أفكار وآراء

تَوَتُّر في التحالف الأمريكي الإسرائيلي

ترجمة قاسم مكي -

العلاقة الأمريكية الإسرائيلية تتوتَّر. في الأسابيع الأخيرة حسبما جاء في الأخبار اصطدمت إدارة بايدن والحكومة اليمينية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول عدد من القضايا من بينها خطط نتنياهو لتعديل النظام القضائي ومساعيه لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية.

لكن العلاقة المتوترة لا تقتصر فقط على الخلافات حول السياسات. إنها شقاق أيديولوجي لا يمكن تجنبه بين الديمقراطيين الأمريكيين وإسرائيل التي تتنامى نزعتها المحافظة. وهو خلاف سيحدث تحولا جذريا في تحالفٍ دَامَ لِعُقود.

إسرائيل في بدايتها كان يهيمن عليها اليهود الاشكناز العلمانيون الذين هاجروا من أوروبا الغربية. وكانوا في أغلبهم يميلون إلى اليسار. لذلك بعد إعلانها «دولة» في عام 1948 ظل يحكمها على مدى عقود حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في ائتلاف مع أحزاب يسارية أخرى أصغر.

تغير ذلك مع هجرة المزيد من اليهود المزراحيم (الشرقيين) من شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وذلك ما قاد إلى الفوز الصادم لحزب يمين الوسط الليكود في عام 1977. السمات الغالبة عند هؤلاء أنهم أكثر تدينا وتشددا ونزوعا قوميا من اشكناز يسار الوسط.

التحولات الديموغرافية منذ ذلك الوقت دفعت السياسة الإسرائيلية أكثر وأكثر نحو اليمين. فقد جلبت الهجرة الواسعة من الاتحاد السوفييتي يهودا علمانيين لهم ميول يمينية ويميلون إلى تأييد الليكود أو حزب المهاجرين الروس يسرائيل بيتونو. كما كانت الهجرات من البلدان الأخرى تأتي في الغالب بيهود يريدون الاستيطان في الضفة الغربية التي ينعتونها باسمَين توراتيَين هما «يهوذا والسامرة». وهؤلاء الناخبون كثيرا ما يساندون أحزابا إلى اليمين من الليكود.

معدلات المواليد المرتفعة وسط اليهود المتزمتين تحسم تفوّق اليمين الديني في القوة السياسية. لدى النساء اليهوديات العلمانيات الآن حوالي اثنين من الأبناء في المتوسط. وهذا معدل أعلى قليلا من معدلات الخصوبة في الولايات المتحدة. لكن النساء اليهوديات المتدينات لديهن في المتوسط أربعة أبناء. أما الحريديم المتزمتات فلديهن ستة أبناء. هذا يفسر لماذا أن الحريديم يشكلون 13% فقط من سكان إسرائيل اليوم في حين يمثل أطفال الحريديم 24% من عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات. هذا يعني أن نفوذ اليمين الديني سيزداد حتما في الانتخابات القادمة.

يوثِّق الأكاديمي الإسرائيلي دان بن ديفيد لهذا الصعود الحتمي ويشير إلى أن الناخبين الحريديم يذهبون إلى صناديق الاقتراع بمعدلات عالية ويصوتون بالإجماع للأحزاب الحريدية. حصلت هذه الأحزاب وهي يهدوت هتوراة (يهودية التوراة المتحدة) وحراس التوراة الشرقيون (شاس) على 14% من الأصوات في انتخابات العام الماضي. ومن المرجح أن يتجاوز إجمالي هذه الأصوات 20% عندما يبلغ مواليد الحريديم سن الثامنة عشرة في عام 2040.

كما يشهد اليمين غير الحريدي والمؤيد للمستوطنات نموا أيضا. فحزبه الرئيسي وهو الحزب الصهيوني الديني فاز بما يقرب من 11% من الأصوات. لكن هذا يقلل من تقدير الدور الذي تؤديه ميول ورغبات المستوطنين على اليمين. فالمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية منحت 81.6% من أصواتها للأحزاب التي تؤيد نتنياهو. لقد فاز حزبه الليكود بحصة مهمة من الأصوات. لكن من الواضح أنه سيخسر إذا ساند موقف بايدن حول الحد من نمو المستوطنات. ونتنياهو لا يمكنه التخلي عن قاعدته.

تعني هذه الحقائق أن السياسة الإسرائيلية التي يفضلها الديمقراطيون (حكومات يسار وسط يهيمن عليها سكان منطقة تل أبيب الليبراليون) لم تعد ممكنة. مثل هذه الحكومة صارت أساسا غير ممكنة لأنها ستتطلب تأييد أي أحد من اليسار والأحزاب العربية المنحازة للفلسطينيين في القائمة المشتركة والأحزاب ذات الميول اليمينية مثل حزب يسرائيل بيتونو. إلى ذلك حصة الائتلاف من الأصوات ستتراجع حتما مع تزايد أعداد سكان المستوطنات والحريديم.

هذه الجماعات لا تريد أن يكبح اليساريون تطلعاتها السياسية. وذلك هو السبب في أن إصلاح القضاء يشكل جزءا لا يتجزأ من البرنامج الانتخابي لحكومة نتنياهو. نادرا ما تلغي المحكمة العليا الإسرائيلية قانونا. لكن عندما تفعل يكون ذلك دائما تقريبا من منظور يسار الوسط.

سيغير مشروع الإصلاح ذلك بمنح الحكومة المزيد من السلطة في اختيار أعضاء المحكمة والحد من سلطتها في إلغاء القوانين التي يجيزها الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). انتقد بايدن مشروع هذا القانون لكن نتنياهو لا يستطيع التخلي عنه بدون تفتيت الائتلاف.

هذه الضغوطات ستتزايد. يريد ناخبو اليمين ما سيبدو للعديد من الأمريكيين امتيازات خاصة لمجتمعاتهم الدينية مثل الإعفاءات من التجنيد العسكري العام (للإسرائيليين اليهود) ودعومات مالية واسعة للحريديم. إنهم يعلنون دون حياء رغبتهم في السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية. ويريدون اتباع سياسة متشددة تجاه إيران لا تسمح بأية تسوية. نتنياهو سيترك السياسة في نهاية المطاف. لكن هذه الضغوطات والأصوات السياسية ستبقى. في الغالب لن ترى الإدارات الجمهورية في الولايات المتحدة مشكلة في ذلك. فهي سترى في الكتلة اليمينية الدينية في إسرائيل صورة مِرآوية (منعكسة) لها بما في ذلك العداء المستحكم الذي تواجهه من المؤسسات النخبوية في إسرائيل. لكن بالتأكيد ستظل الإدارات الديمقراطية مرتاعة مما يحدث في إسرائيل.

وسيكون عليها الاختيار بين مبادئ يسار الوسط التي تعتنقها ومواصلة التحالف القوي تاريخيا بين الولايات المتحدة وإسرائيل. بالنظر إلى أن الديمقراطيين الليبراليين يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين فإن الحفاظ على هذا التحالف سيزداد صعوبة باطراد لأي رئيس ديمقراطي.

وقبل وقت لن يطول يمكن أن يصبح إجماع الحزبين الذي طال أمده على تأييد إسرائيل في الولايات المتحدة شيئا من الماضي.

هنري اولسِن زميل أول بمركز الأخلاق والسياسات العامة وكاتب رأي بواشنطن بوست.

عن واشنطن بوست