أعمدة

الاختلاف في الرأي يفسد للود قضية

عبـدالله الشـعيلي -01
 
عبـدالله الشـعيلي -01
ما أكثر من فسدت علاقاتهم بسبب اختلاف في الرأي أو تعصب في تبنّي رأي على آخر أو الاستماتة في الدفاع عن رأي وتبنّيه باعتباره حقيقة واضحة ورأيا لا يحتمل الخطأ في حين أن رأي الآخر خطأ ولا يحتمل الصواب، نرى كثيرا من هذه الاختلافات التي أفسدت الود في كل مناحي حياتنا اليومية في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الرياضية، فما إن يختلف فريقان حتى تنشأ الخصومة ويبدأ التنازع بين الطرفين.

كثير من الحروب شُنّت بسبب اختلاف في الرأي وكثير من البغضاء نشأت بسبب عدم فهم الرأي الآخر وكثير من الحماقات ارتُكبت بسبب تعنّت في الرأي وإصرار عليه وكثير من الدماء أُزهِقت بسبب أن رأيا شاذا أفسد للود قضية وكثير من الأجيال دفعت أثمانا باهظة بسبب أن «رأيي صواب ولا يحتمل الخطأ ورأيك قد يكون صوابا ولكنه خطأ».

خيط واضح وفاصل في التفريق والتمييز بين ما هو شخصي وما هو موضوعي في الآراء؛ فالموضوعي -كما تدل عليه العبارة- هو ما يتعلق بالموضوع ذاته، كما هو عليه، مجردا من دون أن يدخل عليه رأي شخصي أو تضاف إليه بعض السمات التي تخرجه من موضوعيته، في حين أن الشخصي هو كل ما يحمل وجهة نظر صاحبه ويعبّر عنها من دون أن تقود وجهة النظر هذه لأي خلاف أو شقاق.

هذا ما يفترض أن يكون عليه الحوار السليم بين المتحاورين وهو ذاته ما نُسب إلى الإمام الشافعي بقوله «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» فبهذه المقولة رسمت خريطة طريق ناجح للحوار بين الناس ولو طبِّقت لكانت الحياة أجمل والقلوب أصفى والاختلاف متقبلا وكل الآراء وإن اختلفت فهي شخصية أو علمية لا يجب أن يتم تحميلها أكثر مما تحتمل.

في مهنتنا الصحفية كما في كل المهن كما أجزم هنالك فارق واضح لا لبس فيه بين ما يمكن أن يبقى شخصيا وبين ما هو موضوعي فكل لون من ألوان الطيف الصحفي له مميزاته وخصائصه التي تختلف عن الآخر ولهذا مُيِّزت الأعمدة والمقالات والآراء الشخصية بأنها تحمل رأي صاحبها لا رأي الوسيلة أو المؤسسة التي تنشر تلك الكتابات، في حين أن باقي الفنون الإعلامية والصحفية لا يجب عليها أن تزج بنفسها في دهاليز الآراء الشخصية لكاتبها ومحررها.

كثُر الاختلاف بين البشر بسبب اختلافهم في آرائهم ولم يعد كل طرف متقبلا للطرف الآخر أو تقبّل آرائه، ولعلي أرى أن الوسائل الكثيرة للتعبير عن الرأي في هذا العصر هي مما فاقم تلك الاختلافات، فعندما كانت قنوات التعبير عن الرأي قليلة كانت النفوس أرحب في تقبُّل اختلاف الآراء وتنوعها وعندما كثرت منصات التعبير عن الآراء زادت الشخصنة وزاد معها الجفاء والشقاق والخلاف حتى بين أفراد الأسرة الصغيرة.

قد نكون بحاجة إلى العودة إلى ذواتنا وفهم أنفسنا قبل فهم الآخر وعدم الدخول في جدليات كثيرة مع الآخر لا تقدم ولا تؤخر بل قد تكون تلك الجدليات والاختلافات بمثابة الأمراض التي تستشري بين أفراد المجتمع، وكما سمعت مقولة لطبيب يقول فيها إن أفضل طريقة لعيش حياة طويلة هي بترك الجدل والاختلافات مع الآخر خصوصا إن كان ذا عصبية مفرطة، وكما قيل إن من سمات الخلق الجيد «أن تترك المراء وإن كنت محقا».