"عمان" تسأل: هل يعلو صوت المرأة في المجالس المنتخبة؟
على أعتاب انتخابات الشورى للفترة العاشرة..
الثلاثاء / 14 / شعبان / 1444 هـ - 19:05 - الثلاثاء 7 مارس 2023 19:05
- د. محمد العاصمي: تخصيص مقاعد للمرأة بنظام 'الكوتا' قد يخدم قضاياها
- د. سالمة الفارسية: المشاركة السياسية للمرأة دون المأمول وبحاجة لمزيد من التمكين
- د. سوسن اليعقوبية: بعض النساء لم تؤسس قاعدة قوية متينة من العلاقات ورصيد الإنجازات
- بشرى الكندية: انخفاض ثقة الناخبين وافتقار المرشحات لمهارات الإقناع والمواجهة
على الرغم من أن التشريعات أعطت المرأة فرصا للمشاركة في كافة قطاعات الدولة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومنحها الحق في التصويت والترشح في انتخابات مجلسي الشورى والبلدي فإن تمثيلها البرلماني ما زال يواجه تحديات ترجع إلى أسباب عدة منها ثقافة المجتمع وصعوبة ترشح المرأة ذات الكفاءة والتخطيط للعملية الانتخابية وتواضع إقبال المرأة على الترشح في الانتخابات.
'عمان' تساءلت عن أسباب ضعف الإقبال على المشاركة في العملية الانتخابية من قبل المرأة وتراجع وجودها في المجالس البرلمانية خاصة ونحن على أعتاب انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة، ناهيك عن فوز امرأة واحدة فقط في الانتخابات البلدية.
في البداية قال الدكتور محمد بن خلفان العاصمي، نائب الأمين العام المساعد لشؤون الجلسات بمجلس الشورى عن وضع المرأة في مجلس الشورى في الفترات السابقة: لا شك أن المرأة العمانية حظيت برعاية كريمة من لدن السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه، وتحظى بالرعاية والدعم والتمكين من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- فقد كانت التوجيهات السديدة بتمكين المرأة ومنحها جميع الحقوق بالتساوي مع الرجل وذلك انطلاقًا من إيمان تام بأهمية دور المرأة في مسيرة التنمية ودورها المهم جنبًا إلى جنب مع الرجل بل إن هذا الدور ضروري لتكامل الأدوار بينهم مما يخدم برامج التنمية ويحقق المستهدفات الوطنية.
وأضاف العاصمي: الاهتمام والإيمان بدور المرأة في سلطنة عمان بدأ مع انطلاق النهضة المباركة وترسّخ على مدى العقود اللاحقة لتصل اليوم في عهد النهضة المتجددة إلى مراحل يشهد لها العالم وأصبحت سلطنة عمان من الدول المشهود لها على مستوى العالم في هذا المجال وكان مجلس الشورى من بين المؤسسات الوطنية التي مكّنت المرأة فيها وقد بدأت هذه التجربة الرائدة في الفترة الثانية من عمر مجلس الشورى الذي انطلقت دورته الأولى في عام ١٩٩١م وخلال الفترات التسع من عمر المجلس شاركت المرأة العمانية بدور فاعل في مسيرة الشورى وساهمت بفاعلية كبيرة في تناول القضايا الوطنية وكان هناك اهتمام خاص بقضايا المرأة، ومنذ الفترة الثانية لم تغب المرأة عن قبة المجلس وهذا أمر مهم بحد ذاته كون المقاعد في المجلس تخضع للانتخاب الحر من قبل المواطنين ورغم أن هذا التمثيل ليس عاليًا لكنه يعطي مؤشرات مجتمعية حول قدرة المرأة على التنافس وانتزاع مقاعد في المجلس.
وعن قدرة المرأة على الفوز بمقاعد في مجلس الشورى، أوضح الدكتور محمد قائلا: أرى أنها قادرة على ذلك وأجدها منافسة شرسة وهذا ما شاهدناه خلال الفترات السابقة شريطة أن تكون مقنعة للناخب وهذا الأمر يتطلب العمل وفق خطط تضمن إقناع الباحث بعيدا عن موضوع التركيز على قضية شغل المقعد فقط لأنها امرأة.
بالنسبة لحاجة المرأة إلى نظام (كوتا) للوصول إلى قبة المجلس فيرى الدكتور محمد من وجهة نظره أن 'المرأة قادرة على المنافسة وأن هذا النظام وإن كان في ظاهره يضمن تمثيل المرأة ولكنه في الجانب الآخر يعزز عدم قدرة المرأة على فرض نفسها وإقناع الناخبين بقدرتها على ممارسة العمل البرلماني في الوقت الذي يمنح النظام الناخب اختيار ممثليه بحرية كاملة، وعلى العكس فقد ارتفعت نسبة النساء المسجلات في السجل الانتخابي ما يقدر بـ 47% من الناخبين الذين يحق لهم الانتخاب، كما أن الممارسة الديمقراطية تقتضي إعطاء الناخب حرية اختيار ممثله ولكن قد يجد المشرع أن منح المرأة مقاعد مخصصة فهذا أمر قد يكون متاحا حسب حاجة المرحلة وله مبررات من قبل المنادين به وقد تكون منطقية وتخدم عملية التنمية خصوصًا في موضوع تناول قضايا المرأة'.
وأوضح الدكتور: بالمجمل أثبتت المرأة العمانية كفاءتها في كل موقع شغلته بل وتفوقت في مجالات عدة وما هذا التفوق إلا نتيجة الاهتمام والثقة والتمكين الذي نالته المرأة العمانية من القيادة والذي انعكس بشكل كبير على مسيرة البناء والنماء التي شهدتها سلطنة عمان في شتى المجالات.
المرأة مؤهلة
وقالت الدكتورة سوسن بنت سعود اليعقوبية إن تراجع تمثيل المرأة في المجالس البرلمانية واضح، فقالت: رغم وصول المرأة العمانية لمناصب قيادية متنوعة وعديدة فإننا نلاحظ تراجع وجود المرأة في الانتخابات البرلمانية وضعف تمثيلها في المجالس ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها أن المجتمع العماني قبلي؛ فقد نجد امرأة مؤهلة علميا وأكاديميا ومجتمعيا ولها مشاركات ومساهمات تطوعية وخيرية ومجتمعية فاعلة جدا، ولكن في المقابل لا تستطيع أن تترشح لمجلس الشورى لرفض عائلتها الفكرة، ومن جانب آخر طقوس الترشح والفكرة العامة السائدة للترشح قد تعيق الكثير من النساء عن الترشح للشورى أو البلدي حيث يتطلب ذلك الذهاب لكل أسرة وكل قبيلة وكل فرد تعرفه لتطلب مساندته لها بالتصويت وجلب الأصوات وهذا الأمر بحد ذاته قد تنظر له بعض النساء بالصعوبة وتقليلا من الشأن ويتطلب جهدا كبيرا والانتقال بين قرى الولاية وما يتطلبه الوضع من مشاركات ومجاملات كثيرة وهذا الجانب يكون في نظر البعض غير مناسب لوضعها الاجتماعي.
وتطرقت اليعقوبية إلى الحديث عن أبرز التحديات التي تواجه المرأة أثناء فترة الانتخابات: بعض النساء لم تؤسس قاعدة قوية متينة ورصيدا جيدا من العلاقات والمنجزات والمشاركات المجتمعية حتى تستطيع خوض غمار الانتخابات وعندما تترشح لمجلس الشورى أو البلدي لا تحصل على أصوات لأنه لا يعرفها الكثير من أفراد المجتمع وليس لها أي بصمة أو مشاركة تدعمها وتدفع بها للدخول لهذه المغامرة رغم أنه لا يوجد لديها مانع من إجراء طقوس الترشح والذهاب لكل أسرة بالمجتمع.
وقالت: 'ترى بعض النساء أن سبب العزوف قد يرجع للمجتمع الذكوري المتعارف عليه بسلطنة عمان ولكن شخصيا لا أتفق مع هذا الرأي لأن بعض الأحيان قد يدفع هذا المجتمع الذكوري بامرأة مؤهلة شخصيا وعلميا واجتماعيا لأن تكون بمجلس الشورى لقناعته التامة في أنها ستكون الشخص المناسب في المكان المناسب وقناعته التامة بجهدها الملحوظ في خدمة المجتمع والتعليم والصحة والتربية وغيرها وربما المرأة هي التي تتجنب المشاركة لأسباب عائلية'.
وقدمت اليعقوبية نصيحة للدفع بالمرأة للدخول في المجالس البلدية والشورى قائلة: على المرأة أن تثبت وجودها بعلمها وأخلاقها العالية ومناشطها ومشاركاتها الفاعلة والهادفة مع المجتمع وتكون لها بصمة إيجابية وفاعلة بالمجتمع وتستفيد من كافة الإمكانيات المتاحة وتذليل العوائق لصالحها لتتقدم للترشح وهي على ثقة بأن المجتمع سيقبل ترشحها وسيدعمها.
الحياة السياسية
وقالت الدكتورة سالمة بنت نصيب الفارسية: أعطى النظام الأساسي للدولة المرأة حق التصويت والترشح لعضوية المجالس المنتخبة كمجلسي الشورى والبلدي، وفي الفترة الثانية لمجلس الشورى 1994-1997 شهد المجلس تعيين أول امرأتين عضوتين بمجلس الشورى، وقد فازت نفس المرأتين في انتخابات المجلس للفترة الثالثة 1998-2002. وأقرت الدولة في الفترة الرابعة للمجلس قوانين جديدة سمحت بمشاركة أكبر للمرأة في عملية التصويت، فأصبحت نسبة مشاركة المرأة في التصويت بشكل عام تصل إلى 30% من إجمالي الناخبين الذين كانوا في آخر انتخابات في سلطنة عمان بمجلس الشورى في عام 2019م، وشهدت ولاية قريات بمحافظة مسقط أعلى نسبة مشاركة للنساء في التصويت في هذه الانتخابات إذ بلغت 51% من نسبة الناخبين المسجلين في الولاية، وبلغت أعلى نسبة مشاركة في التصويت في محافظة الوسطى وبنسبة 81%.
وأوضحت الفارسية في دراسة قامت بها بعنوان 'صيغ مشاركة المرأة العربية في الحياة السياسية.. تجربة سلطنة عُمان': خلصت أغلب الدراسات إلى اعتبار المشاركة السياسية للمرأة دون المأمول وهناك حاجة لمزيد من التمكين للمرأة في جوانب مختلفة للوصول إلى تمكينها سياسيا، حيث يسعى التمكين إلى إعطاء المرأة الفرصة والموارد لكي تثبت قدرتها بهدف تحقيق التنمية المستدامة والمساواة والإنصاف بينها وبين الرجل في عملية صنع القرار في الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.
وتابعت: تظهر الكثير من التقارير الصادرة عن الجهات العمانية الرسمية الجهود المبذولة في مجال مشاركة المرأة وتمكينها، إذ يلاحظ تخصيص بنود تحدد نسبة مشاركة المرأة في المؤسسات الحكومية والهيئات لكن المشاركة تلك لا تشمل التمكين السياسي للمرأة ويبدو مستوى المشاركة السياسية للمرأة قائما على المنافسة المحدودة رغم وجود أكثر من ستين جمعية من جمعيات المرأة العمانية تشرف عليها وزارة التنمية الاجتماعية إلا أن النظام الأساسي للجمعيات يحظر عليها القيام بأنشطة سياسية حتى ما يتعلق منها بالتوعية الانتخابية إلا في حالات التعاون مع المؤسسات المعنية للقيام بأدوار ومهمات تلك الجهات، كما ترى بعض العمانيات المهتمات بتمكين المرأة العمانية أن هناك مشكلة عميقة تتمثل في عدم معرفة من يمثل قضايا المرأة في سلطنة عمان أو إلى أي جهة يمكن اللجوء لمعالجة أو مناقشة قضايا المرأة عموما وقضايا التمكين السياسي بشكل خاص.
وثمة عوامل كثيرة تحول دون تعزيز المشاركة السياسية للمرأة أهمها الذهنيات والمنظومة القيمية الاجتماعية خاصة في المحافظات والولايات خارج العاصمة مسقط. لم يتعد عدد العضوات في مجلس الشورى في كل فترة من فتراته عضوة أو عضوتين يمثلن ولايات من محافظة مسقط حتى عام 2019 حيث حصلت عضوة واحدة على العضوية من خارج محافظة مسقط ولكن من أمهات المدن القريبة من مسقط والتي تشابه مسقط في الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وهناك العديد من الأسباب التي تحد من مشاركة المرأة في الحياة السياسية لعل أهمها التحديات الاجتماعية المتمثلة في البنية الثقافية للمجتمع والتحديات الثقافية التي تتمثل في سيادة الفكر الذكوري بين الرجل والنساء بالإضافة إلى أسباب أخرى منها التحديات المالية التي تواجه المرشحة المرأة أكثر من الرجل وعدم الدراية بأصول إدارة الحملة الانتخابية وغياب الوعي لدى الناخب بأهمية وجود المرأة في المجالس البرلمانية.
وأكدت الدكتورة أن التمثيل المتواصل للمرأة في المجالس المنتخبة يحيل إلى مجموعة من الإشكاليات أبرزها تواضع إقبال المرأة على الترشح في الانتخابات مما يطرح أسئلة حول مدى وعيها بأهمية مشاركتها في دوائر صناعة القرار كمواطنة أولا وكامرأة ثانيا تسعى للنهوض بوضع النساء في مجتمعها في وعي لهويتها النسوية والمواطنية السياسية في الوقت ذاته.
كما يبدو جليا أن نسب مشاركتها الضئيلة في الترشح والتي على الرغم من أنها شهدت تحسنا تدريجيا من دورة انتخابية إلى أخرى -خاصة انتخابات مجلس الشورى- يبقى التقدم محدودا للغاية، ويمكن إرجاع هذا التراجع في التمثيل النسائي إلى خيبة الأمل التي خلّفتها النتائج الضئيلة للمشاركة النسائية في الانتخابات ما ولَّد لدى المرأة الناخبة أو المترشحة القناعة بعدم جدوى المشاركة.
وتفرض مسألة ضعف التمثيل النسائي في المجالس المنتخبة في سلطنة عمان التفكير الجدي في اعتماد نظام الكوتا كإجراء ضروري من أجل ترسيخ تقاليد العمل السياسي النسائي في البلاد، وتكريس وجود المرأة ضمن المجالس باعتبارها عنصرا فاعلا في المجتمع، حيث من المؤسف أن تكون المرأة في سلطنة عمان لم تحقق حتى الآن نتائج رائدة في الحياة السياسية كتلك التي حققتها في نواحي الحياة الأخرى.
الوعي العام
وأكدت بشرى بنت يوسف الكندية، باحثة في شؤون المرأة على وجود تحديات تواجه مرشحات مجلس الشورى في العملية الانتخابية، حيث ما زالت المرأة تعاني من بعض المعوقات التي تحد من مشاركتها في الحياة البرلمانية وتحتاج إلى آليات وطرق للنهوض بمشاركتها وتعزيز وصولها إلى المجالس المنتخبة بشكل أوسع، وقالت: هناك تحديات يعاني منها المرشحون والمرشحات بشكل عام وهو انخفاض ثقة الناخبين، حيث يُعِد الناخب من المثقفين أن مجلس الشورى بحاجة إلى صلاحيات تشريعية أكبر حتى يستعيد ثقة الناخب.
أما بالنسبة لأبرز التحديات التي تواجه المرأة هي تحديات ذاتية تختص بشخصية المرأة ذاتها ومؤهلاتها العلمية والمهارات القيادية التي تمتلكها، كما تفتقر بعض المرشحات القدرة على إقناع ومواجهة الناخبين.
أما بالنسبة للتحديات الاجتماعية والتي لها علاقة بالانتماء القبلي الذي يدعم الرجل لإيمانه بأن لديه القدرات والإمكانيات لتمثيل القبيلة، أيضا هناك تحديات ثقافية للمجتمع منها تسيد الفكر الذكوري لدى الرجال والنساء معا الذي يميل إلى أن مجلس الشورى هو عمل من شأن الرجل وعلى المرأة ألا تزج بنفسها في هذا العمل وعليها الاهتمام بأسرتها وبيتها. بالإضافة إلى تحديات متعلقة بإدارة الحملة الانتخابية وضعف التخطيط المالي للحملة وضعف القدرة المادية لتمويل الحملة، كما أن ضعف دعم النساء للمرشحة يمثل تحديا يعرقل وصولها للمجلس وندرة دعم وتمكين النساء من خلال التنظيم المؤسسي المتمثل في جمعيات المرأة العمانية تشكل صعوبة للمرشحة.
وأشارت الكندية إلى أن المجتمع قد يقتنع بالمرشحة المرأة ويدعمها إذا ما توفرت لديها الصفات القيادية والقبول المجتمعي والقبلي. ولتعزيز حضور المرأة في مجلس الشورى هناك آليات تساعد على تمكين المرأة أهمها العمل على رفع الوعي لدى المجتمع بأهمية وجود المرأة في مجلس الشورى وتمكين المرشحات من إدارة الحملات الانتخابية وتخصيص مقاعد مجلس الشورى خاصة للنساء الحاصلات على أعلى الأصوات في المحافظات عبر تطبيق نظام الكوتا.
- د. سالمة الفارسية: المشاركة السياسية للمرأة دون المأمول وبحاجة لمزيد من التمكين
- د. سوسن اليعقوبية: بعض النساء لم تؤسس قاعدة قوية متينة من العلاقات ورصيد الإنجازات
- بشرى الكندية: انخفاض ثقة الناخبين وافتقار المرشحات لمهارات الإقناع والمواجهة
على الرغم من أن التشريعات أعطت المرأة فرصا للمشاركة في كافة قطاعات الدولة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومنحها الحق في التصويت والترشح في انتخابات مجلسي الشورى والبلدي فإن تمثيلها البرلماني ما زال يواجه تحديات ترجع إلى أسباب عدة منها ثقافة المجتمع وصعوبة ترشح المرأة ذات الكفاءة والتخطيط للعملية الانتخابية وتواضع إقبال المرأة على الترشح في الانتخابات.
'عمان' تساءلت عن أسباب ضعف الإقبال على المشاركة في العملية الانتخابية من قبل المرأة وتراجع وجودها في المجالس البرلمانية خاصة ونحن على أعتاب انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة، ناهيك عن فوز امرأة واحدة فقط في الانتخابات البلدية.
في البداية قال الدكتور محمد بن خلفان العاصمي، نائب الأمين العام المساعد لشؤون الجلسات بمجلس الشورى عن وضع المرأة في مجلس الشورى في الفترات السابقة: لا شك أن المرأة العمانية حظيت برعاية كريمة من لدن السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه، وتحظى بالرعاية والدعم والتمكين من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- فقد كانت التوجيهات السديدة بتمكين المرأة ومنحها جميع الحقوق بالتساوي مع الرجل وذلك انطلاقًا من إيمان تام بأهمية دور المرأة في مسيرة التنمية ودورها المهم جنبًا إلى جنب مع الرجل بل إن هذا الدور ضروري لتكامل الأدوار بينهم مما يخدم برامج التنمية ويحقق المستهدفات الوطنية.
وأضاف العاصمي: الاهتمام والإيمان بدور المرأة في سلطنة عمان بدأ مع انطلاق النهضة المباركة وترسّخ على مدى العقود اللاحقة لتصل اليوم في عهد النهضة المتجددة إلى مراحل يشهد لها العالم وأصبحت سلطنة عمان من الدول المشهود لها على مستوى العالم في هذا المجال وكان مجلس الشورى من بين المؤسسات الوطنية التي مكّنت المرأة فيها وقد بدأت هذه التجربة الرائدة في الفترة الثانية من عمر مجلس الشورى الذي انطلقت دورته الأولى في عام ١٩٩١م وخلال الفترات التسع من عمر المجلس شاركت المرأة العمانية بدور فاعل في مسيرة الشورى وساهمت بفاعلية كبيرة في تناول القضايا الوطنية وكان هناك اهتمام خاص بقضايا المرأة، ومنذ الفترة الثانية لم تغب المرأة عن قبة المجلس وهذا أمر مهم بحد ذاته كون المقاعد في المجلس تخضع للانتخاب الحر من قبل المواطنين ورغم أن هذا التمثيل ليس عاليًا لكنه يعطي مؤشرات مجتمعية حول قدرة المرأة على التنافس وانتزاع مقاعد في المجلس.
وعن قدرة المرأة على الفوز بمقاعد في مجلس الشورى، أوضح الدكتور محمد قائلا: أرى أنها قادرة على ذلك وأجدها منافسة شرسة وهذا ما شاهدناه خلال الفترات السابقة شريطة أن تكون مقنعة للناخب وهذا الأمر يتطلب العمل وفق خطط تضمن إقناع الباحث بعيدا عن موضوع التركيز على قضية شغل المقعد فقط لأنها امرأة.
بالنسبة لحاجة المرأة إلى نظام (كوتا) للوصول إلى قبة المجلس فيرى الدكتور محمد من وجهة نظره أن 'المرأة قادرة على المنافسة وأن هذا النظام وإن كان في ظاهره يضمن تمثيل المرأة ولكنه في الجانب الآخر يعزز عدم قدرة المرأة على فرض نفسها وإقناع الناخبين بقدرتها على ممارسة العمل البرلماني في الوقت الذي يمنح النظام الناخب اختيار ممثليه بحرية كاملة، وعلى العكس فقد ارتفعت نسبة النساء المسجلات في السجل الانتخابي ما يقدر بـ 47% من الناخبين الذين يحق لهم الانتخاب، كما أن الممارسة الديمقراطية تقتضي إعطاء الناخب حرية اختيار ممثله ولكن قد يجد المشرع أن منح المرأة مقاعد مخصصة فهذا أمر قد يكون متاحا حسب حاجة المرحلة وله مبررات من قبل المنادين به وقد تكون منطقية وتخدم عملية التنمية خصوصًا في موضوع تناول قضايا المرأة'.
وأوضح الدكتور: بالمجمل أثبتت المرأة العمانية كفاءتها في كل موقع شغلته بل وتفوقت في مجالات عدة وما هذا التفوق إلا نتيجة الاهتمام والثقة والتمكين الذي نالته المرأة العمانية من القيادة والذي انعكس بشكل كبير على مسيرة البناء والنماء التي شهدتها سلطنة عمان في شتى المجالات.
المرأة مؤهلة
وقالت الدكتورة سوسن بنت سعود اليعقوبية إن تراجع تمثيل المرأة في المجالس البرلمانية واضح، فقالت: رغم وصول المرأة العمانية لمناصب قيادية متنوعة وعديدة فإننا نلاحظ تراجع وجود المرأة في الانتخابات البرلمانية وضعف تمثيلها في المجالس ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها أن المجتمع العماني قبلي؛ فقد نجد امرأة مؤهلة علميا وأكاديميا ومجتمعيا ولها مشاركات ومساهمات تطوعية وخيرية ومجتمعية فاعلة جدا، ولكن في المقابل لا تستطيع أن تترشح لمجلس الشورى لرفض عائلتها الفكرة، ومن جانب آخر طقوس الترشح والفكرة العامة السائدة للترشح قد تعيق الكثير من النساء عن الترشح للشورى أو البلدي حيث يتطلب ذلك الذهاب لكل أسرة وكل قبيلة وكل فرد تعرفه لتطلب مساندته لها بالتصويت وجلب الأصوات وهذا الأمر بحد ذاته قد تنظر له بعض النساء بالصعوبة وتقليلا من الشأن ويتطلب جهدا كبيرا والانتقال بين قرى الولاية وما يتطلبه الوضع من مشاركات ومجاملات كثيرة وهذا الجانب يكون في نظر البعض غير مناسب لوضعها الاجتماعي.
وتطرقت اليعقوبية إلى الحديث عن أبرز التحديات التي تواجه المرأة أثناء فترة الانتخابات: بعض النساء لم تؤسس قاعدة قوية متينة ورصيدا جيدا من العلاقات والمنجزات والمشاركات المجتمعية حتى تستطيع خوض غمار الانتخابات وعندما تترشح لمجلس الشورى أو البلدي لا تحصل على أصوات لأنه لا يعرفها الكثير من أفراد المجتمع وليس لها أي بصمة أو مشاركة تدعمها وتدفع بها للدخول لهذه المغامرة رغم أنه لا يوجد لديها مانع من إجراء طقوس الترشح والذهاب لكل أسرة بالمجتمع.
وقالت: 'ترى بعض النساء أن سبب العزوف قد يرجع للمجتمع الذكوري المتعارف عليه بسلطنة عمان ولكن شخصيا لا أتفق مع هذا الرأي لأن بعض الأحيان قد يدفع هذا المجتمع الذكوري بامرأة مؤهلة شخصيا وعلميا واجتماعيا لأن تكون بمجلس الشورى لقناعته التامة في أنها ستكون الشخص المناسب في المكان المناسب وقناعته التامة بجهدها الملحوظ في خدمة المجتمع والتعليم والصحة والتربية وغيرها وربما المرأة هي التي تتجنب المشاركة لأسباب عائلية'.
وقدمت اليعقوبية نصيحة للدفع بالمرأة للدخول في المجالس البلدية والشورى قائلة: على المرأة أن تثبت وجودها بعلمها وأخلاقها العالية ومناشطها ومشاركاتها الفاعلة والهادفة مع المجتمع وتكون لها بصمة إيجابية وفاعلة بالمجتمع وتستفيد من كافة الإمكانيات المتاحة وتذليل العوائق لصالحها لتتقدم للترشح وهي على ثقة بأن المجتمع سيقبل ترشحها وسيدعمها.
الحياة السياسية
وقالت الدكتورة سالمة بنت نصيب الفارسية: أعطى النظام الأساسي للدولة المرأة حق التصويت والترشح لعضوية المجالس المنتخبة كمجلسي الشورى والبلدي، وفي الفترة الثانية لمجلس الشورى 1994-1997 شهد المجلس تعيين أول امرأتين عضوتين بمجلس الشورى، وقد فازت نفس المرأتين في انتخابات المجلس للفترة الثالثة 1998-2002. وأقرت الدولة في الفترة الرابعة للمجلس قوانين جديدة سمحت بمشاركة أكبر للمرأة في عملية التصويت، فأصبحت نسبة مشاركة المرأة في التصويت بشكل عام تصل إلى 30% من إجمالي الناخبين الذين كانوا في آخر انتخابات في سلطنة عمان بمجلس الشورى في عام 2019م، وشهدت ولاية قريات بمحافظة مسقط أعلى نسبة مشاركة للنساء في التصويت في هذه الانتخابات إذ بلغت 51% من نسبة الناخبين المسجلين في الولاية، وبلغت أعلى نسبة مشاركة في التصويت في محافظة الوسطى وبنسبة 81%.
وأوضحت الفارسية في دراسة قامت بها بعنوان 'صيغ مشاركة المرأة العربية في الحياة السياسية.. تجربة سلطنة عُمان': خلصت أغلب الدراسات إلى اعتبار المشاركة السياسية للمرأة دون المأمول وهناك حاجة لمزيد من التمكين للمرأة في جوانب مختلفة للوصول إلى تمكينها سياسيا، حيث يسعى التمكين إلى إعطاء المرأة الفرصة والموارد لكي تثبت قدرتها بهدف تحقيق التنمية المستدامة والمساواة والإنصاف بينها وبين الرجل في عملية صنع القرار في الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.
وتابعت: تظهر الكثير من التقارير الصادرة عن الجهات العمانية الرسمية الجهود المبذولة في مجال مشاركة المرأة وتمكينها، إذ يلاحظ تخصيص بنود تحدد نسبة مشاركة المرأة في المؤسسات الحكومية والهيئات لكن المشاركة تلك لا تشمل التمكين السياسي للمرأة ويبدو مستوى المشاركة السياسية للمرأة قائما على المنافسة المحدودة رغم وجود أكثر من ستين جمعية من جمعيات المرأة العمانية تشرف عليها وزارة التنمية الاجتماعية إلا أن النظام الأساسي للجمعيات يحظر عليها القيام بأنشطة سياسية حتى ما يتعلق منها بالتوعية الانتخابية إلا في حالات التعاون مع المؤسسات المعنية للقيام بأدوار ومهمات تلك الجهات، كما ترى بعض العمانيات المهتمات بتمكين المرأة العمانية أن هناك مشكلة عميقة تتمثل في عدم معرفة من يمثل قضايا المرأة في سلطنة عمان أو إلى أي جهة يمكن اللجوء لمعالجة أو مناقشة قضايا المرأة عموما وقضايا التمكين السياسي بشكل خاص.
وثمة عوامل كثيرة تحول دون تعزيز المشاركة السياسية للمرأة أهمها الذهنيات والمنظومة القيمية الاجتماعية خاصة في المحافظات والولايات خارج العاصمة مسقط. لم يتعد عدد العضوات في مجلس الشورى في كل فترة من فتراته عضوة أو عضوتين يمثلن ولايات من محافظة مسقط حتى عام 2019 حيث حصلت عضوة واحدة على العضوية من خارج محافظة مسقط ولكن من أمهات المدن القريبة من مسقط والتي تشابه مسقط في الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وهناك العديد من الأسباب التي تحد من مشاركة المرأة في الحياة السياسية لعل أهمها التحديات الاجتماعية المتمثلة في البنية الثقافية للمجتمع والتحديات الثقافية التي تتمثل في سيادة الفكر الذكوري بين الرجل والنساء بالإضافة إلى أسباب أخرى منها التحديات المالية التي تواجه المرشحة المرأة أكثر من الرجل وعدم الدراية بأصول إدارة الحملة الانتخابية وغياب الوعي لدى الناخب بأهمية وجود المرأة في المجالس البرلمانية.
وأكدت الدكتورة أن التمثيل المتواصل للمرأة في المجالس المنتخبة يحيل إلى مجموعة من الإشكاليات أبرزها تواضع إقبال المرأة على الترشح في الانتخابات مما يطرح أسئلة حول مدى وعيها بأهمية مشاركتها في دوائر صناعة القرار كمواطنة أولا وكامرأة ثانيا تسعى للنهوض بوضع النساء في مجتمعها في وعي لهويتها النسوية والمواطنية السياسية في الوقت ذاته.
كما يبدو جليا أن نسب مشاركتها الضئيلة في الترشح والتي على الرغم من أنها شهدت تحسنا تدريجيا من دورة انتخابية إلى أخرى -خاصة انتخابات مجلس الشورى- يبقى التقدم محدودا للغاية، ويمكن إرجاع هذا التراجع في التمثيل النسائي إلى خيبة الأمل التي خلّفتها النتائج الضئيلة للمشاركة النسائية في الانتخابات ما ولَّد لدى المرأة الناخبة أو المترشحة القناعة بعدم جدوى المشاركة.
وتفرض مسألة ضعف التمثيل النسائي في المجالس المنتخبة في سلطنة عمان التفكير الجدي في اعتماد نظام الكوتا كإجراء ضروري من أجل ترسيخ تقاليد العمل السياسي النسائي في البلاد، وتكريس وجود المرأة ضمن المجالس باعتبارها عنصرا فاعلا في المجتمع، حيث من المؤسف أن تكون المرأة في سلطنة عمان لم تحقق حتى الآن نتائج رائدة في الحياة السياسية كتلك التي حققتها في نواحي الحياة الأخرى.
الوعي العام
وأكدت بشرى بنت يوسف الكندية، باحثة في شؤون المرأة على وجود تحديات تواجه مرشحات مجلس الشورى في العملية الانتخابية، حيث ما زالت المرأة تعاني من بعض المعوقات التي تحد من مشاركتها في الحياة البرلمانية وتحتاج إلى آليات وطرق للنهوض بمشاركتها وتعزيز وصولها إلى المجالس المنتخبة بشكل أوسع، وقالت: هناك تحديات يعاني منها المرشحون والمرشحات بشكل عام وهو انخفاض ثقة الناخبين، حيث يُعِد الناخب من المثقفين أن مجلس الشورى بحاجة إلى صلاحيات تشريعية أكبر حتى يستعيد ثقة الناخب.
أما بالنسبة لأبرز التحديات التي تواجه المرأة هي تحديات ذاتية تختص بشخصية المرأة ذاتها ومؤهلاتها العلمية والمهارات القيادية التي تمتلكها، كما تفتقر بعض المرشحات القدرة على إقناع ومواجهة الناخبين.
أما بالنسبة للتحديات الاجتماعية والتي لها علاقة بالانتماء القبلي الذي يدعم الرجل لإيمانه بأن لديه القدرات والإمكانيات لتمثيل القبيلة، أيضا هناك تحديات ثقافية للمجتمع منها تسيد الفكر الذكوري لدى الرجال والنساء معا الذي يميل إلى أن مجلس الشورى هو عمل من شأن الرجل وعلى المرأة ألا تزج بنفسها في هذا العمل وعليها الاهتمام بأسرتها وبيتها. بالإضافة إلى تحديات متعلقة بإدارة الحملة الانتخابية وضعف التخطيط المالي للحملة وضعف القدرة المادية لتمويل الحملة، كما أن ضعف دعم النساء للمرشحة يمثل تحديا يعرقل وصولها للمجلس وندرة دعم وتمكين النساء من خلال التنظيم المؤسسي المتمثل في جمعيات المرأة العمانية تشكل صعوبة للمرشحة.
وأشارت الكندية إلى أن المجتمع قد يقتنع بالمرشحة المرأة ويدعمها إذا ما توفرت لديها الصفات القيادية والقبول المجتمعي والقبلي. ولتعزيز حضور المرأة في مجلس الشورى هناك آليات تساعد على تمكين المرأة أهمها العمل على رفع الوعي لدى المجتمع بأهمية وجود المرأة في مجلس الشورى وتمكين المرشحات من إدارة الحملات الانتخابية وتخصيص مقاعد مجلس الشورى خاصة للنساء الحاصلات على أعلى الأصوات في المحافظات عبر تطبيق نظام الكوتا.