اليوم العالمي والفجوات الصحية
الثلاثاء / 12 / رمضان / 1444 هـ - 20:23 - الثلاثاء 4 أبريل 2023 20:23
يحتفل العالم بعد غد الجمعة باليوم العالمي للصحة، الذي يوافق السابع من أبريل من كل عام، وهو التاريخ الذي تأسست فيه منظمة الصحة العالمية، في هذا التاريخ دخل دستور المنظمة العالمية حيز التنفيذ، بعد أن استغرق إعداده عامين تقريبا منذ طرح الفكرة عند تأسيس منظمة الأمم المتحدة في عام 1945 من جانب ممثلي البرازيل والصين، وحتى التصديق عليه من جانب 26 دولة، وصل عددها حاليا إلى 194 دولة.
وقد اكتسب اسم منظمة الصحة العالمية شهرة عالمية واسعة في السنوات الثلاث الأخيرة خاصة بعد تفشي جائحة كورونا (كوفيد19) في كل دول العالم تقريبا واستمرارها لنحو ثلاث سنوات، التي قامت خلالها المنظمة بدور كبير في إمداد العالم بالمعلومات والتوجيهات حول الجائحة وكيفية التعامل معها، وإصدار البيانات وعقد المؤتمرات الصحفية وإقرار اللقاحات التي كان ينتظرها الناس في جميع أنحاء العالم، وقد أصبح اسم المنظمة شائعا لدى قطاعات واسعة من الناس باعتبارها الوكالة العالمية المعنية بتتبع الأمراض والأوبئة والفيروسات القاتلة، ومساعدة الدول والشعوب على التغلب عليها.
وتعرِّف المنظمة نفسها -على موقعها الإلكتروني- بالقول إنها «وكالة تابعة للأمم المتحدة مكرسة للصحة والسلامة العالمية، وتربط الدول والشركاء والمجتمعات لتعزيز الصحة وخدمة المستضعفين، وتحقيق أعلى مستوى من الصحة لجميع الناس من خلال متابعة التغطية الصحية الشاملة، ويقع المقر الرئيسي للمنظمة في جينيف بسويسرا، ولها ستة مكاتب إقليمية في إفريقيا، والأمريكيتين، والشرق الأوسط، وأوروبا، وجنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى غرب المحيط الهادئ.
يحمل احتفال هذا العام الذي يوافق الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للمنظمة العالمية، عنوانا جاذبا، ربما لا يتفق الكثيرون حوله في العالم، وهو «الصحة للجميع». ويرجع عدم الاتفاق إلى التفاوت الواضح والفجوات التي تتسع يوما بعد يوم، وعاما بعد عام في الخدمات الصحية بين مواطني الدول المتقدمة «الأغنياء صحيا»، الذين يستأثرون بغالبية الموارد في القطاع الصحي العالمي، وبين مواطني الدول النامية ودول العالم الثالث الذين ما زالوا «فقراء» صحيا إن جاز التعبير.
ويمتد هذا التفاوت العالمي في الخدمات الصحية من النطاق العالمي إلى النطاقين الإقليمي والوطني، إذ تتمتع دول في الإقليم بقطاع صحي قوي وثري، بينما تعاني دول أخرى من تراجع وتردي قطاعاتها الصحية وانخفاض مستواها. أما على المستوى الوطني داخل الدول فإن الفجوة تبدو واضحة في الخدمات الصحية بين سكان المدن وسكان المحافظات والمدن والقرى البعيدة عن العاصمة، وكذلك بين من يملكون القدرة المالية على الإنفاق على صحتهم وبين «الفقراء» صحيا الذين لا يكون أمامهم في حالة المرض سوى المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية الفقيرة التي لا تتوافر لها الإمكانات المادية لتقديم خدمات صحية ذات مستوى عال للمترددين عليها. ولعل هذا ما يجعل هدف منظمة الصحة العالمية في ضمان الحق في الصحة وكونه حقا أساسيا من حقوق الإنسان، يوجب حصول الجميع على الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها متى وأينما يحتاجون إليها دون صعوبات مالية، هدفا مستحيلا.
ولعل هذه الحقائق هي ما دفعت منظمة الصحة العالمية إلى الاعتراف بعدم العدالة الصحية في العالم، ويفسر ذلك دعوة المدير العام للمنظمة بمناسبة اليوم العالمي، الحكومات والقادة إلى اتخاذ الإجراءات التي تحقق العدالة الصحية بين المواطنين من جانب، وحماية العاملين في مجال الصحة والرعاية والاستثمار فيهم باعتبار أنهم يمثلون خط الدفاع الأول في حالات الطوارئ الصحية من جانب آخر.
وتمثل شهادة مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن العالم ما زال يواجه «تفاوتات واسعة في الوصول إلى الخدمات الصحية، وثغرات كبيرة في دفاعاته ضد حالات الطوارئ الصحية، والتهديدات من المنتجات الضارة بالصحة، وأزمة المناخ، ودعوته الحكومات في جميع دول العالم بسرعة إعادة النظر في نصيب الصحة من الناتج القومي والتوسع في تأهيل الكوادر الطبية والصحية، وإنشاء المراكز والوحدات والمستشفيات العامة والمتخصصة، خاصة بعد أن كشفت أزمة كورونا عن قصور واضح وعلى جميع المستويات في الخدمات الصحية في غالبية دول العالم.
اليوم العالمي للصحة الذي تحتفل به دول العالم، يجب أن يفتح أعيننا على الأوضاع الصحية الصعبة التي يعاني منها مواطنو دول عربية عديدة، توقفت حكوماتها أو كادت منذ فترة عن دعم القطاع الصحي وعن إنشاء مستشفيات جديدة.
على الجانب الآخر، فإن بعض الدول أصبحت تفرّط بسهولة في ثرواتها من الكوادر الطبية المؤهلة من الأطباء الشبان، وتتركها تتسرب إلى الدول الغربية الغنية، بسبب ضعف الرواتب والحوافز وعدم توافر الإمكانيات، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، يشير تقرير نشره موقع «الجزيرة» في أكتوبر الماضي إلى أن تقريرا للقوى العاملة في بريطانيا كشف ارتفاع نسبة الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا بنسبة تزيد على 200 بالمائة منذ عام 2017 حتى عام 2021، الذي شهد وحده هجرة 1312 طبيبا، علما أن مصر تأتي في المركز الثالث بعد الأردن والسودان بالنسبة لعدد الأطباء المهاجرين إلى بريطانيا. هذا الاستنزاف للعقول الطبية العربية يحرم المواطنين العرب من الحصول على خدمة طبية جيدة، خاصة أن غالبية الأطباء الذين يهاجرون إلى الخارج تكون هجرتهم بلا عودة. على الجانب الآخر، فإن هذه الهجرة التي لا يبدو أنها ستتوقف، تؤدي إلى خفض نصيب المواطنين من الأطباء، ليصل في دولة كثيفة السكان مثل مصر إلى 8.6 أطباء لكل عشرة الآلاف مواطن، بينما المعدل العالمي يجب أن يكون 23 طبيبا.
لهذا السبب يبدو حديث منظمة الصحة العالمية عن ضرورة إعطاء الدول النامية الأولوية للاستثمار في التعليم والمهارات والوظائف الصحية لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات الصحية وتجنب النقص المتوقع، الذي يبلغ عشرة ملايين عامل صحي بحلول عام 2030؛ لا محل له من الإعراب في دولنا العربية، التي ما زال مواطنوها يعانون في الحصول على مواعيد للمراجعة في المؤسسات الصحية الحكومية التي تطالبهم في بعض الدول العربية بشراء المستلزمات الطبية الأساسية مثل الحقن والقطن والأدوية، ولا تستطيع الغالبية العظمى منهم تحمُّل تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة أو في الخارج.
لا شك أن هناك تجارب ونماذج عربية كثيرة وناجحة في الاهتمام بالصحة، والقطاع الصحي كما هو الحال في دول الخليج، وعلى رأسها سلطنة عُمان، حيث يتمتع غالبية المواطنين بوصول سهل إلى هذه الخدمات عبر مراكز الرعاية الأولية، والمستشفيات الجامعية والحكومية بالإضافة إلى المستشفيات والعيادات الخاصة، ومع ذلك فإن الفجوات الصحية في دولنا العربية تبدو كما لو كانت أمرا لا بد منه، مع الفارق في حجم هذه الفجوات من دولة إلى أخرى خاصة في إعداد الأطباء والعاملين الصحيين.
سوف نحتفل مع العالم بيوم الصحة العالمي، رغم أن أوضاع قطاعاتنا الصحية في غالبية الدول العربية لم تصل بعد إلى المكانة التي نريدها. في الوقت نفسه، لا نريد أن نقارن أنفسنا بالآخرين، ولكن علينا أن نحاول توفير كافة الإمكانات البشرية والمادية لإحداث انتعاشة كبيرة في هذا القطاع المهم.
وقد اكتسب اسم منظمة الصحة العالمية شهرة عالمية واسعة في السنوات الثلاث الأخيرة خاصة بعد تفشي جائحة كورونا (كوفيد19) في كل دول العالم تقريبا واستمرارها لنحو ثلاث سنوات، التي قامت خلالها المنظمة بدور كبير في إمداد العالم بالمعلومات والتوجيهات حول الجائحة وكيفية التعامل معها، وإصدار البيانات وعقد المؤتمرات الصحفية وإقرار اللقاحات التي كان ينتظرها الناس في جميع أنحاء العالم، وقد أصبح اسم المنظمة شائعا لدى قطاعات واسعة من الناس باعتبارها الوكالة العالمية المعنية بتتبع الأمراض والأوبئة والفيروسات القاتلة، ومساعدة الدول والشعوب على التغلب عليها.
وتعرِّف المنظمة نفسها -على موقعها الإلكتروني- بالقول إنها «وكالة تابعة للأمم المتحدة مكرسة للصحة والسلامة العالمية، وتربط الدول والشركاء والمجتمعات لتعزيز الصحة وخدمة المستضعفين، وتحقيق أعلى مستوى من الصحة لجميع الناس من خلال متابعة التغطية الصحية الشاملة، ويقع المقر الرئيسي للمنظمة في جينيف بسويسرا، ولها ستة مكاتب إقليمية في إفريقيا، والأمريكيتين، والشرق الأوسط، وأوروبا، وجنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى غرب المحيط الهادئ.
يحمل احتفال هذا العام الذي يوافق الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للمنظمة العالمية، عنوانا جاذبا، ربما لا يتفق الكثيرون حوله في العالم، وهو «الصحة للجميع». ويرجع عدم الاتفاق إلى التفاوت الواضح والفجوات التي تتسع يوما بعد يوم، وعاما بعد عام في الخدمات الصحية بين مواطني الدول المتقدمة «الأغنياء صحيا»، الذين يستأثرون بغالبية الموارد في القطاع الصحي العالمي، وبين مواطني الدول النامية ودول العالم الثالث الذين ما زالوا «فقراء» صحيا إن جاز التعبير.
ويمتد هذا التفاوت العالمي في الخدمات الصحية من النطاق العالمي إلى النطاقين الإقليمي والوطني، إذ تتمتع دول في الإقليم بقطاع صحي قوي وثري، بينما تعاني دول أخرى من تراجع وتردي قطاعاتها الصحية وانخفاض مستواها. أما على المستوى الوطني داخل الدول فإن الفجوة تبدو واضحة في الخدمات الصحية بين سكان المدن وسكان المحافظات والمدن والقرى البعيدة عن العاصمة، وكذلك بين من يملكون القدرة المالية على الإنفاق على صحتهم وبين «الفقراء» صحيا الذين لا يكون أمامهم في حالة المرض سوى المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية الفقيرة التي لا تتوافر لها الإمكانات المادية لتقديم خدمات صحية ذات مستوى عال للمترددين عليها. ولعل هذا ما يجعل هدف منظمة الصحة العالمية في ضمان الحق في الصحة وكونه حقا أساسيا من حقوق الإنسان، يوجب حصول الجميع على الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها متى وأينما يحتاجون إليها دون صعوبات مالية، هدفا مستحيلا.
ولعل هذه الحقائق هي ما دفعت منظمة الصحة العالمية إلى الاعتراف بعدم العدالة الصحية في العالم، ويفسر ذلك دعوة المدير العام للمنظمة بمناسبة اليوم العالمي، الحكومات والقادة إلى اتخاذ الإجراءات التي تحقق العدالة الصحية بين المواطنين من جانب، وحماية العاملين في مجال الصحة والرعاية والاستثمار فيهم باعتبار أنهم يمثلون خط الدفاع الأول في حالات الطوارئ الصحية من جانب آخر.
وتمثل شهادة مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن العالم ما زال يواجه «تفاوتات واسعة في الوصول إلى الخدمات الصحية، وثغرات كبيرة في دفاعاته ضد حالات الطوارئ الصحية، والتهديدات من المنتجات الضارة بالصحة، وأزمة المناخ، ودعوته الحكومات في جميع دول العالم بسرعة إعادة النظر في نصيب الصحة من الناتج القومي والتوسع في تأهيل الكوادر الطبية والصحية، وإنشاء المراكز والوحدات والمستشفيات العامة والمتخصصة، خاصة بعد أن كشفت أزمة كورونا عن قصور واضح وعلى جميع المستويات في الخدمات الصحية في غالبية دول العالم.
اليوم العالمي للصحة الذي تحتفل به دول العالم، يجب أن يفتح أعيننا على الأوضاع الصحية الصعبة التي يعاني منها مواطنو دول عربية عديدة، توقفت حكوماتها أو كادت منذ فترة عن دعم القطاع الصحي وعن إنشاء مستشفيات جديدة.
على الجانب الآخر، فإن بعض الدول أصبحت تفرّط بسهولة في ثرواتها من الكوادر الطبية المؤهلة من الأطباء الشبان، وتتركها تتسرب إلى الدول الغربية الغنية، بسبب ضعف الرواتب والحوافز وعدم توافر الإمكانيات، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، يشير تقرير نشره موقع «الجزيرة» في أكتوبر الماضي إلى أن تقريرا للقوى العاملة في بريطانيا كشف ارتفاع نسبة الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا بنسبة تزيد على 200 بالمائة منذ عام 2017 حتى عام 2021، الذي شهد وحده هجرة 1312 طبيبا، علما أن مصر تأتي في المركز الثالث بعد الأردن والسودان بالنسبة لعدد الأطباء المهاجرين إلى بريطانيا. هذا الاستنزاف للعقول الطبية العربية يحرم المواطنين العرب من الحصول على خدمة طبية جيدة، خاصة أن غالبية الأطباء الذين يهاجرون إلى الخارج تكون هجرتهم بلا عودة. على الجانب الآخر، فإن هذه الهجرة التي لا يبدو أنها ستتوقف، تؤدي إلى خفض نصيب المواطنين من الأطباء، ليصل في دولة كثيفة السكان مثل مصر إلى 8.6 أطباء لكل عشرة الآلاف مواطن، بينما المعدل العالمي يجب أن يكون 23 طبيبا.
لهذا السبب يبدو حديث منظمة الصحة العالمية عن ضرورة إعطاء الدول النامية الأولوية للاستثمار في التعليم والمهارات والوظائف الصحية لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات الصحية وتجنب النقص المتوقع، الذي يبلغ عشرة ملايين عامل صحي بحلول عام 2030؛ لا محل له من الإعراب في دولنا العربية، التي ما زال مواطنوها يعانون في الحصول على مواعيد للمراجعة في المؤسسات الصحية الحكومية التي تطالبهم في بعض الدول العربية بشراء المستلزمات الطبية الأساسية مثل الحقن والقطن والأدوية، ولا تستطيع الغالبية العظمى منهم تحمُّل تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة أو في الخارج.
لا شك أن هناك تجارب ونماذج عربية كثيرة وناجحة في الاهتمام بالصحة، والقطاع الصحي كما هو الحال في دول الخليج، وعلى رأسها سلطنة عُمان، حيث يتمتع غالبية المواطنين بوصول سهل إلى هذه الخدمات عبر مراكز الرعاية الأولية، والمستشفيات الجامعية والحكومية بالإضافة إلى المستشفيات والعيادات الخاصة، ومع ذلك فإن الفجوات الصحية في دولنا العربية تبدو كما لو كانت أمرا لا بد منه، مع الفارق في حجم هذه الفجوات من دولة إلى أخرى خاصة في إعداد الأطباء والعاملين الصحيين.
سوف نحتفل مع العالم بيوم الصحة العالمي، رغم أن أوضاع قطاعاتنا الصحية في غالبية الدول العربية لم تصل بعد إلى المكانة التي نريدها. في الوقت نفسه، لا نريد أن نقارن أنفسنا بالآخرين، ولكن علينا أن نحاول توفير كافة الإمكانات البشرية والمادية لإحداث انتعاشة كبيرة في هذا القطاع المهم.