بمُنتهى الشفافية
السبت / 11 / شعبان / 1444 هـ - 20:05 - السبت 4 مارس 2023 20:05
1 - نحن لسنا في زمن «المسكنة» ولا بحاجة إلى من يُذّكرنا أننا نعيش في بلدٍ طيب وهبهُ الله خيرات كثيرة لهذا لا أجد أي مبرر لأن يكون أقصى حلم الإنسان فيه الوقوف منذ ساعات الفجر الأُولى خلف بوابة بيت أي مسؤول أو تاجر أو مُقتدر ينتظر أن تُفتح ليسلمه رسالة يطلب فيها مساعدة مادية أو وظيفة أو حاجة ما في نفسه.
مؤذٍ بحق مشهد القادمين من محافظات بعيدة وهم ينتظرون في مواقف السيارات قبل طلوع الشمس يرقبون من بعيد متى تطلُ سيارة المسؤول الفلاني ليوقفوها ويشرحون له ظروفهم وكأن هذا المسؤول يملك العصا السحرية التي يحل بها مشاكلهم أو أنه غير معني بأي التزامات أُسرية أو معيشية أو أنه مُطلق الصلاحيات يفعل ما يريد.
لا يُدرك من يترصد هذا المسؤول في ذهابه وعودته وأثناء ممارسة حياته الخاصة أنه بذلك يُصادر حريته ويُحّمله فوق ما يحتمل بل يقبلُ بتصرفه ذلك أن يضع نفسه في موقف لا يجب بأي صورة من الصور أن يكون فيه ونحن نعيش في دولة مؤسسات تحفظ كرامة الإنسان وتتبع أساليب واضحة لتقديم خدماتها له أينما تواجد وحلّ.
2 - هناك مثل شعبي عُماني بديع يقول: «العِدة بقصاص الجحش» وهو مثل يعَني أن العمل الرديء إنما جاء سيئا لأن من قام به شخص غير حقيقي لا يملك تقديم الأفضل والعمل الذي يخرج من بين يديه يتناسب تمامًا مع قدراته المحدودة فلا عتب عليه ولا لوم.
يُضرب هذا المثَل في حالات مختلفة يربط بينها جميعًا النسبة والتناسب فزواج شخص لا يملك أي رصيد من الأخلاق والقيم والمبادئ بامرأة تشترك معه في هذه السمات لا شك أن يكون هشًا مضطربًا تقود تداعياته إلى ردهات المحاكم كذلك الصداقات السامة التي لا ينتج عنها سوى الإفساد والإيذاء وتدمير الوشائج.
«العدة بقصاص الجحش» أي أن ما يُركّب على ظهر صغير الحمار من حزام للأمتعة يتناسب تمامًا مع حجمه الضئيل، يا لهم من حكماء هؤلاء العمانيين.
3 - استحالت حياتنا إلى أرقام سرية مُلَزمين بحفظها وتذكرها رقمًا تلو الآخر، أرقام سرية أينما نولّي، الكل بحاجة ماسة لهذه الأرقام وإلا تعطلت أعماله وتوقفت حياته، أرقام سرية -حبذا لو كانت مُعّقدة- لفتح الحاسوب في المكتب، للولوج إلى عالم الهاتف النقال، لفتح حقيبة السفر، لاستخدام البطاقة الشخصية المربوطة بمختلف خدمات وزارة العمل والجهات الأُخرى، لمعرفة الوارد على البريد الإلكتروني وما يستجدُ على منصات التواصل الاجتماعي، في السحب النقدي من الماكينات التي تُخصصها البنوك في المتاجر والشوارع.
أرقام سرية تطاردنا في كل مكان تنتظر أبسط زلّة لتُفسد علينا مهمات ضرورية غير قابلة للتأجيل. ورغم أن بصمة الوجه بدأت في احتلال مكانة هذه الأرقام تدريجيًا إلا أن حضورها ما زال طاغيًا، ما زال لها اليد الطُولى في تسيير حياتنا اليومية.
الذين يمتلكون قدرة حفظ جبارة غالبًا ما يلجؤون إلى أرقام متعددة لكل مهمة أما البعض من أصحاب الذاكرة الضعيفة فلا يلائمهم إلا اعتماد أرقام معروفة كرقم الهاتف أو تاريخ الميلاد من التي يصعب نسيانها.. أينما نولي تُدركنا الأرقام فبها يُقاس التفوق والفشل، الغنى والفقر، القوة والضعف، القبول والرفض.
آخر نقطة
تمضي الحياة بكل تناقضاتها أفراحها وخيباتها كما قدّر الله لها، لا يمكن للإنسان فيها مهما أوتي من سُلّطة ونفوذ ووجاهة أن يعيش إلا بقدر ما يجعله حيًا، من تتوفر له أجود مأكولات الدنيا لن يأكل فوق طاقته وإلا أصابه السقم، من يمتلك العقارات والأطيان لا يسعه النوم إلا على سرير واحد لا يتجاوز حجمه أمتار محددة. مسكين هذا الإنسان لا يعرف أنه لا يملك شيئا وإن هُيئ له.
عمر العبري كاتب عماني
مؤذٍ بحق مشهد القادمين من محافظات بعيدة وهم ينتظرون في مواقف السيارات قبل طلوع الشمس يرقبون من بعيد متى تطلُ سيارة المسؤول الفلاني ليوقفوها ويشرحون له ظروفهم وكأن هذا المسؤول يملك العصا السحرية التي يحل بها مشاكلهم أو أنه غير معني بأي التزامات أُسرية أو معيشية أو أنه مُطلق الصلاحيات يفعل ما يريد.
لا يُدرك من يترصد هذا المسؤول في ذهابه وعودته وأثناء ممارسة حياته الخاصة أنه بذلك يُصادر حريته ويُحّمله فوق ما يحتمل بل يقبلُ بتصرفه ذلك أن يضع نفسه في موقف لا يجب بأي صورة من الصور أن يكون فيه ونحن نعيش في دولة مؤسسات تحفظ كرامة الإنسان وتتبع أساليب واضحة لتقديم خدماتها له أينما تواجد وحلّ.
2 - هناك مثل شعبي عُماني بديع يقول: «العِدة بقصاص الجحش» وهو مثل يعَني أن العمل الرديء إنما جاء سيئا لأن من قام به شخص غير حقيقي لا يملك تقديم الأفضل والعمل الذي يخرج من بين يديه يتناسب تمامًا مع قدراته المحدودة فلا عتب عليه ولا لوم.
يُضرب هذا المثَل في حالات مختلفة يربط بينها جميعًا النسبة والتناسب فزواج شخص لا يملك أي رصيد من الأخلاق والقيم والمبادئ بامرأة تشترك معه في هذه السمات لا شك أن يكون هشًا مضطربًا تقود تداعياته إلى ردهات المحاكم كذلك الصداقات السامة التي لا ينتج عنها سوى الإفساد والإيذاء وتدمير الوشائج.
«العدة بقصاص الجحش» أي أن ما يُركّب على ظهر صغير الحمار من حزام للأمتعة يتناسب تمامًا مع حجمه الضئيل، يا لهم من حكماء هؤلاء العمانيين.
3 - استحالت حياتنا إلى أرقام سرية مُلَزمين بحفظها وتذكرها رقمًا تلو الآخر، أرقام سرية أينما نولّي، الكل بحاجة ماسة لهذه الأرقام وإلا تعطلت أعماله وتوقفت حياته، أرقام سرية -حبذا لو كانت مُعّقدة- لفتح الحاسوب في المكتب، للولوج إلى عالم الهاتف النقال، لفتح حقيبة السفر، لاستخدام البطاقة الشخصية المربوطة بمختلف خدمات وزارة العمل والجهات الأُخرى، لمعرفة الوارد على البريد الإلكتروني وما يستجدُ على منصات التواصل الاجتماعي، في السحب النقدي من الماكينات التي تُخصصها البنوك في المتاجر والشوارع.
أرقام سرية تطاردنا في كل مكان تنتظر أبسط زلّة لتُفسد علينا مهمات ضرورية غير قابلة للتأجيل. ورغم أن بصمة الوجه بدأت في احتلال مكانة هذه الأرقام تدريجيًا إلا أن حضورها ما زال طاغيًا، ما زال لها اليد الطُولى في تسيير حياتنا اليومية.
الذين يمتلكون قدرة حفظ جبارة غالبًا ما يلجؤون إلى أرقام متعددة لكل مهمة أما البعض من أصحاب الذاكرة الضعيفة فلا يلائمهم إلا اعتماد أرقام معروفة كرقم الهاتف أو تاريخ الميلاد من التي يصعب نسيانها.. أينما نولي تُدركنا الأرقام فبها يُقاس التفوق والفشل، الغنى والفقر، القوة والضعف، القبول والرفض.
آخر نقطة
تمضي الحياة بكل تناقضاتها أفراحها وخيباتها كما قدّر الله لها، لا يمكن للإنسان فيها مهما أوتي من سُلّطة ونفوذ ووجاهة أن يعيش إلا بقدر ما يجعله حيًا، من تتوفر له أجود مأكولات الدنيا لن يأكل فوق طاقته وإلا أصابه السقم، من يمتلك العقارات والأطيان لا يسعه النوم إلا على سرير واحد لا يتجاوز حجمه أمتار محددة. مسكين هذا الإنسان لا يعرف أنه لا يملك شيئا وإن هُيئ له.
عمر العبري كاتب عماني