وسائل التواصل الاجتماعي وتشكيل الوعي
الأربعاء / 22 / شعبان / 1444 هـ - 20:39 - الأربعاء 15 مارس 2023 20:39
يتجدد الجدل حول ماهية الكثير من الأشياء فور بروزها للعلن وتوجيه الضوء عليها جراء الآلة الإعلامية الهائلة والمخيفة في آن بيد كل إنسان يملك حسابا على شبكة المعلومات «الإنترنت».
ومع ازدياد سطوة برامج التواصل الاجتماعي وتصدرها للمشهد، ظلت الأحداث ذات الأهمية، والأحداث العابرة تأخذ منحى آخر يطول ويقصر تبعا لقبول الناس لها وصداها الإعلامي، وتبعا لتوجهات مجموعة من الأفراد الذين يشكلون توجها معينا، يصبح فيما بعد عقلا جمعيا يقود جيشا ممن يمتلكون حسابا في موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، سواء أكانوا واعين بالتوجه الذي يتبعونه، أم أنهم يتبعونه على غير هدى وبصيرة. ومما هو معلوم لدى كل امرئ يستعمل هذه الوسائل، البساطة والسهولة في آن لتشكيل فكرة حول موضوع ما، وجعله موضوعا جدليا، بعدما لم يكن من أولويات أصحاب تلك الحسابات ولا ضمن اهتماماتهم. لكن مواقع التواصل اليوم تتيح المجال لكل من شاء بالحديث، حول ما شاء، وهذا أمر جيد في صورته الكلية من منطلق الحرية؛ ولكنه سيئ من جهة أخرى.
حيث يمكن ببساطة تشكيل وعي تجاه أمر جسيم ولكنه وعي زائف وليس وعيا حقيقيا، كما يمكن توجيه هذا الوعي زائفا كان أم حقيقيا، تجاه شيء لم يكن ذا أهمية من قبل ولن يكون، إنما هو من عمل البروباجاندا الإعلامية التي تشكل وعي المجتمع الإنساني تبعا لتوجهات القائمين عليها، أكانوا من أهل الخير أم من أهل العداوة والبغضاء، في عالم فسيح لا تحده حدود الأرض والموقع الجغرافي.
تجدد الجدل حول ماهية الشعر وكيفيته وأصله وفصله ومآله، وهو تجدد لا يحمل من الكلمة إيجابيتها، فالتجديد والجديد وجَدَّدَ، أي مشتقات هذه الكلمة، لا تكون إلا إيجابية؛ ولكنها في هذا السياق سلبية تحمل الكثير من التهكم. ومع كل مناسبة شعرية سواء في القُطر العماني أم في العالم العربي الكبير، يتجدد الجدل بما يشعر المرء بوقوع كارثة كونية أو مصيبة كبرى تتعدى مسألة الذوق والنقد ومواكبة التطور الشعري والمعرفي والفكري.
لم أكتب هذا المقال ليكون دفاعا عن نوع من الشعر بعينه، ولا شاعر بعينه، إنما هو لمحاولة فهم السبب الحقيقي لكمية الجدل الحاصل بعد كل مناسبة شعرية أو معرفية وفكرية. الحل الحقيقي لا أن يتماهى المرء مع ما لا يحبه، ولا أن يدعي أنه يحب نوعا من الشعر مجاملة، ولا أن يبدي قبوله لذلك النوع؛ إنما يكمن في تقديم البديل الموازي له معرفيا. أي أن يواجه قصيدة التفعيلة الجيدة بقصيدة عمودية جيدة، وأن يواجه قصيدة النثر الجيدة، بقصيدة أخرى جيدة، فهذا هو الحل الوسط الذي يرفع الحصيلة المعرفية لكل المتخاصمين ويمنحهم الفرصة لاكتشاف الآخر المختلف الذي لا يحبون ما يطرحه، وقد تتبدل القناعات وتتغير وفقا لجدية المتخاصمين معرفيا، ويصير النقد للقول لا لذات القائل.
قبل عقود مضت، كان الشيء في ذاته هو الشيء الحقيقي المحض، لكن تطور وسائل الإعلام وتماهي الحدود بين الدول، بل واختفاؤها في فضاء مفتوح كالإنترنت، سهّل توجيه الفكر العام لدى طبقة من الناس بما يتناسب وتوجهات القائمين على وسيلة الإعلام تلك، مسموعة أم مقروءة أم مرئية، فأصبحت الأشياء كلها تحمل وتُحمَّلُ فوق ما هو ظاهر لدى المتلقي. ولم يعد الأمر مقتصرا على الأمور السياسية فحسب، بل صار في كل مجال من مجالات الحياة؛ فهذا اللقاح الفلاني أجدى من اللقاح الآخر، وهذا الكتاب الفلاني أنفع كتاب في مجاله، وهذه الوجهة السياحية هي الوجهة الأفضل، هكذا تُحدد وتُحدُّ الخيارات أمام الناس لتشكيل وعيهم الذاتي، أما من ترك بذور التعصب وانبرى لصنع وعيه الذاتي، فلن تؤثر عليه جحافل الخصام المعرفي، ولن يصبح أفقه ذاك الأفق الأوحد، بل تتسع مداركه ويقدم بديلا معرفيا موازيا ومُحكما يصنعه بنفسه ولنفسه، على قدر جديته ومثابرته.
ومع ازدياد سطوة برامج التواصل الاجتماعي وتصدرها للمشهد، ظلت الأحداث ذات الأهمية، والأحداث العابرة تأخذ منحى آخر يطول ويقصر تبعا لقبول الناس لها وصداها الإعلامي، وتبعا لتوجهات مجموعة من الأفراد الذين يشكلون توجها معينا، يصبح فيما بعد عقلا جمعيا يقود جيشا ممن يمتلكون حسابا في موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، سواء أكانوا واعين بالتوجه الذي يتبعونه، أم أنهم يتبعونه على غير هدى وبصيرة. ومما هو معلوم لدى كل امرئ يستعمل هذه الوسائل، البساطة والسهولة في آن لتشكيل فكرة حول موضوع ما، وجعله موضوعا جدليا، بعدما لم يكن من أولويات أصحاب تلك الحسابات ولا ضمن اهتماماتهم. لكن مواقع التواصل اليوم تتيح المجال لكل من شاء بالحديث، حول ما شاء، وهذا أمر جيد في صورته الكلية من منطلق الحرية؛ ولكنه سيئ من جهة أخرى.
حيث يمكن ببساطة تشكيل وعي تجاه أمر جسيم ولكنه وعي زائف وليس وعيا حقيقيا، كما يمكن توجيه هذا الوعي زائفا كان أم حقيقيا، تجاه شيء لم يكن ذا أهمية من قبل ولن يكون، إنما هو من عمل البروباجاندا الإعلامية التي تشكل وعي المجتمع الإنساني تبعا لتوجهات القائمين عليها، أكانوا من أهل الخير أم من أهل العداوة والبغضاء، في عالم فسيح لا تحده حدود الأرض والموقع الجغرافي.
تجدد الجدل حول ماهية الشعر وكيفيته وأصله وفصله ومآله، وهو تجدد لا يحمل من الكلمة إيجابيتها، فالتجديد والجديد وجَدَّدَ، أي مشتقات هذه الكلمة، لا تكون إلا إيجابية؛ ولكنها في هذا السياق سلبية تحمل الكثير من التهكم. ومع كل مناسبة شعرية سواء في القُطر العماني أم في العالم العربي الكبير، يتجدد الجدل بما يشعر المرء بوقوع كارثة كونية أو مصيبة كبرى تتعدى مسألة الذوق والنقد ومواكبة التطور الشعري والمعرفي والفكري.
لم أكتب هذا المقال ليكون دفاعا عن نوع من الشعر بعينه، ولا شاعر بعينه، إنما هو لمحاولة فهم السبب الحقيقي لكمية الجدل الحاصل بعد كل مناسبة شعرية أو معرفية وفكرية. الحل الحقيقي لا أن يتماهى المرء مع ما لا يحبه، ولا أن يدعي أنه يحب نوعا من الشعر مجاملة، ولا أن يبدي قبوله لذلك النوع؛ إنما يكمن في تقديم البديل الموازي له معرفيا. أي أن يواجه قصيدة التفعيلة الجيدة بقصيدة عمودية جيدة، وأن يواجه قصيدة النثر الجيدة، بقصيدة أخرى جيدة، فهذا هو الحل الوسط الذي يرفع الحصيلة المعرفية لكل المتخاصمين ويمنحهم الفرصة لاكتشاف الآخر المختلف الذي لا يحبون ما يطرحه، وقد تتبدل القناعات وتتغير وفقا لجدية المتخاصمين معرفيا، ويصير النقد للقول لا لذات القائل.
قبل عقود مضت، كان الشيء في ذاته هو الشيء الحقيقي المحض، لكن تطور وسائل الإعلام وتماهي الحدود بين الدول، بل واختفاؤها في فضاء مفتوح كالإنترنت، سهّل توجيه الفكر العام لدى طبقة من الناس بما يتناسب وتوجهات القائمين على وسيلة الإعلام تلك، مسموعة أم مقروءة أم مرئية، فأصبحت الأشياء كلها تحمل وتُحمَّلُ فوق ما هو ظاهر لدى المتلقي. ولم يعد الأمر مقتصرا على الأمور السياسية فحسب، بل صار في كل مجال من مجالات الحياة؛ فهذا اللقاح الفلاني أجدى من اللقاح الآخر، وهذا الكتاب الفلاني أنفع كتاب في مجاله، وهذه الوجهة السياحية هي الوجهة الأفضل، هكذا تُحدد وتُحدُّ الخيارات أمام الناس لتشكيل وعيهم الذاتي، أما من ترك بذور التعصب وانبرى لصنع وعيه الذاتي، فلن تؤثر عليه جحافل الخصام المعرفي، ولن يصبح أفقه ذاك الأفق الأوحد، بل تتسع مداركه ويقدم بديلا معرفيا موازيا ومُحكما يصنعه بنفسه ولنفسه، على قدر جديته ومثابرته.