تأمل بدلا من حك جلدك!
الثلاثاء / 28 / شعبان / 1444 هـ - 20:01 - الثلاثاء 21 مارس 2023 20:01
أتحدث مع صديقتي عن تمظهرات جديدة للعصابية يبدو أنها رسخت نفسها في حياتي اليومية. كما أنني اليوم قلقة أكثر من أي وقت آخر، لطالما كنتُ قلقة، لكنني ألاحظ ازديادا في ذلك، لا أستطيع مثلا تخيل الوقت الذي نقضيه عادة في صالون النساء لترتيب وطلاء الأظافر، دون الحركة لمدة ساعة ونصف تقريبا، وعدم القدرة على استخدام الهاتف معظم هذه البرهة الزمنية القصيرة. ومع اهتمامي الشديد بالقراءة، واعتقادي بأن هنالك مشروعا واضحا يتعلق بنشاط القراءة، ينبغي أن أخصص له وقتا وانتباها كبيرين بدأت مسألتا فقدان التركيز والقلق تثيران اهتمامي على نحو أوسع.
قمتُ بحذف الواتس آب لمدة شهر كامل، في الحقيقة أنا عادة لا أتجاوب مع الرسائل التي تصلني عليه، وظننت أن حذفه سيسهل عليّ وعلى من يتواصل معي عناء تبرير غيابي المستمر، لكنني ومع مرور الوقت اكتشفت بأنني أشكل عبئا على زملائي في العمل، وعلى عائلتي التي لا تستطيع التواصل معي بسهولة، كما أنني أستخدم تطبيقات الهاتف لطلب الطعام، والتي لا يكتفي مندوبو التوصيل فيها بالبيانات التي تقدمها هذه التطبيقات فهم بحاجة مستمرة للتواصل معك وإرسال موقعك. كما أن لديّ هاجسا حول عدم قدرتي على فهم الآخرين والعالم من حولي إذا ما حذفت التطبيقات بشكل كامل، فأنا أعترف بأنها مساحة رحبة للنظر في السلوك الإنساني والاهتمامات المختلفة للأفراد والمؤسسات حتى عبر تطبيقات يعتقد الناس أنها للترفيه فقط. كتب جون هاري كتابا بعنوان «الانتباه المسروق» -وأنا هنا أترجم- يناقش من خلال مقابلة أكثر من ٢٠٠ عالم متخصص في قضايا التركيز والاهتمام وما تفعله التطبيقات في هواتفنا الذكية على تركيزنا وما إذا كان الأمر يرتبط بإرادتنا الشخصية الضعيفة إزاء هذا التدفق المستمر للمعلومات. طرح هاري ملخصا لأفكار كتابه عبر صحيفة «Current Affairs» بعنوان: كيف تقتل الرأسمالية مدى انتباهنا؟ ويعتقد هاري من خلال هذا البحث، أن مسألة فقدان الاهتمام لا يمكن مواجهتها بشكل شخصي، وإنما هي بحاجة لإرادة عامة وسياسية.
يكتب هاري «انتهى المطاف بي في رحلة حول العالم، أجريت فيها مقابلات مع الخبراء في حقل الانتباه والتركيز، وما تعلمته أن فكرتي عن الأمر غير صائبة، فمن المبالغة التبسيط في الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بالهاتف الذكي فقط، هنالك أدلة على اثني عشر عاملا يمكن أن تجعل الانتباه أسوأ أو أفضل، العديد منها لا نفكر فيها عادة، من قبيل الطريقة التي نأكل بها. فسؤال من سرق انتباهنا سؤال أكثر تعقيدا مما نظن.» لكن بطبيعة الحال فإن للهاتف حصة كبيرة في هذا كما يعود هاري للتأكيد.
أحد الذين التقى بهم هاري هو البروفيسور ايرل ميللر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي أكد على قاعدة في غاية الأهمية أن الدماغ البشري يمكنه التركيز بوعي في شيء أو شيئين في وقت واحد، هذا هو القيد الأساسي للدماغ البشري، ولم يتغير بشكل ملحوظ منذ أربعين ألف عام ولن يتغير. يمكننا التفكير في شيء واحد أو شيئين كحد أقصى في الوقت نفسه.
لكن ما حدث هو أننا وقعنا في خداع جماعي. نعتقد أنه يمكننا أن نتابع ستة أو سبعة أشكال من الوسائط في نفس الوقت. ولقد أجريت العديد من التجارب وبأشكال مختلفة لقياس أداء الإنسان في مواقف يضطر فيها إما للعمل على شيء واحد أو أكثر من شيء في الوقت نفسه. ما نعتقد في العادة أنه قدرة على العمل على أكثر من نشاط هو في حقيقة الأمر قدرة على التوفيق بسرعة أكبر فحسب. ولهذا تكلفة باهظة. يرى البروفيسور ميلر أننا نعيش في عاصفة من التدهور المعرفي، نتيجة للانقطاع المستمر وهي ميزة أساسية في الهاتف الذكي إذ إنها مصممة خصيصا لمقاطعتنا.
هنالك طبقات عديدة من الانتباه فقدناها مع مرور الوقت يتطرق إليها هاري عبر مقابلة خبراء آخرين، منها ما يطلق عليه «ضوء النجوم» وهي القدرة على تحقيق فعل قريب المدى لكن ضوء نجمنا هذا يتأثر إذا ما تعلق الأمر بتحقيق مشروع بعيد المدى، فلو ضعنا في الصحراء ولم يكن لدينا «GPS» فسننظر للنجوم ونتذكر إلى أين نحن ذاهبون، لكن إذا كنا مرتبكين طوال الوقت لن يكون لدينا الفرصة للتفكير في هذا مطلقا. بالتالي تتضرر مشاريعنا هذه بشدة.
هنالك مستوى أعلى يطلق عليه «ضوء النهار الخاص بك» وهي مرحلة تسبق البدء بتنفيذ المشاريع الخاصة بنا، هي تلك المرتبطة بما نريده أصلا وبتحديد المشاريع قبل الشروع بتنفيذها. ما الكتاب الذي نريد كتابته؟ ماذا يعني أن تكون أبا صالحا؟ للتفكير في هذه الموضوعات نحتاج إلى الراحة والتأمل وشرود الذهن. وتمت تسميتها بهذا الاسم لأنه يمكن رؤية الغرفة بشكل أوضح عندما يغمرها ضوء النهار. يزعم الخبراء أننا نعاني من الارتباك حول هويتنا لأننا فقدنا ضوء النهار أو نفقده.
يشير هاري أيضا لما يسمى «ضوء الاستاد» والذي لا يتعلق بقدرتنا على تحقيق صيغنا الفردية من وجودنا ولكن قدرتنا على صياغة وتحقيق أهداف جماعية كمجتمع. كيف يمكن أن نجتمع ونحقق أي شيء إذا لم نتمكن من الاستماع لبعضنا البعض؟
يكتب هاري في Stolen Focus عن العوامل العديدة لفقد الانتباه لكنه يقول أيضا أنه يريد أن يكون صادقا مع الناس، لأنه لا يعتقد أن معظم الكتب التي تناقش مسألة التركيز والانتباه مفيدة لهم في الوقت الحالي. هنالك فروقات فردية ستحدث اختلافا بلا شك، لكن الناس لن يحلوا هذه المشكلة بمفردهم. يشبه هاري الأمر بأنه يبدو كما لو أن أحدا يلقي علينا «مسحوقا للحكة» طوال اليوم ثم يلتفت إلينا ويقول «يجب عليك أن تتأمل بدلا من أن تحك جلدك» يعتقد هاري بأن علينا التعامل بشكل جماعي مع العوامل التي تعمل بنا ذلك. هنالك بعض البلدان التي بدأت تعمل على ذلك فعلا. فرنسا أطلقت على 2018 حملة وباء ضخم اسمه «الإرهاق» حاولت من خلاله الحكومة الفرنسية معرفة سبب إرهاق الجميع وذلك تحت ضغط النقابات العمالية. وقاموا بالفعل بإنشاء تحقيق حكومي مع رئيس أكبر شركة اتصالات هناك وهذه خطوة مهمة لتحقيق الهدف.
هل أنت ممن لا يستطيعون مشاهدة فيلم في جلسة واحدة أو التركيز في قراءة كتابك الحالي وتضطر لإعادة قراءة بعض الصفحات؟ فلتقلق، لست وحدك.
قمتُ بحذف الواتس آب لمدة شهر كامل، في الحقيقة أنا عادة لا أتجاوب مع الرسائل التي تصلني عليه، وظننت أن حذفه سيسهل عليّ وعلى من يتواصل معي عناء تبرير غيابي المستمر، لكنني ومع مرور الوقت اكتشفت بأنني أشكل عبئا على زملائي في العمل، وعلى عائلتي التي لا تستطيع التواصل معي بسهولة، كما أنني أستخدم تطبيقات الهاتف لطلب الطعام، والتي لا يكتفي مندوبو التوصيل فيها بالبيانات التي تقدمها هذه التطبيقات فهم بحاجة مستمرة للتواصل معك وإرسال موقعك. كما أن لديّ هاجسا حول عدم قدرتي على فهم الآخرين والعالم من حولي إذا ما حذفت التطبيقات بشكل كامل، فأنا أعترف بأنها مساحة رحبة للنظر في السلوك الإنساني والاهتمامات المختلفة للأفراد والمؤسسات حتى عبر تطبيقات يعتقد الناس أنها للترفيه فقط. كتب جون هاري كتابا بعنوان «الانتباه المسروق» -وأنا هنا أترجم- يناقش من خلال مقابلة أكثر من ٢٠٠ عالم متخصص في قضايا التركيز والاهتمام وما تفعله التطبيقات في هواتفنا الذكية على تركيزنا وما إذا كان الأمر يرتبط بإرادتنا الشخصية الضعيفة إزاء هذا التدفق المستمر للمعلومات. طرح هاري ملخصا لأفكار كتابه عبر صحيفة «Current Affairs» بعنوان: كيف تقتل الرأسمالية مدى انتباهنا؟ ويعتقد هاري من خلال هذا البحث، أن مسألة فقدان الاهتمام لا يمكن مواجهتها بشكل شخصي، وإنما هي بحاجة لإرادة عامة وسياسية.
يكتب هاري «انتهى المطاف بي في رحلة حول العالم، أجريت فيها مقابلات مع الخبراء في حقل الانتباه والتركيز، وما تعلمته أن فكرتي عن الأمر غير صائبة، فمن المبالغة التبسيط في الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بالهاتف الذكي فقط، هنالك أدلة على اثني عشر عاملا يمكن أن تجعل الانتباه أسوأ أو أفضل، العديد منها لا نفكر فيها عادة، من قبيل الطريقة التي نأكل بها. فسؤال من سرق انتباهنا سؤال أكثر تعقيدا مما نظن.» لكن بطبيعة الحال فإن للهاتف حصة كبيرة في هذا كما يعود هاري للتأكيد.
أحد الذين التقى بهم هاري هو البروفيسور ايرل ميللر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي أكد على قاعدة في غاية الأهمية أن الدماغ البشري يمكنه التركيز بوعي في شيء أو شيئين في وقت واحد، هذا هو القيد الأساسي للدماغ البشري، ولم يتغير بشكل ملحوظ منذ أربعين ألف عام ولن يتغير. يمكننا التفكير في شيء واحد أو شيئين كحد أقصى في الوقت نفسه.
لكن ما حدث هو أننا وقعنا في خداع جماعي. نعتقد أنه يمكننا أن نتابع ستة أو سبعة أشكال من الوسائط في نفس الوقت. ولقد أجريت العديد من التجارب وبأشكال مختلفة لقياس أداء الإنسان في مواقف يضطر فيها إما للعمل على شيء واحد أو أكثر من شيء في الوقت نفسه. ما نعتقد في العادة أنه قدرة على العمل على أكثر من نشاط هو في حقيقة الأمر قدرة على التوفيق بسرعة أكبر فحسب. ولهذا تكلفة باهظة. يرى البروفيسور ميلر أننا نعيش في عاصفة من التدهور المعرفي، نتيجة للانقطاع المستمر وهي ميزة أساسية في الهاتف الذكي إذ إنها مصممة خصيصا لمقاطعتنا.
هنالك طبقات عديدة من الانتباه فقدناها مع مرور الوقت يتطرق إليها هاري عبر مقابلة خبراء آخرين، منها ما يطلق عليه «ضوء النجوم» وهي القدرة على تحقيق فعل قريب المدى لكن ضوء نجمنا هذا يتأثر إذا ما تعلق الأمر بتحقيق مشروع بعيد المدى، فلو ضعنا في الصحراء ولم يكن لدينا «GPS» فسننظر للنجوم ونتذكر إلى أين نحن ذاهبون، لكن إذا كنا مرتبكين طوال الوقت لن يكون لدينا الفرصة للتفكير في هذا مطلقا. بالتالي تتضرر مشاريعنا هذه بشدة.
هنالك مستوى أعلى يطلق عليه «ضوء النهار الخاص بك» وهي مرحلة تسبق البدء بتنفيذ المشاريع الخاصة بنا، هي تلك المرتبطة بما نريده أصلا وبتحديد المشاريع قبل الشروع بتنفيذها. ما الكتاب الذي نريد كتابته؟ ماذا يعني أن تكون أبا صالحا؟ للتفكير في هذه الموضوعات نحتاج إلى الراحة والتأمل وشرود الذهن. وتمت تسميتها بهذا الاسم لأنه يمكن رؤية الغرفة بشكل أوضح عندما يغمرها ضوء النهار. يزعم الخبراء أننا نعاني من الارتباك حول هويتنا لأننا فقدنا ضوء النهار أو نفقده.
يشير هاري أيضا لما يسمى «ضوء الاستاد» والذي لا يتعلق بقدرتنا على تحقيق صيغنا الفردية من وجودنا ولكن قدرتنا على صياغة وتحقيق أهداف جماعية كمجتمع. كيف يمكن أن نجتمع ونحقق أي شيء إذا لم نتمكن من الاستماع لبعضنا البعض؟
يكتب هاري في Stolen Focus عن العوامل العديدة لفقد الانتباه لكنه يقول أيضا أنه يريد أن يكون صادقا مع الناس، لأنه لا يعتقد أن معظم الكتب التي تناقش مسألة التركيز والانتباه مفيدة لهم في الوقت الحالي. هنالك فروقات فردية ستحدث اختلافا بلا شك، لكن الناس لن يحلوا هذه المشكلة بمفردهم. يشبه هاري الأمر بأنه يبدو كما لو أن أحدا يلقي علينا «مسحوقا للحكة» طوال اليوم ثم يلتفت إلينا ويقول «يجب عليك أن تتأمل بدلا من أن تحك جلدك» يعتقد هاري بأن علينا التعامل بشكل جماعي مع العوامل التي تعمل بنا ذلك. هنالك بعض البلدان التي بدأت تعمل على ذلك فعلا. فرنسا أطلقت على 2018 حملة وباء ضخم اسمه «الإرهاق» حاولت من خلاله الحكومة الفرنسية معرفة سبب إرهاق الجميع وذلك تحت ضغط النقابات العمالية. وقاموا بالفعل بإنشاء تحقيق حكومي مع رئيس أكبر شركة اتصالات هناك وهذه خطوة مهمة لتحقيق الهدف.
هل أنت ممن لا يستطيعون مشاهدة فيلم في جلسة واحدة أو التركيز في قراءة كتابك الحالي وتضطر لإعادة قراءة بعض الصفحات؟ فلتقلق، لست وحدك.