المتغيرات .. العلاقة الضدية للتوقعات
الاحد / 26 / شعبان / 1444 هـ - 23:19 - الاحد 19 مارس 2023 23:19
يفصح الواقع عن حقيقة مجردة من كل التكهنات، فحقيقته لا تثير جدلا سفسطائيا مملا، وإنما هي وفق المعادلة الحسابية (1+1=2) ولذلك تبنى التوقعات لما سيكون عليه الواقع، فالتوقعات هي التي تخضع للحسابات النسبية (زيادة أو نقصان) ولا تكون حسابات مطلقة؛ حدوثها حاصل مهما كان؛ ومع ذلك يبذل البشر في ذلك الجهد الجهيد للخروج من مأزق هذه النسبية، ولكن بلا فائدة مرجوة تحمل نسبة مطلقة (100%) وذلك عائد إلى القصور الذهني والمعرفي وتجربة الحياة التي يكون عليها الإنسان، ولذلك تأتي حسابات الواقع في أغلب الأحيان مخالفة للتوقعات، ولنأخذ مثالا حالات الطقس التي يعلن عنها بين كل فترة وأخرى، وتمر الساعات، أو الأيام دون أن يكون للتوقعات أي أثر على الواقع، وقد يقول قائل: إن حسابات الطقس لا تخضع للمقياس البشري، لأن أسبابها وأوامر حدوثها من عند الله عز وجل، وليس للإنسان فيها أي دور، إلا ذلك الدور المحدود في القياسات المناخية التي يجتهد فيها المتخصصون في مجالات الطقس المختلفة، والتي قد تتوافق؛ أحيانا مع الأمر الإلهي، وقد لا تتوافق في أحايين أخرى؛ وهذا الكلام صحيح بصورة مطلقة، ولكن الأمر يختلف تماما في حالات الجهد البشري القائم على التجربة والتحليل، والأخذ بالأسباب في أمور الحياة المختلفة - وهي ممارسة؛ أيضا لا تخرج عن الأمر الإلهي؛ ولكن الأخذ بالأسباب للإنجاز هو في يد البشر وفي اجتهادهم، ويبقى التوفيق من الله سبحانه وتعالى - ومع ذلك حتى في هذه الحالات لن يستطيع أحد الجزم أن ما خطط له، وما درس جدواه تكون نتائجه شرطا إلزاميا بالتحقق؛ إطلاقا؛ حيث تحل مجموعة من المتغيرات فتقلب موازين التوقع رأسا على عقب، وهذه المتغيرات قد تكون طبيعية ومعروفة، وقد تكون فجائية، وغير محسوب لها حساب التوقع، فلو أن أحدا ما أقام عزومة لمناسبة معينة في مكان مفتوح، وفجأة أرعدت السماء، وهطل المطر؛ عندها سوف تذهب كل الجهود التي بذلت لنجاح المناسبة أدراج الرياح، فالمتغيرات عامل فجائي يبقى من الصعوبة التحكم فيه، حيث إن معظم المتغيرات التي تُقَوِّضْ الجهود تكون فجائية، وغير متوقعة، وهذه من أصعب الحالات التي لا يمكن التكهن بحدوثها، فملعب كرة القدم الذي يتفاعل فيه (22) لاعبا عبر المساحة الخضراء، معرض هذا العدد لمجموعة من المتغيرات من السقوط المفاجئ لبعض اللاعبين، ومنها حالات الكسور، ومنها حالات شد العضل، ومنها الإنهاك، ومنها الطرد النهائي من اللعب، ومنها العنف، ومنها دخول الجمهور داخل الملعب، هذه المتغيرات قد تتكون في لحظة زمنية قصيرة جدا، وقد لا تكون إطلاقا طوال الـ (90) دقيقة، المتاحة للمباراة، وهذه المتغيرات؛ في هذا المثال؛ ليس شرطا أن توضع لها حسابات أكيدة، فهي نسبية الحدوث، وما يقاس على فريق كرة قدم، يمكن أن يقاس على أي مشروع اقتصادي، اجتماعي، سياسي، ثقافي، حيث تتدافع المتغيرات في هذه المشاريع كلها، فتقلب النتائج المتوقعة رأسا على عقب، وقد ينجح المشروع دون أية مشاكل، مع العلم أن في كل هذه المشاريع توضع خطط ودراسات، وبرامج، وتسخر أدوات ميكانيكية، وقوى بشرية، ومع ذلك لن تسلم التوقعات من غدر المتغيرات؛ والتي هي الأخرى تتحرك وفق معطيات كثيرة، معروفة، ولكنها غير متوقعة، أو غير معروفة وتكون فجائية، والنتيجة في كلا الحالتين فشل ذريع لجهد خطط له كثيرا، وبذل لأجل إنجاحه الكثير.
تُحَمَّلُ الثقافة المجتمعية، والتراكم «المنجز» الاجتماعي مسؤولية كثير من الإخفاقات التي تحدث، والتي تتصادم مع التوقعات، وذلك قياسا على تكرار الفشل في كثير من المواقف التي تحدث بين أحضان المجتمع، وعدم الالتفات الأمين لذلك، واعتبار أن ما يحدث هو ضمن حالة الضعف التي يكون عليها الإنسان غالبا، أو التسليم المطلق للفهم الخاطئ لمفهوم «القضاء والقدر» وهذا من الخطأ الشائع في الثقافة الاجتماعية، مع أن هذه الثقافة لها مساحة ممتدة من الإنجاز المقدر، ولها تجربة طويلة في تحقيق مكاسب كثيرة في مجال تنمية التوقعات ونجاحاتها المختلفة، والعمل على تعزيز نجاحاتها في مجالات الحياة المتعددة، وإن لم يحالفها الحظ في مواقف أخرى، فإعادة إنتاج ذات القضايا والمشكلات – على سبيل المثال – وهي المحسوبة على هذه الثقافة من شأنها أن تحد من تنامي التوقعات، ولا تعطي للفكر مساحته الواسعة للإبداع والتحرر من متعلقات قضايا لا تزال تراهن على إعادة إنتاجها لتتصدر مواقعها في كل مرة، فقضايا عاملات المنازل هي واحدة من القضايا المجتمعية التي يعاد إنتاجها في كل مرة، لأن أسبابها متشابهة، ومتراكمة، ومتأصلة، ومعروفة بعضها ما يدخل في صميم هذه الثقافة من حيث إشكاليات اللغة والقيم، والتربية، والممارسات السلوكية الأخرى، ومع ذلك تلوكها الألسنة ليل نهار، والفاصل الموضوعي بين الأفراد المستخدمين لهذا النوع من القوى العاملة، وبين المؤسسة الرسمية يتسع في كل فترة زمنية تمر على هذه القضية، ويتمثل هذا التوسع في السير ببطء في تحديث القوانين والنظم التي تنظِّم العلاقة بين الطرفين، بينما التوقع يفترض أن يتقلص هذا الفاصل؛ حتى يصل إلى التحام الخطين المتوازيين فلا يكون هناك فاصل، حيث تنتهي المشكلة أنتهاء مطلقا، كما يقاس نفس المثال على حالة التجاذبات المستمرة بين القوى العاملة الوطنية، والقوى العاملة الوافدة، على الرغم من وضوح المشكلة وأسبابها في كلا المثالين.
تأتي مجموعة التعاقدات المجتمعية - ومنها تسلط أصحاب المصالح وتكورهم على ما يخدم مصالحهم - لتحول دون تحقيق التوقعات، وهذا يمثل عائقا حقيقيا لمجمل التوقعات الممكن تحققها على الواقع في مختلف المجالات، حيث تعمل هذه التعاقدات على إبقاء كل شيء على ما هو عليه، وذلك لاستمرار عائد النفعية المرتجى منها، ولذلك يتكرر مشهد الذين يحاربون التغيير، وبصورة مباشرة؛ وقد تكون فجة في بعض الأحيان، لأن في قبوله تقلص مصالحهم، وإن كانت هذه المصالح تضر بالمصلحة العامة للوطن ككل، فالمهم أن تبقى مجموعة التموضعات الاجتماعية في تبادل المصالح، مع أن هناك حربا ضروسا من قبل السلطة التشريعية، وهذه التعاقدات، فالتوقع هنا يفترض أن نمو الوعي عند كافة شرائح المجتمع؛ بفضل شيوع المعرفة، والشعور بأهمية الحمولة الحضارية التي يمثلها الوطن في وجدان مواطنيه، أن تتقلص هذه التعاقدات إلى الحد الأدنى من الأهمية، وتكون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ولا تكون للمصلحة الخاصة ذلك التطاول على مقدرات الوطن، ومن فيه؛ إلا في حدود ضيقة جدا، وعند أولئك الذين يتحايلون على القانون فقط، ولكن الواقع يعكس ممارسات مخيفة؛ حتى ليتراءى للمتابع أن الممارسات في هذا الاتجاه؛ ومن كثرتها وشموليتها؛ أن هذا هو السلوك الصحيح، وأن الاحتكام إلى نصوص القانون هو الاستثناء؛ طبعا هذه ليست قناعة؛ إطلاقا، ولكن لكثرة الممارسات ولوحشيتها، تشعرك بالخوف إلى درجة الارتباك في بعض المواقف من الوقوع في ذات المصيدة، والانجرار إلى نفس الاتجاه، والاقتناع به، وهذه مسألة خطيرة، ومن تداعيات خطورتها أنك تسمع من يقولها باطمئنان عميق «هذا هو الساير اليوم» أو هذا هو المقبول.
ينظر إلى كثير من المرجعيات بأهمية كبيرة على إحداث الفارق بين كفتي الميزان (التوقعات/ المتغيرات) ومن هذه المرجعيات: الخبرة في أحداث الحياة، تنامي المعرفة، تجربة الحياة الشخصية عند الأفراد، مقارنات الأحداث ومناسباتها، توحد الموضوعات والعناوين أو تقاربها، على أنها تلعب دورا محوريا في شأن التهدئة من أثر المتغيرات؛ أو توجد نوعا من القراءات الاستشرافية لما قد تؤول إليه الأمور على الواقع، خاصة أن هذه المرجعيات تعكس سنينا من تراكم مدخراتها «نتائجها» وأصلت كذلك القناعات لدى الأفراد أن منهج التوقعات قد يتحقق على الواقع الفعلي عندما تتيسر له مغذيات النجاح، ومن هنا تأتي أهمية الاستشارة لذوي الخبرات في الحياة.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
تُحَمَّلُ الثقافة المجتمعية، والتراكم «المنجز» الاجتماعي مسؤولية كثير من الإخفاقات التي تحدث، والتي تتصادم مع التوقعات، وذلك قياسا على تكرار الفشل في كثير من المواقف التي تحدث بين أحضان المجتمع، وعدم الالتفات الأمين لذلك، واعتبار أن ما يحدث هو ضمن حالة الضعف التي يكون عليها الإنسان غالبا، أو التسليم المطلق للفهم الخاطئ لمفهوم «القضاء والقدر» وهذا من الخطأ الشائع في الثقافة الاجتماعية، مع أن هذه الثقافة لها مساحة ممتدة من الإنجاز المقدر، ولها تجربة طويلة في تحقيق مكاسب كثيرة في مجال تنمية التوقعات ونجاحاتها المختلفة، والعمل على تعزيز نجاحاتها في مجالات الحياة المتعددة، وإن لم يحالفها الحظ في مواقف أخرى، فإعادة إنتاج ذات القضايا والمشكلات – على سبيل المثال – وهي المحسوبة على هذه الثقافة من شأنها أن تحد من تنامي التوقعات، ولا تعطي للفكر مساحته الواسعة للإبداع والتحرر من متعلقات قضايا لا تزال تراهن على إعادة إنتاجها لتتصدر مواقعها في كل مرة، فقضايا عاملات المنازل هي واحدة من القضايا المجتمعية التي يعاد إنتاجها في كل مرة، لأن أسبابها متشابهة، ومتراكمة، ومتأصلة، ومعروفة بعضها ما يدخل في صميم هذه الثقافة من حيث إشكاليات اللغة والقيم، والتربية، والممارسات السلوكية الأخرى، ومع ذلك تلوكها الألسنة ليل نهار، والفاصل الموضوعي بين الأفراد المستخدمين لهذا النوع من القوى العاملة، وبين المؤسسة الرسمية يتسع في كل فترة زمنية تمر على هذه القضية، ويتمثل هذا التوسع في السير ببطء في تحديث القوانين والنظم التي تنظِّم العلاقة بين الطرفين، بينما التوقع يفترض أن يتقلص هذا الفاصل؛ حتى يصل إلى التحام الخطين المتوازيين فلا يكون هناك فاصل، حيث تنتهي المشكلة أنتهاء مطلقا، كما يقاس نفس المثال على حالة التجاذبات المستمرة بين القوى العاملة الوطنية، والقوى العاملة الوافدة، على الرغم من وضوح المشكلة وأسبابها في كلا المثالين.
تأتي مجموعة التعاقدات المجتمعية - ومنها تسلط أصحاب المصالح وتكورهم على ما يخدم مصالحهم - لتحول دون تحقيق التوقعات، وهذا يمثل عائقا حقيقيا لمجمل التوقعات الممكن تحققها على الواقع في مختلف المجالات، حيث تعمل هذه التعاقدات على إبقاء كل شيء على ما هو عليه، وذلك لاستمرار عائد النفعية المرتجى منها، ولذلك يتكرر مشهد الذين يحاربون التغيير، وبصورة مباشرة؛ وقد تكون فجة في بعض الأحيان، لأن في قبوله تقلص مصالحهم، وإن كانت هذه المصالح تضر بالمصلحة العامة للوطن ككل، فالمهم أن تبقى مجموعة التموضعات الاجتماعية في تبادل المصالح، مع أن هناك حربا ضروسا من قبل السلطة التشريعية، وهذه التعاقدات، فالتوقع هنا يفترض أن نمو الوعي عند كافة شرائح المجتمع؛ بفضل شيوع المعرفة، والشعور بأهمية الحمولة الحضارية التي يمثلها الوطن في وجدان مواطنيه، أن تتقلص هذه التعاقدات إلى الحد الأدنى من الأهمية، وتكون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ولا تكون للمصلحة الخاصة ذلك التطاول على مقدرات الوطن، ومن فيه؛ إلا في حدود ضيقة جدا، وعند أولئك الذين يتحايلون على القانون فقط، ولكن الواقع يعكس ممارسات مخيفة؛ حتى ليتراءى للمتابع أن الممارسات في هذا الاتجاه؛ ومن كثرتها وشموليتها؛ أن هذا هو السلوك الصحيح، وأن الاحتكام إلى نصوص القانون هو الاستثناء؛ طبعا هذه ليست قناعة؛ إطلاقا، ولكن لكثرة الممارسات ولوحشيتها، تشعرك بالخوف إلى درجة الارتباك في بعض المواقف من الوقوع في ذات المصيدة، والانجرار إلى نفس الاتجاه، والاقتناع به، وهذه مسألة خطيرة، ومن تداعيات خطورتها أنك تسمع من يقولها باطمئنان عميق «هذا هو الساير اليوم» أو هذا هو المقبول.
ينظر إلى كثير من المرجعيات بأهمية كبيرة على إحداث الفارق بين كفتي الميزان (التوقعات/ المتغيرات) ومن هذه المرجعيات: الخبرة في أحداث الحياة، تنامي المعرفة، تجربة الحياة الشخصية عند الأفراد، مقارنات الأحداث ومناسباتها، توحد الموضوعات والعناوين أو تقاربها، على أنها تلعب دورا محوريا في شأن التهدئة من أثر المتغيرات؛ أو توجد نوعا من القراءات الاستشرافية لما قد تؤول إليه الأمور على الواقع، خاصة أن هذه المرجعيات تعكس سنينا من تراكم مدخراتها «نتائجها» وأصلت كذلك القناعات لدى الأفراد أن منهج التوقعات قد يتحقق على الواقع الفعلي عندما تتيسر له مغذيات النجاح، ومن هنا تأتي أهمية الاستشارة لذوي الخبرات في الحياة.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني