مخاوف من ارتفاع سقف الدين الأمريكي
الاحد / 12 / شعبان / 1444 هـ - 21:55 - الاحد 5 مارس 2023 21:55
الترجمة عن الروسية: يوسف نبيل -
قد يفضي مستوى الدين الحكومي الأمريكي الحالي البالغ 31.5 تريليون دولار إلى تخلف الدولة عن الوفاء بالتزاماتها الحكومية إذا لم يُرفع سقف الدين مجددًا. وصفت وزيرة الخزانة جانيت يلين بوضوح وبطريقة تصويرية عواقب التخلف عن السداد. قالت يلين: «سيُلحق الإخفاق في الالتزامات الحكومية ضرراً لا يمكن إصلاحه في الاقتصاد الأمريكي وسُبل عيش جميع الأمريكيين وعدم الاستقرار المالي العالمي».
يبدو أن اهتمام يلين يقتصر على الأمريكيين والاقتصاد الأمريكي. لكن ماذا عن شعب اليابان الذي استثمرت حكومته 1.3 تريليون دولار في الدين القومي للولايات المتحدة؟ هل يأتي الصينيون في المرتبة الثانية بعد أن اشتروا ما يقرب من 900 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية؟ يأتي بعد ذلك البريطانيون والبلجيكيون واللكسمبورجيون ودول أخرى أقرضت الأموال للولايات المتحدة من أجل تنمية الاقتصاد الأمريكي.
تتسم ميزانية الولايات المتحدة بعجز ثابت يغطيه الدين العام. في السنوات الأخيرة، ساهمت في هذا العجز عوامل كثيرة مثل الإنفاق العسكري ومكافحة الوباء وعواقب أزمتي 2008 و2020. يُعتبر عجز الميزانية وسيلة مباشرة لتراكم الدين العام، والذي تجاوز بالفعل في الوقت الحالي 136.62٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. هذا هو أعلى مستوى للدين في العالم. أثناء قراءة هذا المقال سيزداد الدين بعدة ملايين أخرى من الدولارات.
مما يتألف الدين العام ومن هم مالكوه؟ يُقسِّم مكتب الخدمات المالية في الولايات المتحدة الدين القومي إلى دين حكومي ودين عام. يتكون الدين العام بنسبة 75٪ من أذون الخزانة الصادرة على أساس قصير الأجل (مع استحقاق يصل إلى سنة واحدة)، وهذه ما تسمى أذون الخزانة. تُستخدم على نطاق واسع من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتنظيم كمية المعروض النقدي وكذلك من قبل الشركات لاستثمار «الرصيد النقدي» أي أنها أموال غير مطلوبة حاليًا ويمكن استثمارها لفترة قصيرة من أجل الحصول على الدخل. تتبع ذلك سندات الخزانة وهي سندات ملزم دفعها في مدة تتراوح بين سنة إلى خمس سنوات، وكذلك سندات الخزانة طويلة الأجل، وهي سندات ذات آجال استحقاق في مدة تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات أو أكثر. تتمتع كل هذه السندات بشعبية كبيرة، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن أيضًا في سوق رأس المال الدولي. السبب الرئيسي هو مدى موثوقيتها. في أوقات الأزمات كافة، حتى أثناء انهيار سوق الأسهم والكساد العظيم من 1929 إلى 1933، سددت حكومة الولايات المتحدة التزاماتها دائمًا.
في نظرية إدارة المحافظ الاستثمارية وتحليل المشاريع الاستثمارية، تسمى التزامات الحكومة الأمريكية: «الأصول الخالية من المخاطر»، وتصل احتمالية التخلف عن السداد أو مخاطر الائتمان إلى نسبة صفر، وهي نسبة تُستخدم لمقارنة خيارات الاستثمار الأخرى وتقييم علاوة المخاطرة عند الاستثمار في الأسهم والمشاريع الاستثمارية وشراء العقارات وما إلى ذلك.
الأصول الخالية من المخاطر هي ببساطة الأصول التي تحمل نسبة مرجعية تُقدر بصفر، وهو معيار لحساب علاوة المخاطرة التي يجب أن يتلقاها صاحب رأس المال إذا لم يستثمر في هذه الأصول واستثمر في الأصول الأكثر خطورة.
استطاعت الولايات المتحدة أن تقنع العالم كله بأن موثوقية التزامات ديونها مطلقة لأن لديها أكبر اقتصاد في العالم وناتجها المحلي الإجمالي أكبر من البلدان الأخرى، أي أنه لا يوجد أي خطر عمليًا. بمعنى آخر ستكون الولايات المتحدة قادرة في كل الأحوال على تسوية ديونها مع حاملي سندات الخزانة الخاصة، وهذا ما أعلنته لجميع حاملي الأوراق المالية. لم يصدق الجميع ذلك بالطبع. أرسلت الصين مثلا وفدًا رسميًا خلال أزمة عام 2008 من أجل الحصول على ضمانات بإعادة 1.3 تريليون دولار. قدمت واشنطن الضمانات، ومع ذلك سحبت الصين أكثر من 400 مليار دولار من السندات. كما أن الدول النفطية الخليجية تتخلص منها حاليًا.
إلا أن الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم في حاجة إلى أصول للاستثمار من أجل الحفاظ على احتياطياتها وزيادتها، وظل الطلب على هذه «الأصول الخالية من المخاطر» مستقرًا. طالما هناك طلب فلا يمكن للخزانة إلا أن تصدر ديون جديدة وتبيعها، ويحدث ذلك عادة بالمزاد.
لكن ما هو سقف هذا الدين؟ إلى أي مدى يمكنك إصدار السندات قبل أن يبدأ مستثمرون آخرون في الشك في جودة ائتمانهم؟
لا يسمح هذا السقف لحكومة لولايات المتحدة بإنفاق إضافي، بل يؤثر على القدرة على سداد الاحتياجات الحالية من خلال تغطية «الفجوات النقدية» بين إنفاق الميزانية الفيدرالية والإيرادات (أي الضرائب).
لكن الفشل في رفع سقف الديون قد يترك حاملي السندات غير واثقين من قدرتهم على خدمة وسداد ديون الحكومة الفيدرالية. بعد ذلك، كما قالت يلين «الجدة» (كما يطلق عليها التجار في جميع أنحاء العالم) - «سوف يتسبب ذلك في ضرر لا يمكن إصلاحه في الاقتصاد الأمريكي ومعيشة جميع الأمريكيين، كما سيفضي إلى عدم الاستقرار المالي العالمي».
تتشابه مخاطر السندات الحكومية بطبيعتها إلى حد بعيد مع مخاطر إصدار النقود الورقية بغير غطاء. نحن نعترف بها أيضًا كوسيلة للدفع والتسوية وأداة للادخار طالما اتفق الجميع على اعتبار هذه الأوراق أصولًا ذات قيمة جوهرية مثل النقود الذهبية أو الفضية.
هكذا هو الحال مع السندات حيث يدعم المستثمرون ائتمان ثقة المقترض (في هذه الحالة المقترض هو حكومة الولايات المتحدة) وقدرته على سداد الالتزامات عند الطلب. لكن المصداقية تُقاس من خلال التصنيف الائتماني الذي تحدده وكالات التصنيف الأمريكية الثلاثة: Standard&Poor›s - Moody›s Investor Services - Fitch. بالنسبة للالتزامات الحكومية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وعدد من البلدان الأخرى فهي الأعلى من حيث التصنيف: AAA.
لكن الألعاب السياسية حول الزيادة في سقف الديون في عام 2011 هي على وجه التحديد التي أدت إلى حقيقة أن الوكالة الأكثر موثوقية: Standard & Poor›s خفضت التصنيف الائتماني للحكومة الأمريكية إلى AAA - ، مما تسبب في حدوث صدمة في القطاع المالي. ارتفع سعر الذهب إلى ما يزيد عن 2000 دولار للأوقية وانخفض الدولار مقابل العملات الأخرى.
أُعِد مفهوم «السقف» (غطاء الدين) في عام 1917 بالانتقال من الموافقة على إصدار واحد من السندات الحكومية، كما كان الحال من قبل، إلى الموافقة على مجموعات كاملة من السندات دفعة واحدة، مما سهل تمويل الأغراض العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى. في عام 1939 قدم الكونجرس الأمريكي لأول مرة مفهوم سقف الديون لمنح الخزانة حرية إصدار السندات. في ذلك الوقت، سمح رفع السقف للحكومة بالاقتراض لتغطية الفجوة بين الإنفاق الذي وافق عليه الكونجرس بالفعل وعوائد الضرائب. استمر الأمر دون وقوع حوادث حتى عام 1953 عندما حاول مجلس الشيوخ الأمريكي تقييد الرئيس أيزنهاور من المطالبة بمزيد من الاقتراض لتمويل تشييد الطرق السريعة في البلاد. منذ ذلك الحين، رُفِع حد الاقتراض عشرات المرات لكنه صار في السنوات العشرين الماضية أداة للنضال السياسي. تمثلت الحلقة الأكثر لفتًا للانتباه في هذا النضال في تخفيض التصنيف الائتماني لسندات الخزانة الذي حدث في عام 2011. أدى ذلك أيضًا إلى خفض تصنيفات الجمهوريين وباراك أوباما حينما حاولوا الضغط من أجل سن قانون الرعاية بأسعار معقولة. وافق أوباما بعد ذلك على خفض الإنفاق بأكثر من 2 تريليون دولار على مدى 10 سنوات.
الآن تجاوزت الإدارة الأمريكية بالفعل الحد الذي حددته سابقًا والبالغ 31.4 تريليون مما يجبر وزارة الخزانة على اللجوء إلى ما يسمى: «إجراءات استثنائية»، وتتمثل هذه الإجراءات في حجب المساهمات الدورية في صندوق معاشات الموظفين الفيدراليين لاستخدامها في استرداد السندات.
بمجرد استنفاد هذه الإجراءات، يمكن تطبيق تدابير أكثر صرامة من أجل سداد ديون الدولة، وهي تدابير نوقشت بجدية بالفعل في عام 2011؛ من بينها التأخير في المدفوعات لموظفي الخدمة المدنية وخفض عددهم ووقف دفع شيكات الضمان الاجتماعي. إذا لم تُتخذ هذه الإجراءات، فلا مفر من التخلف عن السداد، ما لم يُرفع - بالطبع - حد الدين العام مرة أخرى قبل بداية شهر يونيو.
قال المتحدث باسم الرئيس بايدن: «عدم سداد الديون سيغرق البلاد في الانهيار الاقتصادي والكارثة وسيمنح منافسينا مثل الصين دفعة تاريخية».
أليس صحيحًا أن هذه القصة برمتها تشبه هرمًا ماليًا أو فقاعة مالية؟ لكن هذه علامة أكيدة على حدوث تغيير في زعامة العالم.
فلاديمير تريجوبوف اقتصادي روسي نشر كتبًا اقتصادية كثيرة ودرَّس في المدرسة العليا للاقتصاد وعدد من كليات إدارات الأعمال.
عن m.gazeta.ru
قد يفضي مستوى الدين الحكومي الأمريكي الحالي البالغ 31.5 تريليون دولار إلى تخلف الدولة عن الوفاء بالتزاماتها الحكومية إذا لم يُرفع سقف الدين مجددًا. وصفت وزيرة الخزانة جانيت يلين بوضوح وبطريقة تصويرية عواقب التخلف عن السداد. قالت يلين: «سيُلحق الإخفاق في الالتزامات الحكومية ضرراً لا يمكن إصلاحه في الاقتصاد الأمريكي وسُبل عيش جميع الأمريكيين وعدم الاستقرار المالي العالمي».
يبدو أن اهتمام يلين يقتصر على الأمريكيين والاقتصاد الأمريكي. لكن ماذا عن شعب اليابان الذي استثمرت حكومته 1.3 تريليون دولار في الدين القومي للولايات المتحدة؟ هل يأتي الصينيون في المرتبة الثانية بعد أن اشتروا ما يقرب من 900 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية؟ يأتي بعد ذلك البريطانيون والبلجيكيون واللكسمبورجيون ودول أخرى أقرضت الأموال للولايات المتحدة من أجل تنمية الاقتصاد الأمريكي.
تتسم ميزانية الولايات المتحدة بعجز ثابت يغطيه الدين العام. في السنوات الأخيرة، ساهمت في هذا العجز عوامل كثيرة مثل الإنفاق العسكري ومكافحة الوباء وعواقب أزمتي 2008 و2020. يُعتبر عجز الميزانية وسيلة مباشرة لتراكم الدين العام، والذي تجاوز بالفعل في الوقت الحالي 136.62٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. هذا هو أعلى مستوى للدين في العالم. أثناء قراءة هذا المقال سيزداد الدين بعدة ملايين أخرى من الدولارات.
مما يتألف الدين العام ومن هم مالكوه؟ يُقسِّم مكتب الخدمات المالية في الولايات المتحدة الدين القومي إلى دين حكومي ودين عام. يتكون الدين العام بنسبة 75٪ من أذون الخزانة الصادرة على أساس قصير الأجل (مع استحقاق يصل إلى سنة واحدة)، وهذه ما تسمى أذون الخزانة. تُستخدم على نطاق واسع من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتنظيم كمية المعروض النقدي وكذلك من قبل الشركات لاستثمار «الرصيد النقدي» أي أنها أموال غير مطلوبة حاليًا ويمكن استثمارها لفترة قصيرة من أجل الحصول على الدخل. تتبع ذلك سندات الخزانة وهي سندات ملزم دفعها في مدة تتراوح بين سنة إلى خمس سنوات، وكذلك سندات الخزانة طويلة الأجل، وهي سندات ذات آجال استحقاق في مدة تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات أو أكثر. تتمتع كل هذه السندات بشعبية كبيرة، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن أيضًا في سوق رأس المال الدولي. السبب الرئيسي هو مدى موثوقيتها. في أوقات الأزمات كافة، حتى أثناء انهيار سوق الأسهم والكساد العظيم من 1929 إلى 1933، سددت حكومة الولايات المتحدة التزاماتها دائمًا.
في نظرية إدارة المحافظ الاستثمارية وتحليل المشاريع الاستثمارية، تسمى التزامات الحكومة الأمريكية: «الأصول الخالية من المخاطر»، وتصل احتمالية التخلف عن السداد أو مخاطر الائتمان إلى نسبة صفر، وهي نسبة تُستخدم لمقارنة خيارات الاستثمار الأخرى وتقييم علاوة المخاطرة عند الاستثمار في الأسهم والمشاريع الاستثمارية وشراء العقارات وما إلى ذلك.
الأصول الخالية من المخاطر هي ببساطة الأصول التي تحمل نسبة مرجعية تُقدر بصفر، وهو معيار لحساب علاوة المخاطرة التي يجب أن يتلقاها صاحب رأس المال إذا لم يستثمر في هذه الأصول واستثمر في الأصول الأكثر خطورة.
استطاعت الولايات المتحدة أن تقنع العالم كله بأن موثوقية التزامات ديونها مطلقة لأن لديها أكبر اقتصاد في العالم وناتجها المحلي الإجمالي أكبر من البلدان الأخرى، أي أنه لا يوجد أي خطر عمليًا. بمعنى آخر ستكون الولايات المتحدة قادرة في كل الأحوال على تسوية ديونها مع حاملي سندات الخزانة الخاصة، وهذا ما أعلنته لجميع حاملي الأوراق المالية. لم يصدق الجميع ذلك بالطبع. أرسلت الصين مثلا وفدًا رسميًا خلال أزمة عام 2008 من أجل الحصول على ضمانات بإعادة 1.3 تريليون دولار. قدمت واشنطن الضمانات، ومع ذلك سحبت الصين أكثر من 400 مليار دولار من السندات. كما أن الدول النفطية الخليجية تتخلص منها حاليًا.
إلا أن الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم في حاجة إلى أصول للاستثمار من أجل الحفاظ على احتياطياتها وزيادتها، وظل الطلب على هذه «الأصول الخالية من المخاطر» مستقرًا. طالما هناك طلب فلا يمكن للخزانة إلا أن تصدر ديون جديدة وتبيعها، ويحدث ذلك عادة بالمزاد.
لكن ما هو سقف هذا الدين؟ إلى أي مدى يمكنك إصدار السندات قبل أن يبدأ مستثمرون آخرون في الشك في جودة ائتمانهم؟
لا يسمح هذا السقف لحكومة لولايات المتحدة بإنفاق إضافي، بل يؤثر على القدرة على سداد الاحتياجات الحالية من خلال تغطية «الفجوات النقدية» بين إنفاق الميزانية الفيدرالية والإيرادات (أي الضرائب).
لكن الفشل في رفع سقف الديون قد يترك حاملي السندات غير واثقين من قدرتهم على خدمة وسداد ديون الحكومة الفيدرالية. بعد ذلك، كما قالت يلين «الجدة» (كما يطلق عليها التجار في جميع أنحاء العالم) - «سوف يتسبب ذلك في ضرر لا يمكن إصلاحه في الاقتصاد الأمريكي ومعيشة جميع الأمريكيين، كما سيفضي إلى عدم الاستقرار المالي العالمي».
تتشابه مخاطر السندات الحكومية بطبيعتها إلى حد بعيد مع مخاطر إصدار النقود الورقية بغير غطاء. نحن نعترف بها أيضًا كوسيلة للدفع والتسوية وأداة للادخار طالما اتفق الجميع على اعتبار هذه الأوراق أصولًا ذات قيمة جوهرية مثل النقود الذهبية أو الفضية.
هكذا هو الحال مع السندات حيث يدعم المستثمرون ائتمان ثقة المقترض (في هذه الحالة المقترض هو حكومة الولايات المتحدة) وقدرته على سداد الالتزامات عند الطلب. لكن المصداقية تُقاس من خلال التصنيف الائتماني الذي تحدده وكالات التصنيف الأمريكية الثلاثة: Standard&Poor›s - Moody›s Investor Services - Fitch. بالنسبة للالتزامات الحكومية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وعدد من البلدان الأخرى فهي الأعلى من حيث التصنيف: AAA.
لكن الألعاب السياسية حول الزيادة في سقف الديون في عام 2011 هي على وجه التحديد التي أدت إلى حقيقة أن الوكالة الأكثر موثوقية: Standard & Poor›s خفضت التصنيف الائتماني للحكومة الأمريكية إلى AAA - ، مما تسبب في حدوث صدمة في القطاع المالي. ارتفع سعر الذهب إلى ما يزيد عن 2000 دولار للأوقية وانخفض الدولار مقابل العملات الأخرى.
أُعِد مفهوم «السقف» (غطاء الدين) في عام 1917 بالانتقال من الموافقة على إصدار واحد من السندات الحكومية، كما كان الحال من قبل، إلى الموافقة على مجموعات كاملة من السندات دفعة واحدة، مما سهل تمويل الأغراض العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى. في عام 1939 قدم الكونجرس الأمريكي لأول مرة مفهوم سقف الديون لمنح الخزانة حرية إصدار السندات. في ذلك الوقت، سمح رفع السقف للحكومة بالاقتراض لتغطية الفجوة بين الإنفاق الذي وافق عليه الكونجرس بالفعل وعوائد الضرائب. استمر الأمر دون وقوع حوادث حتى عام 1953 عندما حاول مجلس الشيوخ الأمريكي تقييد الرئيس أيزنهاور من المطالبة بمزيد من الاقتراض لتمويل تشييد الطرق السريعة في البلاد. منذ ذلك الحين، رُفِع حد الاقتراض عشرات المرات لكنه صار في السنوات العشرين الماضية أداة للنضال السياسي. تمثلت الحلقة الأكثر لفتًا للانتباه في هذا النضال في تخفيض التصنيف الائتماني لسندات الخزانة الذي حدث في عام 2011. أدى ذلك أيضًا إلى خفض تصنيفات الجمهوريين وباراك أوباما حينما حاولوا الضغط من أجل سن قانون الرعاية بأسعار معقولة. وافق أوباما بعد ذلك على خفض الإنفاق بأكثر من 2 تريليون دولار على مدى 10 سنوات.
الآن تجاوزت الإدارة الأمريكية بالفعل الحد الذي حددته سابقًا والبالغ 31.4 تريليون مما يجبر وزارة الخزانة على اللجوء إلى ما يسمى: «إجراءات استثنائية»، وتتمثل هذه الإجراءات في حجب المساهمات الدورية في صندوق معاشات الموظفين الفيدراليين لاستخدامها في استرداد السندات.
بمجرد استنفاد هذه الإجراءات، يمكن تطبيق تدابير أكثر صرامة من أجل سداد ديون الدولة، وهي تدابير نوقشت بجدية بالفعل في عام 2011؛ من بينها التأخير في المدفوعات لموظفي الخدمة المدنية وخفض عددهم ووقف دفع شيكات الضمان الاجتماعي. إذا لم تُتخذ هذه الإجراءات، فلا مفر من التخلف عن السداد، ما لم يُرفع - بالطبع - حد الدين العام مرة أخرى قبل بداية شهر يونيو.
قال المتحدث باسم الرئيس بايدن: «عدم سداد الديون سيغرق البلاد في الانهيار الاقتصادي والكارثة وسيمنح منافسينا مثل الصين دفعة تاريخية».
أليس صحيحًا أن هذه القصة برمتها تشبه هرمًا ماليًا أو فقاعة مالية؟ لكن هذه علامة أكيدة على حدوث تغيير في زعامة العالم.
فلاديمير تريجوبوف اقتصادي روسي نشر كتبًا اقتصادية كثيرة ودرَّس في المدرسة العليا للاقتصاد وعدد من كليات إدارات الأعمال.
عن m.gazeta.ru