استقرار الأسرة العمانية ضمان لاستمرار الهوية الثقافية والدعم الاجتماعي
استراتيجية "التنمية" تعالج تحديات طفرة الحياة المدنية والتغيير
الجمعة / 17 / شعبان / 1444 هـ - 19:08 - الجمعة 10 مارس 2023 19:08
ـ برامج رفاه وتماسك الأسرة تضع أرضية الحماية الاجتماعية
- عدم وجود حضانة ومراكز رعاية ساهم في ضعف مشاركة المرأة بسوق العمل
- الرغبة في التغيير أوجدت أنماطا جديدة من التكوينات الأسرية
-استحداث صفوف التهيئة لدعم الطفل ما قبل المدرسة في بعض المدارس
ـ التباهي والتفاخر والإسراف في المناسبات ظواهر عززت النمط الاستهلاكي
أثرت الأوضاع الاقتصادية والحياة المدنية على حدوث نقلة نوعية في حياة الناس وأظهرت التحديات التي تواجه الأسرة العمانية الحاجة إلى إرساء نظام وطني شامل لحماية الطفل والأسرة يراعي جوانب الوقاية، والحماية، والتأهيل، خاصة أن القيم الاجتماعية والإطار العام للهوية تأثرت، وكان الشباب والأطفال الأكثر تأثرا، لذا عملت الجهات المختصة على الاهتمام بالأسرة العمانية وحمايتها لأنها لبنة المجتمع وهي الوحدة الأساسية التي تحمل وتحمي القيم العمانية الأصيلة في ظل التغيرات التي غالبا ما تؤثر على الأسرة من نواحٍ متعددة.
ولابد على واضعي السياسات الاقتصادية والاجتماعية تقييم مستوى الدعم المقدم للأسرة العمانية وتطوير وتوجيه السياسات العامة لمجابهة نقاط الضعف، لذا جاءت استراتيجية العمل الاجتماعي التي تبنتها وزارة التنمية الاجتماعية في التركيز على محور أساسي اختص بتنمية الأسرة لتضع من خلالها ملامح خطة العمل الوطني لدعم برامج رفاه وتماسك الأسرة التي تضع أرضية الحماية الاجتماعية التي تحمي وتعزز التمكين الاقتصادي الذاتي للأسر وتدعم قدرات الأسر العمانية والمجموعات الأكثر تعرضا للمخاطر، وفي طليعتهم الأفراد ذوي الإعاقة و كبار السن بما يحقق تمكينهم واحتواءهم بشكل أفضل في المجتمع.
الأسرة والمجتمع
تسعى وزارة التنمية الاجتماعية عبر الخطط الاستراتيجية للعمل الاجتماعي إلى الاهتمام بمحور تنمية الأسرة والمجتمع وإحداث أثر 'أسرة متماسكة مستقرة آمنة، ممُكَّنة تساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة' حيث تحتل الأسرة مكانة مهمة في المجتمع العُماني، وتعد أحد العوامل القوية المؤثرة في التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية والثقافية، والأسرة تساهم في تشكيل القِيمَ والمعتقدات والتقاليد والعادات السائدة في المجتمع لدى الأبناء، وهي أكثر مؤسسات التنشئة الاجتماعية أهمية، ومن هنا يعد استقرار الأسرة ضمانا لاستمرار الهوية الثقافية، والأمن، والدعم النفسي والاجتماعي وذلك من خلال عناصر الرعاية الذي توفره لأفرادها، في إطار شبكة الالتزامات والتضامن، والاعتماد المتبادل بينهم.
وأشارت استراتيجية العمل الاجتماعي إلى ما حققته سلطنة عمان على مدى العقود الماضية من إنجازات عديدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية التي تغطي قطاعات المجتمع العماني كافة وقد شملت هذه الإنجازات كل شرائح المجتمع العُماني وقطاعاته؛ بما في ذلك المرأة والطفل والشباب وكبار السن وذوي الإعاقة، ومع انضمام السلطنة إلى عدد من الاتفاقيات الدولية، أنيط بوزارة التنمية الاجتماعية مهمة متابعة ثلاث اتفاقيات رئيسية وبروتوكولين إضافيين، بالإضافة إلى عدد آخر من الاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان منها متابعة تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكولين الاختياريين الملحقين بها بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبشأن بيع الأطفال، واستغلالهم وقدمت وزارة التنمية الاجتماعية التقارير الدورية المطلوبة وفقا لهذه الاتفاقيات في مواعيدها المحددة.
شؤون الأسرة
ولضمان تحقيق تقدم ومستوى معيشي ملائم للأسرة شكلت الحكومة اللجنة الوطنية لشؤون الأسرة وأوكلت إليها مهمة اقتراح السياسات والبرامج العامة لرعاية الأسرة في مختلف المجالات الاجتماعية والصحية والثقافية ومتابعة تطبيقها بالتنسيق مع الجهات المختصة، والتنسيق بين الجهود التي تقوم بها الجهات والهيئات الرسمية والتطوعية العاملة في شؤون الأسرة، وتشجيع الدراسات والبحوث المتصلة بشؤون الأسرة، ومتابعة وتنفيذ قرارات وتوصيات اللقاءات والمؤتمرات الدولية والإقليمية المتعلقة بقضايا الأسرة وإبداء الرأي في الاتفاقيات ذات الصلة، والتعاون مع سائر اللجان والمجالس العربية والدولية والمنظمات المعنية بالأسرة، واقتراح السياسات الخاصة بالأسرة في الجوانب المختلفة، والتنسيق بين الجهات المعَنيِةَّ الحكومية والأهلية ذات الصلة بقضايا الأسرة.
وعلى الرغم من أن حماية الأسرة تعد من أحد المجالات الحديثة التي تعمل عليها وزارة التنمية الاجتماعية فإن سلطنة عمان لديها العديد من المكونات التي تكفل وجود نظام وطني للحماية، حيث أصدر قانون الطفل، وقانون مساءلة الأحداث وقانون رعاية وتأهيل المعوقين، كما تم إنشاء دائرة الحماية الأسرية في وزارة التنمية الاجتماعية، وهناك العديد من الخدمات التي تقدمها الدائرة لإيواء النساء والأطفال الذين يتعرضون للإساءة بدار الوفاق، وتنتشر لجان حماية الطفل على مستوى المحافظات كافة، كما أرسيت أيضا المواد القانونية لحماية الأطفال، أما بالنسبة للنساء فإنها ما زالت تحتاج إلى تعزيز تشريعي.
ويشكل برنامج الإرشاد الأسري، والإرشاد الزواجي أحد أبرز البرامج التي تقدمها دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية حيث تهدف إلى دعم الأسرة وتذليل المشكلات التي تواجهها، ويهدف الإرشاد الزواجي إلى توعية المقبلين على الزواج حول الكثير من جوانب العلاقة الزوجية وتربية الأطفال وتنشئتهم. ولقد كان قرار إنشاء دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية بالوزارة خطوة أساسية نحو تحقيق مبدأ رعاية الفرد بتوجيهه وإرشاده لحماية الأسرة، كما أن رعاية الأسرة بإرشادها وتوجيهها هو السبيل لرعاية المجتمع وحمايته.
تغيرات وتحديات
وذكرت استراتيجية العمل الاجتماعي وجود تحديات مطروحة نتجت عن النقلة النوعية في حياة الناس بسبب الطفرة النفطية والوفرة المالية، والحياة المدنية، والرغبة في التغيير، وكلها أوجدت واقعًا جديدًا، وأظهرت بعض التحديات التي تواجهها الأسر العُمانية، وبعض فئاتها، فعلى الصعيد الأسري تواجه الأسرة في سلطنة عمان – مع ما يشهده العالم من تغيرات مهمة – عددا من التحديات، فقد اتضح أن عددا من الأسر تعتمد على معيل واحد، كما تشهد القيم الاجتماعية تغيرات بسبب الآثار المترتبة عن العولمة، وثورة التكنولوجيا، ويعُد الأطفال والشباب الأكثر تأثرا بالنتائج السلبية لهذه المشكلات.
ومع التحولات تواجه الأسرة العمانية تحديات عديدة تؤثر على التماسك الأسري، فقد أصبح هناك أنماط جديدة من التكوينات الأسرية تختلف في تركيبتها وأسس ونوعية الروابط بين أفرادها عن الأسرة بمفهومها وتركيبتها التقليدية، فالأسرة العمانية أصبحت تتحول من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية، مع هجرات داخلية من أجل العمل، وازدياد متغير عبر السنوات في معدلات الطلاق، وازدياد عدد الأسر ذات العائل الواحد، وازدياد متوسط عمر الزواج، وزيادة في عدد المسنين، ومسؤوليات رعايتهم، وازدياد في المعدل العام لحالات جنوح الأحداث وهذه التحديات تؤثر على قدرة الأسر في تحقيق وظائفها الرئيسية المتعلقة بالإنجاب والإنتاج؛ بالإضافة إلى توفير احتياجاتها الصحية والغذائية والاجتماعية والوجدانية، كما أن هذه التحديات تؤثر على التماسك الاجتماعي، وعلى الاستقرار في المجتمع، ومع ذلك تتمتع الأسرة العُمانية مقارنة بالأسر في الدول الأخرى بدرجة عالية من التماسك الأسري من تعاطف، وتواصل واحترام وتقدير بين أعضائها.
سياسات مكتوبة
ومن بين أهم العوائق التي تواجه رسم السياسات الأسرية عدم وجود سياسات مكتوبة للأسرة في سلطنة عمان، بحيث تلبي القطاعات المختلفة حاجة أفراد الأسرة داخل كل قطاع، وتقوم بصياغة سياسات معينة يمكن أن تعود بالفائدة على أفراد الأسرة، وأن تعتمد هذه السياسات على المؤشرات والنتائج.
وأشارت استراتيجية العمل الاجتماعي إلى أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العُماني منها: انتقال الأسرة من النمط الممتد إلى الأسرة النووية والذي أسهم في إضعاف الترابط الأسري ومسؤولية رعاية الأبوين، وانتشار النمط الاستهلاكي، كما انتشرت ظاهرة التباهي والتفاخر والإسراف في المناسبات، وخصوصا عادات الزواج. وظهرت آثار العولمة والتكنولوجيا المعلوماتية على الأسر، الأمر الذي أدى إلى ظهور بعض المشكلات السلبية في المجتمع كالاستعانة بالمربيات وعاملات المنازل قليلات الخبرة، وغير المؤهلات علميا لتربية الأطفال، وأثرهن السلبي في تربية الأطفال؛ بالإضافة إلى قلة وجود مراكز استشارات أسرية قريبة من الأسر.
المرأة والطفل
أما على صعيد المرأة فقد وجدت الاستراتيجية أن ربع النساء العُمانيات تساهم في النشاط الاقتصادي، وتبدو مشاركتهن في ذروتها في الفئة العمرية 25 إلى 29 عامًّا، وعلى الرغم من الإصلاحات التشريعية المستمرة في سلطنة عمان؛ فإن هناك بعض التحديات فيما يتعلق بالتشريعات ذات العلاقة بالمرأة، وما بين تطبيقها على أرض الواقع.
ومن بين التحديات التشريعية أنه ليس هناك إلزام بإنشاء دوُر حضانة، ومراكز رعاية نهارية في أماكن العمل، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل، وانسحابها منه بعد دخولها بسبب عدم قدرتها على التوفيق بين واجباتها تجاه العمل وتجاه أفراد أسرتها، كذلك لابد من النظر في إيجاد وسائل دعم ومساندة للمرأة لخوض انتخابات مجالس الشورى والبلدية بما يمكنها من الوصول إلى مكان هذه المجالس للمشاركة بالرأي.
وعلى صعيد الطفل أظهرت الاستراتيجية أن الأطفال في سلطنة عمان يواجهون تحديات في السنوات الأولى من حياتهم والمتعلقة بالصحة، والتغذية، والنمو، والتعلم، وظهر هذا القصور نظرا لعدم فهم أهمية السنوات الأولى من عمر الطفل في وضع الأساس للتنمية البشرية، وكما تقُدم خدمات الطفولة المبكرة بشكل رئيسي من قبل القطاع الخاص، الأمر الذي يحد من انتفاع بعض الأطفال في الأسر محدودة الدخل؛ وخاصة في المناطق البعيدة من خدمات تنشئة الطفولة، وكذلك الأطفال ذوي الإعاقة من هذه الخدمات.
كما أن هناك عددا من الأطفال من ذوي الدخل المحدود، وكذلك الذين يعيشون في المناطق الريفية يعانون من صعوبة الوصول إلى خدمات التعليم المبكر، وفي هذا الإطار قامت سلطنة عمان باستحداث صفوف التهيئة في بعض المدارس التي تحتاج إلى دعم للطفل ما قبل المدرسة ببعض المحافظات بما فيها المناطق الريفية، بالإضافة إلى ضعف نسبة الملتحقين بدور الحضانة، كما أن بعض الحضانات المتوفرة تحتاج إلى تأهيل الكوادر العاملة بها بالمهارات المطلوبة لتعليم الأطفال في هذه السن وفقًا لقدراتهم. كما أن عدد الأطفال الذين يعانون من الإعاقة، ويتم إلحاقهم بمراكز الوفاء الاجتماعي المنتشرة في المحافظات لا يزال ضعيفًا.
أما في مجال حماية الطفل والأسرة فلا تزال الجهود اللازمة لتوفير هذه الخدمات حديثة العهد، حيث يتعين ربطها بشكل منتظم بالقطاعات الأخرى، وهو بحاجة إلى إرساء نظام وطني شامل لحماية الطفل والأسرة يأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد المتعلقة بالوقاية، والحماية، والتأهيل، والنظر إلى الاحتياجات المتعددة للفئات ذات الظروف الخاصة.
وستعالج السياسات الأسرية في سلطنة عمان عدة عناصر تتعلق بالتحديات التي قد تواجه الأسر، حيث يرتبط بعض من هذه التحديات بالعلاقات بين الزوجين، والعلاقة بين الآباء وأبنائهم، وفيما بين الأجيال (الأجداد مع الأحفاد) وترتبط التحديات الأخرى باستهداف المرأة، والطفل، وذوي الإعاقة.
سياسات وبرامج
ولتحقيق الهدف الذي وضع له والمتركز في 'أسرة متماسكة مستقرة ممكنة تساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة' تسعى وزارة التنمية الاجتماعية إلى تحقيق نتائج مهمة بوضع سياسات وبرامج أسرية وطنية منصفة ومبنية على المؤشرات وداعمة لاستقرار الأسر وتماسكها، وتنمية الطفولة المبكرة المتكاملة أولوية وطنية مدعومة بالتزام حكومي وموارد مخصصة وقدرات مؤسسية وآليات للتنسيق عبر القطاعات.
وتبدو الجهود قائمة لتنفيذ عدد من التحولات الجوهرية أهمها الانتقال نحو النهج الحقوقي في حماية الأطفال والنساء والأسرة والتركيز على الأسر كافة عوضا عن ما كان متبعا في حماية الأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي والتركيز على تقييم احتياجاتهم وإمكانياتهم من أجل المساهمة بشكل فاعل في المجتمع، والعمل على تعزيز أدوات وقدرات اللجنة الوطنية لشؤون الأسرة لتقوم بمهام رسم السياسات والتنسيق بشكل أكبر، وسوف تقوم الوزارة بوضع إطار وطني يحدد أدوار ومسؤوليات جميع الجهات ذات الصلة والتنسيق فيما بينها للوقاية والاستجابة وحماية وإعادة تأهيل النساء والأطفال، وستقوم بإنشاء آلية رصد وتطوير معايير لجودة الخدمات وتطوير الجوانب التشريعية في مجال حماية الأسرة، كما ستدرس الوزارة بالشراكة مع الوزارات والجهات المعنية سياسات العمل الصديقة للأسرة التي تضمن ساعات عمل مرنة للأمهات.
ومن جانب آخر ستسعى الاستراتيجية إلى وضع أجندة تنمية الطفولة المبكرة كأولوية على الأجندة الوطنية وتعزيز اهتمام واضعي السياسات والوعي العام إلى أهمية تنمية الطفولة المبكرة والتأكيد على تخصيص الموازنات الكافية للتنفيذ الفعال للاستراتيجية الوطنية للطفولة التي أعدت بالتعاون مع منظمة اليونيسف، والعمل على تأسيس مراكز تنمية الطفولة في جمعيات المرأة العمانية وغيرها من مؤسسات المجتمع.
- عدم وجود حضانة ومراكز رعاية ساهم في ضعف مشاركة المرأة بسوق العمل
- الرغبة في التغيير أوجدت أنماطا جديدة من التكوينات الأسرية
-استحداث صفوف التهيئة لدعم الطفل ما قبل المدرسة في بعض المدارس
ـ التباهي والتفاخر والإسراف في المناسبات ظواهر عززت النمط الاستهلاكي
أثرت الأوضاع الاقتصادية والحياة المدنية على حدوث نقلة نوعية في حياة الناس وأظهرت التحديات التي تواجه الأسرة العمانية الحاجة إلى إرساء نظام وطني شامل لحماية الطفل والأسرة يراعي جوانب الوقاية، والحماية، والتأهيل، خاصة أن القيم الاجتماعية والإطار العام للهوية تأثرت، وكان الشباب والأطفال الأكثر تأثرا، لذا عملت الجهات المختصة على الاهتمام بالأسرة العمانية وحمايتها لأنها لبنة المجتمع وهي الوحدة الأساسية التي تحمل وتحمي القيم العمانية الأصيلة في ظل التغيرات التي غالبا ما تؤثر على الأسرة من نواحٍ متعددة.
ولابد على واضعي السياسات الاقتصادية والاجتماعية تقييم مستوى الدعم المقدم للأسرة العمانية وتطوير وتوجيه السياسات العامة لمجابهة نقاط الضعف، لذا جاءت استراتيجية العمل الاجتماعي التي تبنتها وزارة التنمية الاجتماعية في التركيز على محور أساسي اختص بتنمية الأسرة لتضع من خلالها ملامح خطة العمل الوطني لدعم برامج رفاه وتماسك الأسرة التي تضع أرضية الحماية الاجتماعية التي تحمي وتعزز التمكين الاقتصادي الذاتي للأسر وتدعم قدرات الأسر العمانية والمجموعات الأكثر تعرضا للمخاطر، وفي طليعتهم الأفراد ذوي الإعاقة و كبار السن بما يحقق تمكينهم واحتواءهم بشكل أفضل في المجتمع.
الأسرة والمجتمع
تسعى وزارة التنمية الاجتماعية عبر الخطط الاستراتيجية للعمل الاجتماعي إلى الاهتمام بمحور تنمية الأسرة والمجتمع وإحداث أثر 'أسرة متماسكة مستقرة آمنة، ممُكَّنة تساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة' حيث تحتل الأسرة مكانة مهمة في المجتمع العُماني، وتعد أحد العوامل القوية المؤثرة في التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية والثقافية، والأسرة تساهم في تشكيل القِيمَ والمعتقدات والتقاليد والعادات السائدة في المجتمع لدى الأبناء، وهي أكثر مؤسسات التنشئة الاجتماعية أهمية، ومن هنا يعد استقرار الأسرة ضمانا لاستمرار الهوية الثقافية، والأمن، والدعم النفسي والاجتماعي وذلك من خلال عناصر الرعاية الذي توفره لأفرادها، في إطار شبكة الالتزامات والتضامن، والاعتماد المتبادل بينهم.
وأشارت استراتيجية العمل الاجتماعي إلى ما حققته سلطنة عمان على مدى العقود الماضية من إنجازات عديدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية التي تغطي قطاعات المجتمع العماني كافة وقد شملت هذه الإنجازات كل شرائح المجتمع العُماني وقطاعاته؛ بما في ذلك المرأة والطفل والشباب وكبار السن وذوي الإعاقة، ومع انضمام السلطنة إلى عدد من الاتفاقيات الدولية، أنيط بوزارة التنمية الاجتماعية مهمة متابعة ثلاث اتفاقيات رئيسية وبروتوكولين إضافيين، بالإضافة إلى عدد آخر من الاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان منها متابعة تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكولين الاختياريين الملحقين بها بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبشأن بيع الأطفال، واستغلالهم وقدمت وزارة التنمية الاجتماعية التقارير الدورية المطلوبة وفقا لهذه الاتفاقيات في مواعيدها المحددة.
شؤون الأسرة
ولضمان تحقيق تقدم ومستوى معيشي ملائم للأسرة شكلت الحكومة اللجنة الوطنية لشؤون الأسرة وأوكلت إليها مهمة اقتراح السياسات والبرامج العامة لرعاية الأسرة في مختلف المجالات الاجتماعية والصحية والثقافية ومتابعة تطبيقها بالتنسيق مع الجهات المختصة، والتنسيق بين الجهود التي تقوم بها الجهات والهيئات الرسمية والتطوعية العاملة في شؤون الأسرة، وتشجيع الدراسات والبحوث المتصلة بشؤون الأسرة، ومتابعة وتنفيذ قرارات وتوصيات اللقاءات والمؤتمرات الدولية والإقليمية المتعلقة بقضايا الأسرة وإبداء الرأي في الاتفاقيات ذات الصلة، والتعاون مع سائر اللجان والمجالس العربية والدولية والمنظمات المعنية بالأسرة، واقتراح السياسات الخاصة بالأسرة في الجوانب المختلفة، والتنسيق بين الجهات المعَنيِةَّ الحكومية والأهلية ذات الصلة بقضايا الأسرة.
وعلى الرغم من أن حماية الأسرة تعد من أحد المجالات الحديثة التي تعمل عليها وزارة التنمية الاجتماعية فإن سلطنة عمان لديها العديد من المكونات التي تكفل وجود نظام وطني للحماية، حيث أصدر قانون الطفل، وقانون مساءلة الأحداث وقانون رعاية وتأهيل المعوقين، كما تم إنشاء دائرة الحماية الأسرية في وزارة التنمية الاجتماعية، وهناك العديد من الخدمات التي تقدمها الدائرة لإيواء النساء والأطفال الذين يتعرضون للإساءة بدار الوفاق، وتنتشر لجان حماية الطفل على مستوى المحافظات كافة، كما أرسيت أيضا المواد القانونية لحماية الأطفال، أما بالنسبة للنساء فإنها ما زالت تحتاج إلى تعزيز تشريعي.
ويشكل برنامج الإرشاد الأسري، والإرشاد الزواجي أحد أبرز البرامج التي تقدمها دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية حيث تهدف إلى دعم الأسرة وتذليل المشكلات التي تواجهها، ويهدف الإرشاد الزواجي إلى توعية المقبلين على الزواج حول الكثير من جوانب العلاقة الزوجية وتربية الأطفال وتنشئتهم. ولقد كان قرار إنشاء دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية بالوزارة خطوة أساسية نحو تحقيق مبدأ رعاية الفرد بتوجيهه وإرشاده لحماية الأسرة، كما أن رعاية الأسرة بإرشادها وتوجيهها هو السبيل لرعاية المجتمع وحمايته.
تغيرات وتحديات
وذكرت استراتيجية العمل الاجتماعي وجود تحديات مطروحة نتجت عن النقلة النوعية في حياة الناس بسبب الطفرة النفطية والوفرة المالية، والحياة المدنية، والرغبة في التغيير، وكلها أوجدت واقعًا جديدًا، وأظهرت بعض التحديات التي تواجهها الأسر العُمانية، وبعض فئاتها، فعلى الصعيد الأسري تواجه الأسرة في سلطنة عمان – مع ما يشهده العالم من تغيرات مهمة – عددا من التحديات، فقد اتضح أن عددا من الأسر تعتمد على معيل واحد، كما تشهد القيم الاجتماعية تغيرات بسبب الآثار المترتبة عن العولمة، وثورة التكنولوجيا، ويعُد الأطفال والشباب الأكثر تأثرا بالنتائج السلبية لهذه المشكلات.
ومع التحولات تواجه الأسرة العمانية تحديات عديدة تؤثر على التماسك الأسري، فقد أصبح هناك أنماط جديدة من التكوينات الأسرية تختلف في تركيبتها وأسس ونوعية الروابط بين أفرادها عن الأسرة بمفهومها وتركيبتها التقليدية، فالأسرة العمانية أصبحت تتحول من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية، مع هجرات داخلية من أجل العمل، وازدياد متغير عبر السنوات في معدلات الطلاق، وازدياد عدد الأسر ذات العائل الواحد، وازدياد متوسط عمر الزواج، وزيادة في عدد المسنين، ومسؤوليات رعايتهم، وازدياد في المعدل العام لحالات جنوح الأحداث وهذه التحديات تؤثر على قدرة الأسر في تحقيق وظائفها الرئيسية المتعلقة بالإنجاب والإنتاج؛ بالإضافة إلى توفير احتياجاتها الصحية والغذائية والاجتماعية والوجدانية، كما أن هذه التحديات تؤثر على التماسك الاجتماعي، وعلى الاستقرار في المجتمع، ومع ذلك تتمتع الأسرة العُمانية مقارنة بالأسر في الدول الأخرى بدرجة عالية من التماسك الأسري من تعاطف، وتواصل واحترام وتقدير بين أعضائها.
سياسات مكتوبة
ومن بين أهم العوائق التي تواجه رسم السياسات الأسرية عدم وجود سياسات مكتوبة للأسرة في سلطنة عمان، بحيث تلبي القطاعات المختلفة حاجة أفراد الأسرة داخل كل قطاع، وتقوم بصياغة سياسات معينة يمكن أن تعود بالفائدة على أفراد الأسرة، وأن تعتمد هذه السياسات على المؤشرات والنتائج.
وأشارت استراتيجية العمل الاجتماعي إلى أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العُماني منها: انتقال الأسرة من النمط الممتد إلى الأسرة النووية والذي أسهم في إضعاف الترابط الأسري ومسؤولية رعاية الأبوين، وانتشار النمط الاستهلاكي، كما انتشرت ظاهرة التباهي والتفاخر والإسراف في المناسبات، وخصوصا عادات الزواج. وظهرت آثار العولمة والتكنولوجيا المعلوماتية على الأسر، الأمر الذي أدى إلى ظهور بعض المشكلات السلبية في المجتمع كالاستعانة بالمربيات وعاملات المنازل قليلات الخبرة، وغير المؤهلات علميا لتربية الأطفال، وأثرهن السلبي في تربية الأطفال؛ بالإضافة إلى قلة وجود مراكز استشارات أسرية قريبة من الأسر.
المرأة والطفل
أما على صعيد المرأة فقد وجدت الاستراتيجية أن ربع النساء العُمانيات تساهم في النشاط الاقتصادي، وتبدو مشاركتهن في ذروتها في الفئة العمرية 25 إلى 29 عامًّا، وعلى الرغم من الإصلاحات التشريعية المستمرة في سلطنة عمان؛ فإن هناك بعض التحديات فيما يتعلق بالتشريعات ذات العلاقة بالمرأة، وما بين تطبيقها على أرض الواقع.
ومن بين التحديات التشريعية أنه ليس هناك إلزام بإنشاء دوُر حضانة، ومراكز رعاية نهارية في أماكن العمل، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل، وانسحابها منه بعد دخولها بسبب عدم قدرتها على التوفيق بين واجباتها تجاه العمل وتجاه أفراد أسرتها، كذلك لابد من النظر في إيجاد وسائل دعم ومساندة للمرأة لخوض انتخابات مجالس الشورى والبلدية بما يمكنها من الوصول إلى مكان هذه المجالس للمشاركة بالرأي.
وعلى صعيد الطفل أظهرت الاستراتيجية أن الأطفال في سلطنة عمان يواجهون تحديات في السنوات الأولى من حياتهم والمتعلقة بالصحة، والتغذية، والنمو، والتعلم، وظهر هذا القصور نظرا لعدم فهم أهمية السنوات الأولى من عمر الطفل في وضع الأساس للتنمية البشرية، وكما تقُدم خدمات الطفولة المبكرة بشكل رئيسي من قبل القطاع الخاص، الأمر الذي يحد من انتفاع بعض الأطفال في الأسر محدودة الدخل؛ وخاصة في المناطق البعيدة من خدمات تنشئة الطفولة، وكذلك الأطفال ذوي الإعاقة من هذه الخدمات.
كما أن هناك عددا من الأطفال من ذوي الدخل المحدود، وكذلك الذين يعيشون في المناطق الريفية يعانون من صعوبة الوصول إلى خدمات التعليم المبكر، وفي هذا الإطار قامت سلطنة عمان باستحداث صفوف التهيئة في بعض المدارس التي تحتاج إلى دعم للطفل ما قبل المدرسة ببعض المحافظات بما فيها المناطق الريفية، بالإضافة إلى ضعف نسبة الملتحقين بدور الحضانة، كما أن بعض الحضانات المتوفرة تحتاج إلى تأهيل الكوادر العاملة بها بالمهارات المطلوبة لتعليم الأطفال في هذه السن وفقًا لقدراتهم. كما أن عدد الأطفال الذين يعانون من الإعاقة، ويتم إلحاقهم بمراكز الوفاء الاجتماعي المنتشرة في المحافظات لا يزال ضعيفًا.
أما في مجال حماية الطفل والأسرة فلا تزال الجهود اللازمة لتوفير هذه الخدمات حديثة العهد، حيث يتعين ربطها بشكل منتظم بالقطاعات الأخرى، وهو بحاجة إلى إرساء نظام وطني شامل لحماية الطفل والأسرة يأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد المتعلقة بالوقاية، والحماية، والتأهيل، والنظر إلى الاحتياجات المتعددة للفئات ذات الظروف الخاصة.
وستعالج السياسات الأسرية في سلطنة عمان عدة عناصر تتعلق بالتحديات التي قد تواجه الأسر، حيث يرتبط بعض من هذه التحديات بالعلاقات بين الزوجين، والعلاقة بين الآباء وأبنائهم، وفيما بين الأجيال (الأجداد مع الأحفاد) وترتبط التحديات الأخرى باستهداف المرأة، والطفل، وذوي الإعاقة.
سياسات وبرامج
ولتحقيق الهدف الذي وضع له والمتركز في 'أسرة متماسكة مستقرة ممكنة تساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة' تسعى وزارة التنمية الاجتماعية إلى تحقيق نتائج مهمة بوضع سياسات وبرامج أسرية وطنية منصفة ومبنية على المؤشرات وداعمة لاستقرار الأسر وتماسكها، وتنمية الطفولة المبكرة المتكاملة أولوية وطنية مدعومة بالتزام حكومي وموارد مخصصة وقدرات مؤسسية وآليات للتنسيق عبر القطاعات.
وتبدو الجهود قائمة لتنفيذ عدد من التحولات الجوهرية أهمها الانتقال نحو النهج الحقوقي في حماية الأطفال والنساء والأسرة والتركيز على الأسر كافة عوضا عن ما كان متبعا في حماية الأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي والتركيز على تقييم احتياجاتهم وإمكانياتهم من أجل المساهمة بشكل فاعل في المجتمع، والعمل على تعزيز أدوات وقدرات اللجنة الوطنية لشؤون الأسرة لتقوم بمهام رسم السياسات والتنسيق بشكل أكبر، وسوف تقوم الوزارة بوضع إطار وطني يحدد أدوار ومسؤوليات جميع الجهات ذات الصلة والتنسيق فيما بينها للوقاية والاستجابة وحماية وإعادة تأهيل النساء والأطفال، وستقوم بإنشاء آلية رصد وتطوير معايير لجودة الخدمات وتطوير الجوانب التشريعية في مجال حماية الأسرة، كما ستدرس الوزارة بالشراكة مع الوزارات والجهات المعنية سياسات العمل الصديقة للأسرة التي تضمن ساعات عمل مرنة للأمهات.
ومن جانب آخر ستسعى الاستراتيجية إلى وضع أجندة تنمية الطفولة المبكرة كأولوية على الأجندة الوطنية وتعزيز اهتمام واضعي السياسات والوعي العام إلى أهمية تنمية الطفولة المبكرة والتأكيد على تخصيص الموازنات الكافية للتنفيذ الفعال للاستراتيجية الوطنية للطفولة التي أعدت بالتعاون مع منظمة اليونيسف، والعمل على تأسيس مراكز تنمية الطفولة في جمعيات المرأة العمانية وغيرها من مؤسسات المجتمع.