسكو بأنها ستبدأ فوترة بعض صادراتها النفطية إلى الصين بعملة الرينمينبي، كما أبرمت فرنسا لتوِّها أول عقد بيع للغاز الطبيعي المسال بالعملة الصينية، واعتمدت البرازيل الرينمينبي في بعض معاملاتها التجارية مع الصين، لا يوجد أي مؤشر إطلاقا أن هذه الخطوات الرمزية تؤذي العملة الأمريكية في الوقت الحالي، نعم انخفضت نسبة الدولار في الاحتياطيات العالمية من 72% في عام 1999 إلى 59% مع اتجاه بعض البنوك المركزية باطراد إلى تنويع أموال استثماراتها، والتخلي عن ربط عملاتها بالدولار، كما من الصحيح أيضا أن استحداث المعاملات الكبيرة (بالجملة) بين البنوك المركزية بالعملات الرقمية يمكن من الناحية النظرية أن يسرِّع من هذا التنويع بتيسير التعامل المباشر بين البنوك المركزية غير الأمريكية مع بعضها البعض وبعملاتها الخاصة بها (دون الحاجة إلى وساطة العملة الأمريكية)، لكن الدولار لا يزال مهيمنا على أسواق الدَّين. وشهد حجم الدولارات الموجودة خارج الولايات المتحدة ارتفاعا كبيرا في هذا القرن، من التفاصيل اللافتة التي لم تحظ بالانتباه في أحداث البنوك خلال الشهر الماضي أن العملة الأمريكية حافظت على «قوتها شبه القياسية مقابل عملات بلدان مجموعة العشرة وبلدان الاقتصادات النامية،» على نحو ما غرَّد روبن بروكس كبير الاقتصاديين بمعهد التمويل الدولي على تويتر مؤخرا.
في الحقيقة كان الكثير من المستثمرين يريدون اقتناء الدولار خلال الأزمة الأخيرة، وذلك ما دفع بنك الاحتياط الفيدرالي إلى تدشين برنامج يومي للمقايضة مع البنوك المركزية الأخرى (لتعزيز السيولة العالمية).
ويتوقع ديفيد بيكويرث زميل الأبحاث بمركز ميركِيتَس التابع لجامعة جورج مَيسون أن هذا الاستخدام المعزز لخطوط مقايضة الدولار «سيعزز بدوره نظام الدولار العالمي وآثار شبكة استخداماته القوية»، قد لا يستحق الدولار الفوز بأية «مسابقات جمال» في الوقت الحاضر بالنظر إلى المشاكل المالية التي تعانيها أمريكا، لكن العديد من المستثمرين لا يزالون يعتبرونه خيارا قبيحا في عالم شديد القبح؛ أثر شبكته (قبوله واستخدامه على نطاق واسع في المعاملات الدولية) إلى جانب حقيقة أن أسواق رأس مال اليورو والرينمينبي ضحلة ومغلقة، (تقصد الكاتبة بذلك أن الدولار رغم المشاكل المالية الحالية في الولايات المتحدة لا يزال نسبيا خيارا استثماريا أكثر جاذبية من العملات الأخرى إلى جانب قلة الخيارات المتاحة للاستثمار في اليورو والرينمينبي والقيود المفروضة على حركة رأس المال في سوقيهما مقارنة بالدولار - المترجم).
لكن قبل أن يستنتج أي أحد أن ذلك يعني إمكانية التجاهل التام لتهديد بوتين (بالتحول إلى التعامل بالرينمينبي) يجب مطالعة بعض الأبحاث المحرضة على التفكير حول فوترة التجارة التي نشرت في العام الماضي بواسطة مركز أبحاث السياسات الاقتصادية.
قبل عقد كان يُفترض على نطاق واسع وجود عامل آخر يعزز الدولار، وهو «ثبات» استخدامه في فوترة التجارة العالمية (حتى إذا لم يكن الخيار الأمثل لذلك)، حسبما ذكرت جيتا جوبيناث نائبة رئيس صندوق النقد الدولي، ويشير مركز أبحاث السياسات الاقتصادية إلى أن ذلك الوضع ربما يتغير ببطء، فمع توسع التجارة الصينية في السنوات الأخيرة تزايد استخدام الرينمينبي أيضا، حدث ذلك إلى حد أنه الآن في الحقيقة يتفوق على اليورو في فوترة التجارة، وهذا الصعود في استخدام الرينمينبي لافت نظرا إلى تدني درجة انفتاح الحساب الجاري للصين، كما يذكر المركز. ويحاجج في ورقته أن عدم انفتاح حساب رأس المال على خلاف الفكرة السائدة قد لا يمنع تماما الرينمينبي من لعب دور أقوى كعملة عالمية وعملة احتياط.» على كل حال ينوه المركز بوجود سوق للرينمينبي في الخارج بقيمة 200 بليون دولار، ويشير إلى أن العملة الصينية «تُستخدم في فوترة وتسوية تجارة ومدفوعات الصين الخارجية»، وأيضا في «شبكة دولية للمقاصة والمدفوعات»، النتيجة النهائية لذلك حسبما يتوقع المركز هي ظهور عالم عملة «متعددة الأقطاب» في السنوات القادمة من ذلك النوع الذي ينادي به جيم أونيل الآن، ولن يكون هذا التحول دراميا على النحو الذي قد ترغب روسيا أو الصين في أن تراه أو يخشاه مثيرو المخاوف في واشنطن، بالنسبة لي يبدو ذلك التحول رهانا معقولا في الأجل المتوسط، وحتى «مجرد» النموذج المتعدد الأقطاب (لعملة الاحتياط العالمية) قد يشكل صدمة لواضعي السياسات الأمريكية؛ نظرا إلى حجم التمويل الخارجي الذي تحتاجه الولايات المتحدة، لذلك المستثمرون وصانعو السياسات على السواء بحاجة إلى مراقبة التفاصيل الفنِّية لفوترة التجارة في الشهور القادمة، قد يتضح أن تهديد بوتين «بدون أسنان»، لكن من الممكن أيضا أن يكون إشارة لما يمكن أن يحدث.
هل هذا شيء مهم؟ حتى عهد قريب كان معظم خبراء الاقتصاد الغربي يقولون: «لا أبدا، ليس مهما»، فقد افتُرض منذ أمد مديد أن الطبيعة المُغلقة لحساب رأس المال الصيني تشكل عائقا أمام الاستخدام الواسع النطاق لعملتها، (انغلاق أو غلق حساب رأس المال يعني الحد من حرية دخول وخروج رؤوس الأموال من وإلى اقتصاد بلد ما، يشمل ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر أو الاستثمار في الأسهم والسندات- المترجم).
لكن في الوقت الراهن، يؤثر إعلان بوتين حول تبني الرينمينبي بشدة وعلى نحو غير عادي على مشاعر الناس، أحد أسباب ذلك المخاوفُ الحالية من أن يجعل اضطراب المصارف في أمريكا، وكذلك التضخم ومعركة سقف الدين الحكومي الوشيكة بين بايدن والأغلبية الجمهورية في الكونجرس الأصول المرتكزة على الدولار أقل جاذبية للمستثمرين، في الشهر الماضي قال بيتر شيف وهو اقتصادي «ليبرتاري» من دعاة الحد من تدخل الحكومة في الاقتصاد: إن «الدولار يجري الحط من قيمته (خفض قوته الشرائية) لإنقاذ البنوك»، وهو بذلك يردد وجهة نظر واسعة الانتشار في أوساط اليمين الأمريكي، في الأثناء نشر جيم أونيل الاقتصادي السابق ببنك جولدمان ساكس ورقة في الشهر الماضي يحاجج فيها أن «الدولار يلعب دورا مهيمنا بقدر أكبر مما ينبغي في القطاع المالي العالمي»، ودعا البلدان الناشئة إلى التقليل من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها. الجدير بالذكر أن أونيل هو الذي دشَّن كُنيَة البريكس للكتلة التي تتشكل من البرازيل وروسيا والهند والصين، (وهي اختصار من الأحرف الأولى لأسماء هذه البلدان). العامل الآخر الذي أثار القلق (بشأن الدولار) إعلان السعودية حتى قبل زيارة شي إلى موسكو بأنها ستبدأ فوترة بعض صادراتها النفطية إلى الصين بعملة الرينمينبي، كما أبرمت فرنسا لتوِّها أول عقد بيع للغاز الطبيعي المسال بالعملة الصينية، واعتمدت البرازيل الرينمينبي في بعض معاملاتها التجارية مع الصين، لا يوجد أي مؤشر إطلاقا أن هذه الخطوات الرمزية تؤذي العملة الأمريكية في الوقت الحالي، نعم انخفضت نسبة الدولار في الاحتياطيات العالمية من 72% في عام 1999 إلى 59% مع اتجاه بعض البنوك المركزية باطراد إلى تنويع أموال استثماراتها، والتخلي عن ربط عملاتها بالدولار، كما من الصحيح أيضا أن استحداث المعاملات الكبيرة (بالجملة) بين البنوك المركزية بالعملات الرقمية يمكن من الناحية النظرية أن يسرِّع من هذا التنويع بتيسير التعامل المباشر بين البنوك المركزية غير الأمريكية مع بعضها البعض وبعملاتها الخاصة بها (دون الحاجة إلى وساطة العملة الأمريكية)، لكن الدولار لا يزال مهيمنا على أسواق الدَّين. وشهد حجم الدولارات الموجودة خارج الولايات المتحدة ارتفاعا كبيرا في هذا القرن، من التفاصيل اللافتة التي لم تحظ بالانتباه في أحداث البنوك خلال الشهر الماضي أن العملة الأمريكية حافظت على «قوتها شبه القياسية مقابل عملات بلدان مجموعة العشرة وبلدان الاقتصادات النامية،» على نحو ما غرَّد روبن بروكس كبير الاقتصاديين بمعهد التمويل الدولي على تويتر مؤخرا.
في الحقيقة كان الكثير من المستثمرين يريدون اقتناء الدولار خلال الأزمة الأخيرة، وذلك ما دفع بنك الاحتياط الفيدرالي إلى تدشين برنامج يومي للمقايضة مع البنوك المركزية الأخرى (لتعزيز السيولة العالمية).
ويتوقع ديفيد بيكويرث زميل الأبحاث بمركز ميركِيتَس التابع لجامعة جورج مَيسون أن هذا الاستخدام المعزز لخطوط مقايضة الدولار «سيعزز بدوره نظام الدولار العالمي وآثار شبكة استخداماته القوية»، قد لا يستحق الدولار الفوز بأية «مسابقات جمال» في الوقت الحاضر بالنظر إلى المشاكل المالية التي تعانيها أمريكا، لكن العديد من المستثمرين لا يزالون يعتبرونه خيارا قبيحا في عالم شديد القبح؛ أثر شبكته (قبوله واستخدامه على نطاق واسع في المعاملات الدولية) إلى جانب حقيقة أن أسواق رأس مال اليورو والرينمينبي ضحلة ومغلقة، (تقصد الكاتبة بذلك أن الدولار رغم المشاكل المالية الحالية في الولايات المتحدة لا يزال نسبيا خيارا استثماريا أكثر جاذبية من العملات الأخرى إلى جانب قلة الخيارات المتاحة للاستثمار في اليورو والرينمينبي والقيود المفروضة على حركة رأس المال في سوقيهما مقارنة بالدولار - المترجم).
لكن قبل أن يستنتج أي أحد أن ذلك يعني إمكانية التجاهل التام لتهديد بوتين (بالتحول إلى التعامل بالرينمينبي) يجب مطالعة بعض الأبحاث المحرضة على التفكير حول فوترة التجارة التي نشرت في العام الماضي بواسطة مركز أبحاث السياسات الاقتصادية.
قبل عقد كان يُفترض على نطاق واسع وجود عامل آخر يعزز الدولار، وهو «ثبات» استخدامه في فوترة التجارة العالمية (حتى إذا لم يكن الخيار الأمثل لذلك)، حسبما ذكرت جيتا جوبيناث نائبة رئيس صندوق النقد الدولي، ويشير مركز أبحاث السياسات الاقتصادية إلى أن ذلك الوضع ربما يتغير ببطء، فمع توسع التجارة الصينية في السنوات الأخيرة تزايد استخدام الرينمينبي أيضا، حدث ذلك إلى حد أنه الآن في الحقيقة يتفوق على اليورو في فوترة التجارة، وهذا الصعود في استخدام الرينمينبي لافت نظرا إلى تدني درجة انفتاح الحساب الجاري للصين، كما يذكر المركز. ويحاجج في ورقته أن عدم انفتاح حساب رأس المال على خلاف الفكرة السائدة قد لا يمنع تماما الرينمينبي من لعب دور أقوى كعملة عالمية وعملة احتياط.» على كل حال ينوه المركز بوجود سوق للرينمينبي في الخارج بقيمة 200 بليون دولار، ويشير إلى أن العملة الصينية «تُستخدم في فوترة وتسوية تجارة ومدفوعات الصين الخارجية»، وأيضا في «شبكة دولية للمقاصة والمدفوعات»، النتيجة النهائية لذلك حسبما يتوقع المركز هي ظهور عالم عملة «متعددة الأقطاب» في السنوات القادمة من ذلك النوع الذي ينادي به جيم أونيل الآن، ولن يكون هذا التحول دراميا على النحو الذي قد ترغب روسيا أو الصين في أن تراه أو يخشاه مثيرو المخاوف في واشنطن، بالنسبة لي يبدو ذلك التحول رهانا معقولا في الأجل المتوسط، وحتى «مجرد» النموذج المتعدد الأقطاب (لعملة الاحتياط العالمية) قد يشكل صدمة لواضعي السياسات الأمريكية؛ نظرا إلى حجم التمويل الخارجي الذي تحتاجه الولايات المتحدة، لذلك المستثمرون وصانعو السياسات على السواء بحاجة إلى مراقبة التفاصيل الفنِّية لفوترة التجارة في الشهور القادمة، قد يتضح أن تهديد بوتين «بدون أسنان»، لكن من الممكن أيضا أن يكون إشارة لما يمكن أن يحدث.