أعمدة

«بقولكم قصة» معرض الكتاب

في كل مرة أزور فيها معرض الكتاب يلفت انتباهي حدث ما، كان الحدث الأبرز صباح أمس «بقولكم قصة»، بدأت القصة بصرخات مدوية لإحدى طالبات المدارس، بدا لي أنها حصلت على كنز ثمين، لم أستطع إلا أن أتوجه إليها بالسؤال والدهشة تملأ ذهني، وإذا بكتاب ذي غلاف أسود اللون يحمل عنوان «بقولكم قصة» بين يديها، والدموع تملأ عينيها، فهمت المغزى وبادرتها بالسؤال من هو هذا «فارس عاشور؟»، قالت بلهفة وتنهدات متسارعة «يوتيوبر مشهور»، حصلت على توقيعه ووثقت اللحظة بصورة، شعرت أنها الصورة التي ستعلق في جدار غرفتها، قالت لي بعزم: «اشتريت الكتاب بـ5 ريالات ولو كان بـ10 لأخذته أيضا».

ضحكت حينها على ما يفكر به هذا الجيل، ومضيت في طريقي، أذهلني أن الأعداد الغفيرة من الطالبات تكاد ألا تمر واحدة إلا وفي حوزتها الكتاب ذاته، صرت أوزع نظري يمينا وشمالا لأرى أن الكتاب ذا الغلاف الأسود تحتضنه معظم الطالبات بحرص بين أيديهن، وكذا حال الأكياس التي يحملنها، هناك الغلاف ذاته، وصرت أقرأ عنوان «بقولكم قصة» في كل التفاتة لي.

لم أستطع أن أرحل من المعرض قبل أن أذهب لأرى وجه «عاشور»، وجدته في قاعة يحرسها عدد كبير من الأشخاص، وعدد من المنظمين، الجميع ينظم الطابور فقط، كل الجمهور من الطالبات، تقدم نسختها وتخبره باسمها، وتراقبه يتلفظ ذاك الاسم بحماس، وتلتقط صورة سيلفي برفقته، بعضهن ترحل من أمامه والدموع تملأ وجهها، والأخرى تلهث فرحا، لحظتها ضحكت كثيرا» ولكني ما إن رحلت من هناك حتى أنني كنت أشفق على هذا الجيل، لست ضد ما يختاره الشخص من عنوان كتاب، ولا اهتمامه بمجال معين، كل مرحلة عمرية ولها اهتماماتها، ولكن هل يقدم «اليوتيوبر» مجالا علميا أو ثقافيا من خلال كتاب؟! وهل تشتري الطالبات الكتاب للاستفادة أم لالتقاط صورة برفقته، والتفاخر أمام زميلاتهن بالحصول على نسخة وتوقيع المشهور، أم لنشر هذا وذاك عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع «منشن لعاشور»؟.

أردت أن أمسك نسخة من هذا الكتاب وتوجهت لدار النشر، وجدت الأعداد هناك غفيرة، ووضعت حواجز للزوار حتى يتسنى للكل الحصول على الكتب، سألت البائع عن مبيعاتهم، قال عالية جدا.. «بقولكم قصة» و«إنه الله» في كفة واحدة يتنافسان لتصدر نسبة المبيعات، أمسكت نسخة من «بقولكم قصة» شعرت بالكآبة من الورق الأسود المستخدم، أغلقته قبل أن أقرأ كلمة، عدت للبائع أسأله عما إذا كان اليوم كل هذا التجمع لأن المؤلف موجود، فقال: إن المؤلف ليس في ركن دار النشر وإنما في قاعة مختلفة، وهذا التزاحم بشكل يومي على الكتاب بغض النظر عن وجود المؤلف، اكتشفت أن التوقيع والصورة ليست هي الجاذب، اسم المؤلف في حد ذاته كافٍ، هذه هي الشهرة يا سادة، وهذا هو شغف هذا الجيل.