عالَمُ انتهازي
السبت / 4 / شعبان / 1444 هـ - 20:01 - السبت 25 فبراير 2023 20:01
لمحت الرجل محاطًا بثلاثة يبدو أنهم مستثمرون من الخارج يرتدون «بدلات» ألوانها هادئة رُكبت عليها ربطات عُنق «كارافتات» أنيقة .. ظهروا بتسريحات شعر متباينة وهم يتحلقون حول طاولة دائرية بمقهى يسكن ركنًا من أركان المجمع التجاري .. بلَغت مسمعي طقطقة مغاليق الحقائب السود وهي تُفتح في توقيت واحد .. عاجلني النظر لرؤيتهم يُلقون أوراقهم وأقلامهم أيهم يدفع بالمستندات لتحظى بالتوقيع أولًا .
أخرج أحدهم قداحته وأشعل للرجل الواثق والمُسترخي على كرسيه بزهوٍ سيجارته ثم بلا أي مقدمات : «كل شيء جاهز وما باقي إلا توقيع حضرتك وتحويل المبلغ عشان نبدأ المشروع .. أي تأخير يا باشا ما من صالحنا في هالتوقيت».
رشف الرجل جرعة من كوب القهوة الذي أمامه ونفث موجة من دخان سيجارته في الهواء بمتعة .. تناول الورقة الأولى وأخذ يرمق ما جاء فيها من بنود وكأنه يراجعها على عجل .. تصفح ثانية .. ثالثة .. رابعة ثم أمسك بقلمه «الباركر» ووضع توقيعه على كل الأوراق التي أمامه بسرعة وسط متابعة صارمة وقلِقة من الرجال الثلاثة الذين بدوا بعد التوقيع وكأنهم تنفسوا الصعداء .
اجتاحتني وأنا أرى مشهد الرجل وكأنه بين فكي كماشة مشاعر شتى متباينة جاءت بين الإحساس بالتعاطف معه والشفقة والخوف أو ربما بالمشاركة في هذه الجريمة العلنية رغم أنني لا أملك دليلًا ولو ضعيفًا يُدين أحدا .. لم أتمكن حينها من تحديد ما كنت أُحسه لكنه لم يخرج عن إطار أنه شعور صادق بالغيرة على ابن وطني الذي انجر إلى هذا الأمر المُعد بمهارة دون وعي .
لحظتها تذكرت ضحايا مثل هذه المغامرات غير المحسوبة النتائج التي أعرفها ومن يقبعون الآن في السجون بسبب تراكم الديون أو بسبب الأحكام المُنتظرة بالسجن نتيجة مطالبات ترتبت على دخولهم في شراكات لا تقف على أرضية قانونية .
لم يطل صبري أكثر من ذلك فبعد أن ذهب الرجال الذين حرصوا على الانصراف سريعًا بعد التوقيع ربما لإكمال ما يجب إكماله اقتربت من الرجل .. سلمت عليه .. عرّفته على نفسي .. كان رجلا ودودًا غاية في البساطة لا يكترث كثيرًا للتفاصيل الصغيرة . قال إنه يأمل أن يحقق له مشروع جلب وتخزين الأسماك وبيعها في السوق الخليجية الذي وقع أوراقه قبل قليل أرباحًا طائلة، فرأس المال الذي هيأه له ليس بالهّين صحيح أن 70 بالمائة منه ممول من البنك التجاري لكنّ أرباحه مضمونة «بحسب اعتقاده».
سألته عن دراسة الجدوى التي قام بإعدادها للمشروع ومدى مأمونية التعامل مع الأشخاص الذين كانوا معه قبل قليل وكيف وضع كل ثقته فيهم؟ أجاب بالعموم : لا ضرورة لأي دراسات للجدوى والإخوة من طرف صديق نزيه أعرفه عِز المعرفة وقد أكد لي في أكثر من مناسبة أن لأولئك المستثمرين «الذين لا يعرف غير أسمائهم» تجارب استثمار دولية ناجحة .
تجمد الحوار بيننا للحظات .. لم أشأ حينها أن أطلب منه بصورة مباشرة الرجوع عن فكرة المشروع إذا كان ذلك مُتاحًا لأنه سلّمهم الجمَل بما حمل .. لم أكن في موقف يسمح لي بأن أناشده التصرف سريعًا قبل أن يسقط « الفأس على الرأس » فمعرفتي به محدودة ووليدة ساعتها لكنني سألت الله من كل قلبي أن يكون حدسي خاطئا وهو على صواب وأن يكون المستثمرون الذين توجستُ منهم خيفة للحظة الأُولى عند حُسن ظنه بهم .
مكالمات لا تنقطع كانت تنهال على هاتف الرجل الدمث الخُلق، علّق على إحداها وهو يقهقه قائلًا : «مساكين مستعجلين على الاستثمار» استأذنته بالانصراف .. سألت الله له السلامة مما يدور في ذهني .. طلبت منه رقم هاتفه ووعدني بلقاءات قادمة أتمنى من كل قلبي أن تتحقق في يومِ ما وألا يُنكَب في مال حلال ولا في إنسان انتهازي أو حُسن ظنٍ بشخوص لا ذمة لهم عند الله ولا عهد .
آخر نقطة ..
الانتهازي إنسان بائس بالغ الضعف والهشاشة فقير الملَكات والجودة وسيلته لبلوغ أهدافه الابتزاز واستغلال من حوله .. في قرارة نفسه يعلم جيدًا أنه فارغ ُ لا يقوى على الوقوف إلا بالحيلة وبحبل من الناس .
أخرج أحدهم قداحته وأشعل للرجل الواثق والمُسترخي على كرسيه بزهوٍ سيجارته ثم بلا أي مقدمات : «كل شيء جاهز وما باقي إلا توقيع حضرتك وتحويل المبلغ عشان نبدأ المشروع .. أي تأخير يا باشا ما من صالحنا في هالتوقيت».
رشف الرجل جرعة من كوب القهوة الذي أمامه ونفث موجة من دخان سيجارته في الهواء بمتعة .. تناول الورقة الأولى وأخذ يرمق ما جاء فيها من بنود وكأنه يراجعها على عجل .. تصفح ثانية .. ثالثة .. رابعة ثم أمسك بقلمه «الباركر» ووضع توقيعه على كل الأوراق التي أمامه بسرعة وسط متابعة صارمة وقلِقة من الرجال الثلاثة الذين بدوا بعد التوقيع وكأنهم تنفسوا الصعداء .
اجتاحتني وأنا أرى مشهد الرجل وكأنه بين فكي كماشة مشاعر شتى متباينة جاءت بين الإحساس بالتعاطف معه والشفقة والخوف أو ربما بالمشاركة في هذه الجريمة العلنية رغم أنني لا أملك دليلًا ولو ضعيفًا يُدين أحدا .. لم أتمكن حينها من تحديد ما كنت أُحسه لكنه لم يخرج عن إطار أنه شعور صادق بالغيرة على ابن وطني الذي انجر إلى هذا الأمر المُعد بمهارة دون وعي .
لحظتها تذكرت ضحايا مثل هذه المغامرات غير المحسوبة النتائج التي أعرفها ومن يقبعون الآن في السجون بسبب تراكم الديون أو بسبب الأحكام المُنتظرة بالسجن نتيجة مطالبات ترتبت على دخولهم في شراكات لا تقف على أرضية قانونية .
لم يطل صبري أكثر من ذلك فبعد أن ذهب الرجال الذين حرصوا على الانصراف سريعًا بعد التوقيع ربما لإكمال ما يجب إكماله اقتربت من الرجل .. سلمت عليه .. عرّفته على نفسي .. كان رجلا ودودًا غاية في البساطة لا يكترث كثيرًا للتفاصيل الصغيرة . قال إنه يأمل أن يحقق له مشروع جلب وتخزين الأسماك وبيعها في السوق الخليجية الذي وقع أوراقه قبل قليل أرباحًا طائلة، فرأس المال الذي هيأه له ليس بالهّين صحيح أن 70 بالمائة منه ممول من البنك التجاري لكنّ أرباحه مضمونة «بحسب اعتقاده».
سألته عن دراسة الجدوى التي قام بإعدادها للمشروع ومدى مأمونية التعامل مع الأشخاص الذين كانوا معه قبل قليل وكيف وضع كل ثقته فيهم؟ أجاب بالعموم : لا ضرورة لأي دراسات للجدوى والإخوة من طرف صديق نزيه أعرفه عِز المعرفة وقد أكد لي في أكثر من مناسبة أن لأولئك المستثمرين «الذين لا يعرف غير أسمائهم» تجارب استثمار دولية ناجحة .
تجمد الحوار بيننا للحظات .. لم أشأ حينها أن أطلب منه بصورة مباشرة الرجوع عن فكرة المشروع إذا كان ذلك مُتاحًا لأنه سلّمهم الجمَل بما حمل .. لم أكن في موقف يسمح لي بأن أناشده التصرف سريعًا قبل أن يسقط « الفأس على الرأس » فمعرفتي به محدودة ووليدة ساعتها لكنني سألت الله من كل قلبي أن يكون حدسي خاطئا وهو على صواب وأن يكون المستثمرون الذين توجستُ منهم خيفة للحظة الأُولى عند حُسن ظنه بهم .
مكالمات لا تنقطع كانت تنهال على هاتف الرجل الدمث الخُلق، علّق على إحداها وهو يقهقه قائلًا : «مساكين مستعجلين على الاستثمار» استأذنته بالانصراف .. سألت الله له السلامة مما يدور في ذهني .. طلبت منه رقم هاتفه ووعدني بلقاءات قادمة أتمنى من كل قلبي أن تتحقق في يومِ ما وألا يُنكَب في مال حلال ولا في إنسان انتهازي أو حُسن ظنٍ بشخوص لا ذمة لهم عند الله ولا عهد .
آخر نقطة ..
الانتهازي إنسان بائس بالغ الضعف والهشاشة فقير الملَكات والجودة وسيلته لبلوغ أهدافه الابتزاز واستغلال من حوله .. في قرارة نفسه يعلم جيدًا أنه فارغ ُ لا يقوى على الوقوف إلا بالحيلة وبحبل من الناس .